الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

قَدِمَ رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- مِن سفرٍ، وقد سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لي على سَهْوَةٍ لي فيها تماثيلُ، فلمَّا رآه رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- هَتَكَهُ وقال: «أشدُّ الناسِ عذابًا يومَ القيامةِ الذين يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّه» قالت: فجعلناه وسَادَةً أو وسَادتينِ».


رواه البخاري برقم: (5954)، واللفظ له، ومسلم برقم: (2107)، من حديث عائشة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«سَتَرْتُ»:
السُّتْرَة: ما يُسْتَر به كائنًا ما كان، وكذا السِّتَارة، والجمع السَّتَائر، وسَتَرَ الشَّيء: غطاه. مختار الصحاح، للرازي(ص: 142).

«بقِرام»:
القِرام: السِّتر الرَّقيق، وهو من قياس الباب، كأنه شيء قد غُشِيَ به الباب. مقاييس اللغة، للرازي (5/76).
وقال ابن دريد -رحمه الله-:
القِرام: السِّتر الرَّقيق؛ وراء السِّتر الغليظ على الهودج (محمل تركب فيه النساء) وغيره. جمهرة اللغة (2/792).

«سهوة»:
السَّهوة: بيت صغير منحدر في الأرض قليلًا، ‌شبيه بالمُخْدَع (وهو البيت الصغير داخل البيت الكبير) والخزانة، وقيل: هو كالصُّفَّة تكون بين يدي البيت، وقيل: شبيه بالرَّف أو الطَّاق (نافذة صغيرة في جدار البيت من الداخل) يوضع فيه الشيء. النهاية، لابن الأثير (2/430).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
كأنها (أي: السَّهوة) سُمِّيت بذلك؛ لأنها يُسْهَى عنها لصغرها وخفائها. الفائق في غريب الحديث (2/212).

«تماثيل»:
التِّمثال: الصُّورة المصوَّرة، وفي ثوبه تماثيل، أي: صور حيوانات مصوَّرة. المصباح المنير، للفيومي (2/ 563).

«هتكه»:
الهتك: أن تجذب سترًا فتقَطَعه من موضعه، أو تشقَّ منه طائفة يرى ما وراءه. لسان العرب، لابن منظور (10/502).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
الهتك: خَرق السِّتر عمَّا وراءه. النهاية (5/243).

«يُضاهُون»:
أي: يُشبِّهُون. فتح الباري، لابن حجر (1/ 148).
والمضاهاة: المشابهة، وقد تهمز، وقرئ بهما. النهاية، لابن الأثير (3/106).
قال ابن منظور -رحمه الله-:
أي: يعارضون بما يعملون خلق الله تعالى، أراد المصوِّرين. لسان العرب (14/488).

«وسادة»:
الوِسادة: بالكسر المخدَّة، والجمع: وِسادات ووسائدُ. المصباح المنير، للفيومي (2/ 658).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
الوِساد: كُلُّ ما يوضع تحت الرأس، وإن كان من تراب أو حجارة. لسان العرب (3/460).


شرح الحديث


قوله: «قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من سفر»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «من سفر» في رواية البيهقي: «أنها غزوة تبوك»، وفي أخرى لأبي داود والنسائي: «غزوة تبوك أو خيبر» على الشَّكِّ. فتح الباري (10/387).

قوله: «وقد سترتُ بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «بقِرَام» بكسر القاف، وتخفيف الرَّاء، هو سِتر فيه رقم (أي: صورة) ونقش، وقيل: ثوب من صوف مُلوَّن، يفرش في الهَوْدَج، أو يغطَّى به. فتح الباري (10/387).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «سَهوة» بفتح المهملة وسكون الهاء، هي صُفَّة من جانب البيت، وقيل: الكُوَّة، وقيل: الرَّفُّ، وقيل: أربعة أعواد أو ثلاثة؛ يعارض بعضها ببعض، يوضع عليها شيء من الأمتعة، وقيل: إنه يُبْنَى من حائط البيت حائط صغير، ويجعل السَّقف على الجميع، فما كان وَسَطَ البيت فهو السَّهوة، وما كان داخله فهو المِخْدَعُ، وقيل: دُخْلَةٌ في ناحية البيت، وقيل: بيت صغير يُشبه المِخدع، وقيل: بيت صغير منحدر في الأرض، وسمكه مرتفع من الأرض كالخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع، ورجَّح هذا الأخير أبو عبيد، ولا مخالفة بينه وبين الذي قبله.
قلتُ: وقد وقع في حديث عائشة أيضًا في ثاني حديثي الباب أنها علَّقته على بابها، وكذا في رواية زيد بن خالد الجهني عن عائشة عند مسلم، فتعين أن السَّهوة بيت صغير عَلَّقت السِّتر على بابه. فتح الباري (10/387).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «فيه تماثيل» بمثنَّاة ثم مُثلَّثة، جمع تمثال، وهو الشَّيء المصوَّر أعمُّ من أن يكون شاخصًا، أو يكون نقشًا، أو دهانًا، أو نَسجًا في ثوب، وفي رواية بكير بن الأشجِّ عن عبد الرحمن بن القاسم عند مسلم: «أنها نصبت سِترًا فيه تصاويرُ». فتح الباري (10/387).
وقال البغوي -رحمه الله-:
يكره سَتر الجُدُر بالثياب الملوَّنة وتنقيشها (أي: لهذا الحديث). شرح السنة (12/ 135).

قوله: «فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هتكه»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «هتكه» أي: نزعه، وقد وقع في الرِّواية التي بعدها: «فأمرني أن أنزعه فنزعته». فتح الباري (10/387).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فهتكه» أي: خَرَقَه، يقال: هتكه فانهتك. نخب الأفكار (13/459).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
فهتكه النبي -صلى الله عليه وسلم-، أي: أفسد ما فيه، وأبطل. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (395).
وقال النووي -رحمه الله-:
قولها: «هتكه» هو بمعنى: قطعه، وأتلف الصُّورة التي فيه. وقد صرَّحت في الرِّوايات المذكورات بعد هذه بأنَّ هذا النَّمط (وهو ضرب من الْبُسط والفرش) كان فيه صور الخيل ذوات الأجنحة، وأنه كان فيه صورة، فيستدلُّ به لتغيير المنكر باليد، وهتك الصُّور المحرَّمة، والغضب عند رؤية المنكر. شرح مسلم (14/ 86).

قوله: «وقال: أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «أشدُّ» كلمة «أشد» اسم تفضيل بمعنى: أعظم وأقوى. القول المفيد على كتاب التوحيد (2/442).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«أشدُّ الناس» أي: من أشدِّ الموحِّدين عذابًا، أو أشدِّ الكفار، لجمعه بين الكفر والتَّصوير. دليل الفالحين (8/507).
وقال النووي -رحمه الله-:
أمَّا رواية: «أشدُّ عذابًا» فقيل: هي محمولة على من فعل الصُّورة لتعبد، وهو صانع الأصنام، ونحوها، فهذا كافر، وهو أشدُّ عذابًا، وقيل: هي فيمن قصد المعنى الذي في الحديث من مُضاهاة خلق الله تعالى، واعتقد ذلك، فهذا كافر له من أشدِّ العذاب ما للكُفَّار، ويزيد عذابه بزيادة قبح كفره، فأمَّا من لم يقصد بها العبادة، ولا المضاهاة، فهو فاسق صاحب ذنب كبير، ولا يَكْفُر كسائر المعاصي. شرح مسلم (14/ 91).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «أشدُّ الناس عذابًا» أي: من أشدِّهم؛ لأن إبليس وابن آدم الذي سَنَّ القتل أشدُّ الناس عذابًا. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (28/ 202).
وقال الدماميني -رحمه الله- متعقبًا:
قلتُ: لكن ليس في اللفظ ما يدلُّ على هذا المعنى. مصابيح الجامع (9/291).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
«يُضَاهون بخلق الله» أي: يُشابهون الله، فيفعلون ما يُشابه خلق الله، أي: مخلوقه، وقيل: مقلوب، أي: يُضاهون الله بالخلق. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (395).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«يُضَاهون»...، أي: يُشابِهون بالله في عمل الصُّور، يعني: التَّصوير لا ينبغي لأحد سوى الله تعالى، فمَنْ صوَّر صورة فقد ظلم نفسه، واستحقَّ العذاب. المفاتيح في شرح المصابيح (5/63).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«يُضَاهون» أي: يُشابِهون «بخلق الله» فيفعلون ما يُضاهي خلقه، أي: مخلوقه، أو يُشبِّهون فعلَهم بفعله في التَّصوير والتَّخليق، فإن اعتقد ذلك فهو كافر؛ يزيد عذابه بزيادة قبح كفره، وإلا فالحديث محمول على التَّهديد. شرح المصابيح (5/ 82).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «الذين يُضَاهون بخلق الله» أي: يُشبِّهون ما يصنعونه بما يصنعه الله، ووقع في رواية الزُّهري عن القاسم عند مسلم: «الذين يُشبِّهون بخلق الله». فتح الباري (10/387).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والمضاهاة: المشابهة والمماثلة. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/645).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفي قوله: «يُضَاهون» دليل أن هذا مما له ظِلٌّ وشكل قائم. إكمال المعلم (6/ 638).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله: «أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة الذين يُضَاهون خلق الله» يُفسِّر حديث ابن مسعود في باب عذاب المصوِّرين يوم القيامة، ويدلُّ أن الوعيد الشَّديد إنما جاء لمن صوَّر صورة مُضاهاةً لخلق الله. شرح صحيح البخاري (9/ 178).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
والمراد المصوِّرون صُوَر ذوي الأرواح، فإنهم يعملون عملًا يُوهِم أنهم يخلقون صُوَرَهم. الكوكب الوهاج (21/ 451).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وخصَّ بعضهم الوعيد الشَّديد بمن صوَّر قاصدًا أن يضاهي، فإنه يصير بذلك القصد كافرًا، وسيأتي... بلفظ: «أشدُّ الناس عذابًا الذين يُضَاهون بخلق الله تعالى». وأمَّا من عداهُ فيحرم عليه ويأثم، لكن إثمه دون إثم المضاهي.
قلتُ: وأشدُّ منه مَنْ يصوِّر ما يعبد من دون الله. فتح الباري (10/384).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«يُضَاهون بخلق الله» أي: يُشبِّهون عملهم التَّصوير بخلق الله من ذوات الأرواح، فمَنْ صوَّر الحيوان ليعبد، أو قصد به المضاهاة لخلق ربِّه، واعتقد ذلك فهو أشدُّ الناس عذابًا لكفره، ومَنْ لم يقصد ذلك فهو فاسق، فتصوير الحيوان كبيرة ولو على ما يُمتهن كثوب وبساط ونقد وإناء وحائط. فيض القدير (1/518).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«بخلق الله» أي: بمخلوقات الله -سبحانه وتعالى-، والذين يُضَاهِئون بخلق الله هم المصوِّرون، فهم يُضَاهِئون بخلق الله، سواء كانت هذه المضاهاة جسميَّّةً أو وصفيَّةً، فالجسميَّة أن يصنع صورة بجسمها، والوصفيَّة أن يصنع صورة مُلوَّنة؛ لأن التَّلوين والتَّخطيط باليد وصف للخلق، وإن كان الإنسان ما خلق الورقة ولا صنعها، لكن وضع فيها هذا التَّلوين الذي يكون وصفًا لخلق الله عزَّ وجلَّ. القول المفيد على كتاب التوحيد (2/442-443).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وأجاب الطبري: بأن المراد هنا مَنْ يُصوِّر ما يعبد من دون الله، وهو عارف بذلك قاصدًا له، فإنه يكفر بذلك، فلا يبعد أن يدخل مدخل آل فرعون، وأمَّا من لا يقصد ذلك فإنه يكون عاصيًا بتصويره فقط.
وأجاب غيره: بأن الرِّواية بإثبات «من» ثابتة، وبحذفها محمولة عليها، وإذا كان مَنْ يفعل التَّصوير من أشدِّ الناس عذابًا كان مشتركًا مع غيره، وليس في الآية ما يقتضي اختصاص آل فرعون بأشدِّ العذاب، بل هم في العذاب الأشدِّ، فكذلك غيرهم يجوز أن يكون في العذاب الأشدِّ، وقوَّى الطحاوي ذلك بما أخرجه من وجه آخر عن ابن مسعود رفعه: «إن أشدَّ الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتل نبيًّا أو قتله نبيٌّ، وإمام ضلالة، ومُمثِّل من الممثِّلين»، وكذا أخرجه أحمد، وقد وقع بعض هذه الزِّيادة في رواية ابن أبي عمر التي أشرت إليها، فاقتصر على المصوِّر وعلى مَنْ قتله نبي، وأخرج الطحاوي أيضًا من حديث عائشة مرفوعًا: «أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة رجل هَجَا رجلًا، فَهَجَا القبيلة بأسرها». قال الطحاوي: فكُلُّ واحد من هؤلاء يشترك مع الآخر في شدة العذاب....
وقيل: يُفرَّق بين العذاب والعقاب؛ فالعذاب يطلق على ما يؤلم من قول أو فعل كالعتب والإنكار، والعقاب يختصُّ بالفعل، فلا يلزم من كون المصوِّر أشدَّ الناس عذابًا أن يكون أشدُّ الناس عقوبة، هكذا ذكره الشريف المرتضى في الغرر.
وتُعقِّب بالآية المشار إليها، وعليها انبنى الإشكال، ولم يكن هو عرَّج عليها، فلهذا ارتضى التَّفرِقَة، والله أعلم. فتح الباري (10/383-384).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ووجه التَّلفيق: أن الناس الذين أضيف إليهم: «أشد» لا يُرَاد بهم كُلُّ نوع الناس، بل بعضهم المشاركون في ذلك المعنى المتوعَّد عليه بالعذاب، ففرعون أشدُّ الناس المُدَّعِين للإلهيَّة عذابًا، ومَنْ يقتدي به في ضلالة كفره أشدُّ ممن يقتدي به في ضلالة بدعة، ومَنْ صوَّر صُور ذات الأرواح أشدُّ عذابًا ممن يصوِّر ما ليس بذي روح، إن تنزَّلْنَا على قول من رأى تحريم تصوير ما ليس بذي روح، وهو مجاهد، وإن لم نتنزَّلْ عليه فيجوز أن يعني بالمصوِّرين الذين يصوِّرون الأصنام للعبادة، كما كانت الجاهلية تفعل، وكما تفعل النصارى، فإن عذابهم يكون أشدَّ ممن يصوِّرها لا للعبادة، وهكذا يعتبر هذا الباب، والله تعالى أعلم. المفهم (5/ 431).
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «أشدُّ الناس عذابًا» فيه إشكال؛ لأن فيهم مَنْ هو أشدُّ من المصوِّرين ذنبًا كالمشركين والكُفَّار، فيلزم أن يكونوا أشدَّ عذابًا، وقد أجيب عن ذلك بوجوه:
الأَوَّل: أن الحديث على تقدير (مِنْ) أي: مِنْ أشدِّ الناس عذابًا بدليل أنه قد جاء ما يؤيِّده بلفظ: «إن من أشدِّ الناس عذابًا».
الثاني: أن الأشدَّيَّة لا تعني أن غيرهم لا يشاركهم، بل يشاركهم غيرهم، قال تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} غافر: 46، ولكن يُشكل على هذا أن المصوِّر فاعل كبيرة فقط، فكيف يسوَّى مع مَنْ هو خارج عن الإسلام ومستكبر؟!
الثالث: أن الأشدَّيَّة نسبية، يعني: أن الذين يصنعون الأشياء ويبدعونها أشدُّهم عذابًا الذين يُضَاهِئون بخلق الله، وهذا أقرب.
الرَّابع: أن هذا من باب الوعيد الذي يطلق لتنفير النُّفوس عنه، ولم أرَ من قال بهذا، ولو قيل بهذا لَسَلِمْنَا من هذه الإيرادات. وعلى كُلِّ حال ليس لنا أن نقول إلا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة الذين يُضَاهِئون بخلق الله». القول المفيد على كتاب التوحيد (2/444).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وإنَّما عظُمت العقوبة بالصُّورة؛ لأنها تُعبد من دون الله، وبعض النُّفوس نحوها يَنزع. أعلام الحديث (3/2160).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستشكل ظاهر الحديث أيضًا بإبليس وبابن آدم الذي سَنَّ القتل.
وأجيب: بأنه في إبليس واضح، ويجاب بأن المراد بالناس مَنْ يُنسب إلى آدم.
وأمَّا في ابن آدم؛ فأجيب: بأن الثابت في حقِّه أن عليه مِثلَ أوزار مَنْ يَقتُلُ ظُلمًا، ولا يمتنع أن يشاركه في مثل تعذيبه مَنِ ابتدأ الزِّنا مثلًا، فإن عليه مِثلَ أوزار مَنْ يزني بعده؛ لأنه أَوَّلُ مَنْ سَنَّ ذلك، ولعلَّ عدد الزُّناة أكثر من القاتلين. فتح الباري (10/384).

قوله: «قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين»:
قال ابن الملقن -رحمه الله-:
والوِسادة: المخدَّة، ويحتمل: أن تزول الصُّورة في تقطيع السِّتر وسادة، أو يكون ذلك قبل حديث النُّمرقة؛ إذ يُفرَّقُ بين ما كان في سَتر أو وسادة؛ لأنه ممتهن في الوسادة، ويوطأ عليه، بخلاف السِّتر، وهذا حُجَّة. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (28/ 202).
وقال البغوي -رحمه الله-:
وفيه دليل على أنَّ موضع التَّصوير إذا نُقِضَ حتى ينقطع أوصاله، جاز استعماله. شرح السنة (12/ 134).
وقال المازري -رحمه الله-:
قال بعض أصحابنا (وهم المالكية): إنما وقع في حديث عائشة -رضي الله عنها- من كراهة الصُّور المرْقُومَة يحتمل: أن يكون كان ذلك أَوَّلًا عند كونهم حديثي عهد بالجاهلية وعبادة الصُّور، فلما طال الأمر وأَمِنَ عليهم أباح الرَّقْم في الثَّوب، ويكون ذلك كالنَّاسخ لِمَا وقع في حديث عائشة -رضي الله عنها-، ولم يُحرِّم مالك من الصُّور المرقومة ما كان يُمتهن؛ لأن امتهانه ينافي تعظيمه على حسب ما كانت الجاهلية تُعظِّم بعض الصُّور. المعلم بفوائد مسلم (3/135).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
اختلف الناس في هذه الأحكام، فذهب بعضهم إلى أن الممنوع من ذلك ما كان له ظِلٌّ، فأمَّا ما لا ظِلَّ له فلا بأس به. إكمال المعلم (6/ 634)
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واسْتُدِلَّ بهذا الحديث على جواز اتِّخاذ الصُّور إذا كانت لا ظِلَّ لها، وهي مع ذلك مما يُوطأُ ويداس، أو يمتهن بالاستعمال كالمخادِّ والوَسائد. فتح الباري (10/388).
وقال النووي -رحمه الله-:
وقال بعض السلف: إنما يُنهى عمَّا كان له ظِلٌّ، ولا بأس بالصُّور التي ليس لها ظِلٌّ، وهذا مذهب باطل، فإن السِّتر الذي أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصُّورة فيه لا يشِكٌّ أحد أنه مذموم، وليس لصورته ظِلٌّ مع باقي الأحاديث المطلقة في كُلِّ صورة. شرح صحيح مسلم (14/82).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قلتُ: ويؤيِّد التَّعميم فيما له ظِلٌّ وفيما لا ظِلَّ له ما أخرجه أحمد من حديث عليٍّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيُّكم ينطلق إلى المدينة فلا يدعُ بها وثنًا إلا كسره، ولا صورة إلا لطخها -أي: طمسها-...» الحديث، وفيه: «من عاد إلى صنعة شيء من هذا فقد كفر بما أنزل على محمد». فتح الباري (10/384).
وقال ابن حجر -رحمه الله- متعقبًا للنووي:
قلتُ: المذهب المذكور نقله ابن أبي شيبة عن القاسم بن محمد بسند صحيح، ولفظه عن ابن عون قال: دخلتُ على القاسم وهو بأعلى مكَّةَ في بيته، فرأيت في بيته حَجَلَةً (هي الأريكة إن لم يكن فيها سرير)؛ فيها تصاوير القُنْدُس (هو كلب الماء) والعَنْقَاء (طائر خرافي).
ففي إطلاق كونه مذهبًا باطلًا نظر؛ إذ يحتمل أنه تمسَّك في ذلك بعموم قوله: «إلا رقمًا في ثوب»، فإنه أعمُّ من أن يكون مُعلَّقًا أو مفروشًا، وكأنه جعل إنكار النبي -صلى الله عليه وسلم- على عائشة تعليق السِّتر المذكور مُركَّبًا من كونه مُصوَّرًا، ومن كونه ساترًا للجدار، ويؤيَّده ما ورد في بعض طرقه عند مسلم، فأخرج من طريق سعيد بن يسار عن زيد بن خالد الجهني قال: دخلتُ على عائشة، فذكر نحو حديث الباب، لكن قال: «فجذبه حتى هتكه، وقال: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين، قال: فقطعنا منه وسادتين» الحديث، فهذا يدلُّ على أنه كَرِهَ ستر الجدار بالثَّوب المصوَّر، فلا يساويه الثَّوب الممتهن ولو كانت فيه صورة، وكذلك الثَّوب الذي لا يُستر به الجدار.
والقاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة، وكان من أفضل أهل زمانه، وهو الذي روى حديث النُّمرقة، فلولا أنه فهم الرُّخصة في مثل الحَجَلَة ما استجاز استعمالها، لكن الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك يدلُّ على أنه مذهب مرجوح، وأن الذي رُخِّصَ فيه من ذلك ما يمتهن لا ما كان منصوبًا، وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق أيوب عن عكرمة قال: «كانوا يقولون في التَّصاوير في البُسُط والوسائد التي تُوطأُ ذُلٌّ لها»، ومن طريق عاصم عن عكرمة قال: «كانوا يكرهون ما نُصب من التَّماثيل نصبًا، ولا يرون بأسًا بما وَطِئته الأقدام»، ومن طريق ابن سيرين وسالم بن عبد الله وعكرمة بن خالد وسعيد بن جبير فرَّقهم (أي: فرق أسانيدهم ابن أبي شيبة) أنهم قالوا: «لا بأس بالصورة إذا كانت تُوطأُ»، ومن طريق عروة أنه كان يتكئ على المرافق فيها التَّماثيل: الطَّير والرِّجال. فتح الباري (10/388-389).
وقال النووي -رحمه الله-:
ولا فرق في هذا كُلِّه بين ما له ظِلٌّ وما لا ظِلَّ له. هذا تلخيص مذهبنا (الشافعية) في المسألة، وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومَنْ بعدهم، وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم. شرح صحيح مسلم (14/ 81).
وقال ابن حجر -رحمه الله- معتقبًا:
قلتُ: وفيما نقله مؤاخذات.
منها: أن ابن العربي من المالكية نقل أن الصورة إذا كان لها ظِلٌّ حرم بالإجماع، سواء كانت مما يُمتهن أم لا، وهذا الإجماع محلُّه في غير لُعَب البنات، كما سأذكره في باب مَنْ صوَّر صورة، وحكى القرطبي في المفهم في الصُّور التي لا تُتَّخذُ للإبقاء كالفخار قولين، أظهرهما المنع...، وصحَّح ابن العربي أن الصورة التي لا ظِلَّ لها إذا بقيت على هيئتها حَرُمت سواء كانت مما يُمتهن أم لا، وإن قطع رأسها أو فُرِّقت هيئتها جاز، وهذا المذهب منقول عن الزهري، وقوَّاه النووي، وقد يشهد له حديث النُّمرقة.
ومنها: أن إمام الحرمين نقل وجهًا أن الذي يُرخَّص فيه مما لا ظِلَّ له ما كان على ستر أو وسادة، وأمَّا ما على الجدار والسَّقف فيمنع، والمعنى فيه أنه بذلك يصير مرتفعًا، فيخرج عن هيئة الامتهان، بخلاف الثَّوب فإنه بصدد أن يُمتهن، وتساعده عبارة مختصر المزني: صورة ذات روح إن كانت منصوبة، ونقل الرافعي عن الجمهور أن الصُّورة إذا قطع رأسها ارتفع المانع، وقال المتولي في التتمة: لا فرق.
ومنها: أن مذهب الحنابلة جواز الصُّورة في الثَّوب ولو كان مُعلَّقًا على ما في خبر أبي طلحة، لكن إن سُتِرَ به الجدار منع عندهم. فتح الباري (10/388).
وقال النووي -رحمه الله-:
وقال الزهري: النَّهي في الصُّورة على العموم، وكذلك استعمال ما هي فيه، ودخول البيت الذي هي فيه سواء كانت رَقْمًا في ثوب أو غير رَقْم، وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بِساط ممتهن أو غير ممتهن عملًا بظاهر الأحاديث، لا سيّما حديث النُّمرقة الذي ذكره مسلم، وهذا مذهب قويٌّ.
وقال آخرون: يجوز منها ما كان رَقْمًا في ثوب، سواء امْتُهِنَ أم لا، وسواء عُلِّق في حائط أم لا، وكرهوا ما كان له ظِلٌّ أو كان مُصوَّرًا في الحيطان وشبهها، سواء كان رقمًا أو غيره، واحتجُّوا بقوله في بعض أحاديث الباب: «إلا ما كان رَقْمًا في ثوب»، وهذا مذهب القاسم بن محمد، وأجمعوا على منع ما كان له ظِلٌّ، ووجوب تغييره. شرح صحيح مسلم (14/82).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
في هذا الحديث حُجَّة لمن أجاز مِنِ استعمال الصُّور ما يمتهن ويبسط، ألا ترى أن عائشة فهمت من إنكار النبي -عليه السلام- للصُّور في السِّتر أن ذلك لما كان منصوبًا ومعلَّقًا دون ما كان منها مبسوطًا يُمتهن بالجلوس عليه والارتفاق (يعني: الاتكاء عليه) به، فلذلك جعلته وسادة. شرح صحيح البخاري (9/ 178).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وذهب آخرون إلى كراهة ما كان منها في غير ثوب، وكراهة ما كان منها في ثوب لا يُمْتهن، أو يُعلَّق لنصبه منصب العبادة، وعادة الكُفَّار المعظمِّين لها. وأجازوا ما كان من ذلك رَقْمًا في ثوب يُمتهن ويوطأ، وحُجَّتُهم: هتكُ النبي -صلى الله عليه وسلم- القِرَام، واستعماله للوسادتين منه بعد ذلك، واتكاؤه على إحداهما على ما جاء في الأحاديث، وهو أوسط الأقاويل وأصحُّها، والجامع للأحاديث المختلفة في ذلك، وهو قول كثير من الصحابة والتابعين، وقول مالك والثوري وأبي حنيفة والشافعي. إكمال المعلم (6/ 635).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال أصحابنا (يعني: الشافعية) وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التَّحريم، وهو من الكبائر؛ لأنه متوعَّد عليه بهذا الوعيد الشَّديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه بما يُمتهن أو بغيره، فصنعته حرام بكُلِّ حال؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بِساط، أو درهم أو دينار أو فلس، أو إناء أو حائط أو غيرها.
وأمَّا تصوير صورة الشَّجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام، هذا حكم نفس التَّصوير.
وأمَّا اتِّخاذ المصوَّر فيه صورة حيوان فإن كان مُعلَّقًا على حائط، أو ثوبًا ملبوسًا، أو عمامة ونحو ذلك مما لا يُعدُّ ممتهنًا فهو حرام، وإن كان في بِساط يداس ومخدَّة ووسادة ونحوها مما يُمْتهن فليس بحرام. شرح صحيح مسلم (14/ 81).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ولا يُختلف في كراهة ما كان له ظِلٌّ، ووجوب تغييره وكسره، إلا ما ورد في اللَّعِب بالبنات لصغار البنات، والرُّخصة في ذلك، لكن كره مالك شراء الرَّجل لها لابنته؛ لأنه ليس من أخلاق أهل المروءة والهيئات.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن اللَّعِب بالبنات وإباحته منسوخ بهذه الأحاديث. إكمال المعلم (6/ 635-636)
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقد استثنى الجمهور من الصُّور لُعَب البنات، وشذَّ بعض الناس فمنعها، ورأى أن إباحة ذلك منسوخة بهذا النَّهي، وهو ممنوع من ذلك، مطالب بتحقيق التَّعارض والتَّاريخ. المفهم (5/ 432).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله- أيضًا:
والحاصل من مذاهب العلماء في الصُّور: أن كُلَّ ما كان منها ذا ظِلٍّ فصنعته واتِّخاذُه حرام ومنكر يجب تغييره، ولا يختلف في ذلك إلا ما ورد في لُعَب البنات لصغار البنات، وفيما لا يبقى من الصُّور، كصور الفخار، ففي كُلِّ واحد منهما قولان، غير أن المشهور في لُعَب البنات جواز اتِّخاذها للرُّخصة في ذلك، لكن كره مالك شراء الرَّجل لها لأولاده؛ لأنه ليس من أخلاق أهل المروءات والفضل، غير أن المشهور فيما لا يبقى: المنع، وأمَّا ما كان رَقْمًا، أو صبْغًا مما ليس له ظِلٌّ: فالمشهور فيه الكراهة. المفهم (5/ 427).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قلتُ: وهل يلتحق ما يصنع من الحلوى بالفخار أو بلُعَب البنات؟ محل تأمُّلٍ. فتح الباري (10/388).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
واستثنى بعض أصحابنا من ذلك النَّهي ما لا يبقى كصور الفخار والشَّمع وما شاكل ذلك، وهو مطالب بدليل التَّخصيص، وليس له عليه نصٌّ، بل ولا ظاهر، وإنما هو نظر قاصر يردُّه المعنى الذي قرَّرناه والظَّواهر. المفهم (5/ 432).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
لم يحدث في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ما حدث في زماننا هذا من الصُّور الفوتوغرافية، وهل تدخل في النَّهي أو لا تدخل؟
وإذا تأمَّلتَ النصَّ وجدت أنها لا تدخل؛ لأن الذي يصوِّر صورة فوتوغرافية لا يُصوِّرُ في الواقع، غاية ما هنالك أنه يلقي هذا الضوء الشَّديد على جسم أمامه، فيلتقط صورته في لحظة، والمصوِّر لا بُدَّ أن يعاني من التَّصوير، ويخطِّطَ العين والرأس والأنف والأذن وما أشبه ذلك، فلا بُدَّ أن يكون منه عمل، أمَّا هذا فإنها في لحظة تلتقطها وكأنها تنقل الصُّورة التي صوَّرها الله لتجعلها في هذا الكارت، وهذا القول هو الرَّاجح، وعلماء العصر مختلفون في هذا: هل يدخل هذا في اللعن والنَّهي أو لا؟ والصَّحيح أنه لا يدخل...
وخلاصة القول: أن التَّصوير باليد ولو كان بالتَّلوين والتَّخطيط حرام على القول الرَّاجح، وأمَّا التَّصوير بالآلة الفوتوغرافية فليس بتصوير أصلًا حتى نقول: إنه جائز، ونحن يجب علينا أن نتأمَّلَ أَوَّلًا بدلالة النَّصِّ، ثم في الحكم الذي يقتضيه النَّصُّ، وإذا تأمَّلْنَا وجدنا أن هذا ليس بتصوير، ولا يدخل في النَّهي، ولا في اللعن، ولكن يبقى مباحًا، ثم يُنظر في الغرض الذي من أجله يُصوِّر؛ إن كان غرضًا مباحًا فالتَّصوير مباح، وإن كان غرضًا محرَّمًا فهو محرَّم، والله الموفِّق. شرح رياض الصالحين (6/418-422).
وقال البغوي -رحمه الله-:
الصُّور إذا غُيِّرت هيئتها بأنْ قطع رأسها، أو حلَّت أوصالها، حتى لم يبقَ منها إلا أثر لا على شَبَهِ الصُّور، فلا بأس. شرح السنة (12/ 133).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقال بعض العلماء: إن رأس الصُّورة إذا قطعت فهو تغيير لها، ويباح اتِّخاذها حينئذٍ، وقد جاء في هذا أثر ذكره أبو داود، وعليه تأوَّلَ بعضهم اتِّخاذ القِرَام وسائد؛ إذ لعلَّه في قطعه وهتك النبي -صلى الله عليه وسلم- له تقطَّعت صورته، وانقسمت أشكالها، فلم يبقَ منها في وسادة منها صورة كاملة، وهذا يقوله مَنْ يمنعها في الممتهن وغيره، وإذا كان هذا لم تكن فيه حُجَّة في جواز اتِّخاذها فيما يمتهن. إكمال المعلم (6/ 638-639)
وقال المناوي -رحمه الله-:
ولا يُحرم تصوير غير ذي روح ولا ذي روح لا مِثْلَ له كفرس أو إنسان بجناحين. فيض القدير (1/518).
وقال المناوي -رحمه الله-:
عدُّوا من خصائص هذه الأُمَّة حرمة التَّصوير. فيض القدير (1/518).
وقال أبو علي الفارسي -رحمه الله-:
«يعذّب المصوِّرون» يكون على مَنْ صوَّر الله تصوير الأجسام. الحجة للقراء السبعة (2/ 71).
وقال ابن حجر -رحمه الله- متعقبًا:
واستدلَّ به أبو علي الفارسي في التَّذكرة (في علوم العربية) على تكفير المُشَبِّهة، فحمل الحديث عليهم، وأنهم المراد بقوله: «المصوِّرون» أي: الذين يعتقدون أن لله صورةً، وتُعقِّب بالحديث الذي... بلفظ: «أن الذين يصنعون هذه الصُّور يُعذَّبون»، وبحديث عائشة... بلفظ: «إن أصحاب هذه الصُّور يُعذَّبون» وغير ذلك، ولو سَلِم له استدلاله لَمْ يَرِدْ عليه الإشكال المقدَّم ذكره. فتح الباري (10/384).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفيه: وجوب تغيير الصُّور بهتك النبي -صلى الله عليه وسلم- السِّتر.
وفيه: أن عملها من الذُّنوب الكبار المتوعَّد عليها بالنار والعذاب.
وفيه: جواز اتِّخاذ النَّمارق والوسائد للقعود عليها والارتفاق، واتِّخاذ السُّتور، الكُلل (جمع كلة، وهي الستر الرقيق يخاط كالبيت ليتوقى فيه من البق والبعوض.) إذا كانت لعلَّة ستر الأبواب والأَسِرَّة وبعض الأمتعة في البيت وشبهها عن الأبصار، فهذا ما كان يكره، وهو الذي صنعته عائشة؛ وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما هتكه للعلَّة التي ذكر من أجل الصُّورة، وفي الحديث الآخر لتذكيره له الدُّنيا وزينتها.
وأما السِّتر بالأنماط للحيطان وتزيينها بذلك فمكروه؛ للحديث المتقدِّم، أو لأنه لمجرد زينة الحياة الدُّنيا وليس بحرام.
قال بعض علمائنا: ويحتمل: ما قاله -عليه السلام- في النهي في جميع الصُّور على الكراهة، ويحتمل: أنه على التَّحريم إلا ما استثناه من الرَّقْم في الثَّوب. إكمال المعلم (6/ 636-637).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
فيه حرمة التِّمثال، ووجوب إفساده وإبطاله.
(و) فيه دلالة على أنَّ موضع التَّصوير إذا نُقض حتى ينقطع أوصاله، جاز استعماله.
(و) فيه دلالة على أنَّ لا فرق في الحرمة بين أنْ يكون للصُّورة شخص أو لم يكن، وكانت منسوخة في ثوب، أو منقوشة في جدار، وبه قال الأكثرون.
وقال بعض العلماء: لا يحرم من الصُّورة إلا ما كان لها شخص، دون ما كان منسوخًا ومنقوشًا، والحديث يمنعه. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (395).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وفي هذا دليلٌ على مشروعية تمزيق الصُّور التي تُصوُّر باليد؛ لأنه يُضاهي بها خلق الله -عزَّ وجلَّ-، وإقرار المنكر كفعل المنكر.
وفيه: الغضب إذا انتهكت حرمات الله -عزَّ وجلَّ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب وهتكه. شرح رياض الصالحين (3/621).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
هذا الحديث يدلُّ على أن المصوِّرين يُعذَّبون، وأنهم أشدُّ الناس عذابًا، وأن الحكمة من ذلك مضاهاتهم خلق الله -عزَّ وجلَّ-، وليست الحكمة كما يدَّعيه كثير من الناس أنهم يصنعونها لتعبد من دون الله، فذلك شيء آخر، فمن صنع شيئًا ليعبد من دون الله فإنه حتى ولو لم يصوِّر كما لو أتى بخشبة وقال: اعبدوها، فقد دخل في التَّحريم؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} المائدة: 2؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان. القول المفيد على كتاب التوحيد (2/443).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
فيستفاد من الحديث:
1- تحريم التَّصوير، وأنه من الكبائر؛ لثبوت الوعيد عليه، وأن الحكمة من تحريمه المضاهاة بخلق الله -عز وجل-.
2- وجوب احترام جانب الرُّبوبيَّة، وأن لا يطمع أحد في أن يخلق كخلق الله -عز وجل-؛ لقوله: «يُضَاهِئون بخلق الله»، ومن أجل هذا حرَّم الكِبْر؛ لأن فيه منازعةً للرَّبِّ -عزَّ وجلَّ-، وحرَّم التَّعاظم على الخلق؛ لأن فيه منازعةً للرَّبِّ -سبحانه وتعالى-، وكذلك هذا الذي يصنع ما يصنع فيضاهي خلق الله فيه منازعةٌ لله -عزَّ وجلَّ- في ربوبيته في أفعاله ومخلوقاته ومصنوعاته، فيستفاد من هذا الحديث وجوب احترام جانب الرُّبوبيَّة. القول المفيد على كتاب التوحيد (2/444).


ابلاغ عن خطا