«كان النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا بَلَغَهُ عن الرَّجلِ الشَّيءُ لم يَقُلْ: ما بالُ فلانٍ يقولُ؟ ولكنْ يقولُ: ما بالُ أقوامٍ يقولون: كذا وكذا؟».
رواه أبو داود برقم: (4788)، والبيهقي في شُعب الإيمان برقم: (7745)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار برقم: (5881)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (4692)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2064).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قولها: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا بلغه عن الرجل الشيءُ لم يقل: ما بال فلان يقول؟»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إذا بلغه عن الرجل الشيءُ» بالرفع فاعل، الذي يكرهه «لم يقل: ما بال فلان» الفلاني بعينه «يقول» كذا وكذا؟ ومعنى «ما بال فلان؟» أي: ما حاله؟ والبال من الألفاظ المشتركة يفسر في كل موضع بما يليق به. شرح سنن أبي داود (18/ 445).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كان إذا بلغه» من البلاغ وهو الانتهاء إلى الغاية، «عن الرَّجُل» ذِكره وصفٌ طردي، «الشيء» الذي يكرهه «لم يقل: ما بال فلان يقول كذا، ولكن» استدراك أفاد أن شأنه ألا يُشَافِهَ أحدًا معيَّنًا؛ حياء منه. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 242).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«لم يَقل: ما بال فلان يقول كذا؟» والظاهر: أن المراد بالقول ما يشمل الفعل. السراج المنير(4/ 56).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟» احترازًا عن المواجهة بالمكروه مع حصول المقصود بدونه. بذل المجهود (13/ 218).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا؟» ولا يسمِّي الشخص، وفي هذا مصلحة للشخص نفسه؛ لأنه داخل في الخطاب، وهو يعرف أنه حصل منه هذا المحذور، وغيره يعلم أن ذلك لا يصلح؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكره، والمقصود من ذلك: تعميم الفائدة، ومعرفة الجميع للحكم الشرعي في هذه المسألة التي حصل فيها ذلك الشيء الذي لا يسوغ ولا يجوز. شرح سنن أبي داود (545/ 10).
قولها: «ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون: كذا وكذا؟»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ولكن يقول: ما بال أقوام» أي: ما بال رجال «يقولون: كذا كذا؟» وهذا فيه بيان آداب حسن العِشرة، ألا يُشَافِهَ أحدًا بعينه بالمخاطبة بما يكرهه، ولا يصرِّح باسمه الذي يُعرف به؛ لشدة حيائه وإغضائه عما يشوش على من يجالسه، ويشبه أن يكون أصل هذا المعنى في كتاب اللَّه تعالى؛ وذلك كقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} البقرة: 8، فإنها نزلت في ناس من المنافقين معروفين، وكذا قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} التوبة: 75، فإنها نزلت في ثعلبة ولم يعينه اللَّه، بل قال: {وَمِنْهُمْ} وقد دخل عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجُل وعليه صُفرة فكرهه ولم يقل له شيئًا حتى خرج، فقال لبعض أصحابه: «لو قلتم لهذا أن يدع هذِه» يعني: الصفرة، رواه المصنف والترمذي في (الشمائل)، وقد جاء في الصحيحين حديثُ الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد فقال: «لا تُرَوِّعُوه» ثم قال: «إن هذِه المساجد لا يصلح...». شرح سنن أبي داود (18/ 445).
وقال العظيم آبادي -رحمه الله-:
«ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون: كذا وكذا؟» احترازًا عن المواجهة بالمكروه مع حصول المقصود بدونه. عون المعبود (13/ 100).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
وكان أدبه أحسن الآداب، وكان لا يواجه أحدًا بشيء يكرهه، إنما يقول ما يقول من هذا المعنى خطابًا لجماعةٍ، حتى يقف من كان منه ذلك الأمر على ما كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه، فيكون ذلك زجرًا له عنه، وهكذا روي عن أنس بن مالك عنه، كما روي عن عائشة -رضي الله عنها- مما قد ذكرنا. شرح مشكل الآثار (15/ 116).