الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«مَن أشارَ إلى أخيهِ بحديدةٍ، فإنَّ الملائكةَ تلعَنُهُ، حتَّى يَدَعَهُ وإنْ كان أخاهُ لأبِيهِ وأُمِّهِ».


رواه مسلم برقم: (2616)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«بِحَدِيدةٍ»:
حدَّ: الحاء والدَّال أصلان: الأَوَّل: المنع، والثَّاني: طرف الشَّيء...، وسُمِّي الحديد حديدًا؛ لامتناعه وصلابته وشِدَّته. مقاييس اللغة، لابن فارس (2/ 3-4).
وقال الخليل -رحمه الله-:
وحدُّ كُلِّ شيء: طرف شَباتِه (شباه كُلِّ شيء حدُّ طرفه، وقيل: حده) كحدِّ السِّنان والسَّيف، ونحوه. العين، للخليل (3/ 20).

«تلعنه»:
أصل اللعن: الطَّرد، ثم يوضع في معنى السَّبِّ والتَّعذيب. المحيط، للصاحب ابن عباد (1/ 99).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
أصل اللعن: الطَّرد والإبعاد من الله، ومن الخَلْق السَّبُّ والدُّعاء. النهاية، لابن الأثير (4/ 255).

«يَنزع»:
ضُبط بالعين المهملة مع كسر الزَّاي، وبالغين المعجمة مع فتحها، ومعناهما متقارب، ومعناه بالمهملة: يرمي، وبالمعجمة أيضًا: يرمي ويفسد. وأصل النَّزع: الطَّعن والفساد. رياض الصالحين، للنووي(ص: ٤٩٤).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
وأصل ‌النَّزع: الجذب والقَلع، ومنه نزع الميت روحه. ونزع القوس إذا جَذبها. لسان العرب(8/٣٥٠).


شرح الحديث


قوله: «من أشار إلى أخيه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «مَنْ أشار إلى أخيه» أي: في الإسلام، والذي في حكمه. فيض القدير (6/ 63).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قوله: «من أشار إلى أخيه»... المراد أخوة الإسلام، ويلتحق به الذِّميُّ أيضًا؛ لتحريم أذاه، وخرج الحديث مخرج الغالب. طرح التثريب (7/ 184).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
إنَّما يستحِقُّ اللعن إذا كانت إشارته تهديدًا، سواء كان جادَّا أم لاعبًا، وإنَّما أوخذ اللاعب لِمَا أدخله على أخيه من الرَّوع، ولا يخفى أن إثم الهازل دون إثم الجادِّ. فتح الباري (13/ 25).
وقال الأصبهاني -رحمه الله-:
فإذا أشار إلى أخيه بالحديدة لعنته الملائكة؛ فكيف إذا ضربه بها، أو جرحه. التحرير شرح صحيح مسلم (ص: 598).

قوله: «بحديدة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «بحديدة» يعني: بسلاح كسكِّين وخنجر وسيف ورمح، ونحو ذلك من كُلِّ آلة للجرح. فيض القدير (6/ 63).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
«بحديدة» أي: بسلاح، ولو كان صغيرًا حقيرًا، كالإبرة، والمسلَّة (بكسر الميم: مِخيط كبيرٌ، جمعه المَسَالُّ). الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (329).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
قوله: «بحديدة» أي: بسلاح بسكِّين أو سيف أو رمح أو نبل أو بندقيَّة أو نحو ذلك، وفي الرِّواية السَّابعة: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسِّلاح»، والمقصود مطلق الإشارة جدًّا أو هزلًا. فتح المنعم (10/ 109).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قوله: «من أشار إلى أخيه بحديدة»... ودخل في السِّلاح ما عظُم منه وصغر. وهل تدخل العصا في ذلك؟ فيه احتمال؛ لأن التَّرويع حاصل، وكذلك احتمال سقوطها من يده عليه، وقد يقال: لا يراد بذلك إلا ما له نصل، بدليل قوله في الرِّواية الأخرى: «بحديدة». طرح التثريب (7/ 184).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
لا يجوز أن يشير الإنسان إلى أخيه بالسِّلاح مهولًا عليه لا جدًّا ولا هزلًا؛ فإن الشَّيطان ينزع يده كما ينزع في قلبه، فيقع السِّلاح من أخيه بحيث لا يؤثِّر وقوعه، فيقع في حفرة من النار؛ فإنَّ الذي يقع في الحفر يقع عن غير قصد، فيكون إصابة هذا عن غير إرادة من جنس وقوعه في الحفرة. الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 227).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
أن يشير إلى أحد بسلاح أو حديدة أو حجر أو ما أشبه ذلك، كأنه يريد أن يرميه به، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؛ لأنه رُبَّما يشيرها هكذا كأنه يريد أن يرميه بالحجر أو بالحديدة أو نحوها، فينزع الشيطان في يده، وتنطلق من يده، فيقع في حفرة من النار، والعياذ بالله. وكذلك أيضًا ما يفعله بعض السُّفهاء، يأتي بالسَّيَّارة مسرعًا نحو شخص واقف أو جالس أو مضطجع، يلعب عليه، ثم يحرِّكها بسرعة إذا قرب منه حتى لا يدهسه، هذا أيضًا يُنهى عنه، كالإشارة بالحديدة؛ لأنه لا يدري لعلَّ الشيطان ينزع في يده فلا يتحكَّم في السَّيَّارة، وحينئذٍ يقع في حفرة من النار. ومن ذلك أن يشري الكلب به، يكون الإنسان عنده كلب، ويأتي إنسان آخر إليه زائرًا، أو نحو ذلك، فيشري الكلب به، يعني: يغريه به، فإنه رُبَّما ينطلق الكلب، ويأكل هذا الرَّجل، أو يجرحه ولا يتمكن من فَضِّه بعد ذلك. فالمهمُّ أن جميع أسباب الهلاك يُنهى الإنسان أن يفعلها، سواء أكان جادًّا أم هزلًا. شرح رياض الصالحين (6/ 556).

قوله: «فإن الملائكة تلعنه»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «فإن الملائكة تلعنه» يعني: تدعو عليه بالبعد عن الجَنَّة أوَّل الأمر. شرح المصابيح (4/ 159).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «فإن الملائكة تلعنه» أي: تدعو عليه بالطَّرد والبعد عن الجَنَّة أوَّل الأمر، وعن الرَّحمة الكاملة السَّابقة. فيض القدير (6/ 63).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «فإن الملائكة تلعنه» تدعو عليه بالبعد عن الرَّحمة والطَّرد...، والملائكة لا تلعن إلا من أَذِنَ الله لها بلعنه؛ فدعاؤها مجاب. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 101).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «فإن الملائكة تلعنه»... ولعن النبي -صلى الله عليه وسلم- للمشير بالسِّلاح: دليل على تحريم ذلك مطلقًا، جدًّا كان أو هزلًا، ولا يخفى وجه لعن من تعمَّد ذلك؛ لأنَّه يريد قتل المسلم أو جرحه، وكلاهما كبيرة.
وأمَّا إن كان هازلًا فلأنه ترويع مسلم، ولا يَحِلُّ ترويعه؛ ولأنه ذريعة إلى القتل والجرح الْمُحرَّمَيْن، وقد نصَّ في الرِّواية الأخرى على صحَّة مراعاة الذَّريعة، حيث قال: «فإنَّه لا يدري لعلَّ الشَّيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار» المفهم (6/ 601).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قوله: «فإن الملائكة تلعنه» ولعن الملائكة لا يكون إلا بحقٍّ، ولا يستحِقُّ اللعن إلا فاعل المحرَّم، ولا فرق في ذلك بين أن يكون على سبيل الجدِّ أو الهزل، وقد دلَّ على ذلك قوله: «وإن كان أخاه لأبيه وأمه»، فإن الإنسان لا يشير إلى شقيقه بالسِّلاح على سبيل الجدِّ، وإنَّما يقع منه معه هزلًا، وبتقدير أن يكون ذلك على سبيل الجدِّ فتحريم ذلك أغلظ من تحريم غيره، فلا يصِحُّ جعله غاية، فدلَّ على أن المراد: الهزل، فإن تحريمه على طريق الجدِّ واضح؛ لأنه يريد قتل مسلم أو جرحه، وكلاهما كبيرة، وأمَّا الهزل فلأنه ترويع مسلم، وأذى له؛ وذلك محرَّم أيضًا، وقد جاء في الحديث: «لا يَحِلُّ لمسلم أن يُروِّع مسلمًا». طرح التثريب(7/ 184).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «فإن الملائكة تلعنه»... من أشار بحديدةٍ على أخيه لعنته الملائكة، فهذا قد استحقَّ اللعن بالإشارة، فما ظنُّك بالإصابة، وإنما يكون اللعن عليها إذا كانت إشارة تهديد، سواء كان مجدًّا فيه أو لاعبًا؛ ولذلك قال في الحديث قبله: «لا يأخذن أحدكم عصا أخيه لا لاعبًا جادًا، فمن أخذ عصا أخيه فليردَّها إليه»، وإنما ذلك لِمَا يدخل من الرَّوع عليه في أخذ حاجته أو الإشارة بآلة الجرح إليه، فإن كان ذلك عن نِيَّة في الإضرار أثم إثمًا عظيمًا، وإن كان عن هزل إثم إثمًا أقلَّ منه؛ لِمَا أدخل على أخيه من الهمِّ والرَّوع. عارضة الأحوذي (9/ 6).

قوله: «حتى يدعه»:
قال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
قوله: «حتَّى يدعَه»...حتَّى يدعَ السِّلاح من يده، فلا يشير به على أخيه. فتح المنعم (10/ 109).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله (في لفظ): «حتى يضعَها» أي: الحديدة، وفيه: إشارة إلى أنه لا ينفعه حينئذٍ ترك الإشارة بها، مع كونها في يده. مرقاة المفاتيح (6/ 2300).

قوله: «وإن كان أخاه لأبيه وأُمِّه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «وإن كان أخاه» أي: المشير أخًا للمشار إليه، ويصِحُّ عكسه. فيض القدير (6/ 63).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «وإن كان أخاه لأبيه وأُمِّه» يعني: أنَّ ذلك محرَّم، وإن وقع من أشفق الناس عليه، وأقربهم رحمًا، وهو يشعر بمنع الهزل بذلك. المفهم (6/ 601).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قال العلماء: إنَّما قال: «وإنْ كان أخاه لأبيه وأُمِّه» لأن أخوة الأبوين من أقوى الموانع وأشدِّها من الضرب، وإرادة الجرح به. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (329).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «وإن كان أخاه لأبيه وأُمِّه» ظاهر الحديث: أنه على غير قصد إلا بجهة اللَّعب والتَّرويع بالهزل، بدليل ذكره: «لأخيه لأبيه وأُمِّه» الذي لا يبهم عليه، وترويع المسلم حرام، وبدليل قوله في الحديث الآخر: «فإنه لا يدري لعلَّ الشَّيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار». وكذا رُوِّيناه بالعين المهملة، قيل: معناه: يرمي في يده، أي: يدفع يده، ويحقِقُّ ضربته، ومَنْ رواه بالغين المعجمة، فمن الإغواء. ونزع الشيطان أي: يحمله على تحقيق الضرب به، وقصده، وتزيين له ذلك، لا سيّما عندما يحدث من جهته عند الملاعبة، أو هجر بغير حال، وأن الهزل قد يفضي إلى الجدِّ. إكمال المعلم (8/ 96).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «وإن كان أخاه لأبيه وأُمِّه» مبالغة في إيضاح عموم النَّهي في كُلِّ أحد، سواء من يُتَّهم فيه، ومَنْ لا يُتَّهم، وسواء كان هذا هزلًا ولعبًا أم لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكُلِّ حال، ولأنه قد يسبقه السِّلاح كما صرَّح به في الرِّواية الأخرى. شرح مسلم (16/ 170).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «وإن كان أخاه لأبيه وأُمِّه» تتميم لمعنى الملاعبة، وعدم القصد في الإشارة، فبدأ بمطلق الأُخوَّة، ثم قيَّده بالأُخوَّة بالأب والأُمِّ؛ ليؤذن بأن اللعب المحض المعرَّى عن شائبة القصد إذا كان حكمه كذلك، فما ظنُّك بغيره؟ الكاشف عن حقائق السنن (8/ 2489).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «وإن كان أخاه لأبيه وأُمِّه» تحقيق للهزل، وعدم القصد في الإشارة، ومع وجوده يتوجَّه اللعن، ففيه من المبالغة ما لا يخفى. لمعات التنقيح (6/ 328-329).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه عظمة شأن ترويع المسلم بأي شيء، ولو بالإشارة والتَّهديد، فكيف بما هو أعظم من ذلك؟! التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 101).
وقال الذهبي -رحمه الله-:
الكبيرة الحادية والسِّتُّون: «من أشار إلى أخيه بحديدة». الكبائر (ص: 423).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
وفي الرِّواية السَّابعة بيان عِلَّة النَّهي وحكمته، ولفظها: «فإنه لا يدري أحدكم لعلَّ الشيطان ينزع في يده، فيقع في حُفرة من النار». فتح المنعم (10/ 109).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه تأكيد حرمة المسلم، والنَّهي الشديد عن ترويعه وتخويفه، والتَّعرُّض له بما قد يؤذيه. شرح مسلم (16/ 170).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
وفي الرواية السابعة بيان عِلة النهي ‌وحكمته ولفظها: «فإنه لا يدري أَحدكم لعَل الشيطان ‌يَنزِعُ في يدهِ فيقع في حُفرة مِن النار».المنهاج، شرح صحيح مسلم(10/١٠٩)
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1. منها: بيان تأكيد حرمة المسلم، والنَّهي الشديد عن ترويعه وتخويفه، والتَّعرُّض له بما قد يؤذيه.
2. ومنها: أنَّ في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وإن كان أخاه لأبيه وأُمِّه» مبالغةً في إيضاح عموم النَّهي في كُلِّ أحد، سواءٌ مَنْ يُتَّهَم فيه، ومَنْ لا يُتَّهم، وسواء كان هذا هَزْلًا ولعبًا أم لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكُلِّ حال؛ ولأنه قد يسبقه السِّلاح، كما صُرِّح به في الرِّواية الأخرى.
3. ومنها: أن لعن الملائكة له يدلُّ على أنه حرام، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (41/ 94).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا