الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

أنَّ معاذَ بنَ جبلٍ قدِمَ الشَّامَ وأهلُ الشَّامِ لا يوترون، فقال لمعاويةَ: ما لي أرى أهلَ الشَّامِ لا يوترون؟ فقال معاويةُ: وواجبٌ ذلك عليهم؟! قال: نعم، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: «زادني ربِّي -عزَّ وجلَّ- صلاةً وهي الوترُ، وقتُها ما بين العِشاءِ إلى طلوعِ الفجرِ».


رواه أحمد برقم: (22095)، من حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3566)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (108). 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«واجب»:
أصل الوجوب: السُّقوط والوقوع. تاج العروس(4/ 336).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
يقال: وجب الشيء يجب وجوبًا أي: لزم، وأوجبه هو، وأوجبه الله، واستوجبه أي: استحقَّه. لسان العرب(1/ 793).

«الوتر»:
ضدُّ الشَّفع، سُمِّيت به الصَّلاة المخصوصة بعد فريضة العِشاء؛ لأن عدد ركعاتها وترٌ لا شفعٌ، وأوْتَرَ معناه: صلَّى صلاة الوتر. التعريفات الفقهية، للبركتي (ص: 235).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الوتر: الفرد، وتكسر واوه وتفتح. النهاية(5/ 147).

«الفجر»:
انفجار الظُّلْمَة عن الصُّبح. مقاييس اللغة، لابن فارس (٤/ ٤٧٥).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
والفجر اثنان: الأَوَّل: الكاذب؛ وهو المستطيل، ويبدو أسودَ معترضًا، والثَّاني: الصَّادق؛ وهو المستطير، ويبدو ساطعًا، يملأ الأفق ببياضه، وهو عمود الصُّبح، ويطلع بعد ما يغيب الأَوَّل، وبطلوعه يدخل النَّهار. المصباح المنير(2/ 462).


شرح الحديث


قوله: «زادني ربِّي -عزَّ وجلَّ- صلاةً وهي الوترُ»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «زادني» معناه: الزِّيادة في النَّوافل؛ وذلك أن نوافل الصَّلوات شفع لا وتر فيها، فقيل: أمدَّكم بصلاة وزادكم صلاة لم تكونوا تصلُّونها قبل على تلك الهيئة والصُّورة وهي الوتر.
وفيه دليل على أن الوتر لا يقضى بعد طلوع الفجر، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وهو قول عطاء.
وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي: يقضى الوتر، وإن كان قد صلَّى الفجر، وكذلك قال الأوزاعي. معالم السنن(1/ 286).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «زادني ربي» أي: على الصَّلوات الخمس، فعدَّه زائدًا على الخمس، يقتضي أنه من جنس الخمس، ففهم منه معاذ أنه واجب، كما فهمه إِمامنا أبو حنيفة -رضي الله تعالى عنه-. حاشيته على مسند أحمد (5/243).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«زادني» وارد على سبيل الامتنان على أُمَّتِه مرادًا به مزيد فضل على فضل، كأنه قيل: إن الله تعالى فرض عليكم الصَّلوات الخمس؛ ليؤجركم بها، ويثيبكم عليها، ولم يكتفِ بذلك، فشرع صلاة التَّهجُّد والوتر ليزيدكم إحسانًا على إحسان وثوابًا على ثواب. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1225).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
«زادني» يدلُّ على أنها غير لازمة لهم، ولو كانت واجبة لخرج الكلام فيه على صيغة لفظ الإلزام؛ فيقول: ألزمكم، أو فرض عليكم، أو نحو ذلك من الكلام. معالم السنن (1/ 285-286).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وهو الذي احتجّ به من قال بوجوب الوتر، وليس صريحًا في الوجوب، واللَّه تعالى أعلم. فتح الباري (2/ 487).
وقال المناوي -رحمه الله-:
لا دلالة فيه على وجوب الوتر؛ إذ لا يلزم كون المزاد من جنس المزيد. فيض القدير (4/ 61).

قوله: «وقتُها ما بين العِشاءِ إلى طلوع الفجر»:
قال المغربي -رحمه الله-:
تنبيه على وقتها، وأنَّ الفاعل لها في أي ساعة من ذلك الوقت قد أجزأه ذلك، وفعل بالسُّنة. البدر التمام (3/ 259).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وقتها ما بين العِشاء» أي: صلاتها «إلى طلوع الفجر». ومنهم مَنْ قال: تُصلَّى بعد دخول وقت العِشاء، وإن لم يُصلِّ الفريضة فلا يُقدَّر مضاف. التنوير (6/ 311).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال ابن التين: أوَّلُ وقته انقضاء صلاة العِشاء، واختلف في آخره. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (8/ 189).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
أجمع أهل العلم على أن ما بين صلاة العِشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر. الأوسط (5/ 190).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ولا خلاف في أن أوَّلَ وقته بعد صلاة العِشاء، وأما آخر وقته المختار فمذهب الجمهور أنه طلوع الفجر. المفهم (2/ 382).
وقال ابن رشد -رحمه الله-:
وأمَّا وقته: فإن العلماء اتَّفقوا على أن وقته من بعد صلاة العِشاء إلى طلوع الفجر؛ لورود ذلك من طرق شتَّى عنه -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ومن أثبت ما في ذلك: ما خرَّجه مسلم عن أبي نضرة العوفي أن أبا سعيد أخبرهم أنهم سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الوتر فقال: «الوتر قبل الصُّبح». بداية المجتهد (1/ 211).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
اختلف السَّلف من العلماء والخلف بعدهم في آخر ‌وقت ‌الوتر بعد إجماعهم على أنَّ أوَّلَ وقته بعد صلاة العشاء، وأن الليل كُلَّه حتى ينفجر الصُّبح وقت له؛ إذ هو آخر صلاة الليل. الاستذكار (2/ 122).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: (باب ساعات الوتر) أي: أوقاته، ومحصل ما ذكره أن الليل كله وقت للوتر، لكن أجمعوا على أن ابتداءه مغيب الشفق بعد صلاة العشاء. فتح الباري (2/ 486).
وقال النووي -رحمه الله-:
أمَّا أوَّلُه (يعني: وقت الوتر) ففيه ثلاثة أوجه:
الصَّحيح المشهور الذي قطع به المُصنِّف والجمهور: أنه يدخل بفراغه من فريضة العِشاء سواء صلَّى بينه وبين العِشاء نافلة أم لا، وسواء أوتر بركعة أم بأكثر، فإن أوتر قبل فعل العِشاء لم يصِحَّ وتره، سواء تعمَّدَه أم سها وظن أنه صلَّى العِشاء أم ظنَّ جوازه، وكذا لو صلَّى العشاء ظانًّا أنه تطهَّر ثم أحدث فتوضَّأ فأوتر، فبان أنه كان مُحْدِثًا في العِشاء فوتره باطل.
والوجه الثَّاني: يدخل وقت الوتر بدخول وقت العِشاء، وله أن يصلِّيَه قبلها، حكاه إمام الحرمين (الجويني) وآخرون، وقطع به القاضي أبو الطيب (الطبري) قالوا: سواء تعمَّد أو سها.
والثَّالث: أنه إن أوتر بأكثر من ركعة دخل وقته بفعل العِشاء، وإن أوتر بركعة فشرط صحَّتها أن يتقدَّمها نافلة بعد فريضة العِشاء، فإن أوتر بركعة قبل أن يتقدَّمها نفل لم يصِحَّ وتره، وقال إمام الحرمين: ويكون تطوُّعًا.المجموع شرح المهذب(3/ 351 -352).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
والكلام في وقت الوتر في مسألتين:
إحداهما: في وقت جوازه، فذهب أكثر أهل العلم إلى أن أَوَّلَ وقته من بعد صلاة العِشاء، فلو أوتر من قبل صلاة العِشاء لم يقع موقعًا، وأُمر بإعادته، ولو كان ناسيًا، أو ظانًّا أنه قد صلَّى العِشاء، مثل أن يصلِّي العِشاء مُحْدِثًا ناسيًا، ثم يتوضَّأ ويصلِّي الوتر، ثم يذكر بعد الصَّلاة أنه صلَّى العِشاء ناسيًا، فإنه يقضي القضاء ثم الوتر.
هذا قول جمهور العلماء، منهم: الثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: وقته وقت العِشاء؛ فإنه واجب عنده، ويجب التَّرتيب بينهما، بشرط الذِّكر، ويسقط بالسَّهو، فلا يُعيد الوتر عنده في الصُّورة المذكورة.
وكذلك مذهب سفيان، إذا صلَّى الوتر ناسيًا للعِشاء، ثم ذكر؛ أنه يصلِّي العِشاء ولا يُعيد الوتر.
وللشافعية وجهان آخران:
أحدهما: أن وقته يدخل بدخول وقت العِشاء، ويجوز فعله قبل صلاة العِشاء، تعمَّد ذلك أو لم يتعمَّد.
والثاني: أن وقته لا يدخل إلا بعد العِشاء وصلاة أخرى، فإن كان وتره بأكثر من ركعة صحَّ فعله بعد صلاة العِشاء، وإن أوتر بركعة لم يصِحَّ حتى يتقدَّمه نفل بينه وبين صلاة العِشاء. فتح الباري (9/ 145-147).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
وقال الإمام أحمد، فيمن يفجؤه الصُّبح، ولم يكن صلَّى بعد العَتمة شيئًا، ولا أوتر، قال: فيوتر بواحدة، قيل له: ولا يصلِّي قبلها شيئًا؟ قال: لا.
قال القاضي (يعني: أبا يعلى الفراء): فبيّن جواز الوتر بركعة، ليس قبلها صلاة، والأفضل تأخير فعل الوتر لآخر وقته إن وثق من نفسه أن يستيقظ؛ إمَّا بنفسه أو بمن يوقظه، لا مطلقًا؛ وفاقًا للشافعي. كشف اللثام (3/ 37-38).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
واختلفوا فيمن نسي العِشاء فأوتر، ثم صلَّى العِشاء، فقالت طائفة: لا يُعيد الوتر، كذلك قال سفيان الثوري والنعمان (أبو حنيفة). وقال مالك: يُعيد الوتر، وكذلك قال يعقوب، ومحمد (ابن الحسن الشيباني): إنه يُعيد الوتر، وإن ذكر بعد أيام. الأوسط (5/ 193).
وقال ابن المنذر -رحمه الله- أيضًا:
إذا نسي العِشاء فصلَّى الوتر، ثم ذكر صلَّى العِشاء، وأعاد الوتر استحبابًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سنَّ أن الوتر بعد صلاة العِشاء الآخرة. الأوسط (5/ 193).
وقال ابن المنذر -رحمه الله- أيضًا:
وكان مالك والشافعي وأحمد يقولون: يوتر ما لم يُصلِّ الصُّبح، وحُكِي عن سفيان الثوري أنه قال: إن أوترت بعد طلوع الفجر فلا بأس، وهكذا قال الأوزاعي، وقال النخعي والحسن والشعبي: إذا صلَّى الغداة فلا يوتر، وقال أيوب السختياني وحميد الطويل: إن أكثر وترنا بعد طلوع الفجر. الأوسط (5/ 193).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
والمأثور عن السَّلف أنهم إذا ناموا عن الوتر كانوا يوترون قبل صلاة الفجر. مجموع الفتاوى (17/ 473).
و‌‌سئل ابن تيمية -رحمه الله-:
عمن نام عن صلاة الوتر؟
فأجاب: يصلِّي ما بين طلوع الفجر وصلاة الصُّبح؛ كما فعل ذلك عبد الله بن عمر وعائشة وغيرهما...واختلفت الرِّواية عن أحمد: هل يقضي شفعه معه؟ والصَّحيح أنه يقضي شفعه معه. وقد صحَّ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها». وهذا يعمُّ الفرض وقيام الليل والوتر والسُّنن الراتبة...وفيه قول آخر: إن الوتر لا يقضى، وهو رواية عن أحمد؛ لِمَا روي عنه أنه قال: «إذا طلع الفجر فقد ذهبت صلاة الليل والوتر». قالوا: فإن المقصود بالوتر أن يكون آخر عمل الليل، كما أن وتر عمل النَّهار المغرب؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فاته عمل الليل صلَّى من النَّهار ثنتي عشرة ركعة، ولو كان الوتر فيهن لكان ثلاث عشرة ركعة.
والصَّحيح ‌أن ‌الوتر ‌يقضى ‌قبل ‌صلاة ‌الصُّبح؛ فإنه إذا صُلِيَت لم يبقَ في قضائه الفائدة التي شرع لها؛ والله أعلم. مجموع الفتاوى (23/ 89-91).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
اختلف السَّلف في مشروعية قضائه (أي: الوتر)؛ فنفاه الأكثر...، وعن عطاء والأوزاعي: يقضى ولو طلعت الشمس، وهو وجه عند الشافعية... وعن سعيد بن جبير: يقضى من القابلة، وعن الشافعية: يقضى مطلقًا. فتح الباري (2/ 480).
وقال الشيخ محمد علي الإتيوبي -رحمه الله-:
الحقُّ قول مَنْ قال: إن الوتر يُقضى؛ لأمره -صلى الله عليه وسلم- بقضائه، فقد أخرج أبو داود في سننه بسند صحيح، عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: «من نام عن وتره، أو نسيه، فليصلِّه إذا ذكره» فهذا نصٌّ صريحٌ صحيحٌ.
ويشهد له ما أخرجه الشيخان من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن نسي صلاةً، فليصلِّ إذا ذكرها...» الحديث، وفي لفظ لمسلم: «من نسي صلاةً، أو نام عنها، فكفَّارتها أن يصلِّيها إذا ذكرها»، فإن «صلاةً» نكرة في سياق الشَّرط، فيدخل فيه الفرض والنَّفل الذي له وقت معيّنٌ، كالوتر، فتبصَّرْ، واللَّه تعالى أعلم بالصَّواب. البحر المحيط الثجاج (15/ 587).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
وإذا جمع في وقت الأُوْلَى، فله أن يصلِّي سُنَّة الثَّانية منهما، ‌ويوتر ‌قبل ‌دخول ‌وقت ‌الثانية؛ لأن سُنَّتَها تابعة لها، فتتبعها( ) في فعلها ووقتها، والوتر وقته ما بين صلاة العِشاء إلى صلاة الصُّبح، وقد صلَّى العِشاء فدخل وقته. المغني (3/ 140).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا