الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

 «الإسلامُ يَعْلُو ولا يُعْلَى».


رواه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم(2/ 93)، والدارقطني برقم: (3620)، والروياني برقم: (783) عن عائذ بن عمرو المزني -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (2778)، وإرواء الغليل برقم:(1268).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


.


شرح الحديث


قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله -أي البخاري-: «وقال: الإسلام يعلُو ولا يُعْلَى» كذا في جميع نسخ البخاري، لم يُعيِّن القائل، وكنتُ أظنُّ أنه معطوف على قول ابن عباس، فيكون من كلامه، ثم لم أجده من كلامه بعد التتبع الكثير، ورأيته موصولًا مرفوعًا من حديث غيره، أخرجه الدارقطني ومحمد بن هارون الرُّوياني في مسنده، من حديث عائذ بن عمرو المزني، بسندٍ حسن، ورويناه في فوائد أبي يَعلى الخليلي من هذا الوجه، وزاد في أوله قصةً: وهي أنَّ عائذ بن عمرو جاء يوم الفتح مع أبي سفيان بن حرب، فقال الصحابة: هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هذا عائذٌ بن عمرو وأبو سفيان، الإسلامُ أعَزُّ من ذلك، الإسلام يعلُو ولا يُعْلَى»، وفي هذه القصة: أنَّ للمُبْدَأ به في الذِّكْر تأثيرًا في الفضل؛ لما يُفيده من الاهتمام، وليس فيه حُجة على أنَّ الواو تُرتِّب.
ثم وجدتُه من قول ابن عباس كما كنتُ أظن، ذكره ابن حزم في المحلى، قال: ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: إذا أَسْلَمَت اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني يُفرَّق بينهما، الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى.فتح الباري(3/ 220).
وقال العيني -رحمه الله-:
وقال -أي البخاري-: «الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى» كذا قال البخاري، ولم يُعيِّن من القائل، وربما يُظَن أنَّ القائل هو ابن عباس، وليس كذلك؛ فإن الدارقطني أخرجه في كتاب النكاح في سننه بسند صحيح على شرط الحاكم، فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، حدثنا أحمد بن الحسين الحداد، حدثنا شَبَابَة بن خياط، حدثنا حَشْرَج بن عبد الله بن حَشْرَج، حدثني أبي عن جدي عن عائذ بن عمرو المزني، أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى». ورُوي إنَّ عائذ بن عمرو جاء عام الفتح مع أبي سفيان بن حرب، فقال الصحابة: هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هذا عائذ بن عمرو وأبو سفيان، الإسلامُ أعَزُّ من ذلك، الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى».عمدة القاري (8/ 169).
وقال العيني أَيضًا:
فإن قلتَ: ما مناسبة ذِكر هذا الحديث في هذا الباب (باب إذا أسلم الصبي فمات هل يُصلى عليه؟ وهل يُعرض على الصبي الإسلام)؟ قلتُ: الباب في نفس الأمر ينبئ عن علوِّ الإسلام، ألا ترى أنَّ الصبي غير المكلف إذا أسلم ومات يُصلى عليه؛ وذلك ببركة الإسلام، وعُلوِّ قدره، وكذلك يُعرض عليه الإسلام حتى لا يُحرَم من هذه الفضيلة. عمدة القاري (8/ 169).
وقال الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم -رحمه الله-:
فمجرد أنْ قدَّموا ذِكْر أبي سفيان، وهو لم يكن قد أَسْلَم بعد، على ذكر صحابي مسلمٍ جليل، أنْكَرَ عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم-. عقيدة الولاء والبراء (2/ 11).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى» مما وصله الدارقطني مرفوعًا، من حديث ابن عباس، فليس هو معطوفًا على ابن عباس، نعم ذكره ابن حزم في المحلى من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، قال: إذا أَسْلَمَت اليهودية أو النصرانية يُفرَّق بينهما، الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى. إرشاد الساري (2/ 446).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
قوله: «الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى» أخرجه ابن حزم في (المحلى) عن ابن عباس موقوفًا بزيادة «عليه» في آخره، والدارقطني عن عائذ بن عمرو المزني مرفوعًا بدونها. التوشيح شرح الجامع الصحيح (3/ 1113).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
حديث: «الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى عليه».. وإن كان فيه مقال؛ لكنه قد علَّقه البخاري في صحيحه. نيل الأوطار (7/ 18).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «الإِسلام يَعْلُو» الأديان كلها، ولا يزال ينمو. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 496).
وقال الكتاني -رحمه الله-:
«يَعْلُو»: بإظهار شرائعه، وتشهيرها، ببناء المساجد والإعلان بالأذان، ونحو ذلك، وإظهار أُبهة الإسلام، وأوصاف المسلمين المختصة بهم. أحكام أهل الذمة (ص: 55).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
«يَعْلُو»: أي: يرتفع على غيره من الأديان والنِّحَل، وأهلُه أعز من أهل سائر الأديان. فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام (9/ 203).

قوله: «ولا يُعْلَى»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «ولا يُعلَى» أي: عليه.
ويحتمل: العلو بحسب الحُجَّة أو النُّصرة. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 496).
وقال الكتاني -رحمه الله-:
«ولا يُعلى عليه»: بإظهار أهل الكفر لذلك -أي لما سبق ذكره-. أحكام أهل الذمة (ص: 55).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
«ولا يُعلَى»: أي: ولا يَرتفع عليه دين، ولا نِحْلة، وأهله المستمسكون به تبع له في ذلك، فلا يجوز أن يرتفع عليهم أحد في منزلة أو سلوك. فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام (9/ 203).
وقال المازري -رحمه الله-:
المراد به -أي: هذا الحديث- فضلُ الإِسلام على غيره. المعلم بفوائد مسلم (2/ 334).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«الاسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى» عليه، قال البيهقي: قال قتادة: يعني إذا أسلم أحدُ أبوين فالولد مع المسلم، فالعلو في نفس الإسلام؛ بأن يثبت الإسلام إذا ثبت على وجه، ولا يثبت على آخر، كما في المولود بين مسلم وكافر، فإنه يُحكم بإسلامه.
وقال ابن حزم: معناه: إذا أَسْلَمَت يهودية أو نصرانية تحت كافر، يُفرَّق بينهما، ويحتمل: العلو بحسب الحُجة، أو بحسب النصرة في العاقبة، فإنهما للمسلمين؛ وبذلك عُرف أنَّ الحديث ليس نصًا في توريث المسلم من الكافر كما قيل. فيض القدير (3/ 179).
وقال المناوي أيضًا:
«الاسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى» عليه، يعني: إذا أسلم أحد الأبوين، فالولد مع المسلم. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 424).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه: دليل على علو أهل الإسلام على أهل الأديان في كل أمر؛ لإطلاقه، فالحق لأهل الإيمان إذا عارضهم غيرهم من أهل الْمِلَل، كما أشير إليه في إلجائهم إلى مضايق الطرق، ولا يزال دين الحق يعلو ويزداد علوًا، والداخلون فيه أكثر في كل عصر من الأعصار. سبل السلام (2/ 498).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
قوله: «الإِسلامُ يَعْلُو ولا يُعْلَى» هذا باعتبار التشريع ظاهرٌ، وأما باعتبارِ التمكين ففيه تفصيلٌ. فيض الباري (3/ 63).
وقال السَّرْخَسِيُّ -رحمه الله-:
والمراد بقوله -عليه السلام-: «الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى» العلو من حيث الحُجة، أو من حيث القهر والغلبة، فيكون المراد أنَّ النصرة في العاقبة للمؤمنين. المبسوط (30/ 31).
وقال الشرواني -رحمه الله-:
المتبادر منه -أي هذا الحديث- أنَّ المراد بعُلُوِّه: انتشارُه واشتهاره، وإخماد الكفر إلى أن يأتي الوقت الموعود به قرب الساعة، وهذا لا ينافي صيرورة بعض داره دار حرب، كما لا ينافي غلبة الكفار لأهله، ونصرتهم عليهم في كثير من الوقائع. حاشية الشرواني على تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 269).
وقال الكاساني -رحمه الله-:
إعلاء الدِّين الحق واجب، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- «الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى». بدائع الصنائع (7/ 178).
وقال الدكتور محمد يسري:
العلو في هذا الحديث إنما هو علوُّ حُجَّة وبُرهان، وهذا حاصل في كُلّ زمان، أو علوُّ سيف وسِنان وقهرٍ وغلبة، وهذا قد يحصل في بعض الزمان دون بعض. شرح عمدة الأحكام من باب الوصايا (ص: 12).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
واحتجَّ من قال بإرثه -أي المسلم- من الكافر بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى عليه» ومن عُلُوِّهِ: إرثُ المسلم من الكافر دون عكسه، وكأنهم لمَّا رأوا أنَّ الشرع جوَّز نكاح المسلم الكافرة الكتابية، قالوا: بجواز إرثه من الكافر.
وتأوَّلَه الجمهور على مجرد فضل الإسلام على غيره من الأديان دون غيره من الأحكام؛ كإرثٍ وغيره؛ لوجود التصريح في الحديث نصًّا بعدم إرث المسلم من الكافر، فتعيَّن المصير إلى التأويل، كيف ومن قال بإرثه؟ لعلَّه لم يبلغه الحديث، والقياس لا يعارض النصَّ، والله أعلم. العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام (3/ 1245).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «الإسلام يَعْلُو ولا يُعْلَى» هذا خبر، ولكنه يتضمن الحكم، فالإسلام لا شك يَعْلُو، ولكن بشرط أن يكون أهلُه حاملين له حقيقة، فإذا حملوهُ حقيقة نصَرَهم الله به، ودليل هذا في كتاب الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المشْرِكُونَ} التوبة: 33.
أما إذا لم يحمله أهله حقيقة، فإنه يوشك أن يكون هؤلاء الَّذين لم يحملوه أخبث من اليهود والنصارى؛ لأن الله تعالى قال: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاة ثُمَّ لمّ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} الجمعة: 5، وإذا كان الله قد منَّ على هذه الأمة بميزات لم تكن لغيرها كان له عليها من الحق ما هو أوكد من حقوق الآخرين، فإذا أَهْمَلوا هذا الحق صاروا أخبث. وإذا نظرنا إلى المسلمين اليوم وجدنا أنهم على اختلاف طوائفهم، كلٌّ أخذ بنصيب مما عليه اليهود والنصارى، فالتحريف لكتاب الله وسنة رسوله موجود، كما أنَّ التحريف في التوراة والإنجيل موجود، الحسد موجود، إيثار الدُّنيا على الآخرة موجود.. إلى غير ذلك، ولو تتبعت أحوال المسلمين اليوم لوجدتهم -أو أكثرهم- قد أخذوا من خصال الكفار والمشركين بنصيب؛ ولذلك وصلوا إلى الحال الَّتي ترى، صاروا من أذل الأمم، بل إننا إذا اعتبرنا كثرتهم، قلنا: هم أذل الأمم؛ لأن أمةً تبلغ إلى هذا الحد من العدد، وإلى هذا الحد من الغنى في بعض الجهات، ثمَّ تذل هذا الذل، لا شك أنها أرذل الأمم، فمن الأمم من هم دونهم في الكثرة والغنى، ومع ذلك لهم نصيبهم من الكلمة في المجتمعات أكثر من نصيب المسلمين.

فالحاصل: أنَّ قوله: «الإسلام يَعْلُو» متى؟ إذا أخذ أهله به، فإنه سوف يعلو، ويعلو بهم؛ أي: يُعْلِيهم حتَّى يكونوا فوق الناس.
«ولا يُعْلَى» أي: لا يمكن أن يُهزم، ويكون شيء فوقه، وهذه من البُشرى.
لكن هذه الجملة الأخيرة ليست شاملة عامة، بل مقيدة بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين»، هذه الطائفة هي الَّتي لا يمكن أن يُعْلى إسلامُها، أما الطوائف الأخرى فإنه قد يُعْلى إسلامُها، والحقيقة: أنها قد تُعْلى هي، ولا يُعْلى إسلامُها، الإسلام نفسه لا يمكن أن يَعلوه أي دين؛ لأن الدين الإسلامي هو العالي الظاهر، لكن إن جاء تَسلُّطُ غير المسلمين مع ضعف المسلمين فهو لأنهم لم يقوموا بما أوجب الله عليهم. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (5/ 513).
وقال الشيخ ابن عثيمين أيضًا:
يُستفاد من هذا الحديث: البشرى التامة لمن تمسك بدين الإسلام، وأنه سيكون له العلو والظهور.
ويستفاد منه أيضًا: بيان مرتبة الدِّين الإسلامي، وهو أنه لا يمكن أن يعلوه أي دين؛ لقوله: «ولا يُعْلَى»، وهذا خبر كما قلتُ لكم، لكنه يتضمن أحكامًا منها ما ذكره العلماء:
أنه لا يجوز للكفار أن يَعلو بنيانهم على المسلمين إذا كانوا في بلد واحد، وأراد الكافر أن يُعْلي بنيانه على مَن حوله من المسلمين، فإنه يُمنع؛ لأن الإسلام يَعْلو ولا يُعْلى عليه.
ومنها: أنَّ العلماء كرهوا أن يكون الإنسان المسلم مستخدَمًا عند الكافر، ويكون خادمًا له شخصيًا؛ فإن هذا من إذلال المسلم، والعلو عليه؛ ولهذا يستطيع الَّذي استخدمه أن يقول: يا فلان هات الحذاء ألبسني إياه، اغسل ثوبي؛ ولهذا قال العلماء: إنه يُكره، ولو قيل: بالتحريم لم يَبعُد. وأما استخدام الكافرُ للمسلم في جهة لا لعينه، كما لو كان الكافر رئيسًا في شركة، أو غير ذلك، فإن هذا الَّذي يخدم ليس يخدم الكافر، وإنما يخدم الشركة أو المصلحة الحكومية، أو ما أشبه ذلك، فلا يُعَدُّ هذا من باب استخدام الكافر للمسلم.
ومنها -أي: من الأحكام المترتبة على أن الإسلام له العلو-: أننا لا نبدأ غير المسلمين بالسلام؛ ولهذا أتى المؤلف -رحمه الله- ابن حجر بحديث أبي هريرة بعد ذلك؛ لأن الإسلام هو الذي يجب أن يُكْرَمَ أهلُه، وأما غير الإسلام فلِأَهْلِه الإهانة والإذلال. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (5/513- 514).
وقال محمد صدقي البورنو -حفظه الله-:
يدل هذا الحديث على فضل الإِسلام، وتَقَدُّمِهِ على سائر الأديان، وعُلُوِّهِ عليها، كما يدل أيضًا على أنَّ المسلم مُقدَّم تبعًا لذلك على غير المسلم في الذّكر والمكانة. موسوعة القواعد الفقهية (1/ 1/ 397).


ابلاغ عن خطا