عن معاوية بن قُرَّة قال: كنتُ مع مَعْقِل الْمُزَني فأَمَاطَ أذىً عن الطريق، فرأيتُ شيئًا فَبادَرتُه، فقال: ما حملك على ما صنعتَ يا ابن أخي؟ قال: رأيتُك تصنع شيئًا فصنَعتُهُ، قال: أحسنتَ يا ابن أخي، سمعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَن أمَاط أذىً عن طريق المسلمين كُتِب له حَسنة، ومن تُقُبِّلَت له حَسنة دخل الجنة».
رواه البخاري في الأدب المفرد برقم: (593)، والطبراني في الكبير برقم: (502).
صحيح الجامع برقم: (6098)، سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم: (2305).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أَمَاطَ»:
الإِمَاطَةُ: الْإِزَالَة والتَّنْحِيَة، وإِمَاطَةُ الْأَذَى إِزَالَته وإبْعَاده. تفسير غريب ما في الصحيحين (ص: 261).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
«إِمَاطَة» أَي: تَنْحِيَتُه، يُقال: مِطْتُ الشَّيء وأَمَطْتُه، وقيل: مِطْتُ أَنَا، وأَمَطْتُ غَيْري. النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 380).
«فَبَادَرْتُهُ»:
بادَرْتُ إلى الشيء: أسْرَعْتُ إليه، وسَبَقْتُ إليه. الصحاح تاج اللغة (2/ 586)، ومرقاة المفاتيح (3/ 869).
شرح الحديث
قوله: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَن أَماط أذىً»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
كَشَوْكٍ وحَجرٍ..؛ فإن ذلك مِن شُعب الإيمان. التيسير شرح الجامع الصغير(1/170)
وقال العراقي -رحمه الله-:
المراد بإماطة الأذى عن الطريق: إزالة ما يؤذي المارَّة من حَجَرٍ أو شَوك، وكذا قطع الأحجار من الأماكن الْوَعِرَةِ كما يُفْعَلُ في طريق، وكذا كَنْسُ الطريق من التراب الذي يَتَأَذَّى به المارُّ، وَرَدْمُ ما فيه من حُفرة، أو وَهْدَة، وقطعُ شجرة تكون في الطريق.
وفي معناه: توسيع الطُّرق التي تضيق على المارَّة، وإقامة من يبيع أو يشتري في وسط الطُّرق العامة، كمحلِّ السعي بين الصفا والمروة ونحو ذلك، فكله من باب إماطة الأذى عن الطريق.
ومِن ذلك ما يرتفع إلى درجة الوجوب، كالبئر التي في وسط الطريق، التي يُخشى أن يسقط فيها الأعمى والصغير والدابَّة؛ فإنه يجب طمُّها، أو التَّحويط عليها إن لم يضر ذلك بالمارَّة والله أعلم. طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 304).
قوله: «عن طريق المسلمين»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
دفعًا لأذاهُ عنهم، وهو من شُعب الإيمان، وأنه أدناها، والأمر للندب، وفيه فضيلة ذلك، وبيان قُبح من وضع الأذى في طرقهم.التنوير شرح الجامع الصغير(10/500)
وقال المناوي -رحمه الله-:
ويظهر أنّ المراد الطريق المسلوك لا المهجور. فيض القدير (6/ 87).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«عن طريق المسلمين» خرج على الغالب، وإلا فهو يَعُمُّ غيرهم، والأمر هنا للندب.التنوير شرح الجامع الصغير(2/475)
وقال المناوي -رحمه الله-:
وخرج بطريق المسلمين: طريق أهل الحرب ونحوهم، فلا يُندب عزْلُ الأذى عنها، بل يُندب وضعه فيها، ويظهر أنه يَلحق بهم طريق القُطَّاع وإن كانوا مسلمين، حيث اختصت بهم، وقد يشمل الأذى قُطَّاع الطريق والظَلَمة، لكن ذلك ليس إلا للإمام والحكام.فيض القدير (1/560).
قوله: «كُتِب له حسنة»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
وهذا يقتضي أنّ من وضع في طريقهم ما يؤذيهم كُتبت عليه سيئة. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 146).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
وفيه: إِثم مَن وضع الأَذى في طريقهم كما يفعله الناس في الكنّاسات ورميها إلى الطريق، والتّبرز فيها، وغير ذلك سيما الأمصار الواسعة.التنوير شرح الجامع الصغير(10/238).
قوله: «ومن تُقُبِّلَت له حسنة دخل الجنة»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
وكأنها لا تُكتب إلا وقد تُقُبِّلَت. التنوير شرح الجامع الصغير(10/ 145).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«دخل الجنة» أي: مع السابقين الأولين، أو من غير سَبْق عذاب. فيض القدير(6/ 87).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«دخل الجنة» أي: بغير عذاب، أو مع السابقين؛ إذ القبول والدخول بفضل رحمته تعالى، فلا مانع من أن يحصل ذلك لمن ارتكب كبائر، فلا إشكال. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 276).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وهذا الحديث: دليل على أنَّ مَن أَزال عن المسلمين الأذى فله هذا الثواب العظيم في أمر حسيٍّ، فكيف بالأمر المعنوي؟!
هناك بعض الناس -والعياذ بالله- أهل شَرٍّ وبلاء، وأفكار خبيثة، وأخلاق سيئة، يصدُّون الناس عن دِين الله، فإِزالة هؤلاء عن طريق المسلمين أفضل بكثير، وأعظم أجرًا عند الله.
فإذا أُزِيل أذى هؤلاء، إذا كانوا أصحاب أفكار خبيثة سيئة إلْحَادِية، يُرَدُّ عليها، وتَبْطُل أفكارهم. شرح رياض الصالحين (2/ 175-176).
وقال الشيخ حسين بن عودة العوايشة -حفظه الله-:
«ومن تُقُبِّلَت له حسنة دخل الجنة» كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} المائدة: 27، فمن كان من المتقين دخل الجنة.
فائدة: كأن المصنف (البخاري) في جعْله هذا الحديث تحت (باب البغي) يقول: من أماطَ أذىً عن طريق المسلمين كُتب له حسنة، فكيف بمن يضع الأذى في طريقهم، والهموم في قلوبهم، والطعن في أعراضهم؟ فإنَّ هذا لَهُو عين البَغْيِ.
وكما أن جزاء من أَماط الأذى دخول الجنة، فجزاء من وضعه النار، أكان هذا الأذى ماديًّا أم معنويًّا، والله أعلم. شرح صحيح الأدب المفرد (2/239-240).
وقال الشيخ حسين بن عودة العوايشة -حفظه الله- أيضًا:
فيه التعليم بالتَّأَسِّي والاقتداء. شرح صحيح الأدب المفرد للعوايشة (2/239).
وقال الشيخ حسين بن عودة العوايشة -حفظه الله- أيضًا:
فيه القول للمُحسن: أحْسَنت؛ حفزًا له على الاستمرار في الخير. شرح صحيح الأدب المفرد للعوايشة (2/239).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)