«مَن توضَّأَ يومَ الجمعةِ فبها ونِعمتْ، ومَنِ اغتسلَ فذلك أفضلُ».
رواه أحمد برقم: (20259) واللفظ له، وأبو داود برقم: (354)، والترمذي برقم: (497)، والنسائي برقم: (1380)، عن سَمُرَة بن جُنْدُب -رضي الله عنه-.
ورواه ابن ماجه برقم: (1091)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6180)، صحيح سنن أبي داود برقم: (381).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«نِعمتْ»:
النون والعين والميم راجعة إلى أصل واحد يدل على ترفُّهٍ وطيبِ عيشٍ وصلاح، ونِعْمَ: ضد بئس، ويقولون: إن فعلت ذاك فبها ونِعْمَتْ، أي: نِعْمَت الخصلة هي. مقاييس اللغة، لابن فارس (5/ 446-447).
شرح الحديث
قوله: «من توضَّأَ يوم الجمعةِ فبها ونِعمتْ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«من توضأ يوم الجمعة» لصلاتها. التنوير (10/ 187).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«من توضأ» «مَن» شرطية، أيُّ إنسان يتوضأ «يوم الجمعة» للجمعة. فتح ذي الجلال والإكرام (1/ 333).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فبها» الباء متعلقة بمقدَّر؛ أي: فبالشريعة، أو بالرخصة أَخذ. شرح المصابيح (1/ 336 ).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«فبها» أي: فبالسُّنة أخذ، أي: بما جوّزته من الاقتصار على الوضوء. إرشاد الساري (2/ 158 ).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
«فبها» أي: بالسُّنة أخذ المتوضِّئ. توضيح الأحكام (1/ 385 ).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
«فبها» الباء متعلقة بفعل مضمر، أي: فبهذه الخصلة أو الفعلة -يعني بالوضوء- ينال الفضل. الفائق في غريب الحديث والأثر (4/3).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فبها» الأَولى أن يقال: فبالرخصة؛ إذ الفعلة والخصلة مبهمة، والشريعة عامة شاملة، قيل: فبالرخصة أخذ. مرقاة المفاتيح (2/ 488 ).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«فبها» من توضأ فبالفريضة أخذ...، وقيل: فبهذه الخصلة ينال الفضل، والمتبادَر: فعليه بتلك الفعلة، أي: لإقامة أصل الفريضة التي لا يجوز تركها. لمعات التنقيح (2/ 277).
وقال السندي -رحمه الله-:
«فبها» أي: فيُكتفى بها، أي: بتلك الفعلة التي هي الوضوء، وقيل: فبالسُّنة أخذ، وقيل: بالفريضة أخذ، ولعل مَن قال بالسُّنة أراد ما جوَّزته السُّنة، ولا يخفى بُعد دلالة اللفظ على هذه المعاني. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 339 ).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فبها» أي: فيُكتفى بها، أي بتلك الفعلة التي هي الوضوء، وقيل: فبطهارة الوضوء حصل الواجب ونِعْمَت الطهارة للصلاة هذه...، وقيل: فبالفريضة أخذ، ونِعْمَت الفريضة هذه. مرعاة المفاتيح (2/ 237 ).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
«ونِعْمَتْ» يريد ونعمت الخصلة، ونعمت الفعلة أو نحو ذلك، وإنما ظهرت التاء التي هي علامة التأنيث لإظهار السُّنة أو الخصلة أو الفعلة. معالم السنن (1/ 111 ).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال القلعي: وروي «نَعِمْتَ» بفتح النون وكسر العين وفتح التاء أي: نَعَّمَكَ الله، وهذا تصحيف نبَّهْتُ عليه لئلا يُغتر به. المجموع (4/ 533 ).
وقال أبو علي القالي -رحمه الله-:
ومعنى قوله: «ونعمت» أي: نعمت الخصلة الوضوء، ولا يجوز ونِعْمَهُ بالهاء؛ لأن مجرى التاء التي في «نعمت» مجرى التاء التي في قامت وقعدت. الأمالي في لغة العرب (2/ 292).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«ونعمت» الخصلة أي: الفعلة، والغسل معها أفضل. إرشاد الساري (2/ 158 ).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
«ونعمت» أي: نعمت الخصلة هي، فحُذف المخصوص بالمدح، وسئل عنه الأصمعي فقال: أظنه يريد فبالسُّنة أَخَذ وأضمر ذلك إن شاء الله. الفائق في غريب الحديث والأثر (4/3).
وقال الطيبي -رحمه الله- متعقبًا للزمخشري:
وفي هذا انحراف عن مراعاة حق اللفظ؛ فإن الضمير الثاني يرجع إلى غير ما يرجع إليه الضمير الأول. ويحتمل أن يقال: عليه بتلك الفعلة. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 852 ).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ونعمت» السُّنة التي تركها، أي: الغسل، وهذا وإن قَوِيَ مَعْنًى ضَعِيفٌ لَفْظًا؛ لاختلاف مرجع الضميرين مع عدم ما يدل على مرجع الثاني، فالأَولى أن يقال: التقدير: فبالفرضية أخذ، ونعمت الفرضية هي، أي: أو بخصلة النظافة أخذ. مرقاة المفاتيح (2/ 488 ).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ونعمت» أي: ونعمت الرخصة، ويجوز أن يكون الضمير يعود على الطهارة، أي: فبالطهارة أخذ. فتح ذي الجلال والإكرام (1/ 333 ).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ونعمت» السُّنة، أو بالرخصة أخذ ونعمت الرخصة؛ لأن السُّنة الغسل، أو بالفريضة أخذ ونعمت الفريضة؛ فإن الوضوء هو الفريضة. سبل السلام (1/ 332 ).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
«ونعمت» لأن فيها تيسيرًا على الناس، فالوضوء رُخصة، والسُّنة الغسل. منحة العلام (2/ 30 ).
وقال السندي -رحمه الله-:
«نعمت» المقصود أن الوضوء ممدوح شرعًا لا يُذم من يقتصر عليه. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 339 ).
قوله: «ومنِ اغتسلَ فذلك أفضلُ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ومن اغتسل» أي: يوم الجمعة لصلاتها... فالغسل أفضل؛ لأنه تطهير أَكمل. مرقاة المفاتيح (2/ 488 ).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
«أفضل» أفعلُ التفضيل؛ إذِ الجانبُ المفضول فيه فضل أقلُّ من الجانب الآخر. توضيح الأحكام (1/ 386 ).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أفضلُ» لأن الغسل تطهير لجميع البدن. التيسير (2/ 412 ).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ووجه الدلالة منه: قوله: «أفضل»؛ فإنه يقتضي اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل، فيستلزم إجزاء الوضوء. فتح الباري (2/ 362 ).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أفضلُ» أي: لأنه أكمل الطهارتين، فيكون أنسب لما طُلب في ذلك اليوم من كمال النظافة. ذخيرة العقبى (16/ 128 ).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وبالجملة للقوم في إثبات سُنية غسل الجمعة واستحبابه ثلاث طرق:
أحدها: أن الوجوب كان في الابتداء بالدلائل الدالة عليه ثم نُسخ، واستُحب بما جاء من الدلائل، ولكن ادعاء النسخ بمجرد الاحتمال من غير علم بالتاريخ بعيد.
وثانيها: انتهاء الحكم بانتهاء العلة...
وثالثها: حمل الأمر على الندب والوجوب على الثبوت أو على التأكيد؛ جمعًا بين الدلائل، وهذا المسلك أقوى وأقوم كما لا يخفى. لمعات التنقيح (2/ 276 ).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
الأدلة القاضية بعدم الوجوب ليس فيها المنع من الغسل، بل فيها الترغيب إليه... وهكذا المقلِّد إذا سمع أحد العالِمِين يقول بوجوب الغسل، والآخر يقول: لا يجب، فالورع والوقوف عند المشتبه هو أن يغتسل، لأن القائل بعدم الوجوب لا يقول بعدم الجواز، بل يقول: بأن الغسل مسنون أو مندوب، والضابط لذلك بالنسبة إلى المجتهد: أن الدليلين المتعارضين إذا كان أحدهما يدل على التحريم أو الكراهة، والآخر يدل على الجواز فالورع الترك، وإن كان أحدهما يدل على الوجوب أو الندب، والآخر يدل على الإباحة، فالورع الفعل. الفتح الرباني (4/ 2066-2067 ).
وقال الشوكاني -رحمه الله- أيضًا:
فإن دلالة الحديث على عدم الوجوب ظاهرة واضحة...؛ فإن اقتصاره -صلى الله عليه وسلم- على الوضوء في هذا الحديث يدل على عدم وجوب الغسل، فوجب تأويل حديث «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» بحمله على أن المراد بالوجوب تأكيد المشروعية جمعًا بين الأحاديث، وإن كان لفظ واجب لا يُصرف عن معناه إلا إذا ورد ما يدل على صرفه كما فيما نحن بصدده، لكن الجمع مقدم على الترجيح ولو كان بوجه بعيد. السيل الجرار (ص: 74).
وقال محمد علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
هذا الذي حققه الشوكانيُّ -رحمه الله- هو التحقيق الحقيق بالقبول، فإنه حسنٌ جدًّا؛ لأن الجمع بين الأحاديث المختلفة مهما أمكن هو المتعيّن، ولا سيما إذا كان طريق الجمع واضحًا، كما نحن فيه.
والحاصل: أن غسل يوم الجمعة مستحب استحبابًا أكيدًا بحيث يستحقّ تاركه التعنيف، والإنكار الشديد عليه، كما تقدم من قصّة عمر، وعمار بن ياسر، وغيرهما، واللَّه تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط (17/ 38 ).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
وقال عبد الله بن مسعود: "غسل يوم الجمعة سُنة"، وكان ابن عباس يأمر بالغسل، قال عطاء: من غير أن يأثم من تركه. الأوسط (4/ 41 ).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
أجمع المسلمون قديمًا وحديثًا على أن غسل الجمعة ليس بفرض واجب، وفي ذلك ما يكفي ويغني عن الإكثار، ولا يجوز على الأُمَّة بأسرها جهل معنى السُّنة ومعنى الكتاب. التمهيد (6/ 506 ).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وذهب عامة الفقهاء إلى أنه (غسل الجمعة) سُنة وليس بفرض، ولم تختلف الأُمَّة في أن صلاته مجزئة إذا لم يغتسل، فلمّا لم يكن الغُسل من شرط صحتها دلّ على أنه استحباب كالاغتسال للعيد والإِحرام الّذي يقع الاغتسال فيه متقدِّمًا لسببه، ولو كان واجبًا لكان متأخّرًا عن سببه كالاغتسال للجنابة والحيض والنّفاس. معالم السنن (1/ 106 ).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
لو كان الغسل للجمعة واجبًا فرضًا لكان من فرائض الجمعة ألَّا تجزئ إلا به، وقد أجمع العلماء على أن صلاة من شهد الجمعة على وضوءٍ دون غسل جائزة ماضية. الاستذكار (2/ 13 ).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله- أيضًا:
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ يوم الجمعة، فبها ونعمت...» بيان واضح على سقوط وجوبه، وأنه فضيلة وسُنة مستحبة، وكان الشافعي يقول: إنه سُنة. التمهيد (6/ 516 ).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والحديث دليل على عدم وجوب الغسل، وهو كما عرفت دليل الجمهور على ذلك، وعلى تأويل حديث الإيجاب، إلا أن فيه سؤالًا وهو: أنه كيف يفضل الغسل وهو سُنة على الوضوء وهو فريضة، والفريضة أفضل إجماعًا؟
والجواب: أنه ليس التفضيل على الوضوء نفسه، بل على الوضوء الذي لا غسل معه، كأنه قال: من توضأ واغتسل فهو أفضل ممن توضأ فقط. سبل السلام (1/ 128).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وهذا الحديث صريح بأن غسل يوم الجمعة سُنة لا واجب... وأما ادعاء أن حديث الوجوب أصح فقُدِّم على هذا فغير صحيح؛ لأن أصحيته لا تقتضي تقديمه إلا على ضده الذي لا يمكن الجمع بينه وبينه، وأما ما يمكن الجمع بينه وبينه فلا يجوز إلغاء الصحيح بالأصح، بل يتعين الجمع بينهما، فمِن ثمَّ أوَّلنا الأصح بما يوافق الصحيح لا العكس؛ لتعذُّره لما تقرَّر أن الوجوب يطلق كثيرًا شائعًا على التأكيد، كما يقول الرجل لصاحبه: حقك واجب عليَّ، وأما مدح الاقتصار على الوضوء، وجعل الغسل أفضل منه فلا يطلق ذلك مع فرض وجوب الغسل مطلقًا. مرقاة المفاتيح (2/ 488 ).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
قد كان الغسل واجبًا في أول الإسلام فنُسخ بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فلغسل أفضل» فبقي الغسل مستحبًا. الإفصاح (4/ 13 ).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الظاهر وحكي عن بعض الصحابة، وعن الحسن، وحكاه الخطابي عن مالك، ومعروف مذهبه وصحيحه: أنه سُنة، وهو مذهب عامة أئمة الفتوى، وحملوا تلك الأحاديث على أنه واجب وجوب السنن المؤكدة. المفهم (2/ 479 ).
وقال النووي -رحمه الله-:
يسن الغسل لحاضرها، وقيل: لِكُلِّ أحد. منهاج الطالبين (ص: 48).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)