الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إذا جَلَسَ بينَ شُعَبِهَا الأربعِ، ومَسَّ الخِتَانُ الخِتَانَ، فقدْ وجَبَ الغُسْلُ».


رواه مسلم برقم: (349)، من حديث أبي موسى -رضي الله عنه-.
ورواه البخاري برقم: (291)، ومسلم برقم: (348) كلاهما بزيادة: «ثم جهدها»، وزاد مسلم فقط: «وإن لم يُنزل».


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«شُعَبِها»:
الشُّعْبَةُ: الطائفة من كُلِّ شيء، والقطعة منه...، وفيه: «إذا قعد الرجل من المرأة بين شُعبها الأربع» هي: اليدان والرِّجلان، وقيل: الرِّجلان والشُّفران، فكنَّى بذلك عن الإيلاج. النهاية، لابن الأثير (2/ 477).
وقال أبو عبيد الهروي -رحمه الله-:
قوله: «شُعبها الأربع» قيل: هي اليدان والرِّجلان، وقيل: بين رجليها وشُفريها. الغريبين (3/ 1006).

«ومَسّ»:
مسَّ المرأة وماسَّها: أي: أتاها. المحيط في اللغة، للصاحب ابن عباد (2/ 247).

«الغُسْل»:
أي: الاغتسال، والماء الذي يُغتسل به، وجمع غسول، وهو ما يغسل به الثَّوب من أشنان وغيره. إكمال الإعلام بتثليث الكلام لابن مالك (2/ 467).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الغُسْل بالضمِّ: المَاء الذي يُغْتَسَل به، كالأكل لِمَا يُؤكل، وهو الاسم أيضًا من غَسَلْتُه، والغَسْل بالفتح: المصدر، وبالكسر: ما يُغسل به من خِطْمِيٍّ وغيره. النهاية، لابن الأثير (3/ 367- 368).

«الخِتانُ»:
موضع القَطع من الذَّكر...، وكذلك الختان من الأنثى موضع الخفض من نواتها. تهذيب اللغة، للأزهري (7/ 132).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
موضع القطع من ذَكرِ الغلام وفرج الجارية، ويقال لقطعهما: الإِعْذَار والخفض. النهاية، لابن الأثير (2/ 10).


شرح الحديث


قوله: «إذا جلس»:
قال الشيخ إسماعيل الأنصاري -رحمه الله-:
قوله: «جلس» الضمير فيها يرجع للرَّجل، وإن لم يسبق له ذِكر؛ لدلالة السِّياق عليه، كما في قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} ص: 32. الإلمام بشرح عمدة الأحكام (1/ 56).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله (في رواية): «إذا قعد بين شُعبها» والضَّمير فيه عائد على الرَّجل الواطئ المفهوم من المقام. المنهل العذب المورود (2/ 278).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
المراد بالجلوس هنا: الجلوس للجماع، والتَّهيُّؤ له. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 320).

قوله: «بين شُعبها الأربع»:
قال الأردبيلي -رحمه الله-:
وفي رواية زهير بن حرب: «بين أشعبها الأربع». الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (101).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «شُعبها الأربع»... الأَوْلى في هذا والأحرى على معنى الحكم: أن الشُّعب نواحي الفرج الأربع، والشُّعب النَّواحي، وهذا مثل قوله في الحديث الآخر: «إذا التقى الختانان وتوارت الحَشَفةُ...»؛ لأنها لا تتوارى حتى يغيب بين الشُّعب الأربع. إكمال المعلم (2/ 197).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
قوله: «شُعبها الأربع» قيل: هي اليدان والرِّجلان، وقيل: بين رجليها، وطرفي يديها، وأرى هذا أشبه التَّأويلين وأقربهما؛ لأنه يتناول سائر الهيئات التي يتمكَّن بها المباشر عن إربه، وإذا فُسِّر باليدين والرِّجلين اختصَّ بهيئة واحدة. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 149).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
قوله: «شُعبها الأربع»... واختلفوا في المراد بالشُّعب الأربع، فقيل: يداها ورجلاها، أو رجلاها وفخذاها، أو فخذاها وأسكتاها، أو نواحي الفرج الأربع، وفسَّر الشُّعب: بالنَّواحي، وكأنه تحويم على طلب الحقيقة الموجبة للغسل، والأقرب عندي: أن يكون المراد: اليدين والرِّجلين، أو الرِّجلين والفخذين، ويكون الجماع مكنيًا عنه بذلك، ويكتفى بما ذكر عن التَّصريح، وإنما رجَّحنا هذا؛ لأنه أقرب إلى الحقيقة؛ إذ هو حقيقة في الجلوس بينهما، وأمَّا إذا حُمِل على نواحي الفرج: فلا جلوس بينها حقيقة، وقد يُكتفى بالكناية عن التَّصريح، لا سيَّما في أمثال هذه الأماكن التي يستحيي من التَّصريح بذكرها. إحكام الأحكام (1/ 142).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
قوله: «شُعبها الأربع» في الشُّعب الأربع قولان:
أحدهما: اليدان والرِّجلان.
والثاني: الفخذان والإسكتان: وهما حرفا الفرج. كشف المشكل (3/ 487).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«بين شُعبها الأربع» أي: يديها ورجليها، أو رجليها وشُفريها، ورُجِّح الثاني: بأنه يتناول سائر هيئات الجماع، بخلاف الأَوَّل، فإنَّه يُوهِمُ التَّخصيص بهيئة الاستلقاء، وبأنه لا قُبحَ في ذكر الرِّجلين واليدين، فلو أُريدت لم يُكَنْ عنها، بخلاف الشُّفرين، فإنه يستقبح ذكرهما، فكنَّى بالشُّعَب لأجلها. فتح الإله في شرح المشكاة (2/287).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«شُعبها الأربع» قيل: إِنها فخِذاها وساقاها، وقيل: بل رِجلاها ويداها، وهذا الأخير هو المتعيّن؛ لأن الجلوس للجماع يكون بين هذه الأربع: الرِّجلين وعددهما اثنتان، واليدان وعددهما اثنتان. فتح ذي الجلال والإكرام (1/ 320).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
الضَّميران البارزان في قوله: «شُعبها» و«جهدها» للمرأة، وترك إظهار ذلك للمعرفة به، وقد وقع مُصرَّحًا به في رواية لابن المنذر من وجه آخر عن أبي هريرة قال: «إذا غشي الرَّجل امرأته، فقعد بين شُعبها». فتح الباري (1/ 395).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
قوله: «إذا جَلَسَ بينَ شُعَبِهَا الأربعِ» الظَّاهر: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- إنَّما عدل إلى الكناية بذكر شُعبها الأربع؛ لاجتنابه عن التَّصريح بذكر الشَّفرتين، ولو أراد بها اليدين والرِّجلين لصرَّح بها. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 149).

قوله: «ومسَّ الخِتانُ الخِتانَ»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
الختانان: هما ختان الرَّجُلِ، وختان المرأةِ، ولا يكاد يتماسَّان غالبًا إلا بعد مغيب الحشفة، فكنَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتقائهما عمَّا وراءهما من الإيلاج. إكمال المعلم (2/ 198).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «مسَّ الختانُ الختانَ» أي: قاربه وداناه، والا فلا يُتصوَّر أن يمسَّه إذا غابت الحشفة، ولو مسَّه من غير إيلاج ما وجب الغُسل إجماعًا؛ فدلَّ على أن معنى مسَّه: قاربه؛ وذلك كثير في اللُّغة. عارضة الأحوذي (1/ 168).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
قوله: «إذا مسَّ الختانُ الختانَ» فمعناه: غيَّب ذكره، لا حقيقة المسِّ؛ لأن ختانها في أعلى الفرج، ولا يمسُّه الذَّكر في الجماع، وقد أجمعوا على أنه لو وضع ذَكَرَه على ختانها ولم يولج؛ لا يجب عليه الغُسل، فالمراد المحاذاة، وهو المراد أيضًا في التقاء الختانين. اللامع الصبيح (2/ 436).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ومسَّ الختانُ الختانَ» والمراد بالمسِّ والالتقاء: المحاذاة، ويدلُّ عليه رواية الترمذي بلفظ: «إذا جاوز»، وليس المراد بالمسِّ حقيقته؛ لأنه لا يُتصوَّر عند غيبة الحشفة، ولو حصل المسُّ قبل الإيلاج لم يجب الغُسل بالإجماع. فتح الباري (1/ 395-396).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
أجمع العلماء على أنه لو وضع ذَكَرَه على ختانها، ومسَّ ختانه ختانها ولم يولجه، لم يجب الغُسل لا عليه، ولا عليها. شرح سنن أبي داود (2/ 301).
وقال الجعبري -رحمه الله-:
قوله: «ومسَّ الخِتانُ الخِتانَ»... ولو تحاذيا أو تماسَّا بلا إيلاج فلا غُسل، ومعنى المماسَّة أنه ماسَّ مماسَّة فهو مماسُه بوسط. رسوخ الأحبار في منسوخ الأخبار (ص: 206).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «ومسَّ الختانُ الختانَ» والمراد بالمسِّ: الالتقاء عليه، رواية الترمذي بلفظ: «إذا جاوز»، وليس المراد حقيقة المسِّ، حتى لو حصل المسُّ بدون التقاء الختانين، لا يجب الغُسل بلا خلاف. عمدة القاري (3/ 247).

قوله: «فقد وجب الغسل»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «فقد وجب الغُسل» عليه وعليها. شرح سنن أبي داود (2/ 301).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «فقد وجب الغُسل» على الرَّجل، وعلى المرأة، وإن لم يحصل إنزال، فالموجب غيبوبة الحشفة، هذا الذي انعقد عليه الإجماع. إرشاد الساري (1/ 338).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «فقد وجب الغُسل» أي: عليهما «وإن لم ينزل» ولا أنزلت هي. فيه دليل على أن الإنزال غير مشروط في وجوب الغُسل، بل المدار على الإيلاج، وغيبوبة الحشفة في الفرج، وهو الحقُّ.مرعاة المفاتيح (2/ 127).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
قوله: «فقد وجب الغُسل» وفي لفظ: «وإن لم ينزل»، فيه: بيان عدم انحصار وجوب الغُسل بالإنزال، بل يجب به، وبالتقاء الختانين؛ وهو تغييب الحشفة، أو قدرها في الفرج، فعلى هذا يكون الحديث خرج مخرج الغالب؛ لا أن الجلوس بين شُعبها وجَهَدَها شرط لوجوب الغُسل. العدة في شرح العمدة (1/ 225- 228).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة، والفقهاء من التَّابعين، ومَنْ بعدهم مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا التقى الختانان وجب الغُسل. سنن الترمذي (1/ 182).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «فقد وجب الغُسل»... ومعنى الحديث: أنَّ إيجاب الغُسل لا يتوقَّفُ على نزول المني، بل متى غابت الحشفة في الفرج وجب الغُسل على الرَّجل والمرأة، وهذا لا خلاف فيه اليوم، وقد كان فيه خلاف لبعض الصَّحابة. شرح مسلم (4/ 40).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
قوله: «فقد وجب الغُسل»... وعلى هذا مذاهب أهل العلم، وبه الفتوى في جميع الأمصار فيما علمتُ، وممن قال بذلك من الفقهاء: مالك وأصحابه وسفيان الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد والحسن بن حيٍّ والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد والطبري. واختلف أصحاب داود في هذه المسألة: فمنهم من قال في هذه المسألة بما عليه الفقهاء والجمهور على ما وصفنا من إيجاب الغُسل بالتقاء الختانين، ومنهم من قال: لا غُسل إلا بإنزال الماء الدَّافق، وجعل في الإكسال الوضوء. واحتج من ذهب إلى هذا بما رواه يحيى القطان وغيره عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبو أيوب الأنصاري، قال: أخبرني أُبي بن كعب أنه قال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذا جامع الرجل امرأته فلم ينزل، قال: «يغسل ما مسَّ المرأة، ثم يتوضأ ويصلي»، وهذا الحديث قد صحَّ عن أُبي بن كعب، وصحَّ بِمَا قدَّمنا أنه منسوخ، وأنَّ الفتيا بذلك كانت في أَوَّل الإسلام، ثم أمروا بالغسل، فلا حُجَّة في هذا عند أحد يعرف ما يقول، وفي حديث مالك ما يدلُّ على أن أُبي بن كعب كان يُفتي بما حدَّث به عنه أبو أيوب، حتى صحَّ عنده بعد ما ذكره عنه سهل بن سعد، فنزع عن ذلك، ورجع عنه. الاستذكار (1/ 269- 276).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال ابن القصار: وأجمع التابعون ومَنْ بعدهم على القول بهذا الحديث، وإذا كان في المسألة قولان بعد انقراض الصَّحابة، ثم أجمع العصر الثاني بعدهم على أحد القولين، كان ذلك مسقطًا للخلاف قبله، ويصير ذلك إجماعًا، وإجماع الأعصار عندنا حُجَّة كإجماع الصحابة. شرح صحيح البخاري (1/ 402-403).
وقال النووي -رحمه الله-:
اعلم أنَّ الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغُسل بالجماع وإن لم يكن معه إنزال، وعلى وجوبه بالإنزال، وكان جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالأنزال، ثم رجع بعضهم، وانعقد الإجماع بعد الآخرين.
وفي الباب حديث: «إنما الماء من الماء» مع حديث أُبي بن كعب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الرجل يأتي أهله ثم لا ينزل، قال: «يغسل ذكره ويتوضأ»، وفيه الحديث الآخر: «إذا جلس أحدكم بين شُعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب عليه الغُسل، وإن لم ينزل». قال العلماء: العمل على هذا الحديث، وأما حديث: «الماء من الماء» فالجمهور من الصِّحابة ومن بعدهم قالوا: إنه منسوخ، ويعنون بالنَّسخ أن الغُسل من الجماع بغير إنزال كان ساقطًا، ثم صار واجبًا، وذهب ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره إلى أنه ليس منسوخًا، بل المراد به نفي وجوب الغُسل بالرُّؤية في النَّوم، إذا لم ينزل، وهذا الحكم باقٍ بلا شكَّ، وأما حديث أُبي بن كعب، ففيه جوابان:
أحدهما: أنه منسوخ.
والثَّاني: أنه محمول على ما إذا باشرها فيما سوى الفرج، والله أعلم. شرح مسلم (4/ 36).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
والعجب من البخاري أن يساوي بين حديث عائشة في إيجاب الغُسل بالتقاء الختانين، وبين حديث عثمان وأُبي في نفي إلا بالإنزال، وحديث عثمان ضعيف...، ويحتمل قول البخاري: الغُسل أحوط، يعني: في الدِّين من باب حديثين تعارضا، فقدَّم الذي يقتضي الاحتياط في الدِّين، وهو باب مشهور في أصول الفقه، وهو الأشبه في إمامة الرَّجل وعلمه. عارضة الأحوذي (1/ 169-170).
وقال النووي -رحمه الله-:
ولو لفَّ على ذَكَرِه خرقة، وأولجه في فرج امرأة ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: الصَّحيح منها والمشهور: أنه يجب عليهما الغُسل، والثاني: لا يجب؛ لأنه أولج في خرقة، والثَّالث: إن كانت الخرقة غليظة تمنع وصول اللِّذة والرُّطوبة لم يجب الغُسل وإلا وجب، والله أعلم.
ولو استدخلت المرأة ذكر بهيمة وجب عليها الغُسل، ولو استدخلت ذكرًا مقطوعًا، فوجهان: أصحهما: يجب عليها الغُسل. شرح مسلم (4/ 41).
وقال محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فيه جواز الجماع على هذه الكيفية، وإن كان غيرها من الإقبال والإدبار، وعلى الشقِّ جائزًا، ما كان في مكان الحرث، وهو القُبل؛ لإطلاق الآية: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} البقرة: 223. البحر المحيط الثجاج (8/ 276-282).


ابلاغ عن خطا