«مَنْ قال حينَ يُصْبِحُ وحينَ يُمْسِي: سبحانَ اللهِ وبحمدِهِ، مائةَ مرَّةٍ، لم يأتِ أحدٌ يومَ القيامةِ، بأفضلَ مما جاءَ بهِ، إلَّا أحدٌ قال مثْلَ ما قال أو زادَ عليه».
رواه مسلم برقم: (2692)، وفي لفظ عند أبي داود برقم: (5091): «سبحانَ اللَّهِ العظيمِ وبحمدِه»، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«سبحان الله»:
تنزيهٌ لله عن كل ما لا ينبغي أن يوصف به، ونصبه في موضع فعل على معنى: تسبيحًا لله، تريد: سبحتُ تسبيحًا لله أي: نزّهته تنزيهًا. العين، للفراهيدي(3/ 151).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وقولك: سبحان الله، معناه: سبَّحتُ الله ونزّهته عن كل عيب، فنُصِبَ على مذهب المصدر. غريب الحديث (1/ 140).
وقال الحميدي -رحمه الله-:
سبحان الله: تَنْزِيه الله عن كل مَا نزَّه عَنه نفسه من مشابهة المخلوقات أَو شيء منها. تفسير غريب ما في الصحيحين (ص: 445).
«وبحمده»:
«وبحمده»: أي وبحمده سبَّحْتُ. المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، للمديني (1/ 212).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
ومعناه: اجْعَل تسبيح الله مختلطًا وملتبسًا بحمده. النهاية (1/ 177).
شرح الحديث
قوله: «من قال حين يصبح وحين يمسي»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«من قال حين يصبح» أي: يدخل في الصباح «وحين يمسي» أي: يدخل في المساء. الكوكب الوهاج (25/ 50).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«حين يصبح وحين يمسي» أي: فيهما بأن يأتي ببعضها في هذا وببعضها في هذا، أو في كل واحد منهما، وهو الأظهر، ولكن كلام النووي الآتي يؤيد الأول، وكأنه اعتبر المتيقن الذي هو الأقل. مرقاة المفاتيح (4/ 1593).
قوله: «سبحان الله»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
ومعناه: براءة وتنزيهًا لك، ويقال: إن التسبيح مأخوذ من قولهم: سبح الرجل في الأرض إذا ذهب فيها، ومنه قيل للفَرَس الجواد: سابح، قال الله: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يس: 40، فكان التسبيح على هذا المعنى بمعنى التعجب، من المبالغة في الجلال والعظمة والبعد عن النقائص. إكمال المعلم (2/ 398).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وأمّا قوله: «سبحان الله وبحمده» فقد بيَّنَّا أنها تنزيه لله -عز وجل- من كل سوء، ومن كل ما لا يجوز عليه، فكانت منزِّهة لقائلها من خطاياه التي تجوز عليه وعلق بها، فلما قال ما نُزِّه الله -عز وجل- به عما لا يجوز عليه، نزَّهه من خطاياه كلها التي تجوز عليه. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 417).
وقال العيني -رحمه الله-:
ومعنى التسبيح: التنزيه عما لا يليق به -سبحانه وتعالى- من الشريك والولد والصاحب والنقائص وسمات الحدث مطلقًا. نخب الأفكار (3/ 522).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
ومعنى «سبحان الله» أُبَرِّئُ الله من السوء براءة. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (4/ 338).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قول: «سبحان الله» ومعناه: تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص، فيلزم نفي الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل، ويُطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر، ويطلق ويراد به صلاة النافلة، وأما صلاة التسبيح فسمِّيت بذلك لكثرة التسبيح فيها، و«سبحان» اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره: سبَّحتُ الله سبحانًا، كسبَّحتُ الله تسبيحًا، ولا يستعمل غالبًا إلا مضافًا، وهو مضاف إلى المفعول أي: سبحتُ الله، ويجوز أن يكون مضافًا إلى الفاعل أي: نزَّه اللهُ نفسه، والمشهور الأول، وقد جاء غير مضاف في الشعر كقوله:
سبحانه ثم سبحانًا أنزهه. فتح الباري (11/ 206).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وهذا الذكر «سبحان الله وبحمده» معناه: أنك تُنزه الله -عزَّ وجلَّ- عن كُل ما لا يليق بجلاله -سبحانه وتعالى-، وتثني عليه بل وتصفه بصفات الكمال وذلك في قولك: «وبحمده»، فينبغي للإنسان إذا أصبح أن يقول: «سبحان الله وبحمده» مائة مرة، وإذا أمسى أن يقول: «سبحان الله وبحمده» مائة مرة؛ وذلك ليحوز هذا الفضل الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم-. شرح رياض الصالحين (5/ 539).
قوله: «وبحمده»:
قال ابن تيمية رحمه الله-:
ففي قوله: «سبحان الله وبحمده» إثبات تنزيهه وتعظيمه وإلهيته وحمده. الفتاوى الكبرى (5/ 229).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- أيضًا:
فنقول: التسبيح والتحميد يجمع النفي والإثبات؛ نفي المعايب وإثبات المحامد؛ وذلك يتضمن التعظيم... فـالتسبيح يتضمن: التنزيه المستلزم للتعظيم، والحمد يتضمن: إثبات المحامد المتضمن لنفي نقائصها. قاعدة حسنة في الباقيات الصالحات (ص: 22- 23).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: «وبحمده» معطوف فما المعطوف عليه؟
قلتُ: الواو للحال تقديره: وسبحتُ الله متلبسًا بحمدي له؛ من أجل توفيقه لي للتسبيح ونحوه، ويحتمل أن يكون الحمد مضافًا إلى الفاعل، والمراد من الحمد لازمه مجازًا، وهو ما يوجب الحمد من التوفيق ونحوه، أو لعطف الجملة على الجملة نحو: التبستُ بحمده. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (22/ 185).
قوله: «مائة مرة»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«مائة مرة» سواء كانت متوالية، وهو الأفضل والأَوْلى، وخصوصًا في أوله، أو متفرقة بعضها أول النهار، وبعضها آخره. البحر المحيط الثجاج (42/ 148).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
فلو قال: «سبحان الله وبحمده مائة مرة» هذا اللفظ لم يستحقَّ الثواب المذكور، وكانت تسبيحةً واحدة. إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان (1/ 526).
قوله: «لم يأتِ أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«لم يأتِ أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء» أي: القائل «به» وهو قول المائة المذكورة. مرقاة المفاتيح (4/ 1594).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وقال بعض الناس: هذه الفضائل التي جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة...» وما شاكلها إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال والطهارة من الجرائم العظام، ولا يظن أن مَن فعل هذا وأصرَّ على ما شاء من شهواته وانتهك دِين الله وحُرماته أنه يلحق بالسابقين المطهَّرين، وينال منزلتهم في ذلك بحكاية أحرف ليس معها تُقى ولا إخلاص، ولا عمل، ما أظلمه لنفسه من يتأول دِين الله على هواه!. شرح صحيح البخاري (10/ 134).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قال بعض المتكلمين على المعاني: هذه الفضائل التي جاءت في هذه الأذكار إنَّما هي لأهل الشرف في الدين والطهارة من الكبائر، دون المُصرِّين وغيرهم، وفيما قاله نظر، والأحاديث عامة، ولو قال: لمن قالها معظمًا لِربّه، مخلصًا من قلبه، نيته صادقة مطابقة لقوله، كان أولى. إكمال المعلم (8/ 226).
وقال النووي -رحمه الله- مُعلقًا:
قلتُ: الصحيح أنها لا تختص، والله أعلم. شرح مسلم (17/ 48).
قوله: «إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
وليس هذا من التحديد الذي نُهي عن اعتدائها، والمجاوزة عن أعدادها، وأن زيادتها لا فضل فيها، أو يبطلها كالزيادة في عدد الطهارة، وعدد ركعات الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد بالزيادة ما أتى من أعمال الخير، لا من نفس التسبيح.
أقول: والاستثناء في قوله: «إلا أحد» منقطع، فالتقدير: لم يأتِ أحد بأفضل مما جاء، ولكن رجل قال مثل ما قاله، فإنه يأتي بمساوٍ له، ولا يستقيم أن يكون متصلًا إلا على التأويل، نحو قول الشاعر:
وبلدةٍ ليس بها أنيسُ *** إلا اليعافير وإلا العيسُ. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1820).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
فهذه الأحاديث دالة على عدم اعتبار منع الزائد والناقص، وإن أصل السُّنة يحصل بدون المائة، وإن الأكمل مائة بعدد أسمائه الحُسنى، وما زاد عليها أفضل واللّه أعلم. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (7/ 345).
وقال الجلال السيوطي -رحمه الله-:
قال الشيخ أكمل الدين (محمد بن محمد البابرتي): في الكلام حذف يدل عليه سياقه، وتقديره -والله أعلم-: لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به أو بمثله إلا أحدٌّ قال مثل ما قال أو زاد عليه؛ ليكون قائل الزائد آتيًا بأفضل، والقائل مثل ما قال بالمثل، ولولا التقدير لزم أن يكون الآتي بالمثل آتيًا بأفضل وليس كذلك.
قال: والأصل أن يُستعمل (أحد) في النفي، و(واحد) في الإثبات، وقد يستعمل أحدهما مكان الآخر.
قلتُ: الأَولى أن يجعل (أو) بمعنى الواو، أي: قال مثل ما قال وزاد عليه، وحينئذٍ لا يحتاج إلى تقدير. عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد (3/ 10).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
فإن قلتَ: كيف يجوز الزيادة وقد قالوا: إن تحديدات الشرع في الأعداد لا يجوز التجاوز عنها؟
قلنا: لما صرَّح في الحديث بجواز الزيادة عُلم أنه ليس من ذلك القبيل كأعداد الركعات ونحوها، فعدم جواز الزيادة في الأعداد ليس كلها، أو المراد: زاد عليه من أعمال الخير، فافهم. لمعات التنقيح (5/ 127).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«قال مثل ما قال» مثل قوله أو مثل ما قاله، «أو زاد» أي: فالأول: جاء بمثل ما جاء به، والثاني: زاد عليه، هذا إن جعلنا (أو) ليست للشك من الراوي، بل للتنويع، وإن جعلناها للشك فالاستثناء متصل على الوجه الثاني، منقطع على الأول، وعلى كلٍّ ففيه إيماء إلى أن الاستكثار من هذا محبوب إلى الله تعالى، وأنه ليس له حد لا يتجاوز عنه، كعدد المعقبات عقب المكتوبات. دليل الفالحين (7/ 258).
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال الطيبي -رحمه الله-: دَلَّ الحديث على أنَّ من زاد على العدد المذكور كان له الأجر المذكور والزيادة، فليس ما ذكره تحديدًا لا يجوز الزيادة عليه كما في عدد الطهارة وعدد الركعات. اهـ. ولعل الفرق أن الأول للتشريع والثاني للترغيب. مرقاة المفاتيح(4/١٥٩٤)