أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: «كان إذا دخلَ بيتَهُ بدأَ بالسِّوَاكِ».
رواه مسلم برقم: (253)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
وفي لفظ عند مسلم: عن المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ عن أبيه قال: سألتُ عائشةَ، قلتُ: بأيِّ شيءٍ كان يبدأُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلَ بيتهُ؟ قالت: «بالسِّوَاكِ».
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«السِّوَاك»:
بالكسر، والمِسْوَاكُ: ما تُدلك به الأسنان من العِيدان. يُقال: سَاك فاهُ يسُوكُه إذا دَلكه بالسِّواك. فإذا لم تَذْكُر الفَم قُلت استاك.النهاية في غريب الحديث(2/ ٤٢٥)
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
هو بكسرِ السِّينِ على الأفصحِ، ويُطْلَقُ على الآلةِ، وعلى الفعلِ. فتح الباري، لابن حجر (1/ 355).
شرح الحديث
قوله: «كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «إذا دخل بيته بدأ بالسواك» معناه: تكراره لذلك ومثابرته عليه، وأنه كان لا يقتصر فيه في نهاره وليله على المرة الواحدة، بل على المرار المتكررة، كما جاء في الحديث الآخر. إكمال المعلِم (2/ 60).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ويحتمل أن يكون ابتداء النبي -صلى الله عليه وسلم- عند دخول بيته بالسواك؛ لأنه كان يبدأ بصلاة النافلة، فقلَّما كان يتنفل في المسجد. المفهِم (1/ 509).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
أما ما ذكر من صلاة النافلة عند دخوله البيت فغير صحيح؛ لأنه ما ورد أنه كان يصلي كُلَّمَا دخل بيته كما دلَّ الحديث على أنه كان من عادته -صلى الله عليه وسلم- البدء بالسواك كلما دخل بيته، فالأحسن التعليل بحسن معاشرة الأهل ونحوه، فتأمل. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (1/ 307).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
الحكمة في ذلك: أَنه ربما تغيرت رائحة الفم عند محادثة الناس، فإذا دخل البيت كان مِن حُسن معاشرة الأهل إزالة ذلك. حاشية السيوطي على سنن النسائي (1/ 13).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك» لأجل السلام على أهله؛ فإن السلام اسم تشريف، فاستعمل السواك للإتيان به، أو ليطيب فمه لتقبيل زوجاته. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 248).
وقال محمد الأُبي -رحمه الله-:
وقيل: لأنَّ الغالب أنَّه كان لا يتكلم بالطريق، والسكوت يُغَيِّر رائحة الفم، فكان يستاك ليزيل ذلك، وفعله هذا تعليم للأمَّة، وهو -صلى الله عليه وسلم- المنزّه المبرّأ عن أن يلحقه شيء من ذلك، فمن سكت ثم أراد أن يتكلم مع صاحبه فلْيَسْتَكْ؛ لئلا يتأذى صاحبه برائحة فيه. إكمال إكمال المعلم (3/33).
وقال دبيان الدبيان -حفظه الله-:
وقال بعضهم: لعله يفعل ذلك إذا انقطع عن الناس استعدادًا لنزول الوحي، وأيًّا كان فإنه يشرع للإنسان إذا دخل بيته في أي وقت من ليل أو نهار أن يبدأ بالسواك؛ تأسيًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. موسوعة أحكام الطهارة (10/ 571).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وخص بذلك دخوله بيته؛ لأنه مما لا يفعله ذوو المروءات بحضرة الناس، ولا يحبُ عمله في المسجد ولا في مجالس الجماعات. إكمال المعلم (2/ 60).
قال ابن دقيق العيد -رحمه الله- متعقِّبًا عياض:
قلتُ: هذا خلافُ اختيار النسائي -رحمه الله- فإنه ترجم على: سواك الإمام بحضرة رعيته، ولعلَّه وقعَ له هذا المعنى، وأراد الردَّ على معتقده.
والمروءاتُ ومُراعاتها بحسب الزمان والبلاد، وما كان منها يخالف الشرعَ فلا عبرةَ به، والمروءةُ ما وافق الشرع، وما زاد عليه فمن باب الرُّعونات التي يقف معها أرباب الدنيا، فأمر المروءة يجري على هذا القانون. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (3/ 50-51).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
أما السواك في المسجد فما علمت أحدًا من العلماء كرهه، بل الآثار تدل على أن السلف كانوا يستاكون في المسجد، ويجوز أن يبصق الرجل في ثيابه في المسجد، ويمتخط في ثيابه باتفاق الأئمة، وبسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه، بل يجوز التوضؤ في المسجد بلا كراهة عند جمهور العلماء، فإذا جاز الوضوء فيه -مع أن الوضوء يكون فيه السواك وتجوز الصلاة فيه، والصلاة يستاك عندها- فكيف يكره السواك؟! وإذا جاز البصاق والامتخاط فيه فكيف يكره السواك؟! الفتاوى الكبرى (1/ 272).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
فيه مسائل:
الأولى: هذا السؤالُ من الراوي لا بدَّ له من فائدة، وأظهرُها: طلبُ العلم؛ ليحصلَ التأسي به -صلى الله عليه وسلم-.
الثانية: لما كانت البدايةُ بالشيء دليلَ الاهتمامِ به، فلعله قصدَ بالسؤال عما يبدأُ به ترتيبَه والعنايةَ به.
الثالثة: إذا كان الظاهر من السؤال هو طلب العلم للاقتداء، ففيه دليلٌ على أنَّ أفعاله -صلى الله عليه وسلم- كانت عندهم على العموم له وللأمة، لا على الخصوص؛ إذ لو كان احتمالُ العموم مساويًا لاحتمال الخصوص؛ لما حصل المقصودُ من الاقتداء الذي ذكرنا أنه فائدةُ السؤال.
الرابعة: فيه من أدبِ طلب العلم أن يُقصدَ في كل علم مَنْ هو أعرفُ به وأرجحُ في المعرفة من غيره؛ كما رجع الصحابة إلى بعض نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- في التقاء الختانين، وفي الإصباح جنبًا في الصوم؛ لأنهنَّ أعرف بذلك، وأرجحُ من غيرهن في علمه، وكذا في هذا السؤال؛ فإن الدخول في البيت مَظِنَّةُ الاجتماع بالأهل، والافتراق من غيرهن، فلما تعلق قصدُه بمعرفة ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبدأ به، قصد من هو أحق بمعرفة ذلك.
الخامسة: فيه أنَّ السؤالَ إذا كان عامًّا، وفَهِمَ المسؤولُ غرضَ السائل بقرينة أو بأمر ما، اقتصر على فهمه مما تعلَّق به غرضه؛ لأن سؤاله عما كان -صلى الله عليه وسلم- يبدأ به إذا دخل بيته عامٌّ بالنسبة إلى القُربات وغيرها، فأجابته بجنس القربات؛ لفهم المقصود من السؤال.
السادسة: في بداءتِهِ -عليه السلام- بالسواك عند دخول بيته وجهان:
أحدهما: أن الدخول إلى الأهل مظنة الدنوِّ منهن والاستمتاع بهن، وكان -صلى الله عليه وسلم- يكره أن يوجد منه ريحٌ كريهة، فابتداؤه بالسواك تطيبًا وتنظفًا؛ لما لعله يقع من الدنو للأهل، ومما يدل على هذا المعنى الحديث الصحيح في قصةِ شرب العسل، وقول عائشة -رضي الله عنها- لسودة: «فإنه سيدنو منك»، فإنه يُشعر بأن ذلك كان واقعًا في أوقات حتى دلَّ الماضي منه على المستقبل.
والثاني: أنهم ذكروا استحبابَ ركعتين عند دخول البيت والخروج منه، فإنه كان -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك، فيكون السواك للصلاة التي يبدأ بها عند الدخول، لا لأجل الدخول.
السابعة: يُؤخذ منه استحبابُ البداءة بالسواك عند دخول البيت على ما دل عليه من فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا يكادُ يوجد في كتب الفقهاء ذكرُ ذلك.
الثامنة: قال بعض الشارحين في الكلام على هذا الحديث: فيه بيان فضيلة السواك في جميع الأوقات، وشدة الاهتمام به، وتكراره، والله أعلم.
فإنْ أراد أنَّ استحبابَ السواك لا يختص بأوقات مخصوصة، ولا أحوال معينة؛ كالوضوء مثلًا، والصلاة، والقيام من النوم، فصحيح.
وإن أراد به شمول الاستحباب لجميع الأوقات فلا يدل، والله أعلم...
الحاديه عشرة: قد يستدِلُّ به مَن لا يكرهُ السواك للصائم بعد الزوال، ووجهه: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان صومه متكررًا كثيرًا، فكان يصوم حتى يقال: لا يفطر، ودخول البيت حالةٌ متكررةٌ لا يقتصر على وقت دون وقت، وإنَّما بحسب الدواعي والحاجات الظاهرة، فالظاهر والغالب على الظنِّ وقوعُها في حالة الصوم في بعض الحالات، وفيما بعد نصف النهار، فيتناول الحديثُ تلك الحالَ التي وقع فيها الدخول بعد الزوال مع الصوم، لا سيَّما مع القول بأنَّ (كان) تدلُّ على التكرار والكثرة.
الثانية عشرة: فيه أن الحكمَ المعلَّق باسم يُكتفى فيه بأقل الدرجات، وهو ما يحصل به المسمى؛ وذلك لأنه سأل عن فعله -صلى الله عليه وسلم-، وقد ذكرنا أن ظاهر معناه: طلب الاقتداء، فلم تُجبْهُ عائشة -رضي الله عنها- إلا باسم السواك، فلو لم يكن مُجرَّدُ المسمَّى كافيًا لما كان الجواب مفيدًا للمطلوب من الاقتداء.
الثالثة عشرة: هذا الذي ذكرناه من الاكتفاء بالمسمى، وهو مقتضى تعليق الحكم به من حيث هو هو، وقد يكون ها هنا مطالبُ أُخَر لا يكفي في تحصيلها مُجرَّدُ المُسمَّى، ويكون الاقتصارُ على المُسمَّى للعلم بأنَّ السامعَ عارفٌ بما زاد عليه، لا يحتاج إلى ذكره. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (3/ 46-52).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
يدل على استحباب تعاهُد السواك؛ لما يكره من تغيّر رائحة الفم بالأبخرة والأطعمة وغيرها، وعلى أنه يتجنب استعمال السواك في المساجد والمحافل وحضرة الناس، ولم يرو عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه تسوّك في المسجد، ولا في محفل من الناس؛ لأنه من باب إزالة القذر والوسخ، ولا يليق بالمساجد ولا محاضر الناس، ولا يليق بذوي المروءات فعل ذلك في الملأ من الناس. المفهِم (1/ 509).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه بيان فضيلة السواك في جميع الأوقات وشدة الاهتمام به وتكراره. شرح النووي على مسلم (3/ 144).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
وفي الحديث: دلالة على استحباب السواك عند دخول المنزل وقد صرح به أبو شامة والنووي (في المجموع). حاشية السيوطي على سنن النسائي (1/ 13).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وفيه: ندب السواك لدخول المنزل، وبه قال أصحابنا (الشافعية)، لكن نازع فيه الزركشي بأن السواك للتغير لا للدخول، وقال بعضهم: المراد الدخول ليلاً؛ لخبر أحمد: «كان إذا دخل بيته يبدأ بالسواك ويختم بركعتي الفجر» فالحديث إنما يدل على ندبه للداخل ليلاً على أهله، ونُوزِع. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 248).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
وهذا: من السُّنن المهجورة، والسنن المهجورة كثيرة. شرح سنن أبي داود (13/ 9).