الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«مَن توضَّأَ للصَّلاةِ فأسبغَ الوضوءَ، ثم مَشى إلى الصَّلاةِ المكتوبةِ، ‌فصلّاها ‌مع ‌الناسِ أو مع الجماعةِ أو في المسجدِ، غَفَرَ اللهُ له ذُنُوبَهُ».


رواه مسلم برقم: (232)، من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«فأسبغَ»:
يقال: أسبغتُ الوضوء: أتممته. المصباح المنير، للفيومي (1/ 264).
قال ابن فارس -رحمه الله-:
السِّين والباء والغين أصلٌ واحد؛ يدلُّ على تمامِ الشيء وكماله، يقال: أسبغتُ الأمر، وأسبغ فلان وضوءَه. [مقاييس اللغة، لابن فارس (3/ 129)
.

«الوضوء»:
الوَضوء بالفتح: الماء الذي يَتوضَّأُ به... والوُضوء، بالضَّمِّ: التَّوضُّؤ، والفعل نفسه... أراد به وضوء الصَّلاة. النهاية، لابن الأثير (5/ 195).

«غَفَرَ»:
أصل الغَفْر: التَّغطية، يُقال: ‌غفر الله لك غَفرًا وغُفرانًا ومغفِرة، والمغفرة: إلباس اللهِ تعالى العفوَ للمذنبين. [النهاية، لابن الأثير (3/ 373).


شرح الحديث


قوله: «مَنْ توضَّأَ للصلاةِ فأسبغَ الوَضوءَ»:
قال الشيخ محمد مختار الشنقيطي-رحمه الله-:
«مَنْ توضَّأَ» يحتمل أنها شرطيَّة. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/ 1761).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
الوضوء بالضَّمِّ هو الفعل، وبالفتح: الماء الذي يتوضَّأُ به على المشهور فيهما، وحُكي في كُلٍّ منهما الأمران، وهو مشتقٌّ من الوضاءة، وسُمِّي بذلك لأن المُصلِّي يتنظَّفُ به، فيصير وضيئًا. فتح الباري (1/ 232).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
الوضوء أصل في الدِّين وطهارة المسلمين. القبس في شرح الموطأ (1/ 116).
وقال محمد مختار الشنقيطي-رحمه الله-:
«للصَّلاة» اللَّام تفيد التَّعليل، أي: لعلَّة وبسبب الصَّلاة و(أل) في الصَّلاة للعهد الذِّهني، أي: المكتوبة؛ بدليل ما بعد، وهو إشارة إلى النِّيَّة؛ لأنها أساس العمل...، ولو نوى رفع الحدث المانع من الصَّلاة لأجزأه ذلك. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/ 1764).

قوله: «فأسبغ الوضوء»:
قال النووي –رحمه الله-:
«فأسبغ الوضوء» أي: ‌يأتي ‌به ‌تامًّا ‌بكمال ‌صفته وآدابه. شرح صحيح مسلم (3/ 111).
وقال محمد مختار الشنقيطي -رحمه الله-:
«فأسبغ الوضوء» أي: أتمَّه؛ ولهذا جاء في بعض الرِّوايات: «أحسن» بدل: «أسبغ»؛ لأن معناهما واحد، والفاء عاطفة. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/ 1764).
وقال محمد مختار الشنقيطي -رحمه الله- أيضًا:
أي: بالغ في إكماله...، والمعنى: أكمل الوضوء، واستوعب بالغسل جميع الفرض. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (2/ 342).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
فالإسباغ: ‌الإكمال ‌والإتمام...، وإسباغ الوضوء: أن تأتي بالماء على كُلِّ عضو يلزمك غسله، وتعمَّه كُلَّه بالماء، وجرِّ اليد، وما لم تأتِ عليه بالماء منه، فلم تغسله، بل مسحته، ومَنْ مسح عضوًا يلزمه غسله، فلا وضوء له، ولا صلاة، حتى يغسل ما أمر الله بغسله، على حسب ما وصفت لك. التمهيد (13/ 56).

قوله: «ثم مشى إلى الصلاةِ المكتوبةِ»:
قال ابن رجب -رحمه الله-:
المشي إلى المسجد أفضل من الرُّكوب، كما في حديث أوس في الجُمع (لفظه: «من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها»)؛ ولهذا جاء في حديث معاذ ذكر المشي على الأقدام (لفظه: «فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: ما هن؟ قلت: مشي الأقدام إلى الجماعات...»)، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج إلى الصَّلاة إلا ماشيًا حتى العيد يخرج إلى المصلَّى ماشيًا، فإن الآتي للمسجد زائر لله، والزِّيارة على الأقدام أقرب إلى الخضوع والتَّذلُّل، كما قيل:
لو جئتكم زائرًا أسعى على بصري *** لم أَقْضِ حقًّا وأيُّ الحقِّ أدَّيتُ؟! اختيار الأولى (ص: 60).
وقال محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ثم مشى إلى الصَّلاةِ» يعني: لا ينوي بخروجه إلا الصَّلاة. الكوكب الوهاج (5/ 206).
وقال الشيخ محمد مختار الشنقيطي -رحمه الله-:
«ثم مشى إلى الصلاةِ» جاء على الغالب بأنه يكون خارجًا من بيته، وإلا فالأجر المذكور ثابت له في توجُّهِه إلى المسجد على الوجه المشروط هُنا، ولو لم يكن خارجًا من بيته؛ لأن الفرض القصد إلى الصَّلاة من المكان الذي هو فيه. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/ 1762).
وقال الشيخ محمد مختار الشنقيطي-رحمه الله- أيضًا:
«المكتوبة» صفة للصَّلاة التي يمشي إليها، وهي بمعنى المفروضة، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} النساء: 103. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/ 1764).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والحاصل: أنَّ لِحُمران عن عثمان حديثين في هذا:
أحدهما: مقيَّد بترك حديث النَّفس؛ وذلك في صلاة ركعتين مطلقًا غير مقيَّد بالمكتوبة.
والآخر: في الصَّلاة المكتوبة في الجماعة، أو في المسجد من غير تقييد بترك حديث النَّفس. فتح الباري (11/ 251).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
والحاصل: أنَّ لحمران عن عثمان -رضي الله عنه- حديثين في هذا الباب:
أحدهما: مقيد بترك حديث النفس؛ وذلك في صلاة ركعتين مطلقًا غير مقيد بالمكتوبة، وقد تقدم تمام البحث فيه في الوضوء.
والثاني: في الصلاة المكتوبة في الجماعة، أو في المسجد من غير تقييد بترك حديث النفس. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (10/ 624).

‌قوله: «فصلّاها ‌مع ‌الناسِ أو مع الجماعةِ أو في المسجدِ»:
قال محمد الأُبي -رحمه الله-:
قوله: «‌مع ‌الناسِ أو مع الجماعةِ أو في المسجدِ» يُحتمل أنَّه شكٌّ من الرَّاوي، أو أنَّه هكذا سمعه. إكمال إكمال المعلم (2/24).
وقال الشيخ محمد مختار الشنقيطي -رحمه الله-:
«فصلَّاها مع الناس أو مع الجماعة، أو في المسجد» شكٌّ من الرَّاوي أيهما قال؟ ولم يتبيَّن لي مَنْ الشَّاكُّ في ذلك، والأمر فيه سهل؛ لأن معناهما واحد، أي: أدرك الصَّلاة مع الجماعة، أو فاتته فصلَّاها منفردًا؛ لأن أجره كُتب بالسَّعي إليها وحسن النِّيَّة في قصد تحصيلها. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/ 1764).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي –رحمه الله-:
«فصلَّاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد» الظَّاهر أن «أو» الأولى للشَّكِّ من الرَّاوي، والثَّانية للتَّنويع، ومن هنا يظهر مطابقة الحديث لترجمة المصنف (النسائي) -رحمه الله تعالى-؛ لأن المراد بِمَن صلَّى في المسجد، هو الذي صلَّى وحده بعد صلاة الناس جماعة، فقد حصلت له المغفرة مثل ما حصل لمن صلَّى بالجماعة، فيكون حدُّ إدراك فضل الجماعة لمن لم يدركها هو الصَّلاة في المسجد، والله تعالى أعلم. ذخيرة العقبى (10/ 623).
وقال الشيخ محمد مختار الشنقيطي -رحمه الله-:
و(أل) في المسجد للجنس، فلا تخصُّ مسجدًا عن مسجد، وإن كان بعض المساجد أعظم أجرًا في الجملة فذلك لا يُنافي أن هذا الأجر الموعود هنا عامٌّ في جميع المساجد. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/ 1762).

قوله: «غفرَ اللهُ له ذُنُوبَهُ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«غفرَ الله له ذُنُوبَهُ» ظاهره العموم لِكُلِّ ذنب. التحبير (7/ 163).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
واعلم أنَّ جمهور العلماء على أنَّ هذه الأسباب كُلَّها إنَّما تُكفِّر الصَّغائر دون الكبائر، وقد استدلَّ بذلك عطاء وغيره من السَّلف في الوضوء، وقال سلمان الفارسي -رضي الله عنه-: «الوضوء يُكفِّر الجراحات الصِّغار، والمشي إلى المسجد يُكفِّر أكثر من ذلك، والصَّلاة تُكفِّر أكثر من ذلك». خرَّجه محمد بن نصر المروزي. اختيار الأولى (ص: 66).
وقال صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«غفرَ اللهُ له ذُنُوبَهُ» أي: ما لم تفعل وترتكب الكبائر، أي: فإذا ارتكبت الكبائر فإنها لا تغفر بما ذكر، بل لا بُدَّ لها من توبة، أو تغفر برحمة الله وفضله. منة المنعم (1/ 191).
وقال الشيخ محمد مختار الشنقيطي -رحمه الله-:
«غفرَ الله له ذُنُوبَهُ» جواب الشَّرط وهو ظاهره العموم، لكنه مخصوص بقوله: «مُكفِّرات لِمَا بينهن ما اجتنبت». شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/ 1764).
وقال العيني -رحمه الله-:
«غفرَ الله له ذُنُوبَهُ» يعني: الذَّنب الذي بينه وبين الله تعالى، وأمَّا ما بينه وبين العباد فلا يُغفر إلا بإرضاء الخصم. عمدة القاري (23/ 44).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
المراد بغفران الذُّنوب سترها، والمراد الصَّغائر. فتح القريب المجيب (2/ 344).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: الحثُّ على الاعتناء بتعلُّم آداب الوضوء وشروطه، والعمل بذلك والاحتياط فيه، والحرص على أن يتوضَّأَ على وجه يصِحُّ عند جميع العلماء، ولا يترخَّصَ بالاختلاف، فينبغي أن يحرص على التَّسمية والنِّيَّة والمضمضة، والاستنشاق والاستنثار، واستيعاب مسح الرأس ومسح الأذنين؛ ودلك الأعضاء، والتتابع في الوضوء وترتيبه، وغير ذلك من المختلف فيه، وتحصيلِ ماء طهور بالإجماع، والله سبحانه وتعالى أعلم. شرح صحيح مسلم (3/ 111).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
فيه دليل على أن ذلك الوضوء الذي يحسنه ويسبغه إذا أتبعه صلاة... أقل ما يكون من الصَّلاة، فحسّنها وأخلص فيها، ولم يحدِّثْ فيها نفسه؛ فإنه يغفر له ما تقدَّم له من ذنبه؛ وذلك أنه يكون قد أحسن العمل أصلًا وفرعًا. الإفصاح (1/ 230-231).
وقال النووي –رحمه الله-:
(الحديث) دالٌّ على أنّ من اقتصر في وضوئه على طهارة الأعضاء الواجبة وترك السُّنن والمستحبات كانت هذه الفضيلة حاصلة له، وإن كان مَن أتى بالسُّنن أكمل وأشدَّ تكفيرًا، والله أعلم. شرح صحيح مسلم (3/ 116).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي –حفظه الله-:
فيه بيان أنه لو اقتصر على الوضوء الواجب كفاه، فلو اقتصر على مرَّة وعمَّمَ كُلَّ عضو مرَّة كفاه، وكان هذا من أسباب المغفرة.
وفيه فائدة نفيسة: وهي أن هذا الفضل يحصل لمن أتى بالطَّهارة الواجبة وصلَّى الفروض المكتوبة، ولو ترك السُّنن والمستحبات، وإن كان الإتيان بالمستحبات والنَّوافل أشدَّ تكفيرًا للسيئات ورفعةً للدَّرجات. توفيق الرب المنعم (1/ 437-438).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه أن الإنسان أوَّلُ ما يبدأ به من أفعال صلاته الوضوء؛ فإذا حسَّنه وأسبغه وجوَّدهُ كان كمن أحكم أساس عمله. الإفصاح (1/ 230-231).
وقال الشيخ محمد مختار الشنقيطي-رحمه الله-:
وفيه... إشارة إلى النِّيَّة وحسن القصد. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/ 1764).
وقال الشيخ محمد مختار الشنقيطي -رحمه الله- أيضًا:
قد تظاهرت الأدِلَّة على النِّيَّة الخالصة لا سيّما إن صحبها السعي يكتب لصاحبها ما نواه، ولو لم يبلغه لعارض لا يتمكَّنُ معه من الفعل. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/ 1762).


ابلاغ عن خطا