«أَسْرِعُوا بالجِنازةِ، فإنْ تَكُ صالحةً فخيرٌ تُقَدِّمُونَها، وإنْ يَكُ سِوى ذلك، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عنْ رقابِكُم».
رواه البخاري برقم: (1315) واللفظ له، ومسلم برقم: (944)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«بالجنازة»:
الجنازة: بفتح الجيم وكسرها، لغتان للميت، والكسر أفصح. المفهم(2/603).
وقال الرازي -رحمه الله-:
الجِنَازةُ: بالكسرِ، واحدةُ الجَنَائِزِ، والعامَّةُ تَفْتَحُهُ، ومعناه: المَيِّتُ على السَّرِيرِ، فإذا لم يكن عليه المَيِّتُ فهو سَرِيرٌ وَنَعْشٌ. مختار الصحاح (ص: 62).
شرح الحديث
قوله: «أسرعوا بالجنازة»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«أسرعوا بالجنازة» بالمشي بها إذا أخرجوها لدفنها؛ لقوله في آخره: «تضعونه عن رقابكم» على إرادة الحقيقة بالوضع عن الرقبة...، وأنه لا ينتظر بميِّت الليل النهار، ولا بميِّت النهار الليل، والقول بكراهة الدفن بالليل لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه، وهو دفنه -صلى الله عليه وسلم- لبعض أصحابه ليلًا. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 358).
وقال النووي -رحمه الله-:
«أسرعوا بالجنازة» فيه الأمر بالإسراع للحكمة التي ذكرها -صلى الله عليه وسلم-. قال أصحابنا (يعني: الشافعية) وغيرهم: يُستحبُّ الإسراع بالمشي بها ما لم ينتهِ إلى حَدٍّ يُخاف انفجارها ونحوه، وإنما يُستحبُّ بشرط أن لا يُخافَ من شدته انفجارها أو نحوه. شرح صحيح مسلم (7/12).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وأكثر العلماء على أن معناه هنا: الإسراع بحملها إلى قبرها، وقيل: الإسراع لتجهيزها إذا تحقق موتها، والأول أظهر؛ لقوله آخر الحديث: «فشَرٌّ تضعونه عن رقابكم». إكمال المعلم (3/401).
وقال القاضي عياض -رحمه الله- أيضًا:
ومعنى هذا الإسراع عند بعضهم: ترك التراخي في المشي بها، والتباطؤ والزَّهو (أي: المشي بخيلاء) في المشي، ويُكْرَهُ الإسراع الذي يشقُّ على مَنْ يتبعها، ويحرِّك الميِّت، وربما سبَّب خروج شيء منه، وعلى هذا حملوا نهي مَنْ نهى عن الدَّبيب بها دبيب اليهود من السلف، وأمر بالإسراع، وجمعوا بينه وبين مَنْ روى عنه النهي عن الإسراع، واستدلُّوا بما جاء في الحديث مُفسَّرًا عنه -عليه السلام-: «هو ما دون الخَبَب (ضرب من العدو فوق المشي ودون الجري)، وفي حديث آخر: «عليكم بالقصد في جنائزكم»، وهذا قول جمهور العلماء، وأبي حنيفة وأصحابه، والشافعي وابن حبيب من أصحابنا، وحَمَلَ بعضهم ما جاء في ذلك من الآثار عن السلف على الخلاف في المسألة، والجمع بينهما على ما تقدَّم أولًا، كما أن الإسراع في الوجهين صحيح، فقد جاء في حديث الْحُصين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في طلحةَ بن البراء: «فآذِنوني به، وعجِّلوا، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تُحبسَ بين ظهراني أهله» ذكره أبو داود (قال الألباني : "ضعيف "الضعيفة برقم: (3232)). إكمال المعلم (3/401).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ومقصود الحديث: ألَّا يتباطأَ في حمله بالمشي؛ فيؤخَّر عن خير يَقدُمُ به عليه، أو يَستكثرُ من حمل الشرِّ إن كان من أهله؛ ولأن المبطئ في مشيه يُخاف عليه الزَّهو والتَّكَبُّر، وهذا قول الجمهور. المفهم (2/603).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
تأوَّل قوم في هذا الحديث تعجيل الدفن لا المشي، وليس كما ظنُّوا، وفي قوله: «شرٌّ تضعونه عن رقابكم» ما يردُّ قولهم. التمهيد (16/33).
وقال النووي -رحمه الله- متعقِّبًا للقاضي عياض:
ونقل القاضي عن بعضهم أن المراد الإسراع بتجهيزها إذا استحق موتها، وهذا قول باطل مردود بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «فشرٌّ تضعونه عن رقابكم»، وجاء عن بعض السلف كراهة الإسراع، وهو محمول على الإسراع المُفْرِط الذي يخاف معه انفجارها، أو خروج شيء منها. شرح صحيح مسلم (7/13).
وقال الفاكهي -رحمه الله- متعقِّبًا للنووي:
قلتُ: وهذا جمود على ظاهر لفظ الحديث، وإلا فيحتمِلُ حمله على المعنى، فإنه قد يُعبَّرُ بالحمل، أو العُنق عن المعاني دون الذوات، فيقال: حَمَلَ فلان على ظهره، أو على عُنقه دَيْنًا ونحو ذلك، فيكون المعنى في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فشرٌّ تضعونه عن رقابكم» أنكم تستريحون مِنْ نظر مَنْ لا خير فيه، أو مِنْ مجالسته ونحو ذلك، فلا يكون في الحديث دليل على ردِّ قول هذا القائل، ويقوِّي هذا الاحتمال: أن كل حاضري الميت لا يحملونه، إنما يحمِلُه القليل منهم، لا سيّما اليوم، فإنه يحمِلُه -في الغالب- مَنْ لا تعلُّقَ له به، والله أعلم. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (3/237).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ويؤيده (يعني: الفاكهي) حديث ابن عمر: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره» أخرجه الطبراني بإسناد حسن؛ ولأبي داود من حديث حَصين بن وَحْوَح مرفوعًا: «لا ينبغي لجِيفةِ مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله» الحديث. فتح الباري(3/184).
وقال السندي -رحمه الله- متعقِّبًا للنووي:
وقال النووي: الأوَّلُ هو المتعيّن؛ لقوله: «فشرٌّ تضعونه عن رقابكم»، ولا يخفى أنه يمكن تصحيحه على المعنى الثاني بأن يُجعلَ الوضع عن الرِّقاب كِنَايةً عن التبعيد عنه وترك التلبُّس به، «فخير تقدِّمونها إليه» الظاهر: أن التقدير: فهي خير، أي: الجنازة، بمعنى: الميِّت لمقابلته بقوله: «فشرٌّ» فحينئذٍ لا بُدَّ من اعتبار الاستخدام في ضمير: إليه الراجع إلى الخير، ويمكن أن يُقدَّر: فلها خير، أو فهناك خير، لكن لا تساعده المقابلة. حاشية السندي على سنن النسائي (4/42-43).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
لا يبعد أن يكون كل واحد منهما (يعني: الإسراع في التجهيز والمشي) مطلوبًا؛ إذ مقتضاه مطلق الإسراع، فإنه لَمْ يقيَّده بقيد، والله أعلم.
ثم على الأوَّلِ فذلك الإسراع يكون في رفق ولطف، فإنه إن لم يكن كذلك تعب المُتِّبع، ولعله يضعف عن كمال الاتباع، وانخرقت حُرمة الميِّت لكثرة تحريكه، وربما يكون ذلك سبب خروج شيء منه فيتلطَّخ به، فيكون ذلك نقيض المقصود الذى هو النظافة. المفهم (2/603).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «أسرعوا بالجنازة» عامٌّ يشمل الإسراع في تجهيزها، وفي حملها وفي دفنها، كُلَّما أسرعنا فهو أولى؛ لأن الجنازة إن كانت صالحة فإن روح الميت تقول: «قدِّموني قدِّموني» وإن كانت غير صالحة فلا خير في جثة غير صالحة أن تبقى عند أهلها. فتح ذي الجلال والإكرام (2/577-578).
وقال الشيخ السعدي -رحمه الله-:
يستثنى من هذا الإسراع إذا كان التأخير فيه مصلحة راجحة، كأن يموت بغتة، فيتعيّن تأخيره حتى يتحقَّق موته؛ لئلا يكون قد أصابته سكتة، وينبغي أيضًا تأخيره لكثرة الجمع، أو لحضور مَنْ له حقٌّ عليه من قريب ونحوه، وقد علَّل ذلك بمنفعة الميت لتقديمه لِمَا هو خير له من النعيم، أو لمصلحة الحي بالسُّرعة في الإبعاد عن الشرِّ.
وإذا كان هذا مأمورًا به في أمور تجهيزه، فمن باب أولى الإسراع في إبراء ذِمَّتِه من ديون وحقوق عليه، فإنه إلى ذلك أحوج. بهجة قلوب الأبرار (1/74-75).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والحاصل: أنه يستحبُّ الإسراع، لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة بالميِّت أو مشقَّة على الحامل أو المُشيّع؛ لئلا ينافي المقصود من النظافة وإدخال المشقَّة على المسلم. فتح الباري (3/184).
وقال العراقي -رحمه الله-:
هذا الأمر بالإسراع محمول على الاستحباب عند جمهور العلماء من السلف والخلف. طرح التثريب (3/289).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
والمشي بالجنازة الإسراع: وهو فوق سجية المشي، فإن كانت بالميِّت عِلَّةٌ يخاف لها أن تجيء منه شيئًا أحببتُ أنْ يُرفقَ بالمشي، وأن يداري؛ لئلا يأتي منه أذى. الأم (1/ 322).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وحكى عنه (أي: الشافعي) ابنُ المنذر وابنُ بطال: أنه سجية المشي، والأول (أي: فوق سجية المشي) أثبت، ويوافقه قول أصحابنا، وهذه عبارة الرافعي والنووي: المراد بالإسراع فوق المشي المعتاد دون الخَبَب، وكذا قال الحنفية، وهذه عبارة صاحب الهداية: ويمشون به مسرعين دون الخَبَب. طرح التثريب (3/ 289).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
(الإسراع) وهو المشي فوق العادة، ودون الخَبَب، إلَّا أنْ يُخاف تغير بالإسراع فلا يسرع، وإلَّا أنْ يُخاف تغير بعدم الإسراع، فيزاد في الإسراع. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (196).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
ولا أحِبُّ لأحد من أهل الجنازة الإبطاء في شيء من حالاتها: من غُسْلٍ، أو وقوف عند القبر، فإن هذا مشقَّة على مَنْ يَتبَعُ الجنازة. الأم (1/ 311).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
لكن يكون إسراعًا لا يؤدي إلى أمر محظور، من سقوط الميِّت، أو انفجاره، أو حصول الضَّرر لِمَنْ يتبع الجنازة، وبهذا نجمع بين مذهب القائلين بالإسراع وبين مَنْ حُكِيَ عنهم النهي عنه، فلا اختلاف بينهم في الحقيقة، فتأمَّلْ. البحر المحيط الثجاج (18/374).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
والمرد به الإسراع المتوسط بين شدَّة السعي وبين المشي المعتاد، بدليل حديث أبي بَكرةَ -رضي الله عنه-: «لقد رأيتُنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنَّا لنَكَاد نَرْمِل (وهو الجري مع تقارب الخطا) بالجنازة رَملًا»؛ إذ مقاربة الرَّمَل ليس بالسعي الشديد. البحر المحيط الثجاج (18/365-366).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
فإن قلتَ: ما ذُكِرَ من الإسراع يعارضه ما رواه البخاري ومسلم عن عطاء قال: «حضرنا مع ابن عباس -رضي الله عنهما- جنازة ميمونة -رضي الله تعالى عنها- بِسَرِف، فقال ابن عباس: هذه ميمونةُ، إذا رفعتم نعشها فلا تُزَعْزِعُوه، ولا تُزَلْزِلُوه، وارفقوا. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن بنت أبي بُردةَ عن أبي موسى قال: «مُرَّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- بجنازة، وهي تُمْخَض كما يُمْخَض الزِّق (أي: وعاء من جلد ونحوه يكون فيه اللبن وغيره( )) فقال: عليكم بالقصد في جنائزكم» فإن هذا يدلُّ على استحباب الرِّفق بالجنازة، وترك الإسراع.
أُجيبَ: بأن ابن عباس أراد الرِّفق في كيفية العمل لا في كيفية المشي بها، وحديث أبي موسى منقطع بين بنت أبي بُردةَ وأبي موسى، ومع ذلك فهو ظاهر في أنه كان يُفرِطُ في الإسراع بها، ولعله خشي انفجارها، وخروج شيء منها، وكذا الحكم عند ذلك في كل موضوع. كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري(12/8).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ويجب الإسراع بالجنازة. المحلى (3/381).
وقال العراقي -رحمه الله- مُتعقِّبًا لابن حزم:
وذهب ابن حزم الظاهري إلى وجوبه تَمسُّكًا بظاهر الأمر، وهو شاذٌّ. طرح التثريب (3/289).
قوله: «فإن تكُ صالحةً فخير تقدِّمونها»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فإن كانت صالحةً» أي: فإن كانت الجنازة صالحة، وهذا من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال؛ وذلك لأن الجنازة لا توصف بالصلاح ولا بغيره، وإنما يوصف به الميِّت، أو يكون هذا على الحقيقة إذا كان المراد من الجنازة هو الميِّت؛ لأنَّا قد ذكرنا أن الجَنازة بالفتح اسم للميِّت، فحينئذٍ يكون التأنيث في الفعل باعتبار لفظ الجنازة. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار (7/228-229).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«صالحة» تقيَّة. التنوير شرح الجامع الصغير (2/358).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«فخير تقدِّمونها إليه» يعني: حاله في القبر يكون حسنًا وطيِّبًا، فأسرعوا به حتى يصل إلى تلك الحالة الطيِّبة عن قريب. المفاتيح في شرح المصابيح (2/429).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
أقول: جعلت الجنازة عين الميِّت، ووصفت بأعماله الصالحة، ثم عبَّر عن الأعمال الصالحة بالخير، وجعلت الجنازة التي هي في مكان الميِّت مقدمة إلى ذلك الخير فكنَّى بالجنازة عن العمل مبالغة في كمال هذا المعنى...، ولَمَّا لاحظ في جانب العمل الصالح هذا، قابل قرينتها بوضع الشَّرِّ عن الرِّقاب، وكأن أثر عمل الرجل الصالح راحة له، فأمر بإسراعه إلى ما يستريح إليه، وأثر عمل الرجل الطالح مشقَّةٌ عليهم، فأمر بوضع جيفته عن رقابهم، فالضمير في «إليه» راجع إلى الخير باعتبار الثواب أو الإكرام، وروى المالكي في التَّوضيح «إليها» بالتأنيث، وقال: أنث الضمير العائد على الخير وهو مذكَّر، فكان ينبغي أن يقول: فخير قدَّمتموها إليه، لكن المُذكر يجوز تأنيثه إذا أُوِّل بمؤنث، كتأويل الخير الذي تَقْدُم إليه النفس الصالحة بالرحمة، أو بالحسنى، أو بالبشرى. الكاشف عن حقائق السنن (4/1390-1391).
وقال الفاكهي -رحمه الله-:
«فخير تقدِّمونها إليه» أي: ما أعدَّ الله لها من النعيم المقيم. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (3/238).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فخير تقدِّمونها إليه» وما عند الله خير للأبرار. التنوير شرح الجامع الصغير (2/358).
قوله: «وإن يك سِوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
«وإن كان سوى ذلك» أي: غير ذلك صالحة، وإنما آثر فيه الإبهام تحاشيًا عن لفظ يُوحِشُ الأسماع. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (3/335).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وإن تك سوى ذلك» أي: غير صالحة «فشرٌّ» أي: فهو شرٌّ، أو فله شرٌّ «تضعونه» أي: الميِّت «عن رقابكم» أي: تستريحون منه؛ لبُعدِهِ عن الرحمة، فلا حظَّ لكم في مصاحبته، بل في مفارقته، وهذا ناظر لقوله في الحديث الآخر: «مستريح أو مستراح منه»، وكان قضية المقابلة أن يقال: فشرٌّ تقدِّمونها إليه؛ لكنه عدل عن ذلك شوقًا إلى سعة الرحمة، ورجاء الفضل، فقد يعفى عنه، فلا يكون شرًّا، بل خيرًا {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} النساء: 48. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 152).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«وإن تكُ سِوى ذلك» ولم يقل: وإن تكُ طالحة، وهذا من حسن التعبير، قال: «سِوى ذلك» كراهة أن يقول: طالحة، أو سيئة، أو ما أشبه ذلك. فتح ذي الجلال والإكرام (2/578).
وقال النووي -رحمه الله-:
«فشرٌّ تضعونه عن رقابكم» معناه: أنها بعيدة من الرحمة، فلا مصلحة لكم في مصاحبتها. شرح صحيح مسلم (7/13).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«فشرٌّ تضعونه عن رقابكم» ولم يقل: فشرٌّ تقدِّمونها إليه؛ لأنه لا ينبغي لنا أن نُقدِّم أخانا المسلم إلى شرٍّ، لكنه قال: شرٌّ تتخلصون منه، وهذا صحيح، أي: أن الإنسان يؤمر أن يتخلص من الشَّرِّ، وهذا أيضًا من بلاغة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في لفظه. فتح ذي الجلال والإكرام (2/578).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قد يُستدلُّ بقوله: «عن رقابكم» على أن حمل الجنازة يختصُّ بالرجال؛ لكونه أتى فيه بضمير المذكَّر، وقد استدلَّ البخاري على ذلك بقوله في حديث أبي سعيد: «واحتملها الرِّجال»، وقد يتوقف في الاستدلال لخروج ذلك مخرج الغالب، لكن الحكم موافق عليه، فقد صرَّح العلماء من أصحابنا وغيرهم بأن حمل الجنازة فرض كفاية، وأن ذلك يختصُّ بالرِّجال، ولو كان المحمول امرأة؛ لأنهم أقوى لذلك والنساء ضعيفات، وربما انكشف من الحامل بعض بدنه. طرح التثريب (3/292).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
تضمن هذا الحديث الأمر بحمل الميِّت إلى قبره، وهو واجب على الكفاية إن لم يكن له مال يُحملُ منه. المفهم (2/603)
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
حمل الجنازة مُتعيّن على الكافة إن لم يكن لها بِما يستأجر لها به ككفنها ودفنها. إكمال المعلم (3/401).
وقال النووي -رحمه الله-:
وحمل الجنازة فرض كفاية، قال أصحابنا (الشافعية): ولا يجوز حملها على الهيئة المزرية، ولا هيئةٍ يخاف معها سقوطها، قالوا: ولا يَحمِلُها إلا الرجال، وإن كانت الميِّتة امرأة؛ لأنهم أقوى لذلك، والنساء ضعيفات، وربما انكشف من الحامل بعض بدنه، وهذا الذي ذكرناه من استحباب الإسراع بالمشي بها وأنه مراد الحديث هو الصَّواب الذي عليه جماهير العلماء. شرح صحيح مسلم (7/12-13).
وقال العراقي -رحمه الله-:
فيه الأمر بالإسراع بالجنازة، ومعناه عند جمهور العلماء سرعة المشي بها، وقد دلَّ على ذلك قوله في آخر الحديث: «فشرٌّ تضعونه عن رقابكم». طرح التثريب (3/289).
وقال النووي -رحمه الله-:
ويؤخذ منه ترك صحبة أهل البطالة غيرِ الصالحين. شرح صحيح مسلم (7/13).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث فوائد:
منها: الأمر بالإسراع على ما ذكرنا، وقد كَرِهَ بعض السلف الإسراع، وهو محمول على الإسراع المحذور.
ومنها: إكرام أهل الخير والصلاح إذا ماتوا بالمبادرة إلى الوصول إلى جزاء ما قدَّموه من الأعمال الصالحة، وجزاؤها من فضل الله تعالى ورحمته.
ومنها: تقليل مصاحبة أهل الشَّرِّ، إلا فيما وجب بسببهم من بعد موتهم؛ لبُعدِهم عن رحمة الله تعالى، فلا مصلحة في مصاحبتهم، وكذا ينبغي اجتناب مصاحبة أهل البطالة وغير الصالحين،. ومما ابتلي به الناس في هذه الأزمان في جنائزهم المشيُ معها متماوتين زائدًا على السَّكينة والوَقار بهما في غيرها من الحالات، وتأخير الإسراع بها بحضور بعض الظلمة، أو صلاته عليها، أو تكرير الصلاة عليها مرة بعد أخرى لغير مقصود أو عذر شرعي، وكل هذا مخالف للسنة، بعيدٌ من حالة الموت والاعتبار بها، والله يعلم المفسد من المصلح، والمنتفع من المتضرر، وجالبَ الخير من مانعه. العدة في شرح العمدة (2/778-779).
وقال الفاكهي -رحمه الله-:
فيه: الأمر بالإسراع بالجنازة، وهو السُّنَّة المعمول بها، والحكمة في ذلك: ما ذُكِرَ في الحديث، لكن للإسراع شرطان:
أحدهما: القطع بموته....
والثاني: أن لا يخاف من شدَّة الإسراع حدوث مفسدة بالميِّت من انفجار ونحوه، وقد جعل الله لكل شيء قَدْرًا. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (3/236).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وفيه استحباب المبادرة إلى دفن الميِّت، لكن بعد أن يتحقَّقَ أنه مات، أما مثل المطعون والمفلوج (وهو المشلول) والمسبوت (أي: العليل الْملقى كالنائم يغمض عَيْنَيْهِ فِي مُعظم أَحْوَاله)، فينبغي أن لا يُسرَعَ بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة؛ ليتحقَّقَ موتهم، نبَّه على ذلك ابن بَزيزةَ.
ويؤخذ من الحديث ترك صحبة أهل البطالة وغير الصالحين. فتح الباري (3/184).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يستفاد من هذا الحديث:
أولًا: كمال نصح الرسول -صلى الله عليه وسلم- للأمة؛ وذلك من قوله: «أسرعوا بالجنازة» ثم ذكر العلة..
ويستفاد من الحديث: مشروعية الإسراع بالجنازة؛ لقوله: «أسرعوا بالجنازة».
ويستفاد منه: حكمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقرن الأحكام بعللها؛ لقوله: «فإن تك»، «وإن تك»، كل هذا لنعرف العِلَّة في الأمر بالإسراع.
ويستفاد منه: إثبات عذاب القبر ونعيم القبر، يؤخذ من قوله: «تقدِّمونها إليه»، و«شرٌّ تضعونه».
ويستفاد من الحديث: أن من المسلمين من هو صالح، ومنهم من سوى ذلك. فتح ذي الجلال والإكرام، باختصار(2/579-578).
وقال الشيخ البسام -رحمه الله-:
ما يؤخذ من الحديث:
1- استحباب الإسراع بتجهيز الميت وفي حمله، لكن بغير سرعة يحصل معها ضرر على الجنازة، أو على المشيعين.
2- يُقيَّدُ الإسراع بما إذا لم يكن الموت فجأة يخشى أن يكون إغماء، فينبغي أن لا يدفن حتى يتحقَّقَ موته، أو يكون في تأخيره مصلحة من كثرة المصلين، أو حضور أقاربه، ولم يُخشَ عليه الفساد.
3- فيه طلب مصاحبة الأخيار، والابتعاد عن الأشرار. تيسير العلام (ص: 285).