الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«لا يُصَلِّي أَحدُكُم في الثوبِ الواحدِ ليس ‌على ‌عاتِقَيْهِ ‌شيءٌ».


رواه البخاري برقم: (359)، ومسلم برقم: (516)،من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌عاتِقَيْهِ»:
العاتق: هو موضع الرداء من المنكِب. مصابيح الجامع، للدماميني (2/ 81).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
العاتق: ‌هو ‌ما ‌بين ‌المنكبين ‌إلى ‌أصل ‌العُنُق. فتح الباري (1/ 471).


شرح الحديث


قوله: «لا يُصَلِّي أَحدُكُم في الثوبِ الواحد ليس ‌على ‌عاتِقَيْهِ ‌شيء»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد» حال كونه «ليس على ‌عاتِقَيْهِ» بالتثنية. إرشاد الساري (1/ 390).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«لا يصلي» بالياء في رواية الصحيحين...على أن «لا» نافية، ويروى: «لا يصلِّ» بلا ياء، على أنها ناهية، والنهي هنا للتنزيه لا للتحريم؛ للإجماع على جواز تركه؛ لأن القصد ستر العورة على أي وجه حصل. اللامع الصبيح (3/ 76).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
هكذا الرواية: «لا يصلي» بالياء، فيكون إخبارًا عن الحكم الشرعي، أو إخبارًا يراد به النهي، كما قيل مثله في قول الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} البقرة:233. [فتح الباري (2/ 361).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «لا يصلي» بإثبات الياء لأنه نفي؛ لأن (لا) نافية، و(لا) النافية لا تُسْقِط شيئًا، ولكن معناه: النهي، ونص ابن الأثير على إثبات الياء في الصحيحين، ورواه الدارقطني في غرائب مالك بلفظ: «لا يصلِّ» بغير: ياء، على أنَّ كلمة: (لا) ناهية، ورواه النسائي...،
عن أبي هريرة قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا يصلينَّ أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» بزيادة: نون التوكيد في «لا يصلي» ورواه الإسماعيلي من طريق الثوري عن أبي الزناد بلفظ: «نهى رسول صلى الله عليه وسلم». عمدة القاري (4/ 65- 66).
وقال الشيخ محمد بن على الإتيوبي -رحمه الله-:
هكذا في معظم النُّسخ «عاتقيه» بالتثنية، ووقع في بعضها «عاتقه» بالإفراد، وهو الذي عند النسائيّ، وعند أبي داود: «ليس على منكبيه منه شيءٌ» والعاتق: هو ما بين المنكبين إلى أصل العُنق، وهو مُذكّر، وحُكي تأنيثه. البحر المحيط الثجاج (11/ 471).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ليس على عاتقيه شيء» زاد مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد: «منه شيء» والمراد أنه لا يتَّزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه، بل يتوشح بهما على عاتقيه؛ ليحصل الستر لجزء من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة، أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة. فتح الباري (1/ 471).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وقد أجمع العلماء على استحباب ذلك؛ وأنه الأفضل، بل كرهوا للمصلي أن يجرِّد عاتقيه في الصلاة...، ولو صلى مكشوف المنكبين، فقال أكثر الفقهاء: لا إعادة عليه، وحُكي رواية عن أحمد، وقال أبو جعفر محمد بن علي: عليه الإعادة لارتكابه النهي، والمشهور من مذهب أحمد: أنه إن صلى الفريضة كذلك أعاد، وفي إعادة النفل عنه روايتان.
وقد قيل: إن الشافعي نص على وجوبه في الصلاة، وحكى بعض المالكية عن أبي الفرج من أصحابهم: أن ستر جميع الجسد في الصلاة لازم، وفي صحة هذا نظر.
ونص أحمد على أنه لو ستر أحد منكبيه وأعرى الآخر صحت صلاته؛ لأنه لم يرتكب النهي، فإن النهي هو إعراء عاتقيه، ولم يوجد ذلك.
وقال القاضي أبو يعلى يجب ستر جميع منكبيه كالعورة، وقال في موضع: يجزئ ستر بعضهما، ولا يجب سترهما بما لا يصف البشرة، كالعورة، ولأصحابنا وجه: أنه يجزئ أن يضع على عاتقيه ولو حبلًا أو خيطًا وإن لم يستره به، ولهم وجه آخر: إنه إن كان ذلك يسمى لباسًا أجزأه، وإلا فلا. فتح الباري (2/ 362-363).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
هذا ‌نهي ‌استحباب وليس على طريق الإيجاب، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى في ثوب واحد أَحد طرفيه على نسائه وهي نائمة، ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متَّسِع لأنْ يَتَّزِرَ به، ويفضل منه ما يكون لعاتقه، إذ كان لا بد أن يبقى من الطرف الآخر منه القدر الذي يسترها. أعلام الحديث (1/ 350).
وقال النووي -رحمه الله-:
ثم قال مالك وأبو حنيفة والشافعي -رحمهم الله تعالى- والجمهور: هذا النهي ‌للتنزيه ‌لا ‌للتحريم، فلو صلى في ثوب واحد ساتر لعورته ليس على عاتقه منه شيء صحت صلاته مع الكراهة؛ سواء قَدَرَ على شيء يجعله على عاتقه أم لا.
وقال أحمد وبعض السلف -رحمهم الله تعالى-: لا تصح صلاته إذا قدَِر على وضع شيء على عاتقه إلا بوضعه لظاهر الحديث.
وعن أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- رواية: أنه تصح صلاته ولكن يأثم بتركه، وحجة الجمهور قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث جابر -رضي الله عنه-: «فإن كان واسعًا فالْتَحِفْ به، وإن كان ضيقًا فاتَّزِرْ به» رواه البخاري. شرح صحيح مسلم (4/ 232).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: هذا النهي للتحريم أم لا؟
قلتُ: ظاهر النهي يقتضي التحريم لكن الإجماع على جواز تركه؛ إذ المقصود ستر العورة، فبأي وجه حصل جاز. الكواكب الدراري (4/ 18).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
وفرض على الرجل إنْ صلى في ثوب واسع أن يطرح منه على عاتقه أو عاتقيه، فإن لم يفعل بطلت صلاته، فإن كان ضيقًا اتَّزَر به وأجزأه، كان معه ثياب غيره أو لم يكن. المحلى بالآثار (2/ 390).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
الحقّ أن النهي للتحريم، وأن حديث جابر -رضي اللَّه عنه- محمول على حالة الضرورة. البحر المحيط الثجاج (11/ 475).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ونهيه أن يصلي به وليس على عاتقه منه شيء، قيل: لأنه إذا لم يكن كذلك لم يأمن من النظر إلى عورته، والأَولى عندي: أن يكون لئلا يسقط عنه؛ لأنه إذا لم يصلِّ به متوشِّحًا واضعًا طرفيه على عاتقيه، كما كان يفعل -عليه السلام- لم يؤمَن سقوطه عنه وتكشُّفه، وإن تكلَّف ضبطه بيديه شغلهما بذلك، واشتغل به عن صلاته، فإذا احتاج إلى استعمال يديه في الركوع والسجود والرفع وغير ذلك ربما انفلت ثوبه فينكشف، وأيضًا فإن فيه إذا لم يجعل منه على عاتقه شيئًا تعرِّي بعض الجسم والأعالي من الثياب في الصلاة والخروج عن ذلك في الزينة المأمور بها فيهما، كما جاء في النهي عن الصلاة في السراويل وحده، ويشبه الصلاة في المئزر وحده، وقد روي عن بعض السلف الأخذ بظاهر هذا الحديث، وأنه لا يجزئ صلاة من صلى في ثوب واحد مؤتزرًا به ليس على عاتقه منه شيء إِلا أن لا يَقْدِرْ على غيره. إكمال المعلم (2/ 431).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قلتُ: في كل مما ذُكر (يعني: من ذِكْر الحكمة في ذلك) نظر ظاهر فتأمل، وإنَّما اضطرهم إلى ما ذكروا جعل ضمير «منه» إلى ذلك الثوب، والأظهر أنه يعود إلى مطلق الثوب، فيفيد سنية وضع الرداء ونحوه من طرف الإزار وغيره إلى الكتف، وكراهية تركه عند القدرة عليه؛ ولذا زاد -عليه السلام- في رواية على إرادة المبالغة: «فإن لم يجد ثوبًا يطرحه على عاتقه طرح حبلًا حتى لا يخلو من شيء» وفي رواية: «ارْتَدُوا ولو بحبل»، ويؤيده ما جاء مفصلًا مما رواه الشيخان عن جابر أنه -عليه السلام- قال له: «إذا صليتَ وعليك ثوب واحد، فإنْ كان واسعًا فالْتَحِفْ به، وإن كان ضيقًا فاتَّزِر به»، ولفظ مسلم: «فإن كان واسعًا فخالِف بين طرفيه، وإن كان ضيقًا فاشدده على حقويك»، فتحصَّل منه أن الحكمة في ذلك أن لا يخلو العاتق من شيء؛ لأنه أقرب إلى الأدب، وأنسب إلى الحياء من الرب، وأكمل في أخذ الزينة عند المطلب، والله أعلم. مرقاة المفاتيح (2/ 631).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
والحكمة في النهي عن الصلاة في الثوب الذي ليس على منكب المصلي منه شيء أنه لا يؤمَن أن تنكشف عورته؛ ولأنه قد يحتاج إلى إمساكه بيديه فيشتغل بذلك وتفوته سنة وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة على صدره؛ ولأن فيه ترك ستر أعالي البدن. المنهل العذب المورود (5/ 14).
وقال الرافعي -رحمه الله-:
وفيه: بيان أنَّ الصلاة تصح في الثوب الواحد، خلافًا لما روي عن بعض السلف أنه لا بد وأن يكون على المصلي ثوبان. شرح مسند الشافعي (1/ 219).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1. منها: النهي لمن صلّى في ثوب واحد أن يُجرّد عاتقيه منه.
2. ومنها: عناية الإسلام بالتزيّن والتجمّل في الصلاة...
3. ومنها: ما قاله العلماء: إن حكمة النهي الوارد في هذا الحديث: أنه إذا ائتَزر به، ولم يكن على عاتقه منه شيء، لم يؤمن أن تنكشف عورته، بخلاف ما إذا جَعل بعضه على عاتقه؛ ولأنه قد يَحتاج إلى إمساكه بيده أو يديه، فيُشْغَل بذلك، وتفوته سنةُ وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت صدره، ورفعهما حيث شُرع الرفع، وغير ذلك؛ ولأن فيه ترك ستر أعلى البدن، وموضعِ الزينة، وقد قال اللَّه تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} الآية، الأعراف: 31. البحر المحيط الثجاج (11/ 474).


ابلاغ عن خطا