الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إنَّ الله ‌أمدَّكم ‌بصلاةٍ هي خيرٌ لكم مِن ‌حُمرِ ‌النَّعَم، الوتر جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر».


رواه أحمد برقم: (9)، وأبو داود برقم: (1418)، والترمذي برقم: (452)، وابن ماجه برقم: (1168)، من حديث خارجة بن حُذافة العدوي -رضي الله عنه-.
سلسة الأحاديث الصحيحة (3/132)، وإرواء الغليل برقم: (423)، صحيح دون قوله: «هي خير لكم من ‌حُمر ‌النَّعم».


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌أَمَدَّكُم»:
أَصْلُ المَدِّ: الزيادة، وكُل شيءٍ دَخل في شيءٍ فَكَثَّرَهُ فقد مَدَّهُ.البحر المحيط، لابن حيان(1/١٠٣).
وقال ابن سيده -رحمه الله-:
يقال: أَمَدَّ الأميرُ جُنْدَه بالخَيْل والرِّجالِ: أَعانَهُم، وأَمَدَّهُمْ بمالٍ كَثِير: أعانَهُم وأَغاثَهُم. وقالَ بَعضُهم: أَعْطاهُم. والأَوَّلُ أكثُر، وفي التَّنْزِيل: {وأمددناكم بأموال وبنين} الإسراء: 6. المحكم والمحيط الأعظم(9/ 288).

«حُمْر»:
قال الفيومي -رحمه الله-:
الحمرة من الألوان معروفة، والذَّكَرُ أحمر، والأنثى حمراء، والجمع: حُمْر...، وحُمْرُ النَّعم ساكن الميم: كرائِمها. المصباح المنير (1/ 150).

«‌النَّعَم»:
«النعم» بالتحريك: الإبل. فيض القدير، للمناوي (2/ 244).
قال الفيومي -رحمه الله-:
النَّعم: المال الراعي، وهو جمع لا واحد له من لفظه، وأكثر ما يقع على الإبل، قال أبو عبيد: النَّعَم الجِمَال فقط، ويؤنَّث ويذكر، وجمعه نُعْمَان، مثل حَمَلٍ وحُمْلَان، وأنعام. المصباح المنير (2/ 613).


شرح الحديث


قوله: «خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»:
قال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «خرج علينا رسول الله -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم-» يعني: لصلاة الصبح، كما في رواية محمد بن نصر قال: «خرج علينا رسول الله ذات غداة إلى الصبح». المنهل العذب المورود (8/ 43).

قوله: «إن الله ‌أمدكم ‌بصلاة»:
قال البيضاوي -رحمه الله-:
«إن الله أمدكم» أعطاكم زيادة لكم في أعمالكم، قال الله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} الشعراء:133، والإمداد: إِتْبَاعُ الثاني الأول؛ تقوية وتأكيدًا له، من الْمَدَدِ، وروي: «زادكم»، وليس في الروايتين ما يدل على وجوب الوتر؛ إذ الإمداد والزيادة يحتمل أن يكون على سبيل الوجوب، وأن يكون على طريقة الندب. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 372).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وأقول: «إن الله أمدكم» وارد على سبيل الامتنان على أُمته، مرادًا به مزيد فضل على فضل، كأنه قيل: إن الله تعالى فرض عليكم الصلوات الخمس ليُؤجركم بها ويثيبكم عليها، ولم يكتف بذلك، فشرع صلاة التهجد والوتر ليزيدكم إحسانًا على إحسان، وثوابًا على ثواب، وإليه لمَّح بقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} الإسراء: 79 ولفظة {لَكَ} تدل على اختصاص الوجوب به، فدل مفهومه على أنه غير واجب على الغير. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1225).
وقال الفتني -رحمه الله-:
قوله: «أمدكم»: هو من أَمَدَّ الجيش- إذا أَلحق به ما يقويه، أي: فرض عليكم الفرائض ليُؤجركم بها، ولم يكتف به، فشرع صلاة التهجد والوتر ليزيدكم إحسانًا على إحسانٍ. مجمع بحار الأنوار(4/٥٥٣).
وقال العيني -رحمه الله-:
ونَسَب النبي -عليه السلام- زيادة الوتر إلى الله تعالى بأمره وإيجابه، ولو لم يكن واجبًا لكان بمنزلة التراويح والسنن التي واظب عليها، ولم يجعلها زيادة في الفرائض. نخب الأفكار (6/ 426).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «أمدكم بصلاة» يدل على أنها غير لازمة لهم، ولو كانت واجبة لخرج الكلام فيه على صيغة لفظ الإلزام، فيقول: ألزمكم، أو فرض عليكم، أو نحو ذلك من الكلام.
وقد روي أيضًا في هذا الحديث: «إن الله قد زادكم صلاة» ومعناه: الزيادة في النوافل؛ وذلك أن نوافل الصلوات شفع لا وتر فيها، فقيل: أمدكم بصلاة، وزادكم صلاة لم تكونوا تصلونها قبل على تلك الهيئة والصورة، وهي الوتر. معالم السنن (1/ 285).
وقال العيني -رحمه الله-:
قلنا: لا نسلِّم أن قوله: «أمدكم بصلاة» تدل على أنها غير لازمة، ولئن سلَّمْنَا فلا ينافي ذلك دلالة دليل آخر على الوجوب، وقد جاءت أحاديث أخر تدل على الوجوب، فيتأكد حكم هذا الحديث بتلك الأحاديث، فلا يكون فيه دليل على أن الوتر لا يقضى بعد طلوع الفجر، بل يقضى أبدًا. شرح أبي داود (5/ 326).
وقال التوربشتي -رحمه الله- بعد أن ذكر جملة من الأحاديث:
وبسائر هذه الروايات استَدل من رأى وجوبها، واستدل أيضًا بحديث أبي أيوب عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الوتر حق على كل مسلم»، وبحديث بريدة بن الحصين السلمي عن النبي-صلى الله عليه وسلم-: «الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا»، وبحديث أبي محمد: «الوتر واجب». الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 320).
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
كلها آثار محتملة للتأويل؛ لأن قوله: «زادكم صلاة» ليس بموجب للفرض؛ لاحتماله أن يكون زادنا فيما يكون لنا زيادة في أعمالنا، كما جاء في الوصية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله جعل لكم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم»، ومعلوم أنما هو لنا خلاف لما افترض علينا، ويصحح هذا التأويل قوله –عزَّ وجلَّ-: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} البقرة 238، ولو كانت ستًّا لم يكن فيها وسطى، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد»، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مثل الصلوات الخمس»، وقال له أعرابي: «يا رسول الله، هل عليَّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع» والآثار بمثل هذا كثيرة جدًّا. الاستذكار (2/ 112-113).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
واستدل الحنفية بهذا الحديث على وجوب الوتر، وذلك بوجوه:
الأول: أنه أضاف الزيادة إلى الله تعالى، والسنن إنما تضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والثاني: أن الزيادة إنما تتحقق في الواجبات؛ لأنها محصورة العدد، لا في النوافل؛ لأنها لا نهاية لها.
والثالث: أن الزيادة على الشيء لا تتصور إلا إذا كان من جنس المزيد عليه.
والرابع: أنه جعل له وقتًا معينًا، وهو من أمارات الوجوب. مرعاة المفاتيح (4/ 278).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
احتج علماء أبي حنيفة فقالوا: إن الزيادة لا تكون إلا من جنس المزيد، وهذه دعوى، بل الزيادة تكون من غير جنس المزيد، كما لو ابتاع بدرهم، فلما قضاهُ زاده ثُمنًا أو رُبْعًا إحسانًا، كزيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- لجابر في ثمن الجَمَل فإنها زيادة، وليست بواجبة. عارضة الأحوذي (2/ 244).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: الأمر كما قال ابن العربي، لا شك في أن قولهم: إن الزيادة لا تكون إلا من جنس المزيد.. مجرد دعوى لا دليل عليها، بل يردها ما ذكره هو بقوله: كما لو ابتاع بدرهم...إلى آخره. مرشد ذوي الحجا (7/ 250).

قوله: «هي خير لكم من ‌حُمر ‌النَّعَم»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«الحُمْر»: جمع أَحْمَر، و«النَّعم»: هنا الإبل، والإبل الأحمر عندهم أعز الأموال، فقال -عليه السلام-: هذه الصلاة خير لكم مما تحبون من أموال الدنيا، لأنها ذخيرة الآخرة، والآخرة خير وأبقى. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 288).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
وقيل: المراد إنها خير لكم من أن تتصدقوا بها، وهو اعتقادهم الخيرية فيها، وإلا فذرَّة من الآخرة خير من الدنيا وما فيها. مرعاة المفاتيح (4/ 278).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، وإنما قال ذلك ترغيبًا للعرب فيها؛ لأن حُمْرَ النَّعم أعز الأموال عندهم. شرح المصابيح (2/ 185).
وقال المناوي -رحمه الله-:
كأنه قيل: هذه الصلاة خير مما تحبون من عَرَضِ الدنيا وزينتها؛ لأنها ذخيرة للآخرة {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} الأعلى: 17. فيض القدير (2/ 244).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قال ذلك -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- تقريبًا إلى الأفهام، وإلا فموضع سوط في الجنة خير من الدنيا، فكذلك الوتر خير من الدنيا وما فيها. المنهل العذب المورود (8/ 44).

قوله: «الوتر»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«الوتر» هي مجرورة؛ لأنها بدل لقوله: «أمدكم بصلاة»، ويجوز أن يكون مرفوعًا على تقدير فهي الوتر. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 288).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
ويجوز النصب بتقدير: أعني. مرعاة المفاتيح (4/ 278).

قوله: «جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وإنما لم يقل في وقت العشاء؛ لئلا يُتوهم جواز تقديم الوتر على فرض العشاء، مع أن الزيادة تكون بعد كمال المزيد فيه، وهو بأداء صلاة العشاء. مرقاة المفاتيح (3/ 947).
قال عبيد الله المباركفوري رحمه الله:
«فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر» فيه دليل على أن أول وقت الوتر يدخل بالفراغ من صلاة العشاء، ويمتد إلى طلوع الفجر. مرعاة المفاتيح (4/ 278).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
فلو أوتر قبل صلاة العشاء لم يصح وتره. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 376).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قال المجد ابن تيمية في المنتقى: فيه دليل على أنه لا يعتد به (يعني: الوتر) قبل العشاء بحال. مرعاة المفاتيح (4/ 278).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وقوله: «ما بين صلاة العشاء» ولم يقل: ما بين وقت العشاء، يدل على أن الإنسان لو أوتر قبل صلاة العشاء فإنه لا وتر له. فتح ذي الجلال والإكرام (2/ 237).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
ومن صلى العشاء مع المغرب جمعَ تقديمٍ دخل وقت الوتر بالنسبة له بعد فراغه من صلاة الجمع، وهو قول الشافعي وأحمد، وهو الراجح -إن شاء الله-؛ لأن وقت الصلاة المجموعة وقتٌ لما يُجمع إليها، والله تعالى أعلم. منحة العلام (ص: 246).

قوله: «إلى أن يطلع الفجر»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
أي: صلاتها «إلى طلوع الفجر»، ومنهم من قال: تُصلى بعد دخول وقت العشاء وإن لم يصلّ الفريضة فلا يقدر مُضاف. التنوير (6/ 311).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال ابن التين: أول وقته انقضاء صلاة العشاء، واختلف في آخره. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (8/ 189).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
أجمع أهل العلم على أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر. الأوسط (5/ 190).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ولا خلاف في أن أول وقته بعد صلاة العشاء، وأما آخر وقته المختار فمذهب الجمهور أنه طلوع الفجر. المفهم (2/ 382).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
والمأثور عن السلف أنهم إذا ناموا عن الوتر كانوا يوترون قبل صلاة الفجر. مجموع الفتاوى (17/ 473).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
إذا طلع الفجر انتهى وقت الوتر، فمن لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا يوتر بطلوع الفجر وصلاة الفجر؛ لأنه انتهى الوقت، ولكن الذي ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يصلي ما فاته من صلاة الليل في النهار، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا صلاها لا يوتر بل يشفع، فيصلي إذا غلبه نوم أو وجع ولم يقم بالليل من النهار ثنتي عشرة ركعة. فتح ذي الجلال والإكرام (2/ 237-238).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
وتمسك مالك وأحمد بهذا الحديث على قولهما: إن الوتر لا يُقْضَى، والمعتمد عند الشافعية أنه يسن قضاؤه. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 376).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وفيه: دليل على أن الوتر لا يقضى بعد طلوع الفجر، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وهو قول عطاء. معالم السنن (1/ 286).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
فقه الحديث: دلّ الحديث على مشروعية صلاة الوتر والترغيب فيه، وعلى أن الوتر ليس بواجب؛ إذ لو كان واجبًا لما سيق الكلام على الترغيب، بل يكون على صفة الإلزام كأن يقال: فَرَضَ عليكم، أو أوجب عليكم....
ودل الحديث على أن وقت الوتر بعد الفراغ من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وهو متفق عليه. المنهل العذب المورود (8/ 44).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
استدل العلماء بهذا الحديث على مشروعية الوتر، والترغيب فيه؛ حيث بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى أنعم به على هذه الأُمَّة؛ ليزداد ثوابها. منحة العلام (ص: 245).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا