«يَتبَعُ الدَّجالَ مِن يَهودِ أَصبَهانَ سَبعونَ أَلفًا، عليهِم الطَّيَالِسَةُ».
رواه مسلم برقم: (2944) من حديث أنس -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الدَّجالَ»:
بفتح الدال، وهو عدو الله المسيح الدّجال الكذاب، سُمِّي دجالًا لتمويهه، والدَّجل التمويه والتغطية. تحرير ألفاظ التنبيه، للنووي (ص: 269).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
الدَّجَّالُ: من الدَّجْل، وهو طَلي البعير بالقطران فسُمِّي بذلك؛ لتمويهه بباطله وسِحره الملبَّس به، ويقال: الدجال في اللغة: الكذاب، وقيل: سُمي بذلك لضربه نواحي الأرض وقطعه لها. مطالع الأنوار (3/ 13).
«أَصبَهانَ»:
بفتح الهمزة وكسرها، والفتح أشهر، وبالباء والفاء، مدينة عظيمة. تهذيب الأسماء واللغات، للنووي (3/ 18).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وأما «أصبهان» فكذا سِمعناه بفتح الهمزة، وحكاه البكري بكسرها لا غير. إكمال المعلم (8/ 504).
«الطيالسة»:
جمع طيلسان، وهو الثوب الذي له عَلَم، وقد يكون كِساء. فتح الباري، لابن حجر (10/ 287).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
يقال: طَيلسان بفتح اللام وكسرها، قال الخليل: ولم أسمع فَيْعَلان بالكسر غيره، وأكثر ما يأتي فَيْعَلان مفتوحًا أو مضمومًا، ولم يعرف الأصمعيُّ الكسر. مشارق الأنوار، القاضي عياض (1/ 324).
شرح الحديث
قوله: «يَتبَعُ الدَّجالَ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «يتبع» يمكن أن يكون ثلاثيًا من باب فتَحَ أي: يسير خَلفه، وأن يكون بتشديد التاء من باب افْتَعَل بمعنى: أنهم يطيعونه. الكوكب الوهاج (26/ 304).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يتبع» بفتحٍ فسكون ففتح، وقال شارحٌ: من الاتباع بتشديد التاء، أي: يطيع. مرقاة المفاتيح (8/ 3469).
وقال ابن كثير -رحمه الله-:
فيكون بَدء ظهوره من أَصبهان من حارة منها يقال لها: (اليهودية)، وينصره من أهلها سبعون ألف يهودي، عليهم الأسلحة والتِّيجان، وهي الطيالسة الخضراء، وكذلك ينصره سبعون ألفًا من التتار وخلْقٌ من أهل خراسان، فيظهر أولًا في صورة مَلِك من الملوك الجبابرة، ثم يدّعي النبوة، ثم يدّعي الربوبية، فيتبعه على ذلك الجهلة من بني آدم والطغام من الرعاع والعوام، ويخالفه ويردُّ عليه مَن هدى اللهُ من عباده الصالحين وحزب الله المتقين. النهاية في الفتن والملاحم (1/ 174).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«يَتبَعُ الدَّجالَ...» وهذه الرواية ليست بصريحة في أنَّ الدَّجال يخرج مِن أَصبهان، ولم أجد في صحيح مسلم رواية صريحة في خروجه منها. تحفة الأحوذي (6/ 410).
قوله: «مِن يَهودِ أَصبَهانَ»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
قال سليمان بن جرير: ليس هذا أصفهان العراق، إنما هو أصفهان بخراسان. شرح المصابيح (5/ 577).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- معلقًا:
لكن في قوله: أصفهان خراسان مسامحة؛ لأن أصفهان إنما هو في العراق، ولكن لما كان خراسان في جهة الشرق أيضًا، وكان أشهر من العراق أضيف إليه بأدنى ملابسة. مرقاة المفاتيح (8/ 3469).
وقال البكري -رحمه الله-:
سمّيت بذلك لأنَّ أوَّل من نزلها إصبهان بن فلّوج بن لمطى بن يافث، ونزل أخوه همذان، فسمّيت به، وكان اسمه، وقيل: سمّيت إصبهان لأنَّ (إصبه) بلسان الفرس: البلد، و(هان) الفرس، فمعناه: بلد الفرسان؛ ولم يكن يحمل لواء الملك منهم إلّا من أهل إصبهان، لنجدتهم، وكانوا معروفين بالنّجدة والبأس والفروسية. معجم ما استعجم (1/ 163).
وقال عبد المنعم الحميري -رحمه الله-:
وقيل: سميت أصبهان لأن (أَصْبَه) بلسان الفرس البلد، و(هان) الفرس، معناه (بلد الفرسان)، ولم يكن يحمل لواء الملك منهم إلا أهل أصبهان؛ لنجدتهم، وكانوا معروفين بالفروسية والبأس، وهي من بلاد فارس، وهما مدينتان بينهما مقدار ميلين، إحداهما تعرف باليهودية وهي أكبرهما، والثانية تعرف شهرستان، وفي كل واحد منهما منبر، واليهودية مثل شهرستان في المساحة، وهما أخصب مدن الجبال وخراسان. الروض المعطار (ص: 43).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
قلتُ: ويحتمل أنه عبَّر بأصفهان عنها وعما كان منضمًّا إليها من البلاد في ذلك الوقت، وقد كانت تنزل من بلاد الفرس منزلة الرأس من الجسد. الميسر في شرح مصابيح السنة (4/ 1174).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«سبعون ألفًا عليهم الطيالسة» جملة في محل الحال المقدرة. دليل الفالحين (8/ 635).
وقال الشيخ سليمان الأشقر -رحمه الله-:
«من يهود أصبهان» ويذكر أبو نعيم أنَّ إحدى القُرى التابعة لمدينة أَصبهان كانت تدعى: (اليهودية)؛ لأنها كانت تختص بسكنى اليهود، ولم تزل كذلك إلى زمن أيوب بن زياد أمير مصر في زمن المهدي بن المنصور العباسي، فسكنها المسلمون، وبقيت لليهود منها قطعة.
واسم الدجال عند اليهود: المسيح بن داود، وهم يزعمون أنه يخرج آخر الزمان، فيبلغ سلطانه البرَّ والبحر، وتسير معه الأنهار، وهم يزعمون أنه آية من آيات الله، يَرُدُّ إليهم الْمُلْكَ، وقد كذبوا في زعمهم، بل هو مسيح الضلالة الكذاب، وأما مسيح الهدى عيسى ابن مريم فإنه يقتل الدَّجالَ مسيحَ الضلالة كما يقتل أتباعَه مِن اليهود. القيامة الصغرى (ص: 243).
وقال صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
ليس معنى الحديث أن الدّجال يبدأ ظهوره من أصبهان، بل معناه: أنه حينما يأتي أصبهان يتبعه من يهودها سبعون ألفًا، فلا مُنافاة بين هذا الحديث وبين حديث أبي بكر الصديق عن خروجه من خراسان. منة المنعم (4/ 385).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فإنْ قلتَ: ينافي خروجه من خراسان أو أصبهان ما أخرجه أبو نعيم من طريق كعب الأحبار: أن الدَّجال تَلدهُ أُمُّه بقوص من أرض مصر.
قلتُ: كلا؛ لاحتمال أن يُولد فيها، ثم يرحل إلى المشرق، وينشأ فيه، ثم يخرج. فيض القدير (3/ 539).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فإنْ قلتَ: ينافي خروجه من خراسان أو أصبهان ما أخرجه أبو نعيم من طريق كعب الأحبار: أن الدَّجال تَلدهُ أُمُّه بقوص من أرض مصر.
قلتُ: كلا؛ لاحتمال أن يُولد فيها، ثم يرحل إلى المشرق، وينشأ فيه، ثم يخرج. فيض القدير (3/ 539).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة، وهو نوع رفيع من الثياب، المعنى: أنه يتبعه من أصفهان وهي معروفة من مدن إيران يتبعه منها سبعون ألفًا. شرح رياض الصالحين(6/ 623)
قوله: «سبعونَ أَلفًا، عليهم الطَّيالِسةُ»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقوله: «سبعون ألفًا» كذا لأكثرهم، وعند ابن ماهان «تسعون ألفًا». إكمال المعلم (8/ 504).
وقال النووي -رحمه الله- معلقًا:
والصحيحُ المشهورُ الأوَّلُ (سبعون). شرح مسلم (18/ 86).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
قوله: «الطيالسة» جمع طيلسان وهو ثوب معروف. فتح المنعم (10/ 554).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
يريد بقوله: «عليهم الطيالسة» أنهم من المتظاهرين بالدِّين، فيكون ذلك أَشدُّ في إِضلال الخَلق. الإفصاح (5/ 342).
وقال السخاوي -رحمه الله-:
وهو عند الطبراني في (الأوسط) من حديث ربيعة عن أنس بلفظ: «عليهم السيجان» وهو جمع ساج، وهو الطيلسان. الجواهر والدرر (3/ 1055).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث ما يدل على أن الدّجال يخرج من قِبَل المشرق. الإفصاح (5/ 342).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
واستُدل بهذا الحديث على ذَم لبسه (الطيلسان). مرقاة المفاتيح (8/ 3469).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ولا يلزم من هذا كراهية لبس الطيالسة. فتح الباري (7/ 476).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وإنما يصلح الاستدلال بقصة اليهود في الوقت الذي تكون الطيالسة من شعارهم، وقد ارتفع ذلك في هذه الأزمنة، فصار داخلًا في عموم المباح، وقد ذكره ابن عبد السلام في أمثلة البدعة المباحة، وقد يصير من شعائر قوم فيصير تركه من الإخلال بالمروءة، كما نبه عليه الفقهاء: أن الشيء قد يكون لقوم وتركه بالعكس، ومثَّل ابن الرفعة ذلك بالسوقي والفقيه في الطيلسان. فتح الباري (10/ 275).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
فإنه (الطيلسان) ليس من شعار الإسلام، بل هو من شعار اليهود؛ فإنه ثبت في "صحيح مسلم" وغيره أَنه شعارُ يهودِ أصبهانَ "السبعين ألفًا" الذين يخرجون مع الدَّجال، وقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه باليهود والنصارى وسائر الكفار، ولعن من تشبه بهم، مع أنهم يمنعون من لبسه في بلاد المسلمين؛ لما فيه من الرفعة عليهم به، والله أعلم.العدة في شرح العمدة(1/٥٨٦)
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
واعتياد لبس الطيالسة على العمائم، لا أصل له في السُّنة، ولم يكن من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة. قاعدة تتضمن ذكر ملابس النبي وسلاحه ودوابه (ص: 58).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة، فقال: ما أشبههم بيهود خيبر! ومن ها هنا كَرِهَ لبسها جماعة من السلف والخلف؛ لما روى أبو داود والحاكم في المستدرك عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم»، وفي الترمذي عنه -صلى الله عليه وسلم-: «ليس منا من تشبه بغيرنا». زاد المعاد (1/ 141).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ويدلّ هذا على أنَّ اليهود أكثر أتباع الدّجال، ومن يعتقد التجسيم. المفهم (7/ 293).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
وهذا يعني: أن لا يهود يومئذٍ في فلسطين، أو على الأقل في بيت المقدس، وهذا وذاك يعني: أن دولة اليهود يكون المسلمون قد قضوا عليها.
وواقع المسلمين اليوم -مع الأسف- لا يُوحي بأنهم يستطيعون ذلك؛ لِبعدهم عن الأخذ بالأسباب التي تؤهلهم لذلك؛ لأنهم لم ينصروا الله حتى ينصرهم؛ ولذلك فلا بد لهم من الرجوع إلى دينهم؛ ليرفع الذل عنهم كما وعدهم بذلك نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا خرج المهدي ونزل عيسى وجد المسلمين مستعدين لقيادتهم إلى ما فيه مجدهم وعزهم في الدنيا والآخرة، فعليهم أن يعملوا لذلك. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (13/ 383).