الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«مَنْ توضَّأَ فأحسنَ الوُضوءَ خرجتْ خطاياهُ من جسدِهِ حتى تخرجَ ‌من ‌تحتِ ‌أظفارِهِ».


رواه مسلم برقم: (245)، من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الوضوء»:
الوَضوء بالفتح: الماء الذي يتوضَّأ به...والوُضوء بالضم: التَّوضُّؤ، والفعل نفسه... أراد به وضوء الصلاة. النهاية، لابن الأثير (5/ 195).

«خطاياه»:
الخطيئة: الذَّنب على عَمْدٍ. لسان العرب لابن منظور (1/67).
وقال الفيروز آبادي -رحمه الله-:
الخطيئة: الذَّنب، ‌أو ‌ما ‌تُعُمِّد ‌منه، كالْخِطْء بالكسر، والخطأ ما لم يتعمَّد. القاموس المحيط (ص: 39).

«أظفار»:
معروف، جمعه أظفارٌ وأُظْفورٌ وأظافيرُ، ومفرده: ظفر، يكونُ للإِنسان وغيره. لسان العرب، لابن منظور (4/ 517).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
والظُّفُرُ للإنسان مُذَكَّرٌ، وفيه لغات؛ أفصحها بضمَّتين. المصباح المنير، للفيومي (2/ 385).


شرح الحديث


قوله: «مَن توضأ فأحسنَ الوضوءَ»:
قال النووي -رحمه الله-:
أصل الوضوء من الوضاءة، وهي الحُسْن والنَّظافة، وسُمِّيَ وضوء الصَّلاة وضوءًا لأنه ينظِّف المتوضِّئ ويُحسِّنه. شرح صحيح مسلم (3/ 99).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
وإحسان الوضوء: إكماله بمراعاة فرائضه وسننه وآدابه .فتح القريب المجيب (2/ 344).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«فأحسنَ الوضوءَ» أي: يأتي به على أكمل الهيئات والفضائل. إكمال المعلم (2/ 15).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«فأحسن الوضوء» الفاء واقعة موقع (ثُمَّ) التي لبيان المرتبة، دلالة على أن الإجادة في الوضوء من تطويل الغرَّة، وتكرار المسح، والغسل ثلاثًا، ومراعاة آدابه من استقبال القبلة، والدُّعاء المأثور عن السَّلف وغيرها أفضل وأكمل من أداء ما وجب مطلقًا. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 744).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فأَحسنَ الوضوءَ» إحسان الوضوء: إكماله بمراعاة فرائضه وسُنَنه وآدابه. شرح المصابيح (1/ 228).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«فأحسن الوضوء» هو في معنى: أسبغه، والظَّاهر: أن الإسباغ إكماله بإيصال الماء تمامًا وتثليث الغسل ونحوه، والإحسان برعاية السُّنن والآداب، والله أعلم. لمعات التنقيح (2/ 14 ).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فأحسن الوضوء» بضمِّ الواو، والفاء لتفسير كيفية الوضوء على أحسن وجه بمراعاة سننه وآدابه، والمعنى: من أراد الوضوء وشرع فيه فأحسنه. مرعاة المفاتيح (2/ 5).

قوله: «خرجت خطاياه من جسدهِ حتى تخرجَ ‌من ‌تحتِ ‌أظفارهِ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«خرجت خطاياه» يعني: يزيل ماءُ الوضوءِ الصغائرَ من الذُّنوب؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} هود: 114. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 348).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«خرجت خطاياه» تمثيل وتصوير لبراءته عن الذُّنوب كُلِّها على سبيل المبالغة، لكن هذا العام خُصَّ بالصَّغائر. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 744).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«خرجت خطاياه» المراد بها الصَّغائر المتعلِّقة بحقِّ الله تعالى، وخروجها مجاز عن غفرانها؛ لأنها ليست بأجسام. دليل الفالحين (6/ 513).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «من جسده» أي: من جميع بدنه «حتى تخرج من تحت أظفاره» وهذا تأكيد لدفع وهم مَن يتوهَّم أنَّ المراد «من جسده» ما يصيبه الوضوء، فإن قيل: ما رواه مسلم أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «إذا توضَّأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كُلُّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كُلُّ خطيئة كان بطشتها يداه» إلى آخر الحديث، يدلُّ على أنَّ المغفور ذنوب أعضاء الوضوء (فقط)، فلِمَ لَمْ يُحمل السَّاكت على النَّاطق؟
قلنا: لا حاجة؛ لأن كلاهما معمولان، فغفران جميع الجسد يكون عند التَّوضُّؤ بالتَّسمية، وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: «فأحسن الوضوء» إشارة إلى وجود التَّسمية فيه، وغفران أعضاء الوضوء يكون عند عدم التَّسمية، يدلُّ عليه ما روي أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «مَنْ ذكر الله أوَّل وضوئه طهر به جسده كُلُّه، وإن لم يذكر الله لم يطهر إلا مواضع الوضوء». مبارق الأزهار (1/89-90).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«خرجت خطاياه من جسده» هذا أعمُّ (يعني: من حديث أبي هريرة في خروج الخطايا من كل عضو مع الماء). التحبير (7/ 162).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«من جسده» جميع جسده. وخروجها من جسده كناية عن غفرانها. الكوكب الوهاج (5/ 262).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
«خرجت خطاياه من جسده» المراد بهذا الاستعارة، والمقصود بها الإعلام بتكفير الخطايا ونحوها من كتاب الحفظة، وأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة. فتح القريب المجيب (2/ 344).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«خرجت خطاياه من جسده» هو محمول على الحقيقة بناء على أن الخطايا جواهر متعلِّقة ببدن الإنسان تتَّصِل به وتنفصل عنه، لا أعراض كما قيل... وقيل: هو تمثيل وتصوير لبراءة البدن عن الذُّنوب، ومجاز عن غفرانها. مرعاة المفاتيح (2/ 5).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
خروج الخطايا مع الوضوء، ومعناه: أن الخطايا تُغفر عند ذلك، لا أَنَّ الخطايا في الحقيقة شيء يُحلُّ في الماء، وإنَّما ذلك على وجه الاستعارة الجارية في لسان العرب. إكمال المعلم (2/ 16).
وقال الشيخ محمد علي الإتيوبي -رحمه الله-:
لا داعي لدعوى المجاز، بل الظَّاهر حمله على الحقيقة، ولا مانع مَنْ تجسُّد الخطايا، وخروجها مع الماء. البحر المحيط (6/ 298-299).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«حتى تخرجَ من تحت أظفاره» يعني: من جميع جسده حتى من أصابعه، فيصيرُ طاهرًا من صغائر الذُّنوب، كما صار طاهرًا من الحَدَث. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 348).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«حتى تخرجَ من تحت أظفاره» يحتمل أن يكون المراد: داخل الأظفار تحت الجلد، ففيه مبالغة، وإن لم يكن محلَّ وصول الماء، أو المراد بتحت الأظفار داخل رؤوس الأظفار مما طالت، وهو الظَّاهر، والله أعلم. لمعات التنقيح (2/ 14).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«حتى تخرج من تحت أظفاره» شبَّه محو الذُّنوب وغفرانها بخروجها، وشُبِّهت الذُّنوب الصَّغيرة بالأجرام الدَّقيقة المستترة تحت الأظفار، وخروج ما تحت الأظافر نهاية في النَّظافة. فتح المنعم (2/ 141).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قالوا: هذا الحديث يدلُّ على أن الخطايا تخرج من بدنه مع الماء، ولا شكَّ أن الخطايا قاذورات فيتنجَّس الماء باختلاطها، كما يتنجَّس باختلاط سائر القاذورات، وهذا ليس بشيء، فإن الخطايا ليست بأجسام ولا أعراض تقوم بالماء، وليست مثل النَّجاسة الحقيقية من كُلِّ وجه، وليس خروجها من البدن كخروج النَّجاسة الحقيقية حتى يلزم به تنجُّس الماء، بل هو عبارة عن العفو والمغفرة، ولو كانت الخطايا قاذورات لَمَا جازت صلاة العُصاة من المؤمنين، وهي جائزة إجماعًا، بل هي مكفِّرة الخطايا. التفسير المظهري (7/ 38).
وقال ابن عبد البر رحمه الله-:
وقد استدلَّ بعض من لم يرَ الوضوء بالماء المستعمل بحديث الصُّنابحي هذا (حديث أبي هريرة) وما كان مثله، وقال: خروج الخطايا مع الماء يوجب التَّنزُّه عنه، وسَمَّاه بعضهم: ماء الذُّنوب، وهذا عندي لا وجه له؛ لأن الذُّنوب لا أشخاص لها تمازج الماء فتفسده. الاستذكار (1/ 200).
وقال صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
وهذه الذُّنوب التي تخرج مع ماء الوضوء هي صغائر الذُّنوب دون كبائرها، فإنها لا بُدَّ لها من التَّوبة، وإلا فهي تحت مشيئة الله؛ إن شاء عَذَّب بها، وإن شاء غفرها. منة المنعم (1/ 196).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وما ذُكر في حديث عثمان من كفَّارة الذُّنوب بالطَّهارة والصَّلاة ما اجتُنبَت الكبائر، هو مذهب أهل السُّنة... وإن الكبائر إنَّما يكفِّرها التَّوبَةُ أو رحمة الله وفضله. إكمال المعلم (2/ 15).
وقال القاضي عياض -رحمه الله- أيضًا:
يُتأوَّل أن المغفور له بالوضوء: الخطايا المختصَّة بأعضاء الوضوء، ولكن قوله في أخرى: «حتى يخرج نقيًّا من الذُّنوب» ظاهره العموم.
ويحتمل الخصوص... أو يكون العُموم بقرائن من الإخلاص والإحْسَان. إكمال المعلم (2/ 41- 42).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
والمراد بالخطايا هنا الصَّغائر دون الكبائر... كما في الحديث الآخر: «ما لم تُغْش الكبائر»، وخروجها من أعضاء الوضوء مع الماء مجاز عن غفرانها؛ لأنها ليست بأجسام، ولا كانت في الجسم فتخرج حقيقة. الكوكب الوهاج (5/ 259).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
ظاهر الحديث خروجُه من جميع ذنوبه، كبيرِها وصغيرِها، وقد خصُّوه... بالصَّغائرِ؛ لِمَا جاء في الحديث الآخر: «الصَّلواتُ الخَمْسُ، والجمعةُ إلى الجُمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ؛ مُكفِّراتٌ لِما بينهنَّ، إذا اجتُنِبَت الكَبائُر». شرح الإلمام (4/ 616).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
الظَّاهر عموم الخطايا، والعلماء خصَّصوها بالصَّغائر المتعلِّقة بحقوق الله للتَّوفيق بين الأدِلَّة، فإن منها ما يقتضي الخصوص. مرعاة المفاتيح (2/ 5).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وهذا الحديث يقتضي أن الوضوء بانفراده يستقِلُّ بالتَّكفير (للخطايا)... وهذا بخلاف أحاديث عثمان (الأخرى)...إذ مضمونها: أن التَّكفير إنَّما يحصل بالوضوء إذا صلَّى به صلاة مكتوبةً يُتِمُّ ركوعها وخشوعها.
والتَّلفيق من وجهين:
أحدهما: أن يرُدَّ مطلق الأحاديث إلى مُقيِّدِها.
والثَّاني: أن نقول: إن ذلك يختلف بحسب اختلاف أحوال الأشخاص؛ فلا بُعد في أن يكون بعض المتوضِّئين يحصل له من الحضور، ومراعاة الآداب المكمِّلة ما يستقِلُّ بسببها وضوؤه بالتَّكفير، ورُبّ متوضِّئ لا يحصل له مثل ذلك، فيكفَّر عنه بمجموع الوضوء والصَّلاة. المفهم (1/ 491).
وقال الشيخ محمد علي الإتيوبي -رحمه الله-:
يُمكن أن يُجمع بين هذه الأحاديث باختلاف الأحوال والأشخاص، فربُّ شخص يكون إخلاصه ومراقبته لله -عزَّ وجلَّ- أتمَّ، فتكفَّر ذنوبه بوضوئه، وتكون صلاته ومشيه إلى المسجد في زيادة الدَّرجات، وربُّ شخص لا يكون كذلك، فيكون تمام تكفير ذنوبه بالوضوء والصَّلاة، والله تعالى أعلم بالصَّواب. البحر المحيط (6/ 300).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فيه أَنه مخالف للقاعدة المقرَّرة من أنّ ثواب الفرض أفضل من أجر النَّفل، نعم يقال: إحسان الوضوء وهو الإتيان بالمكمِّلات أفضل من مرتبة الاقتصار على الواجبات، والأظهر أن الفاء لمجرد العطف، والجزاء المذكور مترتب على مجموع الشَّرط من المعطوف والمعطوف عليه. مرقاة المفاتيح (1/ 345).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وعلى هذا فالوضوء يكون سببًا لكفارة الخطايا حتى مِن أدقِّ مكان، وهو ما تحت الأظفار، وهذه الأحاديث وأمثالها تدلُّ على أن الوضوء من أفضل العبادات، وأنه عبادة ينبغي للإنسان أن ينوي به التَّقرُّب إلى الله -عزَّ وجلَّ- يعني: أن يستحضر وهو يتوضَّأ أنه يتقرَّب إلى الله. شرح رياض الصالحين (5/ 11).


ابلاغ عن خطا