«لا يُصَلِّي الإمام في المَوْضِعِ الذي صلَّى فيه حتَّى يتحَوَّلَ».
رواه أبو داود برقم: (616) واللفظ له، وابن ماجه برقم: (1428)، والبيهقي في الكبرى برقم: (3043)، من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (7727)، صحيح أبي داود برقم: (629).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«يتحول»:
الحائلُ: كلّ شيء يتحركُ من مكانِه، أو يتحوّل من موضع إلى موضع، ومن حالٍ إلى حالٍ. العين، للفراهيدي (3/ 298).
وقال المظهري -رحمه الله-:
أي: حتى ينتقلَ. المفاتيح في شرح المصابيح(2/ 173)
شرح الحديث
قوله: «لا يُصلِّي الإمام في الموضع الذي صلَّى فيه»:
قال خليل السهارنفوري -رحمه الله-:
«لا يصلي الإِمام» أي: التطوع «في الموضع الذي صلَّى فيه» أي: المكتوبة. بذل المجهود في حل سنن أبي داود(3/ 536).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قوله: «لا يصلي الإمام» نفي بمعنى النهي، أي: لا يصلي النفل «في الموضع الذي صلى فيه» يعني: الفريضة. الأزهار شرح المصابيح، مخطوط، لوح (153).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«لا يصلي» نفي بمعنى النهي، «الإمام» ليس التقييد بالإمام لتخصيصه بذلك، بل يعم المأموم والمنفرد، والدليل على ذلك: ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رفعه: «أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر، أو عن يمينه أو عن شماله في الصلاة» يعني في السبحة، فسَوْقُ هذا الحديث يقتضي العموم، كيف والخطاب مع المقتدين، وكان -صلى الله عليه وسلم- هو الإمام يومئذٍ؟
«في الموضع الذي صلى» أي: الفرض فيه. مرعاة المفاتيح (3/ 308).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى» أي: الفرض «فيه» قيل: هذا في صلاة بعدها سُنة راتبة، وأما التي لا راتبة بعدها كالصبح فلا، وقيل: ذلك في مطلق الصلاة. مرقاة المفاتيح (2/ 757).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
«لا يصلي» بإثبات الياء في كثير من النُّسخ، فيكون نفيًا، بمعنى النهي، وفي هذا دلالة على استحباب انتقال الإمام من المكان الذي صلى فيه الفرض ليتطوّع في مكان آخر. المنهل العذب المورود (5/ 2).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
نهى عن ذلك لئلا يتوهم أنه بعدُ في المكتوبة. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 311).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قال أصحابنا (الشافعية): إن لم يرجع المصلي إلى بيته وأراد التنفل في المسجد فيستحب أن ينتقل عن موضعه قليلًا؛ لتكثر مواضع سجوده...؛ لأن مواضع السجود تشهد له كما في قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} الزلزلة: 4، أي: تُخبر بما عمل عليها، وورد في تفسير قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} الدخان: 29.
وهذِه العلة تقتضي أن ينتقل أيضًا إلى الفرض من موضع نفله، وأن ينتقل لكل صلاة يفتتحها من أفراد النوافل كالضحى والتراويح، فإن لم ينتقل المصلي إلى موضع آخر فينبغي أن يفصل بين الفريضة والنافلة بكلام إنسان. شرح سنن أبي داود (4/ 29- 30).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
يُؤخذ من مجموع الأدلة: أنَّ للإمام أحوالًا؛ لأن الصلاة إما أن تكون مما يُتَطوع بعدها أو لا يتطوع، الأول اختُلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر المأثور، ثم يتطوع؟ وهذا الذي عليه عمل الأكثر، وعند الحنفية يبدأ بالتطوع، وحُجَّة الجمهور حديث معاوية، ويمكن أن يقال: لا يتعين الفصل بين الفريضة والنافلة بالذِّكْر، بل إذا تنحى من مكانه كفى. فتح الباري (2/ 335).
قوله: «حتى يتحول»:
قال خليل السهارنفوري -رحمه الله-:
«حتى يتحول» أي: ينتقل من هذا المكان إلى مكان آخر. بذل المجهود (3/ 536).
وقال العيني -رحمه الله-:
«حتى يتحول» أي: حتى ينتقل من الموضع الذي صلى فيه الفرض، وعن هذا قالت العلماء: المستحب للإمام أن يتنفل بعد الفَرْض في غير مَوْضع الفرض.شرح أبي داود (3/ 135).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «حتى يتحولَ» أي: حتى ينتقلَ؛ يعني: السُّنةُ للإمام -والمأموم أيضًا- أن يُصلِّيَ السُّنةَ والنافلةَ في غير الموضع الذي صلَّى فيه الفريضةَ؛ ليشهدَ له موضعانِ بالطاعة يومَ القيامة؛ ولذلك يُستحب تكثير العبادة في مواضع مختلفة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 173).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قوله: «حتى يتحول» يعني: إلى البيت، أو إلى موضع آخر في المسجد، قال بعض الشارحين: قوله -صلى الله عليه وسلم-: «حتى يتحول» توضيح كالتأكيد؛ لأنه معلوم من قوله: «لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه»، وفيه معنى آخر عنده، وهو أنه -صلى الله عليه وسلم- لو لم يقل: «حتى يتحول»؛ لفهم المنع مطلقًا، فلما قال: «حتى يتحول» رفع ذلك الفهم، وعلم الحكم في غير تلك الصلاة، فالقيد بالإمام لا لتخصيصه بذلك، بل يعم المأموم بالأوَّليَّة؛ لأنه تابِع، والإمام متبوع، وقال أبو حنيفة: يُكره للإمام أن يتطوع في مكانه، ولا يُكره للمأموم...، (و) النهي في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يصلي الإمام» للتنزيه دون التحريم، (و) قيل في وجه التحوُّل وجوه:
أحدها: رفع وهم مَن يَتوهَّم أنه بعدُ في الفريضة.
والثاني: شهادة الموضعين له بالطاعة.
والثالث: تكثير العبادة.
والرابع: تأخر رتبة النفل عن رتبة الفرض.
والخامس: تكثير موضع السجود. الأزهار شرح المصابيح، مخطوط، لوح (153).
وقال ابن المنجى -رحمه الله-:
ولأن في تحويله من مكانه إعلامًا لمن أتى المسجد أنه قد صلّى، ولا يَنتظر ويطلب جماعة أخرى. الممتع في شرح المقنع (1/ 492).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«حتى يتحول» أي: حتى ينتقل منه إلى آخر؛ ليشهد له موضعان بالطاعة يوم القيامة؛ ولذلك يستحب تكثير العبادة في مواضع مختلفة، والأَوْلى أن يتحول إلى جانب يمينه. شرح المصابيح (2/ 43).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«حتى يتحول» أي: ينتقل إلى موضع، وهذا جاء للتأكيد، فإنَّ قوله: «لا يصلي في موضع صلى فيه» أفاد ما أفاده.
وعند ابن ماجه: «لا يصلي الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه»، وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي قال: «من السُّنة: ألا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكانه»، قيل: نهى عن ذلك لئلا يُتوهم أنه بعدُ في المكتوبة، يعني: أنه كره ذلك خشية التباس النافلة بالفريضة...وقيل: العلة في ذلك: أن يشهد له الموضعان بالطاعة؛ ولذلك يستحب تكثير محال العبادة؛ فإن مواضع السجود تشهد له...،فإن لم ينتقل فينبغي أن يفصل بالكلام. مرعاة المفاتيح(3/ 308).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وكأن المعنى في كراهة ذلك: خشية التباس النافلة بالفريضة. فتح الباري (2/ 335).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ويعتضد هذا من جهة المعنى: بأن ذلك الموضع إنما استحقه الإمام للصلاة التي يقتدى به فيها، فإذا فرغَت ساوى الناس، وزال حكم الاختصاص، والله أعلم. المفهم (2/ 211).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
نهى عن ذلك لئلا يُتوهم أنه بعدُ في المكتوبة، و«حتى يتحول» جاءت للتأكيد؛ فإن قوله: «لا يصلي في الموضع الذي صلى فيه» أفاد ما أفاد. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 311).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
وقد اختلف الفقهاء في ذلك (تطوع الإمام في المكان الذي صلى فيه)، فقال أبو حنيفة: كُل صلاة يتنفل بعدها يقوم من مكانه الذى صلى فيه المكتوبة، وما لا يتنفل بعدها كالعصر والصبح فلا، وقال محمد (بن الحسن): ينتقل في الصلوات كلها؛ ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه سجود سهو ولا غيره...، وقالت المالكية والشافعية والحنابلة: يُكره تنفل الإمام في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة مطلقًا، ومحلّ هذا كُله إذا لم تدع الحاجة إلى عدم الانتقال كضيق المكان. المنهل العذب المورود (5/ 2-3).
وقال الكاساني -رحمه الله-:
وإن كانت صلاة بعدها سُنة يُكره له (الإمام) المكث قاعدًا، وكراهة القعود مروية عن الصحابة -رضي الله عنهم-، روي عن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- أنهما كانا إذا فرغا من الصلاة قاما كأنهما على الرَّضَف (الحجارة المحماة)؛ ولأن المكث يوجب اشتباه الأمر على الداخل، فلا يمكث ولكن يقوم ويتنحى عن ذلك المكان، ثم يتنفل؛ لما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أيعجز أحدكم إذا فرغ من صلاته أن يتقدم أو يتأخر؟» وعن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه كَره للإمام أن يتنفل في المكان الذي أمَّ فيه؛ ولأن ذلك يؤدي إلى اشتباه الأمر على الداخل، فينبغي أن يتنحى؛ إزالة للاشتباه، أو استكثارًا من شهوده على ما روي أن مكان المصلي يشهد له يوم القيامة.
وأما المأمومون فبعض مشايخنا (الأحناف) قالوا: لا حرج عليهم في ترك الانتقال؛ لانعدام الاشتباه على الداخل عند معاينة فراغ مكان الإمام عنه.
وروي عن محمد (بن الحسن) أنه قال: يُستحب للقوم أيضًا أن ينقضوا الصفوف ويتفرقوا؛ ليزول الاشتباه على الداخل المعاين الكل في الصلاة البعيد عن الإمام؛ ولما روينا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. بدائع الصنائع (1/ 160).
وقال العظيم آبادي -رحمه الله-:
الحديث يدل على مشروعية انتقال المصلي عن مصلاه الذي صلى فيه لكل صلاة يفتتحها من أفراد النوافل.
أما الإمام فبِنَصِّ الحديث، وأما المؤتمّ والمنفرد فبعموم حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيعجز أحدكم إذا صلى أحدكم أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله؟» وبالقياس على الإمام، والعلة في ذلك تكثير مواضع العبادة. عون المعبود (2/ 227).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وأما المقتدي والمنفرد فإن شاء تطوع في مكانه، أو تقدم أو تأخر أو انحرف يمنة أو يسرة، والكل سواء. لمعات التنقيح (3/ 82).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
فقه الحديث: دلّ الحديث على أنه يُستحب للإمام الانتقال من المكان الذى صلى فيه المكتوبة إلى مكان آخر يتطوّع فيه. المنهل العذب المورود (5/ 3).
وينظر للفائدة في الموضع الذي يستحب التطوع فيه (هنا)