«اشترى رجلٌ من رجلٍ عَقَارًا له، فوجدَ الرجلُ الذي اشترى العَقَارَ في عَقَارِهِ جَرَّةً فيها ذهبٌ، فقال له الذي اشترى العقارَ: خذْ ذهبَكَ مني، إنما اشتريتُ منك الأرضَ، ولم أَبْتَعْ منك الذهبَ، وقال الذي له الأرضُ: إنما بِعْتُك الأرضَ وما فيها، فتحاكما إلى رجلٍ، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما وَلَدٌ؟ قال أحدُهما: لي غلامٌ، وقال الآخرُ: لي جَارِيةٌ، قال: أنكحوا الغلامَ الجاريةَ، وأنفقوا على أنفسِهِما منه وتصدَّقا».
رواه البخاري برقم: (3472)، ومسلم برقم: (1721)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«عَقَارًا»:
العَقارُ، بالفتح، الضَّيْعة والنَّخْلُ والأرض ونحو ذلك. والمُعْقِرُ: الرَّجل الكثير العَقارِ. لسان العرب (4/ 597)
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
العقار في اللغة: المنزل والضَّيعة، وخصَّه بعضهم بالنَّخل، ويقال للمتاع النفيس الذي للمنزل: عَقَار أيضًا. فتح الباري(6/518-519).
«جَرَّة»:
قال ابن فارس -رحمه الله-:
الْجَرَّةُ من الفخار؛ لأنها تَجرُّ للاستقاء أبدًا. مقاييس اللغة (1/ 413).
«لم أَبْتَع»:
البيعُ: ضِدُّ الشِّرَاءِ، والبيع: الشّراء أيضًا، وهو من الأَضداد. وبِعت الشَّيء: شَريته، أَبيعه بيعًا ومَبيعًا، وهو شاذ وقياسه مباعًا. والابتياع: الاشتراء.. لسان العرب (8/ 23).
شرح الحديث
قوله: «اشترى رجل من رجل عَقَارًا له»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
لم أقف على اسمهما، ولا على اسم أحد ممن ذُكِرَ في هذه القصة، لكن في المبتدأ لوهب بن منبه أن الذي تحاكما إليه هو داود النبي -عليه السلام-، وفي المبتدأ لإسحاق بن بشر أن ذلك وقع في زمن ذي القرنين من بعض قضاته، فالله أعلم.
وصنيع البخاري يقتضي ترجيح ما وقع عند وهب؛ لكونه أورده في ذكر بني إسرائيل. فتح الباري (6/518).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«عَقَارًا» هو ما عدا المنقول من الأراضي والدُّور من العُقْر (أصْلُ الشيء). الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/337).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
العَقَار الأصول في الأموال من الأراضي وما يتَّصِل به، سُمِّيت بذلك من العَقْر، وهو الأصل، عُقْر الدَّار بضمِّ العين وفتحها. إكمال المعلم (5/582).
وقال ابن حجر -رحمه الله- متعقِّبًا:
وأمَّا عياض فقال: العَقَار الأصل من المال، وقيل: المنزل والضَّيعة، وقيل: متاع البيت، فجعله خلافًا، والمعروف في اللغة أنه مقول بالاشتراك على الجميع، والمراد به هنا الدَّار، وصرَّح بذلك في حديث وهب بن منبه. فتح الباري (6/519).
قوله: «فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب»:
قال حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
«جرَّة فيها ذهب» أي: فوجد المشتري جرَّة في داخلها نقود وحُلِيٌّ وسبائكُ ذهبية. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (4/223).
قوله: «فقال له الذي اشترى العَقَار: خذ ذهبك مني»:
قال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«فقال له الذي اشترى العَقَار: خذ ذهبك مني» هكذا هو في الأصول وفي البخاري، فضمير «له» يعود على البائع، وقد بَعُدَ المرجع، لكنه مُغْتَفر حيث حدَّده المقام. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (7/51).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «فقال الذي شرى الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها» كذا للسمرقندي ولغيره: «فقال الذي اشترى» والأوَّل أصحُّ، شَرَى بمعنى: باع هنا، وإن كان قد جاءت الكلمتان بمعنى: اشترى وشرى، فلا يصِحُّ هنا؛ لأنه قد ذكر قبل هذا قول الذي اشترى: «إنما اشتريتُ منه الأرض» إلا بإضمار البائع. إكمال المعلم (5/582).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
«خذ ذهبك مني» أي: فذهب المشتري إلى البائع، ودفع الجرَّة إليه قائلًا: خذ ذهبك، فإنني لا حقَّ لي فيه؛ لأنني إنما اشتريت الأرض فقط، ولم أشتر منك هذا الذهب الذي وجدته فيها، فهو حقك . منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (4/223).
قوله: «إنما اشتريتُ منك الأرض، ولَمْ أبتعْ منك الذهب »:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«إنما اشتريتُ منك الأرض، ولم أشترِ الذهب» أي: وليس هو من أجزائها حتى يتناوله الشراء الوارد عليها. دليل الفالحين (8/648).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «ولَمْ أبتعْ منك» أي: ولَمْ أشترِ منك الذهب. عمدة القاري (16/57).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«فإنما اشتريتُ منك الأرض، ولَمْ أبتعْ الذهب» وهذا صريح في أن العقد إنما وقع بينهما على الأرض خاصة، فاعتقد البائع دخول ما فيها ضمنًا، واعتقد المشتري أنه لا يدخل، وأما صورة الدعوى بينهما فوقعت على هذه الصورة، وأنهما لَمْ يختلفا في صورة العقد التي وقعت. والحكم في شرعنا على هذا في مثل ذلك أن القول قول المشتري، وأن الذهب باقٍ على ملك البائع.
ويَحتمِلُ: أنهما اختلفا في صورة العقد بأن يقول المشتري: لم يقع تصريح ببيع الأرض، وما فيها، بل ببيع الأرض خاصة، والبائع يقول: وقع التصريح بذلك، والحكم في هذه الصورة أن يتحالفا ويسترِدَّا المبيع، وهذا كله بناء على ظاهر اللفظ؛ أنه وجد فيه جرًّةً من ذهب، لكن في رواية إسحاق بن بشر أن المشتري قال: «إنه اشترى دارًا فعمَرَها فوجد فيها كنزًا، وأن البائع قال له لَمَّا دعاه إلى أخذه: ما دفنتُ ولا علمتُ»، وأنهما قالا للقاضي: ابعث مَنْ يقبضه، وتضعه حيث رأيتَ. فامتنع، وعلى هذا فحكم هذا المال حكم الرِّكاز في هذه الشريعة إن عُرِفَ أنه من دفين الجاهلية، وإلا فإن عُرِفَ أنه من دفين المسلمين فهو لُقَطَة، وإن جُهِلَ فحكمه حكم المال الضائع؛ يوضع في بيت المال، ولعلهم لم يكن في شرعهم هذا التفصيل، فلهذا حكم القاضي بما حكم به. فتح الباري (6/519).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: المال المدفون إن كان جاهليًّا فهو ركاز، وإن كان إسلاميًّا فهو لقطة؟
قلتُ: هذا المال لم يكن حاله معلومًا، وكونه موجودًا في الأرض المملوكة فالظاهر أنه ملك للبائع؛ ولَمَّا أبى من أخذه صالح بينهما، على أن الشرائع مختلفة، رُبَّما كان هذا في شرعهم. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/337).
وقال العراقي -رحمه الله-:
هذه الواقعة يحتمل أن تكون صورتها أنه باعه العَقَار مطلقًا، وبنى البائع على دخول الذهب الذي فيها في الإطلاق، وبنى المشتري على أنه لا يدخل، والحكم فيها في هذه الشريعة على مذهب الشافعي وغيره عدم الدخول كما تقدَّم، فالمُصدَّق في ذلك المشتري، والذهب باقٍ على ملك البائع.
ويحتمِلُ: أن تكون صورتها أن البائع يقول: إنه وقع تصريح ببيع الذهب مع العَقَار، والمشتري يقول: لم يقع تصريح بذلك، وإنما وقع التصريح ببيع العَقَار خاصة، والحكم في هذه المسألة عندنا أن الْمُتبايِعَيْن يتحالفانِ لاختلافهما في قَدْرِ المبيع، فيحلف كُلٌّ منهما يمينًا يجمع النفي والإثبات، حيث لا يكون هناك بيِّنة، فإذا تحالفا فسخ البيع إن لم يرضَ أحدهما بما قال الآخر، ورجع العَقَار والذهب إلى البائع.
وقد ظهر بذلك أن قول القرطبي: إن هذا مال ضائع؛ إذ لم يدَّعهِ أحد لنفسه مردود، وإنما كان يكون كذلك لو قال البائع: ليس هذا الذهب لي أصلًا، وحينئذٍ فيرجع إلى بائعه، وهكذا حتى ينتهي إلى الْمُجبي ، وأما في هذه الصورة فإن البائع مُعترِفٌ بأن الذهب كان له وباعه، ألا ترى قوله: «إنما بعتك الأرض وما فيها»، وإنما الاحتمال في أن يبيعه ما فيها هل كان بالتنصيص عليه أو بدخوله تحت لفظ الأرض وتبعيته لها في الحكم على ما قدمته من الاحتمالين؟
وحكمهما عندنا وهذا الذي وقع من كلاميهما يسمى عند البيانيين قَصْرُ إفراد؛ لأن البائع يدَّعي ثبوت الحكم لشيئين وهو الأرض والذهب، والمشتري يَقَصْرُ ذلك على أحدهما وهو الأرض، ولو كان البائع يدَّعي بيع الذهب دون الأرض والمشتري ذلك في الأرض دون الذهب لكان قَصْرُ قَلْبٍ، والله تعالى أعلم. طرح التثريب (6/144-145).
قوله: «وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«فقال الذي له الأرض» أي: باعتبار ما مضى قبل عقد البيع. دليل الفالحين (8/648).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «وقال الذي له الأرض» أي: الذي كانت له، ووقع في رواية أحمد عن عبد الرزاق بيان المراد من ذلك، ولفظه: «فقال الذي باع الأرض: إنما بعتك الأرض».
ووقع في نسخ مسلم اختلاف، فالأكثر رووه بلفظ: «فقال الذي شرى الأرض» والمراد باع الأرض، كما قال أحمد، ولبعضهم: «فقال الذي اشترى الأرض»، ووهَّمَها القرطبي قال: إلا إن ثبت أن لفظ: «اشترى» من الأضداد كـ(شرى) فلا وهم. فتح الباري (6/519).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«إنما بعتك الأرض وما فيها» لعله أخبر عن مراده لا عن اللفظ الواقع بينهما حال العقد.
ويحتمِلُ: أنه أخبر عنه، وأنه قال: وأنكر المشتري التَّعرُّض له أو لم يرَهُ المشتري شاملًا لِمَا وجده فيها، ورآه قاصرًا عليها، بل على ما يعتاد دخوله في بيع الأرض من المدر والأحجار المبنية فيها. دليل الفالحين (8/648).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«إنما بعتك الأرض وما فيها» الظاهر أن العقد إنما وقع بينهما على الأرض خاصة، فاعتقد البائع دخول ما فيها ضمنًا، واعتقد المشتري أنه لا يدخل. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (7/51).
وقال المازري -رحمه الله-:
واختلف عندنا فيمن باع أرضًا فوجد فيها مشتريها شيئًا مدفونًا: هل يكون ذلك للبائع أو للمشتري؟ فيه قولان. المعلم بفوائد مسلم (2/ 406)
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: ويعني بذلك ما يكون من أنواع الأرض، كالحجارة والعمد والرخام، ولم يكن خلقة فيها، وأما ما يكون من غير أنواع الأرض كالذهب والفضة، فإن كان من دفن الجاهلية كان ركازًا، وإن كان من دفن الإسلام فهو لقطة، وإن جهل ذلك كان مالًا ضائعًا، فإن كان هنالك بيت مال حفظ فيه، وإن لم يكن صرف للفقراء والمساكين، وفيمن يستعين به على أمور الدين، وفيما أمكن من مصالح المسلمين، والله تعالى أعلم. المفهم (5/179-180).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
ذلك (يعني: الحكم) بحكم شريعته، وإلا في شريعتنا على مذهب الشافعي: أن المدفون في العَقَار على ملك البائع. منحة الباري بشرح صحيح (6/559).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
ومذهب الشافعية أنه إذا باع أرضًا لا يدخل فيها ذهب مدفون فيها كالكنوز؛ كبيع دار فيها أمتعة، بل هو باقٍ على ملك البائع. إرشاد الساري (5/432).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
دلَّ (يعني: الحديث) هذا على أن هذه الواقعة كانت في بني إسرائيل. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/337).
قوله: «فتحاكما إلى رجل»:
قال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«فتحاكما إلى رجل» هو داود -عليه السلام-. منحة الباري بشرح صحيح (6/558).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فتحاكما» أي: تحاكم كل من البائع والمشتري، أي: ترافعا «إلى رجل» عدل عالم بالحكم؛ ليحكم بينهما، فأخبراه بما اختلفا فيه واستفتياه فيه. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه(14/418-419).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقوله: «فتحاكما» ظاهره أنهما حكَّماه في ذلك، لكن في حديث إسحاق بن بشر التصريح بأنه كان حاكمًا منصوبًا للناس، فإن ثبت ذلك فلا حجة فيه لمن جوز للمتدَاعِيَيْن أن يُحَكِّمَا بينهما رجلًا، وينفذَ حكمه، وهي مسألة مختلف فيها، فأجاز ذلك مالك والشافعي بشرط أن يكون فيه أهليَّة الحكم، وأن يحكم بينهما بالحق، سواء وافق ذلك رأي قاضي البلد أم لا، واستثنى الشافعي الحدود، وشرط أبو حنيفة أن لا يخالف ذلك رأي قاضي البلد،. فتح الباري (6/519).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وهذا الرجل المحكَّم لم يحكم على أحد منهما؛ وإنما أصلح بينهما، بأن يُنفِقَا ذلك المال على أنفسهما وعلى ولديهما ويتصدَّقا؛ وذلك أن هذا المال ضائع، إذا لم يدعه أحد لنفسه، ولعلهم لم يكن لهم بيت مال، فظهر لهذا الرجل: أنهما أحقُّ بذلك المال من غيرهما من المستحقين لزهدهما وورعهما، ولحسن حالهما؛ ولِمَا ارتجى من طِيبِ نسلهما، وصلاح ذريتهما. المفهم (5/179).
قوله: «فقال: الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ألكما ولد؟» بفتح الواو واللام، والمراد الجنس؛ لأنه يستحيل أن يكون للرجلين جميعًا ولد واحد، والمعنى: ألِكُلِّ مِنكُما ولدٌ؟ ويجوز أن يكون قوله: «ألكما وُلْد؟» بضم الواو وسكون اللام، وهي صيغة جمع، أي: أولاد، ويجوز كسر الواو أيضًا في ذلك. فتح الباري (6/519).
قوله: «قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فقال أحدهما: لي غلام» بيَّن في رواية إسحاق بن بشر أن الذي قال: «لي غلام» هو الذي اشترى العَقَار. فتح الباري (6/519).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«لي غلام» اسم للولد حال الصِّغر والشباب واجتماع القوة. دليل الفالحين (8/648).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«لي جارية» أي: بنت. دليل الفالحين (8/649).
قوله: «قال: أنكِحُوا الغلام الجارية»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«قال» أي: الحاكم «أنكِحُوا» أنتما والشاهدان. إرشاد الساري (5/432).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدَّقا» هكذا وقع بصيغة الجمع في الإنكاح والإنفاق، وبصيغة التثنية في النفسين وفي التَّصدُّق، وكأن السِّرَّ في ذلك أن الزوجين كانا محجورين، وإنكاحهما لا بُدَّ فيه مع وليِّيهما من غيرهما كالشاهدين، وكذلك الإنفاق قد يحتاج فيه إلى الْمُعيّن كالوكيل، وأما تثنية النفسين فللإشارة إلى اختصاص الزوجين بذلك، وقد وقع في رواية إسحاق بن بشر ما يُشعِرُ بذلك، ولفظه: «اذهبا فزوّجِ ابنتك من ابن هذا، وجهِّزُوهما من هذا المال، وادفعا إليهما ما بقي يعيشان به»، وأما تثنية التَّصدُّق فللإشارة إلى أن يُباشِرَها (أي: يباشر الصدقة) بغير واسطة؛ لِمَا في ذلك من الفضل، وأيضًا فهي تبرُّع لا يصدر من غير الرشيد، ولا سيّما ممن ليس له فيها ملك، ووقع في رواية مسلم: «وأنفقا على أنفسكما»، والأول أوجه، والله أعلم. فتح الباري (6/519-520).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«أنكحوا الغلام الجارية» لِمَا رأى الرجل صدق نيَّتهما ونصيحة كل واحد منهما لصاحبه راعى جانب كل منهما في ذلك. لمعات التنقيح (5/584).
قوله: «وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«وأنفقوا» أنتما ومَنْ تستعينان به كالوكيل «على أنفسهما منه» أي: على الزوجين من الذهب. إرشاد الساري (5/432).
وقال القسطلاني -رحمه الله- أيضًا:
«وتصدَّقَا» منه بأنفسكما بغير واسطة لِمَا فيه من الفضل. إرشاد الساري (5/432).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
ويثور هنا سؤال: أيُّ الرجلين أكثر أمانةً البائع أم المشتري؟
وقع في بعض الروايات عن أبي هريرة: «لقد رأيتنا يكثر تمارينا –أي: جدالنا- ومنازعتنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- أيهما أكثر أمانة؟». فتح المنعم شرح صحيح مسلم (7/52).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وفي الحديث دليل على أنَّ الموضوع (كذا في جميع الأصول، ولعل الصواب: المنقول) في المبيع لا يدخل في عقد البيع؛ لأنه -عليه السلام- ذكره من غير إنكار، وهذا بخلاف المعدن، فإنه ينتقل إلى مشتريها (أي: الأرض)؛ لأنه من أجزاء الأرض، ودليل على جواز التحكيم؛ لأن الظاهر من قوله: «إلى رجل» أنه لم يكن حاكمًا في البلد، وإنما لم يحكم ذلك المحكَّم؛ لأنه لم يجد مُدَّعيًا، فأصلح. مبارق الأزهار (3/15).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه: فضل الإصلاح بين المتنازعين، وأن القاضي يُستحبُّ له الإصلاح بين المتنازعين كما يستحبُّ لغيره. شرح صحيح مسلم (12/19).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلَّى لأمته حديث الرَّجُلين اللذَيْن تدافعا المال، فكل منهما يدفعه عنه إلى صاحبه؛ ترغيبًا للناس في الاقتداء بهما، وإن ذلك أفضى بهما إلى حصول الشيء لهما؛ لأنه صار في أحسن مواقعه منهما، فإنه لو كانا قد اقتسما لم يكن الواحد منهما يتركه إلا لولده، فزوَّج ابن هذا ابنة هذا، فصار المال إليهما، فلم يَفُتْهُما من ذلك خير بل كَسَبَا أجرًا، وحصَّلا عند الله به ذُخرًا، وكان من أحسن الثناء عليهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر مثل ذلك عنهما. وهذه القصة تُوَبِّخ أهل الحرص والشَّرَه والتَّفَاني في طلب الدنيا. الإفصاح عن معاني الصحاح (7/218).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
وفيه: كمال تورُّعِهم واحتياطهم عكس زمان نحن فيه إلا من عصمه الله. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (14/103).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: دليل على أن هذه الأُمّة أولى بالتورع والزهد في الدنيا، فإنها خير الأمم. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/337).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
دلَّ هذا الحديث على...صلاح هذين الرجلين وورعهما وعِفَّتِهما وزُهْدِهما في هذا الكنز النفيس الذي يتمثل في تدافعهما له، ومحاولة كل منهما التَّخلص منه، فهما نوع نادر من البشر. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (4/223).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده:
ومنها: بيان جواز شراء العَقَار بما فيها من الأشجار وغيرها. البحر المحيط الثجاج (30/188).