«نهى رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- أنْ ينامَ الرَّجلُ على سَطْحٍ ليس بمحُجورٍ عليه».
رواه الترمذي برقم: (2854)، من حديث جابر -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6847)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (3077).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«سطح»:
سطح البيت وغيره: أعلاه، والجمع سطوح. المصباح المنير، للفيومي (1/ 276).
قال ابن منظور -رحمه الله-:
السَّطح: ظهر البيت إذا كان مستويًا لانبساطه. لسان العرب (2/ 484).
«بمحجورٍ»:
الحجر: المنع، يعني: ليس حوله جدار. المفاتيح، للمظهري (5/ 145).
شرح الحديث
قوله: «نهى رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أنْ ينامَ الرَّجلُ على سطحٍ ليس بمحجورٍ عليه»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أن ينام الرَّجل» أي: ليلًا أو مطلقًا. مرقاة المفاتيح (7/ 2982).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ليس بمحجور عليه» أي: ليس عليه حاجز يمنع من وقوع النَّائم من نحو جدار. فيض القدير (6/ 347).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ليس بمحجور عليه» أي: ليس عليه حاجز؛ لأنه يخاف سقوطه مع استغراق النَّوم له، والعبد مأمور بحفظ نفسه، وعدم تعريضها للهلاك. التنوير (10/ 613).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قوله: «ليس بمحجور عليه» بالرَّاء في بعض نسخ المصابيح، وهكذا هو في كتاب الترمذي، وأنوار اللُّمع، وبالباء في بعض نسخ المصابيح، والأَوُّلُ من الحِجْر، وهو بسكون الجيم، وهو المنع، وقيل: من الحَجَر بفتح الجيم، أي: المرفوع، أو الممنوع بالحَجَر. الأزهار مخطوط لوح (409).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
إنَّما كره النَّوم على السَّطح الذي لا تحجير عليه؛ لأجل خوف على النَّائم من الفعل الرديء، أي: الهبوط والسُّقوط والتَّردِّي عن السَّطح المؤدِّي إلى إتلاف السَّاقط غالبًا. والشَّارع طبيب الأبدان، ومُقوِّم الأديان، فلشِدَّة شفقته على خلق الله نهاهم عن النَّوم كذلك، ويجزئ كون التَّحجير مثل مؤخِّرة الرَّحل.
قال مُهنا: قلتُ لأبي عبد الله (يعني: أحمد بن حنبل) -رضي الله عنه-: ما تقول في الرَّجل ينام على سطح ليس بمحجَّر؟
قال: مكروه، ويجزئه الذِّراع مثل آخرة الرَّحل.
أخرج أبو داود عن عبد الرحمن بن علي-يعني: ابن شيبان- عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من بات على ظهر بيت ليس له حِجَارٌ فقد برئت منه الذِّمَّة». غذاء الألباب (2/ 360).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
والمقصود من ذلك هو ألَّا يكون السَّطح الذي ينام فيه الإنسان ليس له ساتر من الجوانب؛ لأنه قد يتحرَّك وينقلب وهو نائم، فيسقط من السَّطح فيلحقه ضرر، أو أنه يكون مستيقظًا، ولكنه قد يكون غافلًا لاهيًا، ويمشي على حافة السَّطح، وليس له شيء يمنعه فيقع، ولكن إذا كان له حِجَى (أي: سَتْر، شبهه بالعقل لأنه يمنع من السقوط)، وصار له ساتر فإنه لو انتقل وهو نائم يردُّه هذا الفاصل، وإن كان يمشي وهو غافل فإنه يردُّه ذلك الفاصل، ففي ذلك مصلحة وحيطة من الوقوع فيما يحصل به ضرر على الإنسان، وهو التَّردِّي من فوق ذلك المكان العالي. شرح سنن أبي داود (572/ 12).
وقال ابن النحاس -رحمه الله-:
ومنها (أي: الكبائر): أنْ ينام على سَطح لا تحجير له، ويحتمل أنْ يكون كبيرة؛ لأنه تعريض النَّفس للهلاك. تنبيه الغافلين (ص: 359).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
الكبيرة الثَّامنة والسَّبعون: النَّوم على سطح لا تَحْجِيْرَ به.
أخرج أبو داود أنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من بات على ظهر بيت ليس له حِجار فقد برئت منه الذِّمَّة»، وفي بعض النُّسخ: «حجاب» بالباء الموحَّدة، وهو بمعناه.
وأخرج الترمذي وقال: حديث غريب: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينام الرَّجل على سطح ليس بمحجور عليه».
والطبراني: «مَنْ رمانا بالليل فليس مِنَّا، ومَنْ رقد على سطح لا جدار له فمات فدمه هَدَر».
وعن أبي عمران الجوني قال: كُنَّا بفارس وعلينا أمير يقال له: زهير بن عبد الله، فأبصر إنسانًا فوق بيت أو إِجَّار –أي: بكسر فجيم مشدَّدة سطح ليس حوله شيء- فقال لي: سمعتَ في هذا شيئًا؟ قلت: لا، قال: حدثني رجل أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ بات فوق إِجَّار أو فوق بيت ليس حوله شيء يردُّ رِجله فقد برئت منه الذِّمَّة، ومَنْ ركب البحر بعدما يريح –أي: يهيج ويضطرب- فقد برئت منه الذمة» رواه أحمد مرفوعًا هكذا وموقوفًا، ورواتهما ثقات، والبيهقي مرفوعًا...
تنبيه: أخذ غير واحد من المتأخِّرين من هذه الأحاديث عند النَّوم على سطح غير محوط من الكبائر، وليس هذا الأخذ بصحيح؛ لأن براءة الذِّمَّة ليس معناه هنا بخلافه فيما قدَّمته آنفًا (يعني: أنَّ تارك الصلاة تبرأ منه الذمة) لِمَا هو ظاهر من سياق تلك الأحاديث، وهذا الحديث إلا أنه وُكِلَ إلى نفسه لارتكابه ما هو سبب للهلاك عادة في بعض الناس، فلم يقتضِ ذلك الحرمة فضلًا عن كونه كبيرة، فمن ثمَّ اتَّجه أن الصَّواب ما عليه أصحابنا (يعني: الشافعية) وغيرهم أن ذلك إنما هو مكروه كراهة تنزيه، وعلى قياس قول مَنْ عدَّ ذلك كبيرة، فركوب البحر وقت هيجانه يكون كبيرة بالأَوْلَى؛ لأن هذا حرام، فلا يبعد أن يكون فعله كبيرةً؛ لأنه إلقاء بالنَّفس إلى التَّهلكة والتَّغرير الشَّنيع؛ فبراءة الذِّمَّة فيه بمعنى أنه يُوكَّل إلى نفسه، حتى إذا مات عُذِّب بسبب تعدِّيه بركوبه المحرم، بخلاف النَّوم على السَّطح غير المحوط، فإن الهلاك لا يغلب منه كما يغلب من ركوبه البحر المذكور، كما هو مشاهد، وهذا هو ملحظ قول الأئمَّة بحرمة هذا، وكراهة ذلك. الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/230-231).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
لكُلِّ أحدٍ من الله ذِمَّة بالكلاءة، فإذا ألقى بيده إلى التَّهْلُكَة، فقد خذلته ذِمَّة الله، وتبرَّأت منه. الفائق (1/ 24).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
النَّهي فيه للكراهة والتَّنزيه. الأزهار مخطوط لوح (409).
وقال ابن مفلح -رحمه الله-:
الإمام أحمد -رحمه الله- كَرِهَ النَّوم على سطح ليس بمحجَّر، وللأصحاب -رحمهم الله- خلاف في كراهته المطلقة، هل هي للتَّحريم أو للتَّنزيه؟
وقد يُقال: هذه الكراهة للتَّنزيه؛ لأنَّ الغالب في هذا السَّلامة، وما غلبت السَّلامة فيه، لا يحرم فعله، وكون النَّهي عنه للأدب، واحتمال الأذى. ويتوجَّه قول ثالث: وهو أنَّ ذلك يختلف باختلاف الأشخاص وعاداتهم، وصغر الأسطحة، ووسعها؛ نظرًا إلى المعنى، وعملًا به.
وقد يُحتجُّ للتَّحريم في الجملة بما رواه الإمام أحمد بإسناد ثقات عن أبي عمران الجوني: حدثني بعض أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وغزونا نحو فارس، فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن بات فوق بيت ليس له إجَّار فوقع، فمات، فقد برئت منه الذِّمَّة، ومَن ركب البحر عند ارتجاجه فمات برئت منه الذِّمَّة»، وقد روى البخاري هذا الخبر في تاريخه من طرق في ترجمة زهير بن عبد الله، ومن المعلوم أنَّ ركوب البحر في هذه الحال لا يجوز، وقد قرن الشَّارع بين الفعلين وبراءة الذِّمَّة من فاعلهما. الآداب الشرعية (3/ 253-254).