الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«يُحْشَر النَّاس يوم القيامة حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا»، قلتُ: يا رسول الله، النِّساء والرِّجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال -صلى الله عليه وسلم-: «يا عَائِشة، الأَمْرُ أشَدُّ مْن أن يَنْظُرَ بعضهم إلى بعض».


رواه البخاري، برقم: (6527)، ومسلم، برقم: (2859)، واللفظ له، من حديث عائشة -رضي الله عنها-. 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«حُفَاةً»:
جَمْعُ حَافٍ، وهو الذي لا نَعْلَ له.تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة للبيضاوي(3/395).

«عُرَاةً»:
قال المظهري -رحمه الله-:
جمع العاري، وهو الذي ليس ببدنه ثوبٌ.المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 477).

«غُرْلًا»:
قال المازِرِيُّ -رحمه الله-:
جمع أَغْرَل، وهو الأقْلَفُ، والغُرْلَة القُلْفَة.المعلم بفوائد مسلم (3/362).
وقال النووي -رحمه الله-:
الغُرْل: بضم الغين المعجمة، وإسكان الراء معناه: غير مختونين، جمع أَغْرَل، وهو الذي لم يُختَن، وبقيت معه غُرْلَته، وهي قُلْفَتُه، وهي الجلدة التي تُقْطَع في الختان..، والمقصود: أنهم يحشرون كما خُلقوا لا شيء معهم، ولا يُفقَد منهم شيء، حتى الغُرْلة تكون معهم.شرح النووي على مسلم (17/ 193).
وهذا معنى قوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} الأنبياء: 104.الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري(10/189).


شرح الحديث


قوله: «يُحْشَر النَّاس يوم القيامة حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا»:
قال الكرماني -رحمه الله-:
و«حُفَاة» بالمهملة، و«غُرْلًا»: جمع الأَغْرَل بالمعجمة والراء، أي: الأقلف الذي لم يُختَن، وبَقِيَتْ معه غُرْلَته، أي: ما يقطعه الختَّان من ذَكَر الصبي.
والمقصود: أنهم يحشرون كما خُلِقوا أول مرة، ويعادون كما كانوا في الابتداء، لا يُفقَدُ شيء منهم حتى الغُرْلَة.الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (23/35).
وقال المظهري -رحمه الله-:
والفائدة في خلق الجلدة المقطوعة من المخَتونِبن -والعلم عند الله سبحانه-: التَّنْبِيه على إحكام خِلْقَتِه، وأنه خُلِقَ للأبد لا للفناء؛ إذ لم يَنْقص من أعضائه، بل النَّاقص أُعِيْد كاملًا، أو لأنه التزم عَوْدَُه كما كان، ووقت كونه كان غُرلًا، فأعيد كما كان ...
و«حُفَاةً» «عُرَاةً» «غُرْلًا» ثلاثتها منصوبة على الحال.المفاتيح في شرح المصابيح (5/477).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: ما فائدة الغُلْفَة يوم القيامة؟ قلتُ: المقصود: أنهم يحشرون كما خُلِقوا لا شيء معهم، ولا يفقد منهم شيء حتى الغُرْلة تكون معهم.
وقال ابن الجوزي: لذَّة جماع الأقْلف تزيد على لذَّة جماع المختون، وقال ابن عقيل: بَشَرة حَشَفَة الأقْلف مُوَقَّاة بالقُلْفة، فتكون بَشَرتها أرَقَّ، وموضع الحس كلَّما رَقَّ كان الحِسُّ أصدق، كراحة الكفِّ، إذا كانت مُوَقَّاة من الأعمال صلُحَت للحِسِّ، وإذا كانت يد قصَّار أو نجَّار خَفِيَ فيها الحِسُّ، فلما أبانوا في الدنيا تلك البَضْعَة لأجله؛ أعادها الله ليُذيقها من حلاوة فضله.
قال: والسر في الختان مع أنَّ القُلْفة مَعْفوٌّ عما تحتها من النجس: أنه سنة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-.عمدة القاري شرح صحيح البخاري (15/ 242).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
«عُراة» قال البيهقي: أي: بعضهم، فإن منهم من يُكسى...
قال ابن عبد البر: "يُعاد جميع ما أُزِيلَ من البدن في الحياة".
قال ابن عقيل: "ليذوق نعيم الثواب أو أليم العقاب".التوشيح شرح الجامع الصحيح (8/ 3873).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً» وفي رواية: «بُهْمًا»... بُهْمًا: قال العلماء بُهْمًا: أي: ليس معهم مال، فيكون الإنسان مجرَّدًا من كل شيء.شرح رياض الصالحين (2/ 305-306).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
اسْتُدِلَّ به على أن الحشر والإعادة على نَمَطِ البدء.الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/250).
وقال الكوراني -رحمه الله- أيضًا:
فإن قُلتَ: قد ورد في أحاديث: «أن المتقين يُحْشَرون رَاكبِين على سُرُوج من ذَهَبٍ».
قلتُ: ذلك بعد الحساب والحشر من الموقف إلى الجنة، يدل عليه الحديث المشهور: «سـمِّنُوا ضحاياكم؛ فإنها على الصِّراط مَطَايَاكُم».الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/ 189).
قال محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
وقد استُشْكِلَ على هذا الحديث بحديث أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان: أنه لما حضر أبا سعيد الخدري الوفاة.. دعا بثياب جُدُد فلبسها، وقال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الميت يُبْعَث يوم القيامة في ثيابه التي مات فيها».
وجمع بعضهم بين الحديثين: بأن بعضهم يُحشر عاريًا، وبعضهم يُحشر كاسيًا؛ عملًا بالحديثين.
أو بأنهم يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها، ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر، فيحشرون عُراة.
وحمَلَ بعضهم حديث أبي سعيد على الشهداء، ويحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد، فحمله على العموم، وقيل غير ذلك.
وهذه التأويلات كُلُّها خلاف الظاهر، ولعلَّ أوْلَاها بالقبول: حَمْلُهُ على الشهداء فقط؛ لأن ما جاء في حديث الباب مُؤيَّد بقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} الأنبياء:104. انتهى. "فتح الباري" باختصار (11/ 384).الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج (25/552).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«يحشر الناس»، يعني: يُجمَعون يوم القيامة، «حُفَاة»: ليس لهم نعال، «عُراة»: ليس عليهم ثياب، «غُرلًا»: غير مختونين.
يخرج الناس من قبورهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، يعني: في كمال الخِلقَة، كما قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} الأنبياء: 104؛ فقالت عائشة -رضي الله عنها-: يا رسول الله، الرجال والنساء؟! يعني: عُراة ينظر بعضهم إلى بعض، قال: «الأمر أكبر أو أعظم من أن يهُمّهم ذلك»، أو من أن ينظر بعضهم إلى بعض، أي: إن الأمر عظيم جدًا، لا ينظر أحد إلى أحد، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} عبس: 37.شرح رياض الصالحين (3/303).

«قولها: قلتُ: يا رسول الله، النِّساء والرِّجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «الرجال والنساء»: مبتدأ، و«جميعًا»: حالٌ سدَّ مَسَدَّ الخبر، أي: مختلطون جميعًا، ويجوز أن يكون الخبر: «ينظر بعضهم إلى بعض؟!»، وهو العامل في الحال، قُدِّم اهتمامًا؛ كما في قوله تعالى: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} الزمر:67.
وفيه معنى الاستفهام؛ ولذلك أجاب بقوله: «الأمر أشد ...».شرح المشكاة (11/3500).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قولها: «ينظر بعضهم إلى بعض»:
أي: الرجال إلى الرجال، والنساء، وكذلك النساء، فافهم.لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (9/ 23).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قلتُ: يا رسول الله، الرجال»:
بتقدير الاستفهام، ويمكن أن يُقْرَأ بالْمَدِّ والتسهيل أيضًا على ما تقرَّر في قوله تعالى: {قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ} يونس: 59، «والنساء»: عطف على الرجال، وهما مبتدأ، وقوله: «جميعًا»، أي: مجتمعين؛ حالٌ منهما على ما جوَّزه البعض، فالخبر قوله: «ينظر بعضهم إلى بعض؟»، وهو محطُّ الاستفهام التَّعجُّبِي.مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/3515).

قوله: «يا عَائِشة، الأَمْرُ أشَدُّ مْن أن يَنْظُرَ بعضهم إلى بعض»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
وفي رواية للبخاري: «الأمْرُ أشدُّ من أن يَهُمّهم ذلك» -بضم الهاء-، يقال: أهمَّني الأمر إذا أقْلَقَنِي.الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/191).
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-:
«الأمر أعظم من ذلك»، أي: أنهم لا يفكرون في العورات من شِدَّة ما عندهم من الهول والفزع والخوف من الله -سبحانه وتعالى-.شرح الأربعين النووية (5/9).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
عَقَّبْتَ عائشةُ على «عُراة»، واستنكرت الوضع بما جُبِلَت عليه من الحياء والتَّحرُّز من رؤية العورات، فعند ابن أبي شيبة: قلتُ: يا رسول الله، فما نستحي؟! وعند النسائي: قلتُ: يا رسول الله، فكيف بالعورات؟! وعند الترمذي والحاكم: فقالت: واسوأتاه؟!
و«النساء» مرفوع، نائب فاعل لمحذوف مأخوذ من الجملة الأولى، وفي الكلام استفهام تعجبي، أي: أَيُحشر النساء والرجال جميعًا؟!
وجملة: «ينظر بعضهم إلى بعض» حالية.
وقد نفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجواب هذا القيد فقط مع ثبوت المقيد، فقال: «الأمر أشدَّ من أنْ يَنْظَر بعضهم إلى بعض».
وعند البخاري: «الأمر أشدَّ من أن يَهُمَّهم ذلك»، وعند النسائي والحاكم: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه} عبس: 37، زاد الترمذي: «لا ينظر الرجال إلى النساء، ولا النساء إلى الرجال، شُغِلَ بعضهم عن بعض».فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/469).
قال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفِقه: أنَّ ما يقع من بدن الآدمي في الدّنيا يُعاد إليه ولا يُضاع.الإفصاح عن معاني الصحاح(3/ 55).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: عِظَم هول يوم القيامة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد} الحج: 1- 2.تطريز رياض الصالحين (ص: 277).
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:

فيه: بيان معنى قوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} الأنبياء: 104، وذلك أن الناس يُبعَثون حُفَاة ليس لهم خُفٌّ ولا نعل، عُراة ليس لهم لباس تستر العورات، غُرلًا ليسوا مختونين.
وفيه: بيان شدَّة هَول ذلك اليوم، حيث إنَّ بعضهم لا يشعر بانكشاف عورته، ولا عورة غيره، بل هو مَشغول بشأن نفسه، ومُهْتَم بها أينجو من النار أم لا؟
وفيه: أنَّ فيه حجة للقول الراجح: إن النِّساء يدخلْن في خطاب الرجال، فإن قوله: «إنكم تحشرون»: خطاب للذكور، ولكنه شامل للنساء أيضًا، فإن عائشة -رضي الله عنها- من أهل اللغة، فهمت من هذا الخطاب دخول النساء، فقالت: «الرجال والنساء، ينظر بعضهم إلى بعض؟!»، وأقرَّها النبي -صلى الله عليه وسلم- على فهمها ذلك، ولكن بيَّن لها أن هناك مانعًا من هذا النظر، وهو اشتغال كل أحد بنفسه، وهذا الاستدلال قويٌّ جدًا، وتُؤيده الآية المذكورة، حيث إنها بلفظ الذكور: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه} عبس: 37.ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (20/ 172-173).


ابلاغ عن خطا