الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إذا أَوَى أحدُكُمْ إلى فراشِهِ، فليأخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، فَلْيَنْفُضْ بها فراشَه، وليُسَمِّ اللهَ، فإنَّه لا يعلمُ ما خَلَفَهُ بعدهُ على فراشهِ، فإذا أراد أنْ يضطجع، فليضطجع على شقِّهِ الأيمنِ، وليقُلْ: سبحانك اللهمَّ ربِّي، بك وضعتُ جَنبي، وبك أرفعُهُ، إنْ أَمْسَكْتَ نفسي، فاغْفِرْ لها، وإنْ أرسلتها فاحْفَظْهَا بما تحفظُ به عبادك الصالحين».


رواه البخاري برقم: (6320)، ومسلم برقم: (2714) واللفظ له. وزاد البخاري برقم: (7393): «فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثوبه ثلاث مرات...، وليقل: باسمك ربِّ وضعتُ جنبي»، وفي لفظ للبخاري: «إن ‌أمسكت نفسي ‌فارحمها»، من من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.   


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أَوَى»:
أي: دخلَ. شرح المصابيح، لابن الملك (3/ 28).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
«أوى» إلى منزله يأوي -من باب ضرب- أُوِيًّا: أقام. المصباح المنير (1/ 32).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «إذا ‌أوى» أي: انضمَّ، قال الأزهريُّ: ‌آوى وأوى بمعنى واحد. المفهم (7/ 43).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «إذا ‌أوى» بقصر الهمزة على الأفصح «أحدكم إلى فراشه» أي: انضم إليه ودخل فيه. التيسير (1/ 82).

«دَاخِلَة»:
داخلة الإزار: طرَفُه، وصَنِفَته: طرَفُه أيضًا من جانب هُدَبِه، وقيل: مِن جانب حاشيتِه. جامع الأصول، ابن الأثير (4/ 267).

«خَلَفَهُ»
خَلَف فلانٌ فلانًا: إذا قام مقامه، والمراد: ما يكون قد دَبَّ على فراشه بعد مفارقته له. جامع الأصول، لابن الأثير(4/ 267).

«بصنفة ثوبه»:
بفتح الصّاد المهملة، وكسر النون وبالفاء وهو أَعلى حاشية الثوب الذي عليه الهُدْب، وقيل: جانبه، وقيل: طرَفه وهو المراد هُنا.عمدة القاري، للعيني (25/٩٥).


شرح الحديث


قوله: «إذا أوى أحدُكم إلى فراشِه»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «إذا ‌أوى» بالقصر وَيُمَدُّ، أي: نزل «أحدكم إلى فراشه» أي: مرقده، وتفسير ابن حجر ‌أوى بـ: جاء لا يلائمه. مرقاة المفاتيح (4/ 1653).

قوله: «فليأخُذْ داخلةَ إزارِه فلينفُضْ بها فِراشَه»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «فليأخذ داخِلَةَ إزاره» أي: طَرَفَ «إزارِه». إكمال المعلم (8/ 212).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «فليأخذ داخلة ‌إزاره...» داخلةُ الإزار: هي ما يلي الجسد من طرَفي الإزار. المفهم (7/ 43).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «بداخلة ‌إزاره» هي الحاشية التي تلي الجسم وتماسه، وإنما أمر بالنفض بها؛ لأن المتحول إلى فراشه يحل بيمنه خارجة الإزار، وتبقى الداخلة معلقة فينفض بها. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1873).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
و(الداخلة) ضد الخارجة: الطَّرَف. الكواكب الدراري (22/ 134).
وقال المُظهري -رحمه الله-:
«فلينفض فراشه» أي: فليحركه ليسقط ما فيه من تراب وغيره؛ وإنما قال هذا لأن رسم العرب تركُ الفراشِ في موضعه ليلًا ونهارًا، «بداخلةِ ‌إزاره» أي: بالوجه الذي يلي الباطن من ‌إزاره المشدود في وسطه، وبذيل قميصه، وإنما قيَّد نفض الفراش بداخلة ‌إزاره؛ لأن الغالب في العرب إن لم يكن لهم إزار أو ثوب غير ما عليهم، وإنما قيد نفض الفراش بداخلة الإزار؛ لأن هذا أيسر، ولكشف العورة أستر. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 206).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فلينفض فراشه بداخلة إزاره» كذا للأكثر، وفي رواية أبي زيد المروزي: «بداخل» بلا هاء، ووقع في رواية مالك: «بصنفة ثوبه»، وكذا للطبراني من وجه آخر، وهي: ‌الحاشية ‌التي ‌تلي ‌الجلد، ‌والمراد ‌بالداخلة: طرف الإزار الذي يلي الجسد، قال مالك: داخلة الإزار: ما يلي داخل الجسد منه، ووقع في رواية عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عند مسلم: «فليحل داخلة إزاره فلينفض بها فراشه»، وفي رواية يحيى القطان -كما سيأتي-: «فلينزع»، وقال عياض: داخلة الإزار في هذا الحديث: طرفه، وداخلة الإزار، وفي حديث الذي أصيب بالعين: ما يليها من الجسد، وقيل: كنى بها عن الذَّكَر، وقيل: عن الوَرِك، وحكى بعضهم: أنه على ظاهره، وأنه أَمر بغسل طرف ثوبه، والأول هو الصواب. فتح الباري (11/ 126).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فلينفض» بضم الفاء أي: فليحرك «فراشه بداخلة ‌إزاره»، وهي حاشيته التي تلي الجسد وتماسه، وقيل: هي طرفه مطلقًا، وقيل: مما يلي طوقه، وفي القاموس: طرفه الذي على الجسد الأيمن، قيَّد النفض بإزاره؛ لأن الغالب في العرب أنه لم يكن لهم ثوب غير ما هو عليهم من إزار ورداء، وقيّد بداخل الإزار ليبقى الخارج نظيفًا، ولأن هذا أيسر، ولكشف العورة أقل وأستر. مرقاة المفاتيح (4/ 1653).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فلينفضه» ندبًا أو إرشادًا «بداخلة ‌إزاره» أي: أحد جانبيه الذي يلي البدن، أَمره بداخلة الإزار دون خارجته؛ لأنه أبلغ وأجدى. التيسير (1/ 82).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «فلينفضه» قيل: لأن البيوت إذ ذاك كانت مظلمة لم يكن فيها المصابيح فأمر بالنفض من قبل التلبس به؛ حتى لا يؤذيه ما دخله من المؤذيات. مرعاة المفاتيح (8/ 117).

قوله: «فلينفضه ‌بصنفة ‌ثوبه ‌ثلاث ‌مرات»:
قال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-:
صِنفة الثوب: طرفه من الداخل، لما في الرواية الأخرى: «داخلة إزاره» ولو فعل ذلك بغير طرف ثوبه حصل المقصود، والحكمة في ذلك: إزالة ما لعِلّه يكون فيه مما يؤذيه، وأَمر بأن يكون ذلك ‌ثلاث ‌مرات، للمبالغة، وليكون ذلك وترًا، إذ الوتر معتبر في الشرع.شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري(1/ ٢٢٩)
وقال أبو موسى المديني -رحمه الله-:
قيل: لِمَ يَأْمُره بداخلة الإزار ‌دون ‌خارِجَته؟ لأن ذلك أبلَغُ، أو لأن لها فعلًا ليس لغيرها، وإنما ذلك على جِهَة الخَبَر عن فعلِ الفاعلِ؛ لأن الْمُتَّزِر إذا اتَّزَرَ يأخذ إزارَه بيمِينه وشِمالِه فيلزَق ما بِشِمَاله على جسدِه فهو دَاخِلَة إزارِه، ويَرُدُّ ما بِيَمِينه على داخلة إزاره، فمتى ما عاجله أمرٌ فخشِي سُقوطَ إزاره أمسكه بمَرْفِقِه الأيسَر، ودفع بِيَمِينه عن نفسه، فإذا صار إلى فراشه فحَلّ إزارهَ، فإنَّما يَحُلّ بيمينه خارِجةَ الِإزار وتبقى الدَّاخِلُة مُعَلَّقة، وبها يقع النَّفضُ؛ لأنها غيرُ مشغُولةِ اليَدِ. المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (1/ 646).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
إنما أمره بداخلته دون خارجيته لأن المؤتزر يأخذ ‌إزاره بيمينه وشماله؛ فيلزق ما بشماله على جسده -وهي داخلة ‌إزاره- ثم يضع ما بيمينه فوق داخلته، فمتى عاجله أمرٌ وخشي سقوط ‌إزاره أمسكه بشماله ودفع عن نفسه بيمينه، فإذا صار إلى فراشه فحلَّ ‌إزارَه فإنما يحل بيمينه خارجة الإزار، ويبقى الداخلة معلّقة، فبها يقع النفض؛ لأنها غير مشغولة باليد. كذا في النهاية. التنوير (1/ 609).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
وإنما أمر بالنفض بها لأن المتحول إلى فراشه يحل بيمينه خارجة الإزار، وتبقى الداخلة مُعلقة فينفض بها. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 87).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
معناه: أنه يستحب أن ينفض فراشه قبل أن يدخل فيه؛ لئلا يكون قد دخل فيه حَيَّة أو عقرب أو نحوهما من المؤذيات وهو لا يشعر، ولينفض ويده مستورة بطرف إزاره؛ لئلا يحصل في يده مكروه إن كان شيء هناك. الكواكب الدراري (22/ 135).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وأشار الداودي فيما نقله ابن التين إلى أن الحكمة في ذلك: أن الإزار يستر بالثياب فيتوارى بما يناله من الوسخ، فلو نال ذلك بكُمِّه صار غير لَدِنِ الثوب، والله يحب إذا عمل العبدُ عملًا أن يُحسِنه. فتح الباري (11/ 126).

قوله: «وليُسمِّ الله، فإنه لا يَعلمْ ما خَلَفَه بعده على فِراشِه»:
«وليُسمِّ الله»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
أي: ليذكر اسم اللَّه تعالى عند نفض الفراش، «فَإِنَّهُ» الفاء للتعليل؛ أي: وإنما أُمر بهذا لأنه (لَا يَعْلَمُ) وفي رواية البخاريّ: "فإنه لا يدري ما خَلَفه عليه"، (مَا خَلَفَهُ) بتخفيف اللام؛ أي: حدث (بَعْدَهُ)؛ أي: بعد مفارقته له.البحر المحيط الثجاج(42/٣١٧)
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«لا يعلم ما خلفه..» أي: صار عليه بعد قيامه عنه مِن الهوامّ، وما لعلَّه يؤذيه، وكل من صار في شيءٍ بعد أمرٍ فقد خَلَفه. إكمال المعلم (8/ 212).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«فإنه لا يعلم ما خلفه بعده..» أي: ما صار بعده خلَفًا وبدلًا عنه إذا غاب. فتح الباري (11/ 126).
وقال المُظهري -رحمه الله-:
«فإنه لا يدري ما خلفه عليه» خلَفَه: إذا قامَ مقامَه بعده «عليه» أي: على الفراش؛ يعني: لا يدري ما وقع وحصل في فراشه بعدما خرج هو منه إلى أن يعود إليه؛ يعني: يمكن أن يكون في الفراش تراب أو قذاة أو شيء من الهوامِّ المؤذية. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 206).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«خَلَفه» بلفظ الماضي، ومعناه: أنه يستحب أن ينفض فراشه قبل أن يدخل فيه؛ لئلا يكون قد دخل فيه حية أو عقرب أو نحوهما من المؤذيات وهو لا يشعر، ولينفض ويده مستورة بطرف إزاره؛ لئلا يحصل في يده مكروه إن كان شيء هناك. الكواكب الدراري (22/ 134).
وقال السندي -رحمه الله-:
«ما خلفه» أي: جاء عَقِبه على الفراش، هذا على أن عادتهم كانت ترك الفراش في محلِّه في النهار، أو هذا إذا قام في وسط الليل ثم رجع إلى فراشه. فتح الودود (4/ 650).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«فإنه لا يدري ما خلفه..» هو من الحذر والنظر في أسباب دفع سوء القَدَر، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «اعقلها وتوكل». عارضة الأحوذي (12/ 303).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وإنما قال هذا لأن رسم العرب تركُ الفراش في موضعه ليلًا ونهارًا؛ ولذا علَّله وقال: «فإنه» أي: الشأن أو المريد للنوم «لا يدري ما خلَفَه» بالفتحات والتخفيف، أي: من الهوامّ والحشرات المؤذيات، أو من الأوساخ والعظام والنجاسات، ... «عليه» أي: على الفراش مرقاة المفاتيح (4/ 1653).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
ثم بين الحكمة من ذلك فقال: «فإنه لا يعلم ما خلَفه بعده على فراشه»؛ فقد يكون فيه بعض الحشرات المؤذية وغيرها من ذوات السموم، وهذا من باب الاستحباب، ثم يضطجع على ‌شقه الأيمن، ثم يقول هذا الذِّكر. توفيق الرب المنعم (7/ 544).

قوله: «فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وفي رواية: «ثم يضطجع على ‌شقه الأيمن» قيل: أنفع هيآت النوم الابتداء بالأيمن ثم الانقلاب إلى اليسار ثم إلى اليمين، وفيه ندب اليمين في النوم؛ لأنه أسرع إلى الانتباه؛ لعدم استقرار القلب حينئذ؛ لأنه معلق بالجانب الأيسر، فيعلق فلا يستغرق في النوم، بخلاف النوم على الأيسر، فإن القلب يستقر فتكون الاستراحة له أبطأ للانتباه، ثم هذا إنما هو بالنسبة إلينا دونه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لا ينام قلبه، فلا فرق في حقه -عليه الصلاة والسلام- بين النوم على ‌شقه الأيمن والأيسر، وإنما كان يؤثِر الأيمن لأنه كان يحب التيامن في شأنه كله، ولتعليم أمته، ولمشابهته بحال الموت ووضعه في القبر. مرقاة المفاتيح (4/ 1653).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «ثم ليضطجع» ندبًا، و «على ‌شقه الأيمن» أولى. التيسير (1/ 82).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «ثم ليضطجع على ‌شقه الأيمن» لأنه أقرب إلى عدم استغراق النوم له. التنوير (1/ 609).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «ثم ليضطجع على ‌شقه الأيمن»...، وقد جاء في الروايات الأخرى: أنه يجعل يده تحت خدِّه. شرح سنن أبي داود (573/ 13).

قوله: «وليقل: سبحانك اللهم رَبي، بِك وضعت جنبي، وبِك أرفعه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«ثم ليقل» ندبًا «باسمك ربي وضعت جنبي وبك» أي: وباسمك «أرفعه»، قيل: ولا يقول: إن شاء الله؛ اقتصارًا على الوارد. التيسير (1/ 82).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ثم ليقل...» أي: يا ربي «وضعت جنبي وبِك أرفعه» أي: ببركة اسمك الوضع والرفع وإن لم يقل: باسم الله. التنوير (1/ 609).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه»، يعني: وضعت جنبي في النوم، ورفعته بعد النوم، كل ذلك بمشيئة الله وإرادته، مثل قوله: «بك أَحيا وبك أموت». شرح سنن أبي داود (573/ 13).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وضعت جنبي وبك» أي: باسمك أو بمعونتك بحولك وقوتك وإرادتك وقدرتك «أرفعه» أي: حين أرفعه، فلا أستغني عنك بحال. مرقاة المفاتيح (4/ 1653).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «وبك أرفعه» أي: بالحياة أو بالبعث فهو متحقق؛ فلذا ترك قيد المشيئة، ويحتمل أن المراد: التقييد بالمشيئة وترك القيد في اللفظ تفاؤلًا. فتح الودود (4/ 650).

قوله: «إن أَمسكتَ نفسي فاغفر لها»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «إن أمسكت» في رواية يحيى القطان: «اللهم إن امسكت»، وفي رواية ابن عجلان: «اللهم فإن أمسكت»، وفي رواية عَبَدة: «فإن احتبستَ»، قوله: «فارحمها» في رواية مالك: «فاغفر لها»، وكذا في رواية ابن عجلان عند الترمذي. فتح الباري (11/ 126).
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «إن أمسكتَ نفسي» هو من قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} الزمر: 42، جمع النفسين في حكم التوفي، ثم فرق بين جهتي التوفي بالحكم بالإمساك وهو قبض الروح، والإرسال وهو ردُّ الحياة، أي: الله يتوفى الأنفس، النفس التي تُقبض، والنفس التي لم تُقبض، فيمسك الأولى ويرسل الأخرى. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1873).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «إن أمسكت نفسي» أي: قبضت روحي في النوم، وفي رواية: إن أَمتها «فارحمها» أي: بالمغفرة والتجاوز عنها، وفي رواية: «فاغفر لها». مرقاة المفاتيح (4/ 1653).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
قوله: «إن أمسكت نفسي فاغفر لها» يعني: إن أمَتَّها فارحمها واغفر لها. توفيق الرب المنعم (7/ 544).

قوله: «وإن أرسلتَها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«وإن أرسلتها» أي: وإن رددت إليّ الحياة وأيقظتني من النوم «فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين». المفاتيح في شرح المصابيح(3/ 206).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وإن أرسلتها» بأن رددت الحياة إِلَيَّ وأيقظتني من النوم، وفي رواية: «وإن رددتها» أي: روحي المميزة برد تمييزها الزائل عنها بنومها؛ «فاحفظني» أي: من المعصية والمخالفة، «بما تحفظ به» أي: من التوفيق والعصمة والأمانة، «عبادك الصالحين» أي: القائمين بحقوق الله وعباده، ولعل الحديث مقتبس من قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} الزمر: 42،...والباء في «بما تحفظ» مثلها في كتبت بالقلم، و"ما": موصولة مبهمة وبيانها ما دل عليه صلتها؛ لأن الله تعالى إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي، ومن أن لا يتهاونوا في طاعته وعبادته بتوفيقه ولطفه ورعايته وحمايته. مرقاة المفاتيح (4/ 1653).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وإن أرسلتها» أي: وإن رددت الحياة إلى بدني وأيقظتني من النوم «فاحفظها» إشارة إلى آية: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} الزمر: 42، «بما» أي: بالذي «تحفظ به عبادك الصالحين» أي: القائمين بحقوقك، وذا من محاسن الشريعة؛ إذ النائم محتاج إلى من يحرس نفسه من الآفات. التيسير (1/ 82).
قال العيني -رحمه الله-:
وذكر المغفرة عند الإِمساك، والحفظ عند الإرسال؛ لأن الإمساك كناية عن الموت فالمغفرة تناسبه، والإرسال كناية عن الإبقاء في الحياة فالحفظ يناسبه، قاله عياض.عمدة القاري، للعيني(25/٩٥).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وفيها: استسلام لله وإقرار له بالإحياء والإماتة ...، وفي حديث أبي هريرة: أدب عظيم عَلَّمَهُ النبيُّ أُمَّتَهُ، وذلك أمرُه بنفض فراشه عند النوم خشية أن يأوي إليه بعضُ الهوامّ الضارّة فيؤذيه سمُّها. شرح صحيح البخاري (10/88).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قلت: هذا الحديث يتضمن الإرشاد إلى مصلحتين: إحداهما: معلومة ظاهرة، وهي: أن الإنسان إذا قام عن فراشه لا يدري ما دبَّ عليه بعده من الحيوانات ذوات السموم، فينبغي له إذا أراد أن ينام عليه أن يتفقده ويمسحه؛ لإمكان أن يكون فيه شيء يخفى من رطوبةٍ أو غيرها، فهذه مصلحة ظاهرة، وأما اختصاص هذا النفض بداخلة الإزار فمصلحة لم تظهر لنا، بل: إنما ظهرت تلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- بنور النبوة، وإنَّما الذي علينا نحن الامتثال، ويقع لي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم فيه خاصية طبية تنفع مِن ضرر بعض الحيوانات، كما قد أمَر بذلك في حقِّ العائن. المفهم (7/ 43).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
دَلّ هذا الحديث على اتخاذ الفراش، وأنه لا ينفي الزهد، وهو من السُّنة؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- سيد الزهاد، وقد اتخذه -صلى الله عليه وسلم- والله أعلم. غذاء الألباب (2/ 385).


ابلاغ عن خطا