الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«لا يَصُومَنَّ أَحدُكُم يومَ الجمعةِ إلَّا يومًا قَبْله أَو بعدَهُ»


رواه البخاري برقم: (1985) واللفظ له، ومسلم برقم: (1144)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الجمعة»:
يوم الجُمُعَةُ: بضَمِّ الميم ويُجمَعُ على (جُمُعَات) و(جُمَع). الصحاح، للجوهري (ص: 828).
وقال ابن دريد -رحمه الله-:
الجُمُعة: مشتقة ‌من ‌اجتماع الناس فيها للصلاة، ونادوا الصلاة جامعة أي: اجتمعوا لها.جمهرة اللغة (1/ 484)


شرح الحديث


قوله: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «‌لا ‌يَصُومَنَّ» بلفظ النَّهي المؤكد بنون التوكيد. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان(10/ 510).
وقال الكَرْماني -رحمه الله-:
وقيل: الحكمة فيه: أنه لا يتشبَّه باليهود في إفرادهم صوم يوم الاجتماع في معبدهم. الكواكب الدراري (9/ 143).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ولا يحل صوم يوم ‌الجمعة إلا لمن صام يومًا قبله أو يومًا بعده، فلو نَذَرَه إنسان كان نَذْرُه باطلاً، فلو كان إنسان يصوم يومًا ويفطر يومًا فجاءه صومه في ‌الجمعة فليصمه. المحلى بالآثار (4/ 440).
وقال النووي -رحمه الله-: بعد أن ساق مجموعة من الأحاديث الخاصة بصوم يوم الجمعة، قال:
وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة لقول جمهور أَصحاب الشافعي، وموافقيهم أَنّه يُكره إفراد ‌يوم ‌الجُمعة بالصوم إلا أنْ يوافق عَادة له فإن وَصلَه بيومٍ ‌قبْلَه أو بعدهُ أو وافق عادةً له بأن نذر أنْ يصوم يوم شِفاء مريضه أبدًا فوافق ‌يوم ‌الجمعة لم يُكره.شرح صحيح مسلم(8/١٩)
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وهذه الأحاديث تُقيِّد النهي المُطلق في حديث جابر (نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم الجمعة) وتؤيد الزيادة التي تقدمت من تقييد الإطلاق بالإفراد. ويؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قَبله أو بَعده أَو اتفق وُقوعه في أيام له عَادة بصومِها كمَن يصوم أَيام البيض أو مَن له عَادة بصوم يوم مُعيَّن كيوم عَرفة فوافق يوم الجمعة. ويُؤخذ منه جواز صومه لمن نذر يوم قدوم زيدٍ مثلًا أو يوم شفاء فلانٍ.فتح الباري(4/٢٣٤).
وقال العيني -رحمه الله-:
وأما حكم المسألة فاختلفوا في صوم يوم الجمعة على خمسة أقوال:
أحدها: كراهته مطلقًا، وهو قول النخعي والشعبي والزهري ومجاهد، وقد روي ذلك عن علي -رضي الله عنه-...
القول الثاني: إباحته مطلقًا من غير كراهة، ورُوي ذلك عن ابن عباس ومحمد بن المنكدر، وهو قول مالك وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن، وقال مالك: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يُقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، قال: وصيامه حسن...
القول الثالث: أنه يُكره إفراده بالصوم، فإن صام يومًا قبله أو بعده لم يُكره، وهو قول أبي هريرة -رضي الله عنه- ومحمد بن سيرين وطاوس وأبي يوسف.
القول الرابع: ما حكاه القاضي (عياض) عن الداودي أن النهي إنما هو عن تحرِّيه واختصاصه دون غيره، فإنه متى صام مع صومه يومًا غيره فقد خرج عن النهي؛ لأن ذلك اليوم قبله أو بعده إذ لم يقل: اليوم الذي يليه، قال القاضي عياض: وقد يرجح ما قاله قوله في الحديث الآخر: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، ولا ليلته بقيام من بين الليالي»...
القول الخامس: أنه يحرُم صوم يوم الجمعة إلا لمن صام يومًا قبله أو يومًا بعده، أو وافق عادته بأن كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، فوافق يوم الجمعة صيامه؛ لظواهر الأحاديث الواردة في النهي عن تخصيصه بالصوم، وقال بعضهم: واستدل الحنفية بحديث ابن مسعود: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وقَلَّ ما كان يُفطر يوم الجمعة، قال: وليس فيه حجة؛ لأنه يحتمل أن يريد: كان لا يتعمَّد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها. عمدة القاري (11/ 104-105).
وقال الإمام مالك -رحمه الله-:
لم أسمع أحدًا مِن أهل العلم والفِقه ومن يُقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيتُ بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحرَّاه. الموطأ (3/ 447).
وقال النووي -رحمه الله- مُتعقِّبًا الإمام مالك:
وأما قول مالك في الموطأ: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومَن به يُقتدى نهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيتُ بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحرَّاه، فهذا الذي قاله هو الذي رآه، وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو، والسُّنة مقدَّمة على ما رآه هو وغيره، وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة، فيتعين القول به، ومالك معذور؛ فإنه لم يبلغه، قال الداودي من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث، ولو بلغه لم يخالفه. شرح مسلم (8/ 19).
وقال الفاكهاني (المالكي) -رحمه الله-:
فقد قال الداودي من أصحابنا: لم يبلغ مالكًا هذا الحديثُ، ولو بلغه، لم يخالفه.
قلتُ: وفي هذا عندي بُعد؛ لشهرة الحديث وانتشاره (وهذا من إنصافه -رحمه الله-). رياض الأفهام (3/ 475).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
أخذ بظاهر الحديث الشافعي، ولعل قول مالك إليه يرجع؛ لأنه إنما قال: وصومه حسنٌ، ومذهبه معلوم في كراهة تخصيص يومٍ ما بالصوم، وهذا محتمل من معنى ما جاء في الحديث: «لا تخصوه بصيام» عند بعضهم، وإنَّما حكى مالك عمَّن حكى صومه وظن أنَّه كان يتحرَّاه، ولم يقل مالك: إني أرى هذا ولا أُحبه، أعني: يجزئه، فيحتمل أَنه مذهبه. إكمال المعلم(4/ 97).
وقال الفاكهاني (المالكي) -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: وهذا أقربُ من التعسف، وظاهرُ قول مالك -رحمه اللَّه- أو نصُّه وقوةُ سياقه يقتضي عدمَ كراهة صومِه منفردًا بلا إشكال. رياض الأفهام (3/ 475).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: والحكمة في النهي عنه (إفراد صوم يوم الجمعة): أنَّ يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة؛ من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها، واستماع الخطبة، وإكثار الذكر بعدها؛ لقول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} الجمعة: 10، وغير ذلك من العبادات في يومها، فاستحب الفطر فيه، فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها، والْتِذَاذ بها، من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة، فإن السُّنة له الفطر لهذه الحكمة.
فإن قيل: لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى.
فالجواب: أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه، فهذا هو المعتمد في الحكمة في النهي عن إفراد صوم الجمعة، وقيل: سببه خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يُفْتَتَنُ به كما افْتُتِنَ قوم بالسبت، وهذا ضعيف منتقِضٌ بصلاة الجمعة وغيرها مما هو مشهور من وظائف يوم الجمعة وتعظيمه، وقيل: سبب النهي لئلا يُعتقد وجوبه، وهذا ضعيف منتقض بيوم الإثنين؛ فإنه يندب صومه، ولا يُلتفت إلى هذا الاحتمال البعيد، وبيوم عرفة ويوم عاشوراء، وغير ذلك، فالصواب ما قدمنا، والله أعلم. شرح صحيح مسلم (8/ 19-20).
وقال العيني -رحمه الله- بعد أنْ ذَكَرَ الأقوال التي أشار إليها النووي:
قيل: أقوى الأقوال وأولاها بالصواب (في الحكمة في منع صوم يوم الجمعة): ما ورد فيه صريحًا حديثان:
أحدهما: ما رواه الحاكم وغيره من طريق عَامِر بن لُدَيْنٍ (الأَشْعَرِيِّ) عن أبي هريرة مرفوعًا: «يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم، إلا أن تصوموا قبله أو بعده».
والثاني: ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: «من كان منكم متطوعًا من الشهر فليصم يوم الخميس، ولا يصم يوم الجمعة؛ فإنه يوم طعام وشراب وذِكْر». عمدة القاري (11/ 105).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
لما كان يوم الجمعة عيد الأسبوع، كما أن عيد الفطر وعيد الأضحى عيد السَّنة، والعيد فيه الفرح وإظهار السرور، وفيه إعلان شكر الله على نعمه وطلب المزيد، كان الأَولى في هذا اليوم أن يكون الإنسان مفطرًا؛ ليقوى على أدائها. تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 344).

قوله: «إلا يومًا قَبْلَه أو بعدَه»:
قال الكَرْماني -رحمه الله-:
«يومًا» فإن قلتَ: ما وجه هذا الكلام؛ إذ لا يصح استثناء «يومًا» من يوم الجمعة، ولا يصح أيضًا جعله ظرفًا لـ«يَصوم»؟
قلتُ: هو ظرفٌ لـ«يصوم» المُقدَّر، أو «يومًا» منصوب بنزع الخافض، وهو باء المصاحبة أي: (بيوم). الكواكب الدراري (9/ 143).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«يومًا»: تقديره: إلا أن يصوم يومًا قبله؛ لأن «يومًا» لا يصح استثناؤه من يوم الجمعة. فتح الباري (4/ 233).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إلا أن يَصُومَ يومًا قَبْلَه أو يومًا بَعْدَه» فإنه دال على زوال تحريم صومه لحكمة لا نعلمها، فلو أفرده بالصوم وجب فطره. سبل السلام (4/ 138).
وقال الأصبهاني -رحمه الله-:
قال أهل العلم: وكُره صوم يوم الجمعة مفردًا، فأما إذا صام يومًا قبله أو بعده فلا يكره. شرح صحيح البخاري (4/ 45).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
حديث أبي هريرة يبين المطلق في الرواية الأولى، ويوضح أن المراد إفراده بالصوم، ويظهر منه: أن العلة هي الإفراد بالصوم. إحكام الأحكام (2/ 34).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
والمعنى: أنه يكفي صوم أحدهما ولو صامهما جاز أيضًا.مرعاة المفاتيح (7/ 73-74).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وظاهر حديث أبي هريرة الذي معنا، وحديث جويرية: أنَّه لا بد أن يليه، وقد اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إنَّه لا يشترط أنْ يليه، فلو صام يومًا واحدًا في الأسبوع لم يكن قد خصص يوم الجمعة؛ لأن التخصيص معناه: أن يفرد الشيء بالشيء كما نقول: خصصت فلانًا بالعطاء، يعني: ما أعطيت غيره، فمن صام يومًا من أيام الأسبوع معه فقد زالت الخصوصية، وعلى هذا فلو صام يوم الإثنين ويوم الجمعة فلا نهي.
وقال بعض لعلماء: إنَّه لا بد أن يليه إما قبله وإما بعده؛ حتى يكونا يومين متواليين، ولا شك أنَّه إذا صام يومًا قبله يليه أو يومًا بعده، فإن النهي مرتفع بلا شك، وأما إذا كان بينه وبينه يوم ففي النفس منه شيء؛ ولهذا تقول للإنسان: إذا صمتَ يوم الجمعة فصم يوم السبت، فإذا قال: أنا قد صمتُ يوم الإثنين، نقول: الأحوط أن تصوم يوم السبت اليوم الذي يلي يوم الجمعة. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/ 282).
وقال ابن المُلقِّن -رحمه الله-:
الحكمة في زوال الكراهة بصوم يوم قبله أو بعده: بأنه خَبَرٌ لما قد يحصل فيه من فتور ونحوه، وذكر بعضهم: أن الحكمة في زوالها بصوم يوم قبله: تَمَرُّنه به فيخفف عليه مشقته لو كان مفردًا، وهذا لا يأتي في صوم يوم بعده، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده» لا يقتضي لغة اتباعهما ليوم الجمعة وإن اقتضاه عرفًا، فإن القَبْلية والبَعْدية تَصْدُق وإن لم يكونا تِبَاعًا له، خصوصًا على الحكمة في كونهما جبرًا لما وقع من التقصير، أما مَن علَّل بتخفيف المشقة فلا يتأتى له ذلك. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (5/ 371).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ويؤخذ من الاستثناء («إلا يومًا قبله أو بعده») جوازه لمن صام قبله أو بعده، أو اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها، كمن يصوم أيام البيض، أو من له عادة بصوم يوم معين، كيوم عرفة، فوافق يوم الجمعة.
ويؤخذ منه: جواز صومه لمن نذر يوم قدوم زيد مثلًا، أو يوم شفاء فلان. فتح الباري (4/ 234).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
والحديث دليل على تحريم النفل بصوم يوم الجمعة منفردًا، وعلى جواز صوم يومها لمن صام قبله أو بعده، فلو أفرده بالصوم وجب فِطره، كما يفيده ما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث جويرية «أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها في يوم جمعة وهي صائمة، فقال لها: أصمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تصومين غدًا؟ قالت: لا، قال: فأفطري» والأصل في الأمر الوجوب. مرعاة المفاتيح (7/ 73-74).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يستفاد من هذا الحديث والذي قبله: (حديث جويرية): أن ‌يوم ‌الجمعة ‌لا ‌يُفرد ‌بالصوم إلا في مسألتين: إذا كان عادة، وإذا صام يومًا قبله أو يومًا بعده.
ويستفاد من الحديث الثاني- حديث أبي هريرة-: أن الإفراد يزول بصوم يوم قبله أو يوم بعده.
ويستفاد من حديث جويرية: أن الإنسان إذا رفع الخلل الحاصل بالعمل زال المحظور؛ لأن جويرية كانت تريد أن تصوم يوم الجمعة فقط، لكن يمكن أن ترفع هذا الاختصاص بصوم يوم السبت فيزول المحظور. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 282)

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)

وينظر صوم يوم الجمعة منفردًا إذا صادف يوم عرفة (هنا

وينظر إفراد صوم يوم الجمعة بنية القضاء (هنا

وينظر حكم من نذر صوم يوم الجمعة هل يلزمه الوفاء (هنا)  


ابلاغ عن خطا