«مَن قرأ حرفًا مِن كتابِ اللَّهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بِعَشْرِ أمثالِهَا، لا أقولُ: {الم} حرفٌ، ولكنْ أَلِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ».
رواه الترمذي برقم: (2910)، واللفظ له، والحاكم برقم: (2040)، والطبراني في الكبير برقم: (8648)، وابن أبي شيبة برقم: (376)، والدارمي برقم: (3351)، من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6469)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1416).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فلهُ به حسنة»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«من قرأ حرفًا» أي: قابلًا للانفصال، أو المراد به مثلًا. مرقاة المفاتيح (4/1471).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«من كتاب الله» القرآن المنزل على رسول الله؛ للإعجاز بأقصر سورة منه، المتعبد بتلاوته. دليل الفالحين (6/ 482).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«من كتاب الله» الظاهر: أنَّ المراد الذي أَفْهَمَه قوله: «من كتاب الله» أنْ يقرأ حرفًا بنية كونه من القرآن، ثم يعوقه عائق عن أنْ يَضُمَّ إليه ما يصيره جملةً مفيدة، بخلاف من نطق بالقاف من {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الإخلاص: 1، مثلًا، ولم يُضمَّ إليها بقية الآية من غير عائق، فإنَّ الظاهر: أنه لا يثاب على ذلك، وإنْ نوى بذلك الحرف أنه من تلك الآية، ويحتمل: أنه مع النية يُثاب. فتح الإله في شرح المشكاة (7/131).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة» يعني: من قرأ حرفًا من القرآن، فقد عَمِل حسنة، ومن عمل حسنة، فله عَشْرُ أمثالها. المفاتيح في شرح المصابيح (3/84).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فله به حسنة» أي: عَطِيَّةٌ. مرقاة المفاتيح (4/1471).
قوله: «والحسنة بعشر أمثالها»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«والحسنة» مَجْزِيَّةٌ «بعَشْرِ أمثالها» فالقارئ مُجازَى عن الحرف الواحد بعَشْرِ حسنات. دليل الفالحين (6/ 482).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«والحسنة بعَشْرِ أمثالها» أي: مضاعفة بالعشر، وهو أقل التضاعف الموعود بقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} الأنعام: 160، والله يضاعف لمن يشاء. مرقاة المفاتيح (4/1471).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
وللحرف مزيَّة على غيره، والحرف يطلق على حرف الهجاء والمعاني، والجملة المفيدة، والكلمة المختلف في قراءتها، وعلى مطلَق الكلمة؛ ولذا قال -عليه الصلاة والسلام-: «لا أقول: {الم} حرف» «ألفْ» بالسكون على الحِكَاية، وقيل: بالتنوين «حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ». مرقاة المفاتيح (4/1471).
وقال الشيخ عبد الرحمن اليحيا -حفظه الله-:
فكُلُّ مَنْ قرأ القرآن قراءة صحيحة، يبتغي بها وجه الله، فهو موعود بهذا الأجر -إن شاء الله-، سواء قرأه للحفظ، أو للمراجعة، أو للاستشهاد والاستدلال به، أو غير ذلك، وتدخل البسملة في هذا الأجر؛ لأنها آية من القرآن. فتح الرحيم الرحمن نصف القرآن (ص: 552).
قوله: «لا أقول: {الم} حرف»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«لا أقول: {الم} حرف» أي: لا أقول: إن مجموع الأحرف الثلاثة حرف. دليل الفالحين (6/ 482).
وقال المظهري -رحمه الله-:
فمَنْ تلفَّظ بقوله: {الم} يحصل بـ(ألف) عَشْرُ حسنات، وبـ(لام) عَشْرُ حسنات، وبـ(ميم) عَشْرُ حسنات، فيكون المجموع ثلاثين حسنةً، وعلى هذا القياس جميع القرآن. المفاتيح في شرح المصابيح (3/84).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «لا أقول: {الم} حرف» لَمْ يُرِدْ ها هنا بالحرف مصطلح النحاة، بل أعمَّ منه. الكوكب الدري على جامع الترمذي (4/27).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «وميم حرف» يعني: مُسمى ميم -وهو مه- حرف لِمَا تقرَّر أن لفظة «ميم» اسم لهذا المسمى، فحُمِلَ الحرفُ في الحديث على المذكورات مجازًا؛ لأن المراد منه في مثل (ضرب) في {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} إبراهيم: 24، كل واحد من (ضَهٍ، ورَهٍ، وبَهٍ)، فعلى هذا إن أُرِيدَ بـ{أَلَمْ} الفيل: 1، مفتتح سورة الفيل يكون عدد الحسنات ثلاثين، وإن أُرِيدَ به مفتتح سورة البقرة وشبهها يبلغ العدد تسعين. الكاشف عن حقائق السنن (5/1656).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
وإنَّما يتَّجِه ما ذكره (أي: الطيبي) إنْ كان لفظ الحديث (ألم) المحاكية لأول سورة الفيل، أمَّا إذا كانت لفظة (ألم) المحاكية لأول سورة البقرة مثلًا، وهو ما يصرِّح به رواية ابن أبي شيبة والطبراني: «مَن قرأ حرفًا من القرآن كُتبت له به حسنة، لا أقول: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ} البقرة: 1-2، ولكن الألف واللام والميم والذال واللام والكاف» وفي رواية البيهقي: «لا أقول: {بِسْمِ اللَّهِ} الفاتحة: 1، ولكن باء وسين وميم، ولا أقول: (ألم)، ولكن الألف واللام والميم»، فلا يكون ما قاله من أنها بتسعين موافقًا للفظ الحديث؛ لأنه صرَّح بأنَّ مجموع ألف حرف واحد، وكذا الباقي، لكن المعنى: يؤيد ما قاله، إلا أنْ يلاحظَ ما قدَّمته أنه ليس المقصود من المقروء حروف لفظ ألف، بل مسماه وهواه، بدليل أنَّ مَن تكلَّم في معاني تلك الحروف، جعلها كذلك، كقول بعضهم: الألف من الله، واللام من له، والميم من الملك، وحينئذٍ يتضح الحديث، ويكون {أَلَم} البقرة: 1، من أول البقرة، بثلاثين، لا بتسعين. فتح الإله في شرح المشكاة (7/131-132).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قد يتبادر من ظاهر لفظ الحديث أن المراد نفي الحرفية من مجموع {الم} التي هي ثلاثة أحرف، وإثباتها لأسامي الحروف، ولكنهم صرَّحوا بأن المراد نفيها من الأسامي، وإثباتها للمسميات التي هي بسايط الحروف؛ لأن تَوهُّم الحرفية على المجموع الثلاث بعيد حتى تنفى، فقالوا: تكون حسنات {الم} التي هي فاتحة سورة البقرة تسعين، والتي في {أَلَمْ تَرَ} الفيل: 1، ثلاثين، فافهم. لمعات التنقيح (4/555).
وقال المباركفوري –رحمه الله-:
وفي رواية ابن أبي شيبة والطبراني: «من قرأ حرفًا من القرآن كتب له به حسنة، لا أقول: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ}البقرة:1-2، ولكن الألف واللام والميم والذال واللام والكاف»، وفي رواية للبيهقي: «لا أقول: {بِسْمِ اللَّهِ} الفاتحة: 1، ولكن باء وسين وميم، ولا أقول: {الم}، ولكن الألف واللام والميم». تحفة الأحوذي (8/ 182).
وقال الشيخ عبد الكريم الحضير -حفظه الله-:
هل المراد به حرف المبنى أو حرف المعنى؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، واللائق بفضل الله -جلَّ وعلا- أن المراد به حرف المبنى؛ ليحوز قارئ القرآن على أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، والله يضاعف لمن يشاء. شرح الموطأ (40/33).
قوله: «ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» أي: فيثاب قارئ ذلك ثلاثين حسنة...، ولا يُشْكِلُ على هذا حديث «من قرأ القرآن فأعرب في قراءته كان له بكُلِّ حرف منه عشرون حسنة، ومن قرأ بغير إعراب كان له بكل حرف عَشْرُ حسنات» رواه البيهقي من حديث ابن عمر؛ لأنه يحتمل أن العَشْرَ الحسنات الأخرى في مقابلة الحرص على ضبطه وإتقانه. دليل الفالحين (6/ 482).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» يعني: ثلاثة حروف تعتبر ثلاثين حسنة، وهذا أمر لا يُدْرِكُ عددُه إلا الله -عزَّ وجلَّ-، كل هذا لأنك تقرأ كلام ربّ العالمين -عزَّ وجلَّ-، خالق السماوات والأرض الذي هو أحبُّ حبيب إليك. جلسات رمضانية (1/9).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والحديث فيه التصريح بأن قارئ القرآن له بكل حرف منه حسنة، والحسنة بعَشْرِ أمثالها. ولَمَّا كان الحرف فيه يطلق على الكلمة المتركبة من حروف أوضح -صلى الله عليه وسلم- أن المراد هنا الحرف البسيط المنفرد لا الكلمة، وهذا أجر عظيم وثواب كبير، ولله الحمد. تحفة الذاكرين (ص: 394).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
هذه فضائل قراءة القرآن، وهذا أجره لمن احتسب الأجر من الله والرضوان، أجور كبيرة لأعمال يسيرة، فالمغبون مَنْ فرَّط فيه، والخاسر مَنْ فاته الرِّبح حين لا يمكن تلافيه. مجالس شهر رمضان (35).