الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«أربعون خَصْلَةً أعلاهُنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ، ما مِن عاملٍ يعملُ بخَصْلَةٍ منها رجاءَ ثوابِها، وتَصْدِيقَ موعُودِها، إلَّا أدخلَهُ اللَّهُ بها الجنَّةَ».
قال حسَّانُ: فَعَدَدْنَا ما دونَ مَنِيحَةِ العَنْزِ مِن: رَدِّ السَّلامِ، وتَشْمِيتِ العاطِسِ، وإماطَةِ الأَذى عن الطَّريقِ، ونحوِهِ، فما اسْتَطَعْنَا أنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً.


رواه البخاري برقم: (2631)، من حديث ابن عمرو -رضي الله عنهما-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مَنِيْحَةُ»:
‌مَنَحَه ‌الشَّاة ‌والناقة يَمْنِحُه ويَمْنَحه، أَعارهُ إِيَّاهَا. وقال الَّلحيانيّ: مَنَحه النَّاقة: جعل لَهُ ‌وبَرَهَا ولبنها وولدهَا، وهِي: المِنْحةُ والمَنيحةُ.المحكم والمحيط الأعظم(3/٣٩١)

«العَنْزِ»:
الماعزة وهي الأنثى من المعز. مختار الصحاح(ص: 219)

«بخصلة»:
الخَصْلَةُ: الفضيلةُ والرَّذيلة تكونُ في الإنسانِ، وقد غلبَ على الفضيلةِ. تهذيب اللغة، للأزهري (7/ 66).

«وتشميت»:
التَّشْمِيتُ والتَّسْميتُ: ‌الدعاء ‌بالخير ‌والبركة؛ والمعجمة أَعلاها. شَمَّته وشَمَّتَ عليه، وهو من الشَّوامِت القَوَائم، كأنه دَعاء للعاطس بالثبات على طاعة الله. لسان العرب (2/ 52)

«وإِمَاطَة»:
أي: تنحيته. النهاية، لابن الأثير (4/380).


شرح الحديث


قوله: «أربعون خَصلةً أعلاهن مَنِيْحَةُ العَنْزِ»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«أربعون خَصلةً» جاز الابتداء بـ«أربعون» مع نكارته؛ لتخصيصه بالعمل في تمييزه؛ لأن الأصحَّ عند النُّحاة أن العامل في التمييز عن مبهم هو ذلك الاسم المفسّر. دليل الفالحين (4/532).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«خَصلةً» وعند الإمام أحمد: «أربعون حسنة» بدل «خَصلة». فيض القدير (1/472).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«أربعون خَصلةً» أي: من خِصال الإيمان. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (5/248).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: الإبهام للخصال التي وعد الأجر على فعلها يُقلِّلُ فائدة الحديث؛ إذ هو حثٌّ على أمر مجهول.
قلتُ: قد عيَّن الأعلى منها، واستفيد من ذلك أن الملاحظ يقع على العباد، فيتبع العبد كل ما فيه أدنى نفع؛ لتصدقَ عليه أنه منها، كإعطاء جَرعة الماء، وإقباس النار، وإعطاء كِسَر الخبز، وإعارة الفأس، وما لا يأتي عليه العدُّ من إرشاد الضَّالِّ.
والنُّكتة في إبهامها في الحديث أن يجتهد العبد في كل نفع رجاء موافقة سائر الخصال...، وهل هذه الأربعون من شُعَبِ الإيمان البِضْع والسبعون التي أدناها إماطة الأذى من الطريق، وأعلاها قول: لا إله إلا الله عند مسلم وغيره؟ لا يبعد أن هذه الأربعون منها، ويَحتمِلُ أنَّها غيرها، وعلى الأول: هل يتعيّن أن أدنى الأربعين إماطة الأذى كما هو أدنى البِضْع والسبعون؟ الظاهر أنه يتعيّن ذلك؛ لأنها أدنى البِضْع والسبعون التي فيها الأربعون، فيكون أدنى الأربعين؛ إذ لو ثبت لها أدنى غير إماطة الأذى لَمَا صح أنه أدنى البِضْع والسبعين التي منها الأربعون، بخلاف الأعلى، فيصِحُّ اختلافه؛ ولذا كان أعلى تلك قول: لا إله إلا الله، وأعلى هذه مِنْحَةُ العنز.
ثم هل هذه الخصال خاصَّة بما فيه نفع للعباد فلا تدخل فيها العبادات الخاصة بفاعلها أو يعمُّ؟
ظاهر ذِكْر «أعلاها» والاقتصار عليه، الأول، ويدلُّ عليه أنه لَمَّا أراد الأعمَّ في الشُعَب مثَّلَ له بما يخصُّ فاعله، وهي قول: لا إله إلا الله، وبما فيه نفع للعباد من إماطة الأذى. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 279-280).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«أعلاها» في المرتبة. دليل الفالحين (2/379).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أعلاهن» أي: أعظمهن ثوابًا. فيض القدير (1/472).

قوله: «منيحة العنز»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أعلاهن منيحة»...، هي العطية يعطاها الإنسان مدة لينتفع بمنافعها، ثم يردُّها إليه، ويكون في الحيوان، وفي الثمار، وغيرها.
وفي الحديث «منح النبي -صلى الله عليه وسلم- أم أيمن عِذَاقًا»، أي: نخيلًا، وقد تكون المنيحة عطية الرَّقبة، وهي الهبة. شرح سنن أبي داود (8/ 87).
وقال ابن الملقن -رحمه االله-:
المنيحة عند العرب كالإفقار والرُّقبى والعُمرى والعارية، وهي تمليك المنافع لا الرِّقاب، ألا ترى قوله في حديث أنس: «فلما فَتَحَ الله على رسولِه غنائمَ خَيْبَرَ رَدَّ المهاجرون إلى الأنصار مَنَائِحَهُمُ وثمَارَهُمْ»...، والمنيحة وغيرها من باب الصِّلة لا من باب الصَّدقة؛ لأنها لو كانت صدقة لما حلَّت للشارع، ولكانت عليه حرامًا، ولو كان في أخذها غضاضة لِمَا قبلها. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (16/ 446-447).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والْمَنِيحة كالعَطيَّة لفظًا ومعنى، والمراد ما يعطى من المعز رجلًا لينتفع بلبنه وصوفه زمنًا ثم يعيده، وإنما كانت أعلى لِشدة الحاجة إليها. فيض القدير (1/472).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفي النهاية: أنها تُطلق على الهبة والقرضة والعارية، والظاهر: أنَّ المراد هنا هِبة لبنها؛ لحديث: «أو منحة لبن»، والإضافة بيانية، أي: مِنحة هي عنز، وهذه جملة اعتراضية بين المبتدأ والخبر، مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، كأنه قيل: وما هي؟ قال: «أعلاهنَّ». ولم يأتِ هنا تعيين شيء من الأربعين غير هذه. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 279).
وقال المناوي -رحمه الله-:
ونبَّه بالأدنى على الأعلى، فمنحة البقرة والبدنة كذلك، بل أفضل. فيض القدير (1/ 472).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
«أربعون خَصلة أعلاهن مَنِيْحَة العنز» ولم يذكر الأربعين خَصلة في الحديث، ومعلوم أنه كان عالمًا بها كلها لا محالة، إلا لمعنى هو أنفع لنا مِن ذكرها؛ وذلك -والله أعلم- خشية أن يكون التعيين لها والترغيب فيها زهدًا في غيرها من أبواب المعروف وسبل الخير، وقد جاء عنه -عليه السلام- من الحضِّ على أبواب من أبواب الخير والبِرِّ ما لا يحصى كثرة، وليس قول حسان بن عطية: فعدَدْنا ما دون مَنِيْحَة العنز من ردِّ السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خَصلة، بمانع أن يجدها غيره، وقد بلغني عن بعض أهل عصرنا أنه طلبها في الأحاديث، فوجد حسابها يبلغ أزيد من أربعين خَصلة...شرح صحيح البخاري (7/151-154).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
ثم عدَّد (أي: ابن بطال) خصالًا كثيرة، قال ابن المنير: التِّعداد سهل، ولكن الشرط صعب، وهو أن يكون كُل ما تعدده من الخصال دون مِنحة العنز، ولا يتحقق فيما عدده الشارح (ابن بطال) بل هو منعكس؛ وذلك أن من جملة ما عدَّده: نصرة المظلوم والذَّب عنه ولو بالنفس، وهذا أفضل من منحة العنز، والأحسن في هذا أن لا يُعدَّ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبهمَهُ، وما أبهمَهُ الرسول كيف يتعلَّقُ الأمل ببيانه من غيره؟! مع أن الحكمة في إبهامه، ولا ينافي بيانه، والغرض من ذلك في الجملة أن لا يُحتقَرَ شيءٌ من وجوه البِرِّ وإن قلَّ. مصابيح الجامع (6/29-30).
وقال الكرماني -رحمه الله- متعقِّبًا لابن بطال:
أقول: هذا الكلام رجم بالغيب؛ لاحتمال أن يكون المراد غير المذكورات من سائر الأعمال الخيرية، ثم إنه من أين عرف أن هذه أدنى من المنحة؟ لجواز أن تكون مثلها أو أعلى منها، ثم فيه تحكُّمٌ حيث جعل السلام منه، ولم يجعل ردَّ السلام منه، مع أنه صرَّح في هذا الحديث الذي نحن فيه به، وكذا جعل الأمر بالمعروف منه بخلاف النهي عن المنكر، وفيه أيضًا تكرار لدخول الأخير وهو الأربعون (وهو النصح لكل مسلم) تحت ما تقدَّم، فتأمل. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (11/153).
وقال ابن حجر -رحمه الله- متعقبًا للكرماني:
قلتُ: وإنما أردتُ بما ذكرته منها تقريب الخمس عشرة التي عدَّها حسان بن عطيةَ، وهي -إن شاء الله تعالى- لا تخرج عمَّا ذكرته، ومع ذلك فأنا موافق لابن بطال في إمكان تتبع أربعين خَصلةً من خصال الخير؛ أدناها منيحة العنز، وموافق لابن المنير في ردِّ كثير مما ذكره ابن بطال مما هو ظاهر أنه فوق المنيحة. فتح الباري (5/245).
وقال المناوي -رحمه الله-:
حكمة الإبهام: أن لا يحتقر شيء من وجوه البِرِّ، وإن قلَّ كما أبهم ليلة القدر، وساعة الإجابة يوم الجمعة. فيض القدير (1/ 472).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
ولم يُعينِ الأربعين كُلَّها خوفًا من الاقتصار عليها، والزُّهدِ في غيرها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 140).

قوله: «ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«ما من عامل يعمل بخصلة منها» أي: من الأربعين. إرشاد الساري (4/368).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«لا يعمل عبدٌ» لفظ رواية البخاري: «ما من عامل يعمل». فيض القدير (1/ 472).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «عبد» عامٌّ للكافر والمؤمن، إلا أنه خرج الكافر من العِلَّة، فإنه لا يرجو ثوابًا، ولا يُصدِّق موعودًا. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 279).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«لا يعمل عبد بِخَصلة منها رجاء ثوابها» إضافة للمصدر إلى المفعول، أي: لرجائه ثوابها...، وفيه دلالة واضحة على صحة فعل الطاعة رجاء ثوابها. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 279).

قوله: «وتصديق مَوْعُوْدها»:
قال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«وتصديق مَوْعُوْدها» بالإضافة منصوب بنزع الخافض، أي: على تصديق ما وعد الله ورسوله عليها للعاملين بها. عون المعبود (5/67).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وتصديق مُوْعُوْدها» أي: مما وعد لفاعلها من الثواب على وجه الإجمال. فيض القدير(1/472).

قوله: «إلا أدخله الله بها الجنة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إلا أدخله الله تعالى بها» أي: بسبب قبوله لها تفضُّلًا. فيض القدير (1/472).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
أي: لا يعمل واحد من أهل الإِسلام بِخَصلة منها راجيًا ثوابها، ومُصدِّقًا بما وعد به فاعلها من الثواب إلا كان ذلك سببًا لدخوله الجنة مع السابقين، أو لحصوله على الدرجات العلى فيها، أو لرضا الله تعالى عنه، المقتضي دخول الجنة، وإلا فأصل دخول الجنة بمحض فضل الله -عزَّ وجلَّ-. المنهل العذب المورود داود (9/ 333-334).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إلا أدخله الله بها الجنة» وفيه: أنَّ الأعمال معتبرة بالنيات، إلا أنه طوى بساط تفصيل هذه الخصال...، وظاهر الحديث أنه تعالى يدخل الجنة بهذه الخصال، ويكون سائر طاعاته زيادة له وراء ذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 279).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فالدخول بالفضل لا بالعمل، ونبه بالأدنى على الأعلى. فيض القدير(1/472).

قوله: «قال حسان: فعدَدْنا ما دون ‌منيحة ‌العَنز»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «قال حسان» هو ابن عطيةَ راوي الحديث. فتح الباري (5/245).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«قال حسان: فعدَدْناها» أي: شَرَعْنَا في عدِّ الأربعين، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يَعُدَّها. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (5/248).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
«قال حسان: فعدَدْنا ما دون...» إلخ، أي: ما هو أدنى وأقل في الثواب «من منيحة العنز، كردِّ السلام...» إلخ، ويَحتمِلُ: أن المراد بما دون المنيحة، ما سواها، سواء أكان أقل في الثواب منها أم لا. المنهل العذب المورود (9/ 334).

قوله: «من ردِّ السلام، وتشميت العاطس، وإِمَاطَة الأذى عن الطريق ونحوه»:
قال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «وتشميت العاطس» بالشين المعجمة؛ الدعاء له بالخير والبركة. المنهل العذب المورود (9/334).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «وإماطة الأذى عن الطريق» أي: إزالة ما يؤذي المارة من الشَّوك والحجر ونحوهما. المنهل العذب المورود (9/334).

قوله: «فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة»:
قال ابن الملقن -رحمه الله-:
وليس قول حسان بن عطيةَ...: «فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خَصلة» بمانع أن يجدها غيره، فقصرت أفهامهم عن إدراكها. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (16/448).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
دلَّ الحديث على الترغيب في عمل الخير قليله وكثيره ابتغاءَ مرضاة الله تعالى، وتصديقًا بالثواب الذي وعد به فاعل الخير.
وعلى أن ذلك سبب لدخول الجنة مع السابقين، والتنعم في أعلى درجاتها بما لم يخطر على قلب بشر من أنواع النعيم {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} الزخرف: 72. المنهل العذب المورود (9/334-335).
وقال الشيخ فيصل بن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: أن الإنسان ينبغي له أن يحرص على فعل الخير ولو كان قليلًا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحقرِنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلِيق». تطريز رياض الصالحين (ص:364).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
دلَّ هذا الحديث على ما يأتي:
أولًا: مشروعية منيحة العنز واستحبابها....
ثانيًا: الترغيب في منيحة العنز، وكونها من أفضل أعمال الخير التي تبلغ أربعين خَصلة. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (4/26).


ابلاغ عن خطا