الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«لا يمشي أحدُكُم في نَعْلٍ واحدةٍ، لِيُحْفِهِمَا جميعًا، أو لِيُنْعِلْهُمَا جميعًا».


رواه البخاري برقم: (5856) واللفظ له، ومسلم برقم: (2097)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌‌‌نَعْلٍ»:
النعل: ‌مؤنثة، وهي الحذاء. شمس العلوم، للحميري (10/ 6659).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
يقال: نَعَلْتُ وانتعلتُ إذا لبستُ النعل. التوضيح لشرح الجامع الصحيح، لابن الملقن (28/ 40).

«‌لِيُحْفِهِمَا»:
أي: ليجردهما (الرِّجْلَيْنِ من النَّعْلِ)، يقال: حفي يحفي أي: يمشي بلا خُف ونعل. عمدة القاري، للعيني (22/ 26).
والحفاء ممدود: أن يمشي الرَّجُل بغير نعل. تهذيب اللغة، للأزهري (5/ 167).
أي: ليمشِ حافي الرِّجْلين. النهاية، لابن الأثير (1/ 410).


شرح الحديث


قوله: «‌لا ‌يمشي ‌‌أَحَدُكُمْ ‌في ‌‌نَعْلٍ ‌واحدة»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌لا يمشي أحدكم» نفي بمعنى النهي للتنزيه، وفي الشمائل: «‌لا يمشين أحدكم في نعل واحدة»، وفي رواية للشمائل: «‌واحد» بالتذكير لتأويل النعل بالملبوس. مرقاة المفاتيح (7/ 2810).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «‌لا يمشي أحدُكم في نعلٍ واحدةٍ» حقُّه: لا يمشِ، بحذف الياء؛ لأنه نهيٌ، ولعل كتابة الياء من النسَّاخين. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 35).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
هذا خطاب لمن انقطع شسْعُ أحد نعليه، كما سيأتي في الحديث بعده، فنهاه نهي تأديب أن يمشي في نعل واحدة؛ لأن ذلك من باب التشويه والْمُثلة؛ ومخالف لزي أهل الوقار؛ ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى، لا سيما في القبقاب (النعل من خشب) والتاسومة (نوع من النعال) المرتفعة فتغيِّر مشيه، وربما كان سببًا للعِثَارِ (الكبو والسقوط)، وليس من المواساة إكرام إحدى الرَّجْلين بالنعل دون الأخرى. شرح سنن أبي داود (16/ 430).
وقال ابن حجر رحمه الله-:
والتقييد بقوله: «‌لا يمشِ» (رواية مسلم) قد يتمسك به من أجاز الوقوف بنعل واحدة إذا عرض للنعل ما يحتاج إلى إصلاحها.
وقد اختلف في ذلك، فنَقل عياض عن مالك أنه قال: يخلع الأخرى، ويقف إذا كان في أرض حارة أو نحوها مما يضر فيه المشي فيه، حتى يصلحها، أو يمشي حافيًا إن لم يكن ذلك. قال ابن عبد البر: هذا هو الصحيح في الفتوى، وفي الأثر، وعليه العلماء.
ولم يتعرض لصورة الجلوس، والذي يظهر جوازها؛ بناءً على أن العلة في النهي ما تقدم ذكره، إلا ما ذُكر من إرادة العدل بين الجوارح، فإنه يتناول هذه الصورة أيضًا. فتح الباري (10/ 310-311).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقد اختلف العلماء في هذا، واختلف المذهب عندنا (المالكية) في ذلك: هل يقف حتى يصلحها أو يمشي أثناء ما يصلحها؟ ومنع من ذلك مالك، وإن كان في أرض حارة، وقال: ليخلعهما معًا، ولا يخلع الأخرى إذا كان المشي اليسير، أو يخلعهما حتى يصلح الأخرى، ولا يقف منتعلًا بها، ولا يخلعها إلا أن يكون الوقوف الخفيف، والاستحباب خلعها حتى يصلحها عندهم. إكمال المعلم (6/ 617).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
عن محمد بن سيرين قال: كانوا يكرهون أن يمشي الرَّجُل في النعل الواحدة، ويقولون: ولا خطوة، وقد ذكر عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك: أنه سُئل عن الذي ينقطع شسع نعله وهو في أرض حارة هل يمشي في الأخرى حتى يصلحها؟ قال: لا، ولكن ليخلعهما جميعًا، أو ليقف.
قال أبو عمر (ابن عبد البر): هذا هو الصحيح من الفتوى، وهو الصحيح في الأثر، وعليه العلماء. التمهيد (18/ 180).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
لأن من لبس نعلًا واحدة، أو خُفًّا واحدًا كان بذلك عند الناس سخيفًا وسخروا منه، فمثل هذا لو لم يكن فيه نهي وجب أن يُنتهى عنه، والله نسأله التوفيق. شرح مشكل الآثار (3/ 389).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وأما نهيه عن المشي في النعل الواحدة: فإن معلومًا أن المشي قد يشق على هذه الحال؛ لأن رقع إحدى الرجلين من الماشي على الحَفاء إنما يكون مع التوقي لأذى يصيبه، وحجر يُنَكِّبه، ويكون في وضعه الرِّجل الأخرى على خلاف ذلك من الاعتماد بها والوضع لها، من غير محاشاة وتقية، فيختلف من أجل ذلك مشيه، ويحتاج لذلك أن ينتقل عن سجية المشي المعتاد، فلا يأمن عند ذلك من ‌العِثَارَ (الكبو والسقوط) مع سماجته في الشكل وقُبح منظره في العيون، إذ كان يُتصور فاعل ذلك عند الناس بصورة مَن إحدى رجليه أقصر من الأخرى. أعلام الحديث (3/ 2149).
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي-رحمه الله-:
ولا ينبغي أن يمشي الرَّجُل في نعل واحد؛ لنهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، وقوله: «لينتعلها جميعًا أو يخلعها جميعًا»؛ ولأن ذلك يشغل قلبه ويؤثر فيه ضربًا من التخيل والاضطراب؛ ولأنه ضرب من الشهرة والتعريض؛ لأن من يراه نَسَبَه إلى اختلال الرأي ونقصان المروءة وقلة التحصيل، ويطرق عليه اللهو؛ وذلك خلاف موجب المروءة والتصوُّن، ويجوز ذلك في الشيء الخفيف إذا كان هناك عذر وهو أن يمشي في إحداهما متشاغلًا بإصلاح الأخرى، وإن كان ‌الاختيار ‌أن ‌يقف إلى الفراغ منها؛ لأنه ينسب حينئذٍ إلى شيء مما يكره، وإنما يتناول له في العجلة والإسراع إلى ما لا يأمن فوته، فيكون ذلك عذرًا له. المعونة على مذهب عالم المدينة (ص:1710).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال الأبهري: كره ذلك -والله أعلم- لأن الماشي في نعل واحد يُنسب إلى اختلال الرأي وضعف المسير، وقال غيره: إنما كره ذلك -والله أعلم- لأنه لم يعدل بين جوارحه وهو من باب الْمُثْلة، وروي عن وكيع عن سفيان عن عبد الله بن دينار قال: انقطع شسع نعل عبد الله بن عمر فمشى أذرعًا في نعل واحدة. شرح صحيح البخاري (9/ 127).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
«إنما نهى عن ذلك لقلة المروءة والاختلاف والخبط في المشي، وما روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «ربما مشى النبي -صلى الله عليه وسلم- في نعل واحدة» إن صح، فشيء نادر لعله اتفق في داره لسبب. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 154).
وقال صدر الدين المناوي -رحمه الله-:
ويكره المشي في نعل واحدة أو خُف أو مَدَاسٍ واحدة إلا لعذر، ودليله هذا الحديث وغيره من الأحاديث. كشف المناهج والتناقيح (4/ 42).
وقال النووي -رحمه الله-:
يكره المشي في نعل واحدة أو خُف واحد ونحوه لغير عذر، صرَّح به صاحب الإبانة (الفُوراني) وآخرون، ولا خلاف فيه. المجموع (4/ 466).
وقال العراقي -رحمه الله-:
فيه النهي عن المشي في نعل واحدة؛ وذلك على طريق الكراهة دون التحريم، كما نقل الإجماع على ذلك غير واحد منهم النووي. طرح التثريب (8/ 134).
وقال التنوخي المالكي -رحمه الله-:
وقد اختلف المذهب فيمن انقطع أقفال نعليه وهو يمشي، هل يقف حتى يصلح الأخرى أم لا؟
فأجاز ذلك ابن القاسم ومنعه أصبغ، والظاهر قول ابن القاسم؛ لأن الوقف ليس بمشي، ولا يجوز على قوليهما جميعًا أن يمشي في نعل واحدة وهو يصلح الأخرى، قلتُ: ولا بأس بالمشي في النعل الواحدة للمقطوع الرِّجْل الأخرى، قاله كبار الشيوخ وهو واضح؛ لعذره، ولا يُختلف فيه. شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة (2/ 462- 463).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
لمشقة المشي حينئذٍ، وخوف العِثَار، مع سماجة الماشي في السير، وقبح منظره في العيون، أو لأنها مشية الشيطان. إرشاد الساري (8/ 449).
وقال البيهقي -رحمه الله-:
ويحتمل أن يكون نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن المشي في نعل واحدة أو خُف واحد؛ لما في ذلك من ‌القبح ‌والشهرة، ولسداد الأبصار إلى من يرى ذلك منه، وكل لباس صار صاحبه به شهرة في القبح، فحكمه أن يُتقى ويجتنب؛ لأنه في معنى المثْلَة. شعب الإيمان (5/ 179).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
فقيل: لأنها مشية الشيطان، وقيل: لأنها خارجة عن الاعتدال، وهو إذا تحفظ بالرِّجْل الحافية تعثر بالأخرى، أو يكون أحد شقيه أعلى في المشي من الآخر؛ وذلك اختلال، وقد ذكر ممشى عائشة بنعل واحدة، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله، وحديث عائشة أصح؛ وذلك -والله أعلم- عند الحاجة إليه، أو يكون يسيرًا. عارضة الأحوذي (7/200).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
والحكمة في هذا النهي أنه تشبه بالشيطان، ‌فقد ‌صح ‌في ‌بعض ‌طرق الحديث: «إنّ الشيطان يمشي في النعل الواحدة» وهو مخرج في الصحيحة (348).
(مختصر الشمائل ص 55 في الحاشية). جامع تراث العلامة الألباني(17/٦٩٦).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله- أيضًا:
(تنبيه)، أَمّا الحديث الذي رواه ليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: «ربما مشى النبي -صلى الله عليه وسلم في نعل واحدة». فهو ضعيف لا يحتج به.
أخرجه الترمذي (1/329) من طريق هريم بن سفيان البجلي الكوفي والطحاوي من طريق مندل كلاهما عن ليث به.سلسلة الأحاديث الصحيحة(1/ 684) .

قوله: «‌لِيُحْفِهِمَا جميعًا»:
قال البرماوي -رحمه الله-:
«ليحفهما»، من الإحفاء، أي: ليجرِّدهما، يقال: حَفِيَ يحفى، أي: يمشي بلا خف ولا نعل. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (14/ 452- 453).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
والإحفاء ضد الإنعال، وهو جعل الرِّجْل حافية بلا نعل وخُف، أي ليمش حافي الرِّجْلين. مرقاة المفاتيح (7/ 2810).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
في حديث الانتعال «ليُحفِهما جميعًا أو ‌لينعلهما جميعًا» أي: ليمش حافي الرِّجْلين أو منتعلهما. النهاية (1/ 410).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
و«ليحفهما» -بالفتح الياء والفاء-: من حَفِيَ يحفى إذا مشى بلا خف ولا نعل. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 154).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «ليحفهما»: هذا أمر من (أحفى): إذا جعل الرِّجْل حافية: أي: بلا نعل. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 35).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«ليخلعهما» في بعضها: «ليُحْفِهِمَا» من الإحفاء، أي: ليجرِّدهما. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (14/ 452- 453).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ليُحفِهما» بالحاء المهملة والفاء من الحفاء، وكلاهما صحيح، وفيه المواساة بين القدمين في خلعهما أو لبسهما، ويدخل في هذا الخُف والمداس والقبقاب. شرح سنن أبي داود (16/ 431).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
أمر من الإحفاء ضد الإنعال، ليمشِ حافي الرِّجْلين. شرح المصابيح (5/ 48).

قوله: «‌أو لِيُنْعِلْهُمَا جميعًا»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
«ليُنعلهما» بضم الياء. الكاشف عن حقائق السنن (9/ 2921).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«أو لينعلهما جميعًا» لأنه قد يشق المشي بنعل واحدة، ولا يأمن عند ذلك من ‌العِثَارَ، ويندرج تحته ما هو في معناه من الجوربين، أو الخفين، أو نحوهما.
وهذا نهي تنزيه لا تحريم، أو هو مختص بمسافة يلحق الرِّجْل الحافية مشقة منها، فأما المشي القليل كمِنَ البيت إلى المسجد المتقاربين فلا بأس به. شرح المصابيح (5/ 48).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وقد يدخل في هذا المعنى كل لباس ينتفع به، كالخفين وادخال اليد في الكمَّين والتردي بالرداء على المنكبين، فلو أرسله على إحدى المنكبين وعرَّى منه الجانب الآخر كان مكروهًا على معنى الحديث، ولو أخرج إحدى يديه من كمِّه وترك الأخرى داخل الكُمِّ الآخر كان كذلك في الكراهة، والله أعلم. معالم السنن (4/ 204).
وقال الصنعاني -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: ولا يخفى أنَّ هذا من باب القياس، ولم تُعلم العلة حتى يلحق بالأصل، فالأَولى الاقتصار على محل النص. سبل السلام (2/ 624).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«جميعًا» والضميران للقدمين وإن لم يجر لهما ذكر؛ لدلالة السياق، وهذا مشهور في لغة العرب. مرقاة المفاتيح (7/ 2810).
وقال المغربي -رحمه الله-:
الحديث فيه دلالة: على أنه لا يشرع المشي في نعل واحدة؛ قال العلماء: إنَّ ذلك مكروه، وحملوا النهي على الكراهة. واختلفوا في علة الكراهة؛ فقيل: إن النعل شُرعت لوقاية الرِّجْل عمَّا يكون في الأرض من شوك أو نحوه، فإذا انفردت إحدى الرِّجْلين احتاج الماشي أن يتوقى لإحدى رجليه ما لا يتوقى للأخرى، فيخرج بذلك عن سجية مشيته، ولا يأمن مع ذلك العِثَار وقيل: إنه قد ينسب فاعل ذلك إلى ضعف الرأي لَمَّا لم يسوِّ بين جوارحه.
وقيل: إنها مشية الشيطان. وقيل: لخروجها عن الاعتدال. البدر التمام شرح بلوغ المرام (10/ 179).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا