الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

قام أعرابيٌّ فبال في المسجدِ، فتَناوله الناس، فقال لهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «دَعُوهُ وهَرِيقُوا على بولِهِ سَجْلًا مِن ماءٍ، أو ذَنُوبًا مِن ماءٍ، فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، ولم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ».


رواه البخاري برقم: (220)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أعرابيٌّ»:
مفرد أعراب، وهم ساكنو البادية من العرب الّذين لا يقيمون في الأمصار، ولا يدخلونها إلّا لحاجةٍ، ويجمع على أعراب وأعاريب. تهذيب اللغة للأزهري (2/ 218)، ولسان العرب لابن منظور (1/ 587).

«وهَرِيقُوا»:
هراق الماء يهرقه بفتح الهاء هراقة، أي: صبَّهُ. الصحاح للجوهري (4/ 1569).

«سَجْلًا»:
السَّجْل: الدَّلْو الكبير. كشف المشكل، لابن الجوزي (3/ 524).
وقال ابن قرقول-رحمه الله-:
هو الدلو مملوءة ماء، ولا يقال لها: سجل إلا مملوءة، وإلا فهي دَلو. مطالع الأنوار (5/ 457).

«ذَنُوبًا»:
«الذَّنُوبُ» بفتح الذال المعجمة: الدَّلو العظيمة إذا كانت ملأى ماء، وقيل: إذا كانت قريبًا من الامتلاء، ولا يُقال لها -وهي فارغة-: ذَنُوب، ويُذكَّر ويؤنث. الشافي، لابن الأثير(1/ 138، 139).


شرح الحديث


قوله: «قام أعرابي فبال في المسجد»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «قام أعرابي» زاد ابن عيينة عند الترمذي وغيره في أوله: «أنه صلّى...» فلم يلبَث أنْ بال في المسجد...، وهو في جمع مسند ابن إسحاق لأبي زرعة الدمشقي من طريق الشاميين عنه بهذا السند، لكن قال في أوله: «اطَّلع ذو الخويصرة التميمي وكان جافيًا»، والتميمي هو حرقوص بن زهير الذي صار بعد ذلك من رؤوس الخوارج، وقد فرَّق بعضُهم بينه وبين اليماني، لكن له أصل أصيل، واستفيد منه تسمية الأعرابي، وقد تقدم قول التاريخي: إنه الأقرع (بن حابس)، ونقل عن أبي الحسين بن فارس أنه عيينة بن حصن، والعلم عند الله تعالى. فتح الباري (1/ 323-324).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فبال ‌في ‌المسجد» أي: مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-. عمدة القاري (3/ 128).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
كانت عادة أهل ذلك العصر أن يبول البائل وإن كان قريبًا من الناس، إنما كانوا يبعدون في الغائط. التحبير(7/ 65).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
من ‌عادة ‌الأعراب الجفاء والجهل؛ لبعدهم عن تعلُّم ما أنزل الله على رسوله، فبينما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه في المسجد النبوي إذ جاء أعرابي وبال في أحد جوانب المسجد؛ ظنًّا منه أنه كالفلاة. تيسير العلام (ص:57، 58).

قوله: «فتناوله الناس»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فتناوله الناس» أي: بألسنتهم، وللمصنف (البخاري) في الأدب: «فثار إليه الناس» وله في رواية عن أنس: «فقاموا إليه»، وللإسماعيلي: «فأراد أصحابه أن يمنعوه»، وفي رواية أنس في هذا الباب: «فزجره الناس»، وأخرجه البيهقي من طريق عبدان شيخ المصنف (البخاري) فيه بلفظ: «فصاح الناس به» وكذا للنسائي من طريق ابن المبارك، فظهر أن تناوله كان بالألسنة لا بالأيدي، ولمسلم من طريق إسحاق عن أنس: «فقال الصحابة: مه مه». فتح الباري (1/ 324).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فتناوله الناس» أي: بألسنتهم سبًّا وشتمًا. مرقاة المفاتيح (2/ 460).

قوله: «فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دعوه»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«دعوه» اتركوه يبول في موضعه؛ لأنه لو قُطِعَ عليه بوله لتضرر، ولو أقاموه في أثنائه لتنجست ثيابه وبدنه، ومواضع كثيرة من المسجد. إرشاد الساري (9/ 76).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: دعوه» أي: اتركوه فإنه معذور؛ لأنه لم يعلم عدم جواز البول في المسجد؛ لِقُربه بالإسلام، وبُعده عنه -عليه الصلاة والسلام-، وقيل: لئلا يتعدد مكان النجاسة، وقيل: لئلا يتضرر بانحباس البول. مرقاة المفاتيح (2/ 460).
وقال أبو بكر بن العربي -رحمه الله-:
وقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- للناس حين صاحوا بالأعرابي: «اتركوه» لوجهين:
أحدهما: أن الأعرابي قد كان أَراق بعض البول، والكل في ذلك كالبعض.
والثاني: أنه لو قُطِعَ بوله لتنجَّست ثيابه عليه، ولحدث عليه من ذلك داء في بدنه، فترجح في الشريعة جانب تركه حتى يتم البول على قَطعِه؛ بما يدخل عليه في ذلك من الضرر؛ وبأنه ينجّس موقِعين، فإذا تُرِك فالذي ينجس موقع واحد، وترجيح الفتوى بالدلالة أصل من أصول الفقه، ولا ينفذ فيها عند تعارض الوجوه إلا ماهر. القبس (ص:190).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
إنما قال: «دعوه» لأنه قد فات الأمر، فلا ينفع قطع بوله عليه؛ إذ النجاسة قد حصلت، وقَطْعُ البول يؤذيه. كشف المشكل (3/ 209).

قوله: «وهَرِيقُوا على بوله سَجْلًا من ماء، أو ذَنُوبًا من ماء»:
قال المظهري -رحمه الله-:
أي: صبُّوا. المفاتيح (1/ 435).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
«السَّجْل» الدَّلو الكبيرة، و«الذَّنُوب» ملء دلو ماء. أعلام الحديث (1/ 275).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
و«السَّجْل» يذكَّر، وهو الدلو قلَّ فيه الماء أو كثر، «والذنوب» يذكَّر ويُؤنَّث، وهي ما مُلِئ ماءً، «من ماء» زيادة وردت تأكيدًا، ويحتمل أن يكون من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيكون للتخيير؛ لما بينهما من فَرْقٍ، وأن يكون من كلام الراوي؛ للترديد، وهذا ظاهر. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 835).
وقال المظهري -رحمه الله-:
و«أو» في قوله: «أو ذَنُوبًا» يحتمل أن تكون للشك من الراوي، ويحتمل أن تكون للتخيير؛ يعني: خيَّرهم النبي -عليه السلام- بين أن يهريقوا فيه سَجْلًا غير ملآن، أو ذَنُوبًا ملآن.
و«من ماء» تأكيد وليس بتبيين؛ لأن السَّجْل والذَّنُوب لا يكونان إلا من الماء. المفاتيح (1/ 435).
وقال أبو بكر ابن العربي -رحمه الله-:
«سَجْلاً مِنْ مَاءٍ» فتبين فيه فائدتان:
الأولى: أن النجاسة إذا كوثرت بالماء فغُيِّبت بعد أن ظهرت طهرت.
والثانية: أن مقدار بول الرَّجُل من النجاسة يطهِّره مقدار السجل من الماء، فاسلك ذلك في سائر النجاسات وقِسْهُ عليه. القبس (ص:190).

قوله: «فإنما بُعثتم مُيسرين، ولم تُبعثوا مُعسرين»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «بُعثتم مُيسرين» التيسير: التسهيل، يعني: أُمِرْتم باللطف والرَّحمة على الناس، وترك إيذائهم.
التعسير: ضد التيسير. المفاتيح (1/ 436).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«فإنما ‌بعثتم ‌ميسرين» أي: بعثتم أيتها الأُمَّة من بين سائر الأمم ميسِّرين، فعليكم بالتيسير؛ فإن الله تعالى بعث إليكم نبيكم بالتيسير، فوضع عنكم الآصار التي كانت على من قبلكم. الميسر (1/ 163).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
وقوله: «بعثتم ميسرين» خطاب مع الحاضرين من الصحابة، جعل بعثته إليهم للتيسير بمنزلة بعثتهم كذلك؛ لأنهم خلفاؤه ونوَّابه في ذلك. تحفة الأبرار (1/ 212).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «ميسرين» حال، والمبعوث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولما كان الصحابة مقتدين به، ومهتدين بهديه، كانوا متبوعين، كما ورد: «الناس لكم تبع».
وقوله: «ولم تُبعثوا معسِّرين» عطف على قوله: «وإنما بعثتم ميسرين» على طريقة الطرد والعكس، تقريرًا بعد تقرير، ودلالة على أن الأمر مبني على اليسر قطعًا. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 835).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «ميسرين» حال، فإن قلت: المبعوث هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكيف هذا؟
قلتُ: لما كان المخاطبون مقتدين به ومهتدين بهديه -صلى الله عليه وسلم- كانوا مبعوثين أيضًا، فجمع اللفظ باعتبار ذلك، والحاصل أنه على طريقة المجاز؛ لأنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك، أو لأنهم لما كانوا مأمورين مِن قِبَلِه بالتبليغ، فكأنهم مبعوثون من جهته. عمدة القاري (3/ 128).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«فإنما بعثتم» حال كونكم «ميسرين ولم تبعثوا» حال كونكم «معسرين»، أكَّد السابق بنفي ضده تنبيهًا على المبالغة في اليسر، وأسند البعث إلى الصحابة -رضي الله عنهم- على طريق المجاز؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- هو المبعوث حقيقة، لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك، وقد كان -عليه الصلاة والسلام- إذا بعث بعثًا إلى جهة من الجهات يقول: «يسروا ولا تعسروا».
في قوله: «إنما بعثتم ميسرين» إشارة إلى تضعيف وجوب حفر الأرض؛ إذ لو وجب لزال معنى التيسير وصاروا مُعسرين. إرشاد الساري (1/ 291).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إِنَّمَا ‌بُعِثْتُمْ ‌مُيَسِّرِينَ» ‌أي: ‌بعث ‌الله ‌إليكم ‌الرسل ‌بتيسير ‌الأمور ‌في ‌الدين ‌وتسهيلها ‌عليكم، وفي الحديث: «الدّين يُسر»، «ويسَّروا ولا تعسِّرُوا».
«وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» يعسِّر بعضكم على بعض، وقوله: «‌بُعِثْتُمْ ‌مُيَسِّرِينَ» هو بمعنى: «ولم تبعثوا معسرين» ولكن تكرر تأكيدًا. شرح سنن أبي داود (3/ 61).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا مُعسرين» هذا كالتعليل لما قبله، أي: إن قضية كونكم كذلك ألا تؤدبوا الرَّجُل ولا توبِّخُوه؛ لأنه معذور لحداثة عهده بالإسلام، وعدم علمه بالأحكام، فالمناسب للتيسير ما أشار إليه البشير النذير. دليل الفالحين (5/ 92).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
واختلفوا في تطهير الأرض من البول والنجاسة، فقال مالك والشافعي وأبو ثور: لا يطهّرها إلا الماء، واحتجوا بحديث بول الأعرابي، وروي عن أبي قلابة والحسن البصري وابن الحنفية أنهم قالوا: جفوف الأرض طهورها، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، قالوا: الشمس تزيل النجاسة، فإذا ذهب أثرها صل فيها ولا تتيمم، وقال الثوري: إذا جف فلا بأس بالصلاة عليه، وعند مالك وزُفَر: لا يجزئه أن يصلي عليها، إلا أن مالكًا قال: يعيد في الوقت، وكذلك قال إذا تيمم به. شرح صحيح البخاري (1/ 329).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفيه حجة أن الأرض النجسة لا يطهرها إلا الماء، خلافًا لمن ذهب أن الشمس والجفوف يطهرها.
وفيه أنه ليس من شرط غسل النجاسات كلها العرك، وأنه يكفي فيما كان منها مائعًا وغير لزجٍ صب الماء فقط واتباعها به، بخلاف ما يبس منها، أو كانت فيه لُزُوجَة.
وفيه حجة لطهارة الغُسالة إذا لم يكن فيها عين النجاسة، وقد اختلف فيها قول الشافعي وأصحابه، ولا يصح القول بنجاستها مع تطهير غيرها، ولو أن الذَّنوب يتنجس بما لاقاه في الأرض من البول لما طهرها. إكمال المعلم (2/ 110).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وهذا دليل على أن الأرض تُطهر بإراقة الماء عليها.
وقال أبو حنيفة: لا تطهر حتى يُحفر ذلك التراب، فإن وقع عليها الشمس طهرت عنده من غير حفر وصب ماء. المفاتيح (1/ 435).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وما حُزْتُ في هذا الحديث من كلام أصحابنا (الأحناف) جوابًا عن هذا الكلام، وأقول -وباللَّه التوفيق-: إنه لم يدل الحديث على أنهم صلوا في ذلك المكان قبل الجفاف، فلعله إنما أمر بصب الماء تقليلًا لتغليظ النجاسة، ورائحة البول ولونه، بمبالغة الماء، ولم يكتف في التطهير به، بل هو حصل بالجفاف، والحديث عن ذلك ساكت، واللَّه أعلم. لمعات التنقيح (2/ 225).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
(فيه) دليل على أن أمر الماء على التيسير والسعة في إزالة النجاسات به، والله أعلم. معالم السنن (1/ 117).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أن الماء إذا غلب على النجاسة، ولم يظهر فيه شيء منها فقد طهَّرها، وأنه لا يضر ممازجة الماء لها إذا غلب عليها، سواء كان الماء قليلًا أو كثيرًا. شرح صحيح البخاري (1/ 327).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وفيه من الفقه: أن الماء إذا أتى على النجاسة على سبيل الغلبة والاستهلاك لها طهَّرها، وأن غسول النجاسة مع استهلاك عين النجاسة بأوصافها طاهر، ولو لم يكن كذلك لكان الغاسل لموضع النجاسة من المسجد أكثر تنجيسًا له من البائل. أعلام الحديث (1/ 275).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وفيه: أنه لا يشترط في تطهير الأرض بعد صبّ الماء عليها نضوب الماء ولا جفاف الأرض؛ إذ لو اشترط ذلك لبيَّنه لهم؛ إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز. دليل الفالحين (5/ 91، 92).
وقال الشيخ محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
واستُدل به على أن الأرض إذا تنجست تطْهُر بصب الماء عليها، أي: قدر ما يغمرها حتى تستهلك فيه، ولا يشترط نضوب الماء؛ لأنه لو اشتُرط لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف. كوثر المعاني الدراري 5/ 154، 155).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفيه: الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء، إذا لم يأت بالمخالفة استخفافًا أو عنادًا.
وفيه: دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «دعوه»، قال العلماء: كان قوله -صلى الله عليه وسلم- «دعوه» لمصلحتين:
إحداهما: أنه لو قطع عليه بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل، فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به.
والثانية: أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد، فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه، ومواضع كثيرة من المسجد، والله أعلم. شرح مسلم (3/ 191).
وقال ابن سيد الناس -رحمه الله-:
فيه أن الاحتراز عن النجاسة وتجنبها أمر مقرر في نفوس حملة الشرع.
وفيه: المبادرة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه أمر زائد على الإنكار وهو المبادرة إلى ذلك، والغلظة فيه، واستعمال القوة...
وفيه: مبادرة الصحابة إلى ‌الإنكار ‌بحضرة ‌النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير مراجعة له، وليس ذلك من باب التقدم بين يدي الله ورسوله؛ لما تقرر عندهم في الشرع من مقتضى الإنكار، فأمر الشارع متقدم على ما وقع منهم في ذلك، وإن لم يكن عندهم في هذه الواقعة الخاصة إذن، فيدل على أنه لا يشترط الإذن الخاص ويكتفى بالعام. النفح الشذي (3/ 314).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة، وهو دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما.
وفيه: المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع لأمرهم عند فراغه بصب الماء.
وفيه: تعيين الماء لإزالة النجاسة؛ لأن الجفاف بالريح أو الشمس لو كان يكفي لما حصل التكليف بطلب الدلو.
وفيه: أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة، ويلتحق به غير الواقعة؛ لأن البلة الباقية على الأرض غسالة نجاسة، فإذا لم يثبت أن التراب نُقل، وعلمنا أن المقصود التطهير تعيَّن الحكم بطهارة البلة، وإذا كانت طاهرة فالمنفصلة أيضًا مثلها؛ لعدم الفارق.
ويستدل به أيضًا على عدم اشتراط نضوب الماء؛ لأنه لو اشترط لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف...
وفيه: الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادًا، ولا سيما إن كان ممن يحتاج إلى استئلافه.
وفيه: رأفة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحسن خلقه...
وفيه: تعظيم المسجد وتنزيهه عن الأقذار...
وفيه: أن الأرض تطهر بصب الماء عليها، ولا يشترط حفرها، خلافًا للحنفية حيث قالوا: لا تطهر إلا بحفرها، كذا أطلق النووي وغيره والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بين ما إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها، فهذه لا تحتاج إلى حفر، وبين ما إذا كانت صلبة، فلا بد من حفرها وإلقاء التراب؛ لأن الماء لم يغمر أعلاها وأسفلها. فتح الباري (1/ 325).
وقال النووي -رحمه الله-:
يحرم إدخال النجاسة إلى المسجد، وأما مَن على بدنه نجاسة فإن خاف تنجيس المسجد لم يجز له الدخول، فإن أمن ذلك جاز، وأما إذا افتصد في المسجد فإن كان في غير إناء فحرام، وإن قَطَر دمه في إناء فمكروه، وإن ‌بال ‌في ‌المسجد في إناء ففيه وجهان: أصحهما أنه حرام، والثاني مكروه. شرح مسلم (3/ 192).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فيه ‌المبادرة ‌إلى ‌إنكار ‌المنكر عند من يعتقده منكرًا؛ فإنهم زجروا الأعرابي لكونهم اعتقدوه منكرًا، فبادروا إلى منعه؛ لما فيه من تنزيه المسجد عن الأنجاس، لكنه فاتَهُم النظر إلى أن منْعَه وقطْعَه عليه يؤدِّي إلى الضرر به، وزيادة التنجيس لمكانٍ آخر من المسجد كما سلف، فلهذا نهاهم -عليه الصلاة والسلام- عن زجره. الإعلام (1/ 700).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
ففي الحديث: نجاسة بول الآدمي، ووجوب تنزيه المسجد عنه، والتفريق بين الماء الوارد على النجاسة فيطهرها، وبين الواردة عليه فتنجسه إذا كان قليلًا أو كثيرًا وتغير بها. دليل الفالحين (5/ 91).


ابلاغ عن خطا