الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إنَّ الغلامَ الذي قَتَلَهُ الخَضِرُ طُبِعَ كافرًا، ولو عاشَ لأَرْهَقَ أبويْهِ طُغْيَانًا وكُفْرًا».


رواه مسلم برقم: (2661)، من حديث أُبي بن كعب -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«لأَرْهَقَ»:
يقال: ‌رَهِقَهُ بالكسر يَرْهَقُهُ رَهَقًا، أي: غَشِيَهُ. الصحاح، للجوهري (4/ 1486).
وقال ابن سيده -رحمه الله-:
والرَّهَق: غشيان الشَّيْء. المحكم (4/ 123).


شرح الحديث


قوله: «إن الغلام الذي قتله الخَضِر»:
قال البخاري -رحمه الله-:
والغلام المقتول اسمه -يزعمون- ‌جيسور. صحيح البخاري (4/ 1756).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
جيسور: بفتح الجيم، وقيل: الحاء المهملة، بعدها ياء أخيرة، ثم سين مهملة مضمومة، وبعد الواو راء، اسم الغلام الذي قتله الخضر، اختلف رواة الجامع في ضبط أوله. فتح الباري (1/ 218).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«‌الذي ‌قتله ‌الخَضِر» وكان شابًّا ظريفًا، وضيء الوجه، غير بالغ. فيض القدير (4/ 416).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: كان ‌الغلام الذي قتله ‌الخَضِر رجلًا مستجمع السن. معالم السنن (3/ 202).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما غلام الخضر فيجب تأويله قطعًا؛ لأن أبويه كانا مؤمنين، فيكون هو مسلمًا، فيتأول على أن معناه: أن الله أعلم أنه لو بلغ لكان كافرًا، لا أنه كافر في الحال، ولا يجري عليه في الحال أحكام الكفار، والله أعلم. شرح مسلم (16/ 208).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وعلى هذا جمهور أهل اللغة في الغلام: أنه ما دام رضيعًا فهو طفل وغلام إلى سبع سنين. التمهيد (11/ 371).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله- أيضًا:
فالغلام الذي قتله الخضر قد سمّاه الله غلامًا، ولم يُسمِّه صبيًّا، ولا حَزورًا ولا رجلًا؛ وهذا الاسم حقيقته عند أهل اللغة ما ذكرتُ لك...، والذي عليه أهل العلم بتأويل القرآن والسنّة: أنّ ‌الغلام الذي قتله ‌الخَضِر كان مِمّن لم يبلغ حدّ التكليف، على ما قاله أهل اللغة في ‌الغلام. الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري (ص: 201-202).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وهذا الغلام الذي قتله ‌الخَضِر يحتمل أنَّه كان بالغًا مكلَّفًا، وسُمِّي غلامًا لقرب عهده بالبلوغ، وعلى هذا فلا إشكال فيه، ويحتمل أن يكون مميِّزًا عاقلًا، وإن لم يكن بالغًا، وعليه يدل الحديث، وهو قوله: «ولو أدرك لأرهق أبويه»، وعلى هذا فلا يمتنع أن يكون مكلَّفًا في تلك الشريعة؛ إذ اشتراط البلوغ في التكليف إنَّما عُلِم بشريعتنا، ولا يمتنع تكليف المراهق العاقل عقلًا...
فإن كان الغلام الذي قتله الخَضِر بالغًا فلا إشكال، وإن كان مراهقًا غير بالغٍ فقتله جائزٌ في تلك الشريعة؛ لأنَّه قتله بأمر الله، كيف وهو إنَّما قتله دفعًا لصَوْلِه على أبويه في الدين، كما قال: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} الكهف: 80، والصبي لو صال على المسلم في بدنه أو ماله ولم يندفع صياله إلا بقتله جاز قتله، بل الصبي إذا قاتل المسلمين قُتِل. أحكام أهل الذمة (2/ 178، 179).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«‌الخَضِر» ‌بفتح ‌الخاء وكسر الضاد، ويجوز إسكان الضاد مع كسر الخاء وفتحها. الكواكب الدراري (2/ 43).
وقال النووي -رحمه الله-:
كنية الخضر: أبو العباس، واسمه بَلْيَا بموحدة مفتوحة، ثم لام ساكنة، ثم مثناة تحت، ابن ملكان، بفتح الميم، وإسكان اللام، وقيل: كليان.
قال ابن قتيبة في المعارف: قال وهب بن منبه: اسم الخضر بَلْيَا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، قالوا: وكان أبوه من الملوك، واختلفوا في لقبه الخضر، فقال الأكثرون: لأنه جلس على فروة بيضاء فصارت خضراء، والفروة وجه الأرض، وقيل: لأنه كان إذا صلى أخضر ما حوله، والصواب الأول. شرح مسلم (15/ 136).
وقال المازري -رحمه الله-:
وقد اضطرب العلماء في ‌الخَضِر، هل هو نبي أم لا؟
واحتج من قال بنبوته بقوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} الكهف 82، فدل على أن الله -عز وجل- يوحي إليه بالأمر، وهذه النبوة.
وينفصل الآخرون عن هذا بأنه يحتمل أن يكون نبي غيره أَمَرَه بذلك عن الله تعالى، وقصارى ما في الآية أنه ما فعله عن أمره، ولكن إذا كان المراد عن أمر الله تعالى، فمَن المبلِّغ له؟ ليس في الآية تعيين فيه، وقد يحتج من قال بنبوته بكونه أعلم من ‌موسى، ويبعد أن يكون الولي أعلم من النبي. المعلم (3/ 238).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أما حمل أمر الغلام على الإلهام إلى الولي فغير صحيح؛ إذ لا يصح لأحد من الأولياء أن يقتل نفسًا زاكية بغير نفس اعتمادًا على الوحي الإلهامي بأنه طُبع كافرًا. مرقاة المفاتيح (9/ 3646).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
فأما ‌الخَضِر -عليه السلام- فلم يُتَّفق على أنه ‌نبي، بل هو أمر مختلف فيه، هل هو ‌نبي أو ولي؟ فإن كان نبيًّا فليس برسول بالاتفاق، إذ لم يقل أحد: إن ‌الخَضِر -عليه السلام- أُرْسِل إلى أمة، والرسول أفضل من ‌نبي ليس برسول، وإن تنزَّلْنا على أنه رسول، فرسالة موسى أعظم، وأُمَّته أكثر، فهو أفضل، وإن قلنا: إن ‌الخَضِر كان وليًّا، فلا إشكال أن النبي أفضل من الولي، وهذا أمر مقطوع به عقلًا ونقلًا، والصائر إلى خلافه كافر، فإنه أمر معلوم من الشرائع بالضرورة، ولأنه واحد من أمَّة موسى، أو غيره من الأنبياء، ونبي كل أمَّة أفضل منها قطعًا، آحادًا أو جمعًا، وإنما كانت قصة موسى مع ‌الخَضِر امتحانًا لموسى ليتأدب ويعتبر، كما قد ابتلي غيره من الأنبياء بأنواع من المحن والبلاء. المفهم (6/ 217).
وقال النووي -رحمه الله-:
جمهور العلماء على أنه ‌حي موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن يحصر، وأشهر من أن يُسْتَر. شرح مسلم (15/ 135).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
والصواب الذي عليه المحققون أنه ‌ميت، وأنه لم يدرك الإسلام، ولو كان موجودًا في زمن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لوجب عليه أن يؤمن به، ويجاهد معه؛ كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره، ولكان يكون في مكة والمدينة، ولكان يكون حضوره مع الصحابة للجهاد معهم، وإعانتهم على الدين، أولى به من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم، ولم يكن مختفيًا عن خير أمَّة أُخرجت للناس، وهو قد كان بين المشركين ولم يحتجب عنهم. مجموع الفتاوى (27/ 100، 101).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفي ‌قتل ‌الغلام دليل على مراعاة الذرائع وقطع أسباب الشر. إكمال المعلم (7/ 372).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
فيكون قتله من باب ‌دفع ‌الضرر، ‌كقتل ‌الحيات، والسباع العادية، لا من باب القتل المترتب على التكليف، وهذا لا إشكال على أصول أهل السنة فيه، فإن الله تعالى الفعال لما يريد، القادر على ما يشاء، لا يتوجه عليه وجوب ولا حق، ولا يثبت عليه لوم ولا حكم، وأما على أصول أهل البدع القائلين بالتحسين والتقبيح العقليَّيْن، وما يتولد على ذلك من الأصول الفاسدة، من التجويز والتعديل، والإيجاب على الله تعالى، فلا يلتفت إليها، ولا يعرج عليها؛ لظهور فسادها. المفهم (6/ 212).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
قتل ‌الغلام كان من باب دفع الصائل على أبويه؛ لعلمه بأنه كان يفتنهما عن دينهما، وقتل الصبيان يجوز إذا قاتلوا المسلمين، بل يجوز قتلهم لدفع الصَّوْل على الأموال. مجموع الفتاوى (11/ 427).

قوله: «طُبع كافرًا»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«طُبِعَ كافرًا» أي: خُلق قلبه على صفة قلب الكافر من القسوة والجهل، ومحبة الفساد وضرر العباد. المفهم (6/ 212).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«طُبِعَ كافرًا» أي: جُبِلَ على الكفر، وكُتب في بطن أمه من الأشقياء. فيض القدير (4/ 416).
وقال المازري -رحمه الله-:
«إن ‌الغلام الذي قتله ‌الخَضِر طبع كافرًا» وظاهر هذا يمنع من كون كل مولود يولد على هذه الفطرة، وقد ينفصل الآخرون عنه بأن المراد به حالة ثانية طرأت عليه، من التهيؤ للكفر وقبوله عليه، غير الفطرة التي ولد عليها.
وقال آخرون: يحتمل أن يريد بالفطرة ما هُيِّءَ له وكان مناسبًا لما وُضع في العقول، وفطرة الإسلام صوابها كالموضوع في العقل، وإنما يدفع العقل عن إدراكه آفة وتغيير من قبل الأبوين، وغيرهما. المعلم (3/ 318).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«طُبع يوم طبع كافرًا» أي: كُتب في بطن أمه شقي، والولادة على الفطرة كما في حديث: «كل مولود يولد على الفطرة» لا يناقض هذا؛ لأن المراد بالفطرة استعداد القبول للإسلام؛ وذلك لا ينافي علم الله أنه يختار الشقاوة. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 460).

قوله: «ولو عاش لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا»:
قال البيضاوي -رحمه الله-:
أي: حملهما على أمر شديد، أو ضلال وكفر، أو ألحق بهما شرًّا وبلاءً وطغيانًا وكفرًا؛ ليعمهما بعقوقه، وسوء صنيعه، أو قرن بإيمانهما طغيانه وكفره. تحفة الأبرار (3/ 448).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «ولو عاش» أي: ذلك الغلام، بأنْ أدرك الكبر «لأرهق أبويه» أي: لكلَّفَهما «طغيانًا وكفرًا» أي: جُعل سببًا لإضلالهما، فالحاصل: أنَّ علة قتله مركَّبة من كونه طُبع كافرًا، وإنه لو فُرض أنه عاش لكان مضلًّا فاجرًا. مرقاة المفاتيح (9/ 3647).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
فإن قلتَ: خوف كفر أحد في المآل لا يبيح قتله في الحال، فكيف قَتَلَه الخضر من خوف كفر؟
قلتُ: يجوز أنْ يكون ذلك في شرعهم، أو نقول: هذا عِلْمٌ لدُنِّي، كما قال الله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لدُنَّا عِلْمًا} الكهف: 65، وله مشرب آخر غير المعهود في الظاهر فلا نشتغل بكيفيته.
وفي الحديث: بيان الحكمة في فعل الخضر، فكأنه خرج في معرض الاعتذار عنه. مبارق الأزهار (1/225).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «ولو عاش لأرهق أبويه» أي: أغشاهما وأعجلهما، رَهِقَهُ بالكسر: غَشِيَه، وأرهقه: أغشاه، وأرهقني إثمًا حتى رهقته: حمَّلني إثمًا حتى حملته...
وقوله: «طغيانًا» عليهما، «وكفرًا» لنعمتهما بعقوقه فيلحقهما شرًّا، أو المعنى: حملهما أن يتبعاه في الطغيان، وكان الخَضِر مأمورًا بالعمل بالحقيقة كُلًّا أو بعضًا، وهذا من جملة من أوحى الله إليه، أو ألهمه بأن الغلام كافر في المآل فاقتله، بخلاف موسى -عليه السلام- فإنه كان مأمورًا بالعمل بالظاهر، وقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- مأمورًا بالعمل بالحقيقة في بعض المواضع، كما أمر بقتل بعض من كان مسلمًا في الظاهر، وعلم منه أنه يموت على الكفر، كما ذكر في خصائصه -صلى الله عليه وسلم-. لمعات التنقيح (9/ 187، 188).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: تقرير الله تعالى، وتقريره موسى صريح في ذلك، بل على جواز مثل ذلك في شرعنا لو علم قطعًا أنه طُبع كافرًا، كما قرره صاحب الشرع في هذا الحديث، فبطل كون الغلام مؤمنًا حينئذٍ؛ إذ لا يجوز قتل المؤمن من غير جُنح إجماعًا في جميع الأديان.
قال: أو نقول: هذا علم لدنِّي، وله مشرب آخر غير المعهود في الظاهر، فلا نشتغل بكيفيته.
قلتُ: لا مخالفة بين الشريعة والحقيقة...، ثم إن الأمر لا يخلو عن أحد شيئين: فإن الخضر إن كان من أهل النبوة فلا بد أن يكون عمله على وفق الشريعة، وإن كان من أهل الولاية فليس له أن يعتمد على علمه اللَّدنِّي، وإلهامه الغيبي في مثل هذه القضية العظمى، والبلية الكبرى، ثم في الحديث بيان الحكمة في قتل الخضر، وكأنه خرج موضع الاعتذار عنه تصريحًا بخلاف ما في الآية من الإشارة إلى ذلك تلويحًا. مرقاة المفاتيح (9/ 3647).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
فإنْ قلتَ: أمْرُ الغلام الذي قتله الخضر ينقض عليك هذا البناء (وهو ما قرَّره في حديث: «كل مولود يولد على الفطرة»)؛ لأنه لم يلحق بأبويه، بل خيف إلحاقهما به؛ لقوله تعالى: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} الكهف: 80...، قلتُ: لا ينقضه، بل يرفعه ويشيِّد بنيانه؛ لأن الخضر -عليه السلام- نظر إلى عالَم الغيب، وقتل الغلام، وموسى -عليه السلام- اعتبر عالَم الشهادة وظاهر الشرع، فأنكر عليه؛ ولذلك لما اعتذر الخضر -عليه السلام- بالعلم الخفي الغائب، أمسك موسى -عليه السلام-. الكاشف عن حقائق السنن (2/ 547).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
لك أن تقول: هذا الغلام وُلد على الفطرة، لكن علم الله أنه يُغيِّرها، ويسعى في إضلال أبويه، فالخضر بإيماء أغلبي، وإلا فقد يضل من غير إضلال أبويه، كمن قد هلك أبواه قبل تكليفه، ويحتمل: أنَّ المراد أنهما اللذان يُخرجانه إلى دينهما، ولا ينحصر الضلال فيه. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 204).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وهذا الحديث مطابق للآثار المتواترة في أنّ: «الشَقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمَهِ». الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري (ص:203).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وقد يحتج بهذا الحديث من يقول: إن أطفال الكفار في النار. قلتُ: الأولى التفصيل بأنَّ مَن طُبع منهم كافرًا يكون في النار، ومن وُلد على الفطرة فهو في الجنة، وبه يحصل الجمع بين أقوال الأئمة، ويقارب القول بالتوقف الذي اختاره إمامنا الأعظم (أبو حنيفة) والله تعالى أعلم. مرقاة المفاتيح (9/ 3647).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وأما ‌الغلام الذي قتله ‌الخَضِر فأبواه مؤمنان لا شك في ذلك، فإن كان طفلًا ولم يكن -كما قال بعض أهل العلم:- رجلًا قاطعًا للسبيل، فمعلوم أن شريعتنا وردت بأن كل أبوين مؤمنين لا يُحكم لطفلهما الصغير بحال الكفر، ولا يحل قتله بإجماع، وكفى بهذا حجة في تخصيص غلام ‌الخَضِر.
وقد أجمع المسلمون من أهل السنة وغيرهم إلا المجبرة (الجبرية الذين يرون أن العباد مجبرون على أعمالهم) أن أولاد المؤمنين في الجنة، فكيف يجوز الاحتجاج بقصة ‌الغلام الذي قتله ‌الخَضِر اليوم في هذا الباب؟ التمهيد (11/ 356).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وفي قصة ‌الخَضِر أصل عظيم من أصول الدين؛ وذلك أن ما تعبَّد الله به خلقه من شريعته ودينه، يجب أن يكون حُجة على العقول، ولا تكون العقول حجة عليه. شرح صحيح البخاري (1/ 200).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وحالة الغلام لو لم يُقْتَل وكبر من إرهاق أبويه طغيانًا وكفرًا، دليل على أن مذهب أهل الحق في علم الله بما لا يكون. إكمال المعلم (7/ 378).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
فإنه (الخضر) عَلِم بالوحي أنه إن لم يقتله تبعه أبواه على الكفر؛ لمزيد محبتهما له، فكانت المضرة بقتله أيسر من إبقائه، لا سيما والمطبوع على الكفر الذي لا يُرجى إيمانه كان قتله في شريعتهم واجبًا؛ لأن أخذ الجزية لم يكن سائغًا لهم، وقد رزقهما الله خيرًا منه. إرشاد الساري (7/ 229).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وهذا الحديث: من دلائل أهل الحق في أن اللَّه تعالى عالم بما كان، وبما يكون، وبما لا يكون لو كان كيف كان يكون. شرح سنن أبي داود (18/ 264-265).  


ابلاغ عن خطا