الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«مَن صلَّى البردَينِ دخلَ الجنَّةَ».


رواه البخاري برقم: (574)، ومسلم برقم: (635)، من حديث أبي موسى -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«البردَين»:
البَردَان والأبرَدَان: الغَداة والعشِيُّ. الغريبين، للهروي (1/ 165).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
والأبردان: الغَداة والعشِيّ، وهما العصْران أيضًا، سُمِّيا بالبردَين لبرد هوائهِما، بخلاف ما بينهما من النَّهار. مطالع الأنوار(1/ 469).


شرح الحديث


قوله: «من صلّى البردَين»:
قال ابن الجوزي -رحمه الله-:
«مَنْ صلَّى البردَين» البردان: الغداة والعصر، سُمِّيا بالبردَين لأنهما يُصلِّيان في بَردي النَّهار، وهما طرفاه حين تذهب سَوْرة الحرِّ (شدته). كشف المشكل(1/ 401).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «مَنْ صلَّى البردَين» قال كثير من العلماء: هما الفجر والعصر، وسُمِّيا بذلك لأنهما يُفعلان في وقت البرد. المفهم (2/ 262).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«مَنْ صلّى البردَين»: أراد به المحافظة على صلاتي الصُّبح والعصر؛ لِمَا في حديث فَضالة بن عُبيد-رضي الله عنه-: «حافِظ على العَصرين». قال: وما كانت لغتنا، فقلتُ: وما العَصْران؟ قال: صلاة قبل طلوع الشَّمس، وصلاة قبل غروبها. الميسر (1/ 187).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «مَنْ صلّى البردَين» والمراد: صلاة الفجر والعصر، ويدلُّ على ذلك قوله في حديث جرير: «صلاةٌ قبل طلوع الشَّمس وقبل غروبها»، زاد في رواية لمسلم: يعني العصر والفجر.
قال الخطابي: سُمِّيتا بردين لأنهما تُصَلِّيان في بردي النَّهار، وهما طرفاه حين يطيب الهواء، وتذهب سُورَة الحرِّ، ونقل عن أبي عبيد أن صلاة المغرب تدخل في ذلك أيضًا.
وقال البزَّار (وغيره يقول القزاز) في توجيه اختصاص هاتين الصَّلاتين بدخول الجنَّة دون غيرهما من الصَّلوات ما مُحصِّله: إن «مَن» موصولة لا شرطيَّة، والمراد الذين صلُّوهما أَوَّل ما فرضت الصَّلاة، ثم ماتوا قبل فرض الصَّلوات الخمس؛ لأنها فرضت أَوَّلًا ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، ثم فُرضت الصَّلوات الخمس، فهو خبر عن ناس مخصوصين لا عموم فيه.
قلت: ولا يخفى ما فيه من التَّكلُّف، والأوجه أن «مَن» في الحديث شرطيَّة، وقوله: «دخل» جواب الشَّرط، وعدل عن الأصل وهو فعل المضارع كأن يقول: -يدخل الجنّة-؛ إرادةً للتَّأكيد في وقوعه بجعل ما سيقع كالواقع. فتح الباري (2/ 53).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«مَنْ صلّى البردين» عبَّر بالبردَين إشارة إلى بعض موجبات الفضل؛ فإن إسباغ الوضوء في البرد ورعاية أركان الصَّلاة وآدابها في ذينك الوقتين لا يقوم بها إلا أفراد من الرِّجال الذين يعبدون الله كأنهم يرونه لا يحسون بالمشقَّة...الكوثر الجاري(2/٢٤١)
وقال المناوي -رحمه الله-:
«من صلّى البردَين» والمراد: أداؤهما وقت الاختيار. فيض القدير(6/ 164).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«من صلّى البردَين»: خصَّهما لزيادة شرفهما؛ أو لأنهما مشهودتان؛ تشهدهما ملائكة الليل والنَّهار، أو لكونهما ثقيلتان مُشِقَّتان على النُّفوس؛ لكونهما وقت التَّشاغل والتَّثاقل، ومَنْ راعاهما راعى غيرهما بالأَوْلَى، ومَنْ حافظ عليهما فهو على غيرهما أشدُّ محافظة، وما عسى يقع منه تفريط، فبالحري أن يقع مكفّرًا فيغفر له، ويدخل الجنّة، ذَكرهُ القاضي. فيض القدير(6/ 164)
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
ومن المفهوم الواضح أن النبي -صلّى الله عليه وسلم- لم يخصِّص هاتين الصَّلاتين بالمحافظة؛ تسهيلًا للأمر في إضاعة غيرهما من الصَّلوات، أو ترخيصًا لتأخيرها عن أوقاتها، وإنَّما أُمر بأدائهما في الوقت المختار، والمحافظة عليهما في جماعة؛ لِمَا فيهما من الفضل والزِّيادة في الأجر؛ فإن صلاة الفجر تشهدها ملائكةُ الليل وملائكة النّهار؛ قال الله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} الإسراء: 78. وصلاة العصر: هي الصَّلاة الوُسطى؛ نصَّ عليها الرَّسول -صلّى الله عليه وسلم- في الحديث الصَّحيح، ويجتمع فيها أيضًا ملائكة الليل وملائكة النَّهار.
ثم إن إحداهما تُقام في وقت تثاقل النُّفوس؛ لتراكم الغفلة، واستيلاء النَّوم، والأخرى تقام عند قيام الأسواق في البُلدانِ، واشتغال الناس بالمعاملات؛ فنبَّه المكلَّفين على هذه المعاني بزيادة تأكيد؛ وقال -صلّى الله عليه وسلم-: «مَنْ صلّى البردَين، دخل الجنّة»، وهذا الذي ذكرناه من طريق المفهوم في تفسير هذا الحديث معظمُه مذكور في حديث فَضالة؛ فإنه لَمَّا قال له النبي -صلّى الله عليه وسلم-: «حافظ على الصَّلوات» قال: إن هذه ساعات لي فيها أشغال؛ فمُرني بأمر جامع إذا أنا فعلته جزي عني؟ فقال: «حَافِظ على العَصْرين». وقد علم -صلّى الله عليه وسلم- أنه إذا حافظ عليهما مع ما في وقتهما من الشَّواغلِ والقواطع لم يكن ليضيع غيرهما من الصَّلوات، والأمرُ في إقامة ذلك أيسر. الميسر (1/ 187 - 188).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وعلى الأوجه: فوجه تخصيصها بالذِّكر أنّ وقت الصُّبح يكون عند النَّوم ولذَّتِه، ووقت العصر يكون عند الاشتغال بتتمات أعمال النَّهار وتجارته وتهيئة العَشاء، ففي صلاته لهما مع ذلك دليل على خلوص النَّفس من الكسل ومحبَّتِها للعبادة. ويلزم من ذلك إتيانه بجميع الصَّلوات الأُخَر، وأنه إذا حافظ عليهما كان أشدَّ محافظة على غيرهما، فالاقتصار عليهما لِمَا ذُكِر، لا لإفادة أن مَنِ اقتصر عليهما بأن أتى بهما دون باقي الخمس يحصل له ذلك؛ لأنه خلاف النُّصوص. دليل الفالحين (2/ 373)
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«دخل الجنة» المراد: صلّاهما على الوجه الذي أُمر به، ذلك بأن يأتي بهما في الوقت، وإذا كان من أصحاب الجماعة كالرِّجال فليأتِ بهما مع الجماعة؛ لأن الجماعة واجبة، ولا يَحِلُّ لرجل أن يدعَ صلاة الجماعة في المسجد وهو قادر عليها. شرح رياض الصالحين (2/ 188).
وقال الشيخ حمزة قاسم -رحمه الله-:
«دخل الجنّة» أي: مَن واظب على أداء صلَاتَيْ: الصُّبح والعصر في وقتهما المختار؛ دخل الجنّة ابتداءً مع السَّابقين الأَوَّلين. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (2/ 91).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «دخل الجنة»: فان قلت: مفهومه يقتضي إن لم يصلِّهما لم يدخلها، لكن من قال: «لا إله إلا الله دخل الجنّة»، ومذهب أهل السنة أن الفَاسِق لا يُخلَّدُ في النار.
قلت: مَنْ لم يصلِّهما متهاونًا بهما فهو كافر لا يدخلها، أو المراد دخل الجنّة ابتداء من غير أن يدخل النار؛ لأن مَنْ صلَّاهما دائمًا من غير فتور فيهما بشرائطه من الإخلاص ونحوه فهو لا يكون فاسقًا أصْلًا، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} العنكبوت: 45، فإن قلتَ: فكُلُّ الصَّلوات كذلك، فما وجه التَّخصيص بهما؟
قلت: لزيادة شرفهما وترغيبًا في حفظهما.
فإن قلت: ما وجه العدول عن الأصل وهو فعل المضارع؟
قلت: إرادة التَّأكيد في وقوعه بجعل ما هو للوقوع كالواقع، كقوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الجنّة} الأعراف: 44.
أو النَّظر الى تضمين «مَن» معنى الشَّرطيَّة، وإعطائها حكم (إن) في جعل الماضي مستقبلًا. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (4/ 216).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«دخل الجنّة» خُصَّتَا بهذا الفضل؛ لأنهما مشهُودتان، يشهدهما ملائكة الليل وملائكة النَّهار؛ ولأنهما أعسر الصَّلوات موقعًا؛ لكونهما وقت التَّثاقل والتَّشاغل. شرح المصابيح لابن الملك (1/ 385).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«دخل الجنّة» أي: دخولًا أَوَّليًّا. مرقاة المفاتيح (2/ 540).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«دخل الجنّة» أي: استحقَّ دخول الجنّة دخولًا أَوَّليًّا إن لم يَكن له لَائِمَة مانع يستحِقُّ به العقوبة. شرح مسند أبي حنيفة (1/ 161).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: قد قيل: إنّ المراد دخول الجنّة مع السَّابقين الأَوَّلِين.
وعندي أن هذا شيء لا يُفهم من اللّفظ، ولا ضرورة تدعو إليه؛ وذلك أن دخول الجنّة على أي وجهٍ كان كافٍ في التَّرغيب، ألا ترى إلى قول إبراهيم: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} الشعراء: 85. الكوثر الجاري (2/ 241).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
(و) يحتمل أن يراد مع النَّاجين، أي: إذا لم يقترف الكبائر، أو اقترفها وتاب منها، أو لم يتب وتجاوزها الله له، ويحتمل أن يراد: دخلها بعد المجازاة. دليل الفالحين(6/ 534).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«دخل الجنّة» مفهومه أنَّ مَنْ لم يصلِّهما لا يدخلها، وهو محمول على المُسْتَحِلِّ، أو أراد دخولها ابتداءً من غير عذاب، وعبّر بالماضي عن المضارع لمزيد التَّأكيد بجعل مُتحقّق الوقوع كالواقع. فيض القدير (6/ 164).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فإنه لَمَّا قال: «من صلَّى البردَين دخل الجنَّة» «من فعل كذا دخل الجنَّة» دلّ على أنَّ ذلك العمل سبب لدخول الجنَّة، وإنْ تَخلَّف عنه مُقتضاه لكُفرٍ أو فِسقٍ. مجموع الفتاوى (6/ 427).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
فيه إيماء إلى حُسن خاتمة مُصلِّيهما بوفاته على الإسلام، إذ لا يدخلها إلا من مات مسلمًا. دليل الفالحين(6/ 534).
وقال الشيخ حمزة قاسم -رحمه الله-:
يستفاد منه: فضل صلاتي الفجر والعصر، وكون المواظبة عليهما سببًا في دخول الجنّة، بشرط أن يكون المواظب عليهما صادق الإيمان؛ لأن الكافر لا عمل له، وقد جاء هذا الشَّرط مُصرَّحًا به في قوله -صلّى الله عليه وسلم- كما في حديث عمَّار: «لن يدخل النار من مات لا يشرك بالله شيئًا». منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (2/ 91).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وهذا كُلُّه من ذكر السَّبب المقتضي الذي لا يعمل عليه إلا باستجماع شروطه، وانتفاء موانعه، ويدلُّ هذا على ما خرَّجه الإمام أحمد، عن بشير بن الخصاصيَّة قال: «أتيت النبي -صلّى الله عليه وسلم- لأبايعه، فشرط عليَّ شهادة أن لا إله إلا الله». البحر المحيط الثجاج(1/ 285).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«من صلّى البردَين دخل الجنّة» فأمرُ صلاة الفجر عظيم جدًّا، بعض الناس لا يُلقي لذلك بالًا، ولا يهتم لا بنفسه ولا بِمَنْ تحت يده، يُركِّب الساعة والمُنبِّه على الدَّوام، والأولاد لا يوقظهم إلا للمدارس، هذه خيانة لمن استرعاه الله عليه، هذا خيانة للأمانة التي أنيطت به، فإذا كان يفعل ذلك في نفسه، ويقصد ذلك فالأمر خطير، فتفويت صلاة واحدة عن وقتها ابن حزم نقل الإجماع على أنه إذا تعمَّد ذلك، وأخرج الصَّلاة عن وقتها لا يقضيها يكفر، وإن كان طرفٌ آخر نقلوا الإجماع عن أهل العلم لا سيما الأئمة الأربعة كُلّهم يقولون: يقضِي، ولا يكفر بذلك، لكن خطره عظيم، نسأل الله السَّلامة والعافية. شرح بلوغ المرام (32/ 35).


ابلاغ عن خطا