الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«كان نبِيُّ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا أُنْزِلَ عليه الوحيُ كُرِبَ لذلك، وتَرَبَّدَ وجهُهُ»


رواه مسلم برقم: (2334)، من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«كُرِبَ»:
الكَرْبُ: مجزوم، هو الغم الذي يأخذ بالنفس، يقال: كَرَبه أمر، وإنه لمكروب ُالنفس، والكُربة: الاسم، والكَريبُ: المكروبُ، وأمر كاربٌ، والكُرُوبُ: مصدر ‌كَرَبَ يكْرُبُ. العين، للفراهيدي (5/ 360).
وقال ابن دريد -رحمه الله-: ‌
الكرب: الغم مَعْرُوف، وكَرَبَنِي الْأَمر أَي: بهظني، وكأن الكرب أَشد من الْغم. جمهرة اللغة (1/ 327).

«تَرَبَّد»:
أي: عَلَتْهُ غَبَرَة، والرَّبْد تغيُّر البياض إلى السواد. شرح مسلم، للنووي(11/ 190).
وقال سلمة الصحاري -رحمه الله-:
قولهم: قد ‌تَرَبَّدَ وجْهُه، معناه: قد تغَيَّرَ وصار لونه كلون الرماد. الإبانة في اللغة العربية (2/ 316).


شرح الحديث


قوله: «كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أُنزل عليه الوحي كُرِبَ لذلك»:
قال المازري -رحمه الله-:
يقال: ‌كَرَبَه ‌الأمر ‌كَربًا: ‌أخذ ‌بنفسه. المعلم بفوائد مسلم 3/ 221.
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«‌كُرِب ‌لذلك» وجدناه بتقييد من يوثق بتقييده مبنيًا لما لم يُسم فاعله، أي: أصيب بالكرب، وهو الهم والغم. المفهم (6/ 173).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«إذا أنزل عليه الوحي ‌كُرِبَ ‌لذلك» يحتمل أنه كان يهتم بأمر الوحي أشد الاهتمام، ويهاب مما يطالَب به من حقوق العبودية والقيام بشكر المنعِم، ويخشى على عصاة الأُمَّة أن ينالهم من الله خزي ونكال؛ فيأخذه الغم الذي يأخذ بالنفس حتى يعلم ما يقضى إليه.
ويحتمل أن المراد منه كَرْب الوحي وشدته؛ فإن الأصل في الكرب الشدة، وإنما قال الصحابي: «‌كُرِبَ» لما وجد من شبه حاله بحال المكروب. الميسر (4/ 1265).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
الضمير المستكن في «‌كُرِبَ» إما للرسول، والمعنى: أنه كان لشدة اهتمامه بالوحي كمن أخذه غم، أو لخوف ما عسى يتضمنه الوحي من التشديد والوعيد، بمعنى: اشتد، فإن الأصل في الكرب الشدة. تحفة الأبرار (3/ 480).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إذا أُنزل» مجهول من الإنزال «عليه الوحي» أي: حين أول إنزاله عليه «كُرِبَ» بصيغة المجهول أي: أصابه الكرب وحَزِن «لذلك» أي: لشدة نزوله وصعوبة حصوله، قال شارحٌ (وكأنه يشير إلى كلام البيضاوي السابق): الكَرْبُ والكُرْبة الغم الذي يأخذ بالنفس، يقال: كَرَبَهُ الغم إذا اشتد عليه، والمستكن في (كُرِبَ) إما للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والمعنى: أنه كان لشدة اهتمامه بالوحي كمن أخذه غم أي لسبب مبناه أو معناه؛ ولذا قيل له: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} القيامة: 16، 17، الآية، قال: أو لخوف ما عسى يتضمنه الوحي من التشديد والوعيد لذلك، أو المستكن الوحي بمعنى اشتد، فإن الأصل في الكرب الشدة، قلتُ: حينئذٍ لا يلائمه قوله: «لذلك». مرقاة المفاتيح (9/ 3737).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كان إذا نزل عليه الوحي كُرِبَ» بدون حزن، «لذلك» لنزوله، إما اهتمامًا بحفظه، أو لشدة الأحكام التي تنزل ليبلغها، أو لأن الأمَّة قد لا تأتي بما يأمرهم به. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 350).

قوله: «وتَرَبَّدَ وجهه»:
قال النووي -رحمه الله-:
«وتربَّد ‌وجهه» أي: عَلَتْه غبَرة، والرَّبْد: تغير البياض إلى السواد، وإنما حصل له ذلك لِعظم موقع الوحي، قال الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} المزمل: 5. شرح مسلم (11/ 190).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
«وتَرَبَّدَ ‌وجهه» أي: تغيَّر، يقال: تربد وجهه من الغضب إذا تعبَّس وتغيَّر، من الرُّبْدة، وهي لون يضرب إلى الغَبَرة. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 480).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وكل ذلك حيث لا يأتي الملَكُ في صورة الرَّجُل، أما حيث يأتي في صورة الرَّجُل فلا؛ ففي حديث أبي هريرة في سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام أنه أتى في صورة أعرابي، وفِي حديث أم سلمة أنها رأت جبريل في صورة دِحْيَة، إلَى غير ذَلِكَ من الأحاديث. النكت على صحيح البخاري (1/ 165).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفي ظاهر هذا مخالفة حديث المحْرِم الذي أحرم بالعمرة وعليه خَلوق وأنّ يَعلى بن أُميَّة نظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ‌حال ‌نزول ‌الوحي وهو محمَرّ الوجه، وجوابه: أنها حُمرةُ كُدْرةٍ، وهذا معنى التربُّد وأنه في أوّله يتربّد ثم يحمرّ أو بالعكس. شرح النووي على مسلم 15/ 89


ابلاغ عن خطا