«مُرُوا أولادكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنينَ، واضرِبُوهُم عليها وهم أبناءُ عَشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المَضاجِعِ».
رواه أحمد برقم: (6689)، وأبو داود برقم: (495) واللفظ له، من حديث ابن عمرو -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (5868)، صحيح أبي داود برقم: (509).
شرح مختصر الحديث
تَربيةُ الأطفالِ في الإسلامِ تبدأُ منذُ الصِّغَرِ، وقد حَرِصَ الإسلامُ أنْ يَتعلَّمَ الأطفالُ الأحكامَ الشَّرعيَّةَ، والآدابَ الإسلاميَّةَ مُبكِّرًا، قَبْلَ وُجوبِها عليهم؛ حتَّى يَتَدرَّبُوا عليها، وتَسْهُل عليهم، وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «مُرُوا أولادَكُمْ بالصَّلاةِ وهُمْ أبناءُ سَبْعِ سِنِينَ، واضْرِبُوهُمْ عليها وهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وفَرِّقُوا بينهُمْ في المضَاجِعِ»، فبَيَّنَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فيه أنَّ على الأبِ والأم أنْ يأمُرَا أولادَهُما ذكورًا وإناثًا بالصلاةِ وأعمارُهُم سبع سنينَ، وإذا بَلَغُوا عشرَ سنين وتَهاوَنُوا بالصلاةِ ضُرِبُوا على التَّقْصِيرِ فيها، وليكنْ ضَرْبًا تأديبيًّا غير مُبَرِّحٍ، فتكونَ الصَّلاةُ هي أول ما يُعلَّمُ الأبناءُ بعدَ التوحيدِ من الأمورِ العمليَّةِ.
وإذا بَلَغوا سِنَّ العاشِرةِ وقيل: السَّابِعَة، يُفرَّقُ بينهم في الْمَضَاجِعِ، وهي أماكِنُ النَّومِ التي يَنامُونَ فيها؛ حَذَرًا مِن غوائلِ الشهوة، وإنْ كُن بناتٍ أخواتٍ؛ سَدًّا لذَرائعِ الفِتنةِ في هَذا السِّنِّ الذي تبدأُ الشَّهوةُ بالظهورِ، وإَذَا وَجَبَ التَّفريقُ بينهم وبينَ مَن ذُكر مِن الإخْوةِ فبينَهُم وبينَ غيرِهم مِن بابِ أَوْلَى.
غريب الحديث
«المَضاجِعِ»:
الضاد والجيم والعين أصل واحد يدل على لصوق بالأرض على جَنْبٍ. مقاييس اللغة، لابن فارس (3/ 390).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
جمع المضجَع، وهو موضع الجَنْبِ بالأرض. شرح المصابيح (1/ 362).
شرح الحديث
قوله: «مُرُوا أولادكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنينَ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«مروا» أمرُ مخاطبين، مِن (أَمَرَ) فحُذفت منها همزةُ فاءُ الفعل للتخفيف، فلمَّا حذفت فاء الفعل لم يحتج إلى همزة الوصل؛ لتحرُّك الميم.
يعني: إذا بلغ أولادكم سبع سنين فأْمروهم بأداء الصلاة؛ ليعتادوا ويستأنسوا بالصلاة، فإن لم يفعلوا فلا تضربوهم. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 12).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«مُروا أولادكم» يشمل الذكور والإناث، «بالصلاة» وبما يتعلق بها من الشروط، «وهم أبناء سبع سنين»؛ ليعتادوا ويستأنسوا بها، والجملة حالية. مرقاة المفاتيح (2/ 512).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«مروا» وجوبًا «أولادكم» وفي رواية: «أبناءكم بالصلاة» المكتوبة «وهم أبناء سبع سنين» أي: عقب تمامها إن مَيَّزوا، وإلا فعند التمييز. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 233).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«بالصلاة» أي: بأداء الصلاة ولو جُمعة، والقيام فيها، وبقضائها عقب تمام سبع سنين، ولا يكتفي بمجرد صيغة الأمر، بل لا بد معها من التهديد...، ويُقاس على الصلاة الصوم، فإذا أطاقه الصبي أو الصبيَّة أُمر به بعد سبع، وضُرب عليه بعد عشر.... وكالأبوين في وجوب ما مرَّ: الوصي وقيّم الحاكم والملتقِط والسيد والوديع والمستعير، ونحوهم، ويلزم السيد أن يعلِّم قِنَّه (العبد) المحكوم بإسلامه بنفسه، أو تخليته للتعليم، وأجرته في مال السيد، وإن كان القِنُّ زَمِنًا (أي شيخًا كبيرًا) ومن لا يُحكَم بإسلامه يندب في حقه ذلك، ولو كانت الصغيرة ذات زوج وأبوين وجب تعليمها على أبويها، فإن فُقدا فعلى زوجها، ثم أقاربها، ثم بقية المسلمين. فتح الإله في شرح المشكاة (3/ 19-20).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
والواو في «وهُمْ» للحال، والأولاد يتناول الأبناء والبنات والخناثَى. الأزهار شرح المصابيح مخطوط لوح (118).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وإنما خَصُّوا الأبوين ومن يأتي بالذكر لأنهم أخص من بقية الأجانب، كما في تجهيز الميت، يتوجه للأقارب ابتداءً، وإن عمَّ فرض الكفاية الأجانب أيضًا. فتح الإله في شرح المشكاة (3/ 19).
وقال الماتريدي -رحمه الله-:
خاطَب به الآباء والأولياء أن يأمروهم بأمور الدِّين أمر عادة، والتعليم لهم والتأديب إن امتنعوا عن ذلك، ولم يخاطبهم في أنفسهم؛ لجهلهم وقلة معرفتهم بأمرهم. تأويلات أهل السنة (7/ 589).
وقال الجصاص -رحمه الله-:
فمن كان سِنُّه سبعًا فهو مأمور بالصلاة على وجه التعليم والتأديب؛ لأنه يعقلها؛ فكذلك سائر الأدب الذي يحتاج إلى تعلمه. أحكام القرآن (1/ 490).
وقال الجصاص -رحمه الله- أيضًا:
إنما يؤمر بذلك على وجه التعليم، ولِيَعْتَاده ويتمرن عليه فيكون أسهل عليه بعد البلوغ، وأقلَّ نفورًا منه، وكذلك يُجَنَّب شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ويُنهى عن سائر المحظورات؛ لأنه لو لم يؤمر بذلك في الصّغر، وخُلِّي وسائر شهواته وما يُؤْثِرُه ويختاره، يصعب عليه بعد البلوغ الإقلاع عنه؛ وقال الله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} التحريم: 6، روي في التفسير: أدِّبُوهم وعلِّموهم، وكما يُنهى عن اعتقاد الكفر والشرك وإظهاره وإن لم يكن مكلفًّا، كذلك حكم الشرائع. أحكام القرآن (3/ 430).
وقال القدوري الحنفي -رحمه الله-:
فدل على أن صلاته (الصبي) صحيحة، وإلا لكان لا يؤمر بها، ولا يُضرب على تركها. التجريد (2/ 859).
وقال الماوردي -رحمه الله-:
ولأن في تعليمهم ذلك قبل بلوغهم إلفًا لها واعتيادًا لفعلها، وفي إهمالهم وترك تعليمهم ما ليس يخفى ضرره من التكاسل عنها عند وجوبها، والاستيحاش مِن فِعْلِها وقت لزومها، فأما تعليمهم ذلك لدون سبع سنين، فلا يجب عليهم لأنهم في الغالب، لا يَضبطون تعليم ما يُعلَّمون، ولا يقدرون على فعل ما يؤمرون، فإذا بلغوا سبعًا ميَّزوا وضَبَطوا ما علموا، وتوجَّه فرض التعليم على آبائهم، لكن لا يجب ضربهم على تركها. الحاوي الكبير (2/ 314).
وقال القاضي الحسين المروروذي الشافعي -رحمه الله-:
ولم نأمر به قبل السبع؛ لأن الصبيان لا يعقلون قبل السبع غالبًا. التعليقة (2/ 1021).
وقال ابن أبي الخير العمراني الشافعي -رحمه الله-:
إلا أنه يجب على الولي أن يعلِّمه فرض الطهارة والصلاة؛ ليبلغ وهو يحسن ذلك، ويستحب للولي: أن يأمره بفعل الطهارة والصلاة إذا صار ابن سبع سنين وكان مميزًا... ولا يلزم الصبي ذلك. البيان في مذهب الإمام الشافعي (2/ 11).
وقال النووي -رحمه الله-:
والاستدلال به (الحديث) واضح (على أمر الصبي بالصلاة)؛ لأنه يتناول بمنطوقه الصبي والصبيَّة في الأمر بالصلاة والضرب عليها...
واعلم أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مروا أولادكم بالصلاة» ليس أمرًا منه -صلى الله عليه وسلم- للصبي، وإنما هو أَمر للولي، فأوجب على الولي أن يأمر الصبي، وهذه قاعدة معروفة في الأصول: أن الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا بالشيء ما لم يدل عليه دليل، كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} التوبة: 103، أما حكم المسألة فمن لا تلزمه الصلاة لا يؤمر بفعلها لا إيجابًا ولا ندبًا، إلا الصبي والصبية فيؤمران بها ندبًا إذا بلغا سبع سنين وهما مميِّزان... فإن لم يكونا مميِّزَين لم يُؤمَرَا؛ لأنها لا تصح من غير مميِّز. المجموع شرح المهذب (3/ 10- 11).
وقال الصاوي المالكي -رحمه الله-:
أي: فالأمر المذكور لهم على لسان الولي، فكل منهما مأمور من جهة الشارع، لكن الولي مأمور بالأمر بها، والصبي مأمور بفعلها، وهذا بناء على أن الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء، وعلى هذا فالتكليف طَلَب ما فيه كلفة لتكليف الصبي بالمندوبات والمكروهات، والبلوغ إنما شُرط في التكليف بالواجبات والمحرمات، وهذا هو المعتمد عندنا، ويترتب على تكليفه بالمندوبات والمكروهات أنه يثاب على الصلاة، وأما على القول بأن الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا بذلك الشيء المبني على أن التكليف إلزام ما فيه كلفة، فالولي مأمور من جهة الشارع فيؤجَر دون الصبي، فإنه مأمور من جهة الولي لأجل تدريبه، فلا يكون مكلفًا بالمندوبات ولا بالمكروهات، ولا ثواب له ولا عقاب عليه، والثواب عليها لأبويه، قيل: على السواء، وقيل: ثلثاه للأم وثلثه للأب. بلغة السالك لأقرب المسالك (1/ 264).
وقال شمس الدين ابن قدامة -رحمه الله-:
ظاهر المذهب أن الصلاة لا تجب على الصبي حتى يبلغ؛ لما ذكرنا من الحديث (رفع القلم عن ثلاثة)، وفيه رواية أخرى أنها تجب على من بلغ عشرًا؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مروا الصبي بالصلاة لسبع واضربوه عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»... أمَر بعقوبته، ولا تشرع العقوبة إلا لترك الواجب؛ ولأن حدَّ الواجب ما عوقب على تركه، والأول أصح؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ»؛ ولأنه صبي فلم تجب عليه كالصغير؛ ولأن الصبي ضعيف العقل والبُنية، ولا بد من ضابط يضبط الحد الذي تتكامل فيه بُنيته وعقله، فإنه يتزايد تزايدًا خفيّ التدريج فلا يعلم بنفسه. الشرح الكبير على متن المقنع (1/ 380).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فالصبي يُثاب على صلاته وصومه وحَجِّه، وغير ذلك من أعماله، ويُفَضَّلُ بذلك على من لم يعمل كعمله، وهذا غير ما يفعل به إكرامًا لأبويه، كما أنه في النّعم الدنيوية قد ينتفع بما يكسبه وبما يعطيه أبواه ويتميز بذلك على من ليس كذلك. مجموع الفتاوى (4/ 278).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- أيضًا:
ومن كان عنده صغير مملوك أو يتيم أو ولد فلم يأمره بالصلاة فإنه يعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويُعزر الكبير على ذلك تعزيرًا بليغًا؛ لأنه عصى الله ورسوله. مجموع الفتاوى (22/ 51).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
ففي هذا الحديث ثلاثة آداب: أَمْرهم بها، وضَرْبهم عليها، والتفريق بينهم في المضاجع. تحفة المودود (ص: 224).
وقال الدميري الشافعي -رحمه الله-:
ولا فرق بين الصبي والصبية، فيجب على الآباء وإن علوا، وعلى الأمهات والأوصياء والقُوَّام تعليم الأطفال الطهارة والصلاة والشرائع بعد السَّبع، كتحريم الزنا واللواط والخمر والكذب والغيبة والنميمة، والوظائف الدينية كحضور الجماعات، وأن يضربوهم على تركها بعد العشر. النجم الوهاج (2/ 36).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وهذا من حقوق الأولاد على آبائهم؛ أن يأمروهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنوات، وأن يضربوهم عليها -أي: على التفريط فيها وإضاعتها- إذا بلغوا عشر سنين، ولكن بشرط أن يكونوا ذوي عقل، فإن بلغوا سبع سنين أو عشر سنين وهم لا يعقلون، يعني فيهم جنون فإنهم لا يؤمَرون بشيء، ولا يُضْرَبون على شيء، لكن يُمنعون من الإفساد؛ سواء في البيت أو خارج البيت. شرح رياض الصالحين (3/ 172- 173).
قوله: «واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشرٍ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«واضربوهم عليها» أي: على ترك الصلاة «وهم أبناء عشر سنين»؛ لأنهم بلغوا، أو قاربوا البلوغ. مرقاة المفاتيح (2/ 512).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«واضربوهم» ضربًا مبرحًا وجوبًا، «عليها» أي: على تركها، «وهم أبناء عشر سنين» أي: عقب تمامها، واعتمد جماعة من الشافعية أن الضرب يجب بالشروع في العاشرة؛ وذلك ليتمرَّنوا عليها ويعتادوها بعد البلوغ، وأخّر الضرب للعشرة؛ لأنه عقوبة، والعشر زمن احتمال البلوغ بالاحتلام مع كونه حينئذٍ يقوى ويحتمله غالبًا. ويجب على الولي أن يعلِّم الطفل أركان الصلاة وشروطها قبل أن يأمره بفعلها. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 233).
وقال الماوردي -رحمه الله-:
وإذا بلغوا عشرًا وجب ضربهم على تركها ضربًا غير مبرح ولا ممرِض، في المواضع التي يؤمَن عليهم التلف من ضربها، فإذا بلغوا الحلم صاروا من أهل التكليف، وتوجَّه نحوهم الخطاب، ووجب عليهم فعل الطهارة والصلاة وجميع العبادات. الحاوي الكبير (2/ 314).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
والعشر أوَّل العقود، فيتأكد الأمر حتى يصل إلى الضرب، وتحدُث فيه قوة قريبة من حدِّ البلوغ؛ ولذا يفرَّق في المضاجع. لمعات التنقيح (2/ 323).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وقوله: «اضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين» المراد الضرب الذي يحصل به التأديب بلا ضرر، فلا يجوز للأب أن يضرب أولاده ضربًا مبرحًا، ولا يجوز أن يضربهم ضربًا مكرَّرًا لا حاجة إليه، بل إذا احتاج إليه مثل ألا يقوم الولد للصلاة إلا بالضرب فإنه يضربه ضربًا غير مبرح، بل ضربًا معتادًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أمر بضربهم لا لإيلامهم، ولكن لتأديبهم وتقويمهم. شرح رياض الصالحين (3/ 174).
قال القاضي الحسين المروروذي الشافعي -رحمه الله-:
وأمرنا بالضرب على رأس العشر لاحتمال البلوغ بالاحتلام، فلا نأمن أنه احتلم لكن يخفيه، ولم يؤمر بالضرب قبل العشر؛ لأنه باستكمالها يصير محلًّا للشهوة. التعليقة (2/ 1021).
وقال الصاوي المالكي -رحمه الله-:
وضُرب عليها أي: لأجلها، «لعشر» أي: لدخوله في العاشر ضربًا غير مبرح، والآمر له بها والضارب وليُّه، ومحل الضرب إن ظن إفادته، وإلا فلا. بلغة السالك لأقرب المسالك (1/ 264)
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«واضربوهم عليها وهم أبناء عشر» وقد اختلف هل ذلك بعد تمامها أو بالدخول فيها؟ وإنما أَمر بالضرب فيها لأنه حدّ يحتمل فيه الضرب غالبًا. دليل الفالحين (3/ 132).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وحكمة ذلك: أنَّه يتعود الصلاة ويألفها، فيسهل عليه فعلها بعد البلوغ، فإن العادة طبيعة خامسة، ولو لم ينفع فيه إلا الضرب المبرح امتنع المبرح وغيره عند ابن عبد السلام، ووجب غير المبرح عند البلقيني. فتح الإله في شرح المشكاة (3/ 20).
وقال النووي -رحمه الله-:
ويُضربان على تركها إذا بلغا عشر سنين، فإن لم يكونا مميزين لم يؤمرا؛ لأنها لا تصح من غير مميز. المجموع شرح المهذب (3/ 10- 11) .
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين» والأمر للأولياء، وأما كون الصبي مأمورًا بهذا الأمر فهي مسألة الخلاف في الأصل؛ هل الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء؟ التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 550).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
ومن أصحابنا من قال: تجب على مَن بلغ عشرًا؛ لأنه يُعاقَب على تركها، ولا تُشرع العقوبة إلا لترك واجب؛ ولأن حد الواجب ما عوقب على تركه. المغني (2/ 350- 351).
قوله: «وفرِّقوا بينهم في المَضاجِعِ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «وفرقوا بينهم في المضاجع» يعني: إذا بلغوا عشر سنين فرِّقوا بين الأخ والأخت؛ لأن البلوغ في عشر سنين محتملٌ، فربما تغلب الشهوة على الذكور، فيفعلون فاحشةً بالإناث وإن كنَّ أخواتهم. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 12).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وفرِّقوا» أمر من التفريق «بينهم» أي: بين البنين والبنات على ما هو الظاهر. مرقاة المفاتيح (2/ 512).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
أي: إذا بلغوا عشر سنين، كما أفاده السياق، وبهذا أخذ أئمتنا أيضًا، فقالوا: يجب على مَن مرَّ من الأب وغيره أن يفرق بين الإخوة والأخوات إذا بلغوا تمام عشر سنين في المضاجع عند إرادة النوم، فلا يجوز حينئذٍ تمكين اثنين من الاجتماع في مضجع واحد، وإن كانا مستورين، وأَمِنَا التكشُّف؛ لما مرَّ أن بلوغ العَشَرة مظنة الاحتلام المستلزم لقوة الشهوة المؤدية إلى وقوع ما لا ينبغي من بعضهم ببعض لضعف عقلهم، وبهذا فارَق ذلك قولهم: يجوز للرجلين والمرأتين أن يناما في مضجع واحد بشرط أن يكون عورتهما مستورة، بحيث يأمنان من التماس المحرَّم. فتح الإله في شرح المشكاة (3/ 19-21).
وقال الجصاص -رحمه الله-:
فلم يأمر بالتفرقة قبل العشر، وأَمَر بها في العشر؛ لأنه قد عرف ذلك في الأكثر الأعم، ولا يعرفه قبل ذلك في الأغلب. أحكام القرآن (3/ 412).
وقال الحليمي -رحمه الله-:
وإنما أراد بذلك ألا يُفتن بعضهم ببعض، فترْسَخ تلك الفتنة في قلوبهم فتصير ذريعة إلى أمثالها وأخوتها. المنهاج في شعب الإيمان (3/ 308).
وقال القرافي -رحمه الله-:
«وفرقوا بينهم في المضاجع» ولا يجتمع رجلان ولا امرأتان متعرِّيين في لحاف؛ لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن معاكمة الرجل للرجل بغير شعار، ومعاكمة المرأة المرأة بغير شعار، والمعاكمة هي ذلك لغة، والمتاع المعكوم أي: المشدود بعضه لبعض، وعَكِيْمُ المرأة ضجيعها. الذخيرة (13/ 316).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «وفرقوا بينهم في المضاجع» أي: في المراقد؛ وذلك لأنهم إذا بلغوا إلى عشر سنين يقربون من أدنى حد البلوغ، وينتشر عليهم آلاتهم، فيُخاف عليهم من الفساد. شرح سنن أبي داود (2/ 416).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وفرقوا بين الأخ والأخت مثلًا في المضاجع؛ لئلا يقعوا فيما لا ينبغي؛ لأن بلوغ العشر مظنة الشهوة وإن كنَّ أخوات.
أقول: إنما جمع بين الأمر بالصلاة، والفرق بينهم في المضاجع في الطفولية تأديبًا ومحافظة لأمر الله كله؛ لأن الصلاة أصلها وأسبقها، وتعليمًا لهم المعاشرة بين الخلق، وألا يقفوا مواقف التُّهَم، فيتجنبوا محارم الله كلها. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 870- 871).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قال العلماء: وإذا بلغ الصبي عشر سنين وجب على الآباء والأمهات التفريق بينه وبين أُمِّه وأبيه، وأخته وأخيه في المضجع، وإذا بلغت الصبيَّة عشر سنين وجب التفريق بينها وبين أُمها وأبيها، وأختها وأخيها؛ لهذا الحديث، وإذا وجب التفريق بينها وبين مَن ذُكر فبينها وبين غير من ذُكر أولى بالحُرمة. الأزهار شرح المصابيح، مخطوط، لوح (118) و(119).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
وهذا (الحديث) يدل على أن قوله في الخبر المشهور: «وفرِّقوا بينهم في المضاجع» راجع إلى أبناء سبع وأبناء عشر جميعًا. أسنى المطالب (3/ 114).
وقال الرجراجي -رحمه الله-:
واختُلف متى يفرَّق بينهم في المضاجع؟ على قولين:
أحدهما: أنه يفرَّق بينهم في المضاجع لعشر سنين.
والثاني: أنه يفرق بينهم عند الإثغار(سقوط سن الصبي ونباتها).
وسبب الخلاف: اختلافهم في مفهوم قوله -عليه السلام-: «وفرقوا بينهم في المضاجع» هل هو عائد على قوله: «مُروا الصبيان بالصلاة» أم على قوله: «واضربوهم عليها لعشر»؟ مناهج التحصيل (1/ 376).
وقال البهوتي -رحمه الله-:
فأمْره بالتفريق دليل على إمكان الوطء الذي هو سبب الولادة؛ ولأن تمام عشر سنين زمن يمكن فيه البلوغ، فيلحق به الولد، كالبالغ. كشاف القناع (12/ 548).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «وهم» فيه تغليب الذكور على الإناث، وتعيين السبع؛ لأنه أول وقت تحدُث فيه القوة في بدن الآدمي، وفي كل سبع يحدث من القوة ما ليس قبله كما ذكر في موضعه، وبعد تمام السبع الثاني يحصل البلوغ. لمعات التنقيح (2/ 323).
وقال السندي -رحمه الله-:
ظاهر الحديث يعطى أن يُحَد سِن الاشتهاء بعشر سنين في الذكور والإناث جميعًا، والله تعالى أعلم. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (1/ 324).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
وفي هذا دلالة على أنه يجب على الولي أن يفرق بين الصبيان في المضاجع ولو كانوا إخوة وهم أبناء عشر إذا جعل قوله: «وفرّقوا» معطوفًا على (اضربوا)، ويحتمل أنه معطوفٌ على قوله: «مروهم»، فيجب التفريق وهم أبناء سبع. المنهل العذب المورود (4/ 122).
وقال ابن قاسم -رحمه الله-:
ونومهما في فراش واحد ذريعة إلى نسج الشيطان بينهما المواصلة المحرمة لا سيما مع الطّول، والرَّجُل قد يعبث في نومه بالمرأة في نومها إلى جانبه وهو لا يشعر. الإحكام شرح أصول الأحكام(1/ 131).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن ما ذهب إليه بعض المتأخرين ممن يدّعون أنهم أصحاب تربية من أن الصغار لا يُضربون في المدارس إذا أهمَلوا، ففي هذا الحديث الرد عليهم، وهو دليل على بطلان فكرتهم، وأنها غير صحيحة؛ لأن بعض الصغار لا ينفعهم الكلام في الغالب، لكن الضرب ينفعهم أكثر، فلو أنهم تُركوا بدون ضرب؛ لضيّعوا الواجب عليهم، وفرّطوا في الدروس وأهملوا، فلابد من ضربهم؛ ليعتادوا النظام، ويقوموا بما ينبغي أن يقوموا به، وإلا لصارت المسألة فوضى.
إلا أنه كما قلنا: لابد أن يكون الضرب للتأديب لا للإيلام والإيجاع، فيُضرب ضربًا يليق بحاله، ضربًا غير مبرح. شرح رياض الصالحين (3/ 174).
وينظر نوم البالغ مع والدته (هنا)