الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

«اطَّلَعَ رجلٌ مِن جُحْرٍ في حُجَرِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، ومع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِدْرىً يَحُكُّ به رأسهُ، فقال: لو أعلمُ أنَّك تنظرُ، لطَعَنْتُ به في عينك، إنَّما جُعِلَ الاستئذانُ مِن أجلِ البَصَرِ».


رواه البخاري برقم: (6241)، واللفظ له، ومسلم برقم: (2156)، من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه-، ولفظ مسلم: «يُرَجِّلُ به رأسَهُ»


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«جُحْر»:
كل ‌ثقب في الأرض. غريب الحديث، للحربي (1/ 247).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
و«الجحر» الثُّقبة بتقديم الجيم. الكواكب الدراري (22/ 83).

«حُجَر»:
بضم الحاء وفتح الجيم ‌جمع ‌حُجْرة، وهي البيوت. مشارق الأنوار، للقاضي عياض (1/ 181).

«مِدْرى»:
المدرى والمدراة: شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه، يسرح به الشعر المتلبد، ويستعمله مَن لا مشط له. النهاية، لابن الأثير (2/ 115).

« يُرَجِّل » :
"رجّل الشعر: سرّحه. وشعر رجل: بين السبوطة والجعودة". أساس البلاغة (1/ 340).


شرح الحديث


قوله: «اطَّلع رجل من جُحْر في حُجَر النبي -صلى الله عليه وسلم-»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
«اطلع رجل من جُحْر» تقدَّم أنَّه الحكم بن أبي العاص. فتح الباري (1/ 334).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
قلتُ: مثل هذا الفعل لا يقع إلا من ذلك الجاهل الجلف. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (9/ 373).
وقال القدوري -رحمه الله-:
يجوز أنْ يكون هذا من المنافقين والكفار؛ لأن حرمة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يهتكها مسلم. التجريد (12/ 6130).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
هذا الفعل يحرم قطعًا، وخصوصًا في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعظيم حُرمته، وحرمة أزواجه، لا جرم علق على هذا الفعل من العقوبة جواز الطعن في عين الناظر، كما ظهر من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن فعله. المفهم (5/ 478).

قوله: «ومع النبي -صلى الله عليه وسلم- مِدْرى يَحُكُّ به رأسه ولمسلم: يُرَجِّل به رأسه»:
قال النووي -رحمه الله-:
قوله: «يُرجِّل به رأسه» هذا يدل لمن قال: إنه مشط أو يشبه المشط، وأما قوله: «يحك به» فلا ينافي هذا؛ فكان يحك به ويرجل به، وترجيل الشعر تسريحه ومشطه، وفيه: استحباب الترجيل، وجواز استعمال المدرى، قال العلماء: فالترجيل مستحب للنساء مطلقًا، وللرجل بشرط أن لا يفعله كل يوم أو كل يومين ونحو ذلك، بل بحيث يخف الأول. شرح مسلم (14/ 137).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «يحكه» يفسره قوله: «يرجِّل»، وفيه جواز ترجيل الشعر، وأنه من زي النبي -عليه السلام- وأصحابه -رضي الله عنهم-، وقد جاءت به الأحاديث من فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، وهو من النظافة وتحسين الزي وإكرام الشعر، وكُرِهَ من ذلك الإكثار وهو الذي جاء فيه حديث النهي عن الإرفاه، وفسره في الحديث: «الترجل في كل يوم»، ولأنه خارج عن عادة الرجال، ويشبه بعادة النساء واشتغال لازم بزينة الدنيا، ومضادة لقوله في الحديث الآخر: «البذاذة من الإيمان» يريد في بعض الأحيان، فلا يغفل عن الترجل بيده حتى يتشعث وتنكر حالته وصورته؛ حتى يكون ثائر الرأس كأنه شيطان، ولا يواظب على ذلك كل يوم حتى يكون في عدد المترفين والمشبهين بالنساء في لزوم الزينة، وهذا يجمع هذه الأحاديث -إن شاء الله تعالى-، وقد روي الحديث المذكور: «كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينهى عن كثير من الإرفاه»، وهذا اللفظ يبين ما ذكرناه. إكمال المعلم (7/ 34-35).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
بخط الحافظ اليعمري عن علماء الحجاز: المدرى تطلق على نوعين:
أحدهما: صغير يتخذ من أبنوس (نوع من الخشب) أو عاج أو حديد يكون طول الْمِسَلَّة يتخذ لفرق الشعر فقط، وهو مستدير الرأس على هيئة نصل السيف بقبضة، وهذه صفته.
ثانيهما: كبير، وهو عود مخروط من أبنوس أو غيره، وفي رأسه قطعة منحوتة في قدر الكف، ولها مثل الأصابع أولاهن معوجَّة مثل حلقة الإبهام المستعمل للتسريح، ويحك الرأس والجسد، وهذه صفته. ا. ه، ملخصًا. فتح الباري (10/ 367).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قلتُ: يمكن أن يحمل حديث سهل (حديث الباب) وأنس على أن الذي همّ به النبي -صلى الله عليه وسلم- من طعن المُطّلع على الخصوص ببيت النبي -صلى الله عليه وسلم- لعظيم حرمته، وحرمة أهل بيته، غير أن حديث أبي هريرة يقتضي إباحة ذلك الطعن عامة في بيته، وبيت غيره، فإنه قال فيه: «مَن اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه»؛ فإذًا: هذا الحكم ليس مخصوصًا به. المفهم (5/ 480).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
هذا الذي قرره القرطبي -رحمه الله- أخيرًا من عدم كونه مخصوصًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- هو الحق؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المذكور، فإنه نص في ذلك، فتبصر -والله تعالى أعلم-. البحر المحيط الثجاج (35/ 452).

قوله: «لو أعلم أنك تنظر، لطعنتُ به في عينكَ»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«فقال» -صلى الله عليه وسلم- للرجل المذكور: «لو علمتُ أنك تنظر» أي: إليَّ، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: «تنتظر» من الانتظار، والأولى أوجه، «لطعنتُ» بفتح العين «بها» أي: بالمدرى «في عينيك». إرشاد الساري (8/ 472).
وقال أبو القاسم الرافعي -رحمه الله-:
ومَن نظر في صير باب غيره (أي: شق الباب)، أو من كوة في الدار بغير إذنه فلصاحب الدار دفعه في حصاة ونحوها إلى عينه، وإن ذهبت عينه فيه فلا ضمان.
وهل يحتاج إلى تقديم النهي بالكلام والإنذار؟ فيه وجهان للأصحاب، وظاهر الأحاديث تدل على أنه لا حاجة إليه، وينبغي أن يرمي بشيء خفيف كالمدرى، ولا يرمي إليه الشيء الثقيل ولا السكين. شرح مسند الشافعي (3/ 271).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «لو علمتُ أنك تنظر» بعد قوله: «اطلع» يدل على أن ‌الاطلاع ‌مع ‌غير ‌قصد النظر لا يترتب هذا الحكم عليه كالمارّ. الكاشف عن حقائق السنن (8/ 2487).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
قوله: «لطعنتُ بها في عينك» قال الشافعية: بظاهر الحديث، فلو فقأ عينه لا جزاء عليه، وتعارض الكتابان في نقل مذهب الحنفية، ففي واحد: أن عليه القصاص، وفي آخر: كمذهب الشافعية. فيض الباري على صحيح البخاري (6/ 106).
وقال الشيخ أحمد النجمي -رحمه الله-:
...أنه لا يلتحق بالنظر غيره كالسمع؛ لأن السمع لا ينضبط، وقد تسمع الصوت من الدار وأنت مار به، فهو يدخل عليك من دون أن تستطيع على منعه إلا أنه إذا تعمَّد السمع وتلذَّذ به، فإنه لا ينبغي، وبالأخص إذا كان صوت امرأة. تأسيس الأحكام (5/ 46).

قوله: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «إنما جعل الإذن من أجل البصر» تنبيه على علة الاستئذان، وفيه حجة للقائسين وأصحاب المعاني، ورد على أهل الظاهر عن المانعين من ذلك. إكمال المعلم (7/ 35).
وقال أبو القاسم الرافعي -رحمه الله-:
قوله: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» يريد أن الغرض من الاستئذان أن لا يقع البصر على ما لا يراد كشفه، وكذلك أمر المستأذن بأن لا يستقبل الباب إذا كان مفتوحًا، ولكن يقف عن يمين الباب أو يساره.
ولو نظر الناظر من الباب وهو مفتوح أو من كوة واسعة ففي جواز رميه وجهان: أصحهما: المنع؛ لتقصير صاحب الدار بفتح الباب وتوسيع الكوة. شرح مسند الشافعي (3/ 272).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما جعل الإذن من أجل البصر» معناه: أن الاستئذان مشروع ومأمور به، وإنما جعل لئلا يقع البصر على الحرام؛ فلا يحل لأحد أن ينظر في جحر باب ولا غيره مما هو متعرض فيه لوقوع بصره على امرأة أجنبية، وفي هذا الحديث: جواز رمي عين المتطلع بشيء خفيف؛ فلو رماه بخفيف ففقأها فلا ضمان إذا كان قد نظر في بيت ليس فيه امرأة محرم -والله أعلم-. شرح مسلم (14/ 137).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «جعل الإذن» أي: شرع الشارع الاستئذان في الدخول من جهة الأبصار، أي: لئلا يقع بصر أحدكم على عورة مَن في الدار. الكواكب الدراري (21/ 123).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وهذا الحديث مما يرد قول أهل الظاهر، ويكشف غلطهم في إنكارهم العلل والمعاني، وقولهم: إنَّ الحِكَم للأسماء خاصة؛ لأنه -عليه السلام- علل الاستئذان أنه إنما جعل من قبل البصر، فدل ذلك على أن النبي -عليه السلام- أوجب أشياء، وحظر أشياء من أجل معانٍ علق التحريم بها، ومن أبى هذا رد نص السنن. شرح ابن بطال (17/ 20).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
وفيه: دليل على أن حكم الشرع قد يعلل بالنص، وهو أحد طرق العلية المذكورة في الأصول، وعلى أنّ عينَ مَن نظر إلى حرم الغير، وفُقِئَتْ عينه برمي حصاة -هدرٌ؛ وكذا لو سرت إلى نفسه. اللامع الصبيح (14/ 503).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
أي: شُرع (الاستئذان) من أجله (أي: البصر) لأن المستأذن لو دخل بغير إذن لرأى بعض ما يكره مَن يدخل إليه أن يطلع عليه... واستدل بقوله: «من أجل البصر» على مشروعية القياس والعلل، فإنه دل على أن التحريم والتحليل يتعلق بأشياء متى وجدت في شيء وجب الحكم عليه، فمَن أوجب الاستئذان بهذا الحديث وأعرض عن المعنى الذي لأجله شرع لم يعمل بمقتضى الحديث، واستُدِلَّ به على أن المرء لا يحتاج في دخول منزله إلى الاستئذان؛ لفقد العلة التي شرع لأجلها الاستئذان، نعم لو احتمل أن يتجدد فيه ما يحتاج معه إليه شرع له، ويؤخذ منه أنه ‌يشرع ‌الاستئذان ‌على ‌كل ‌أحد ‌حتى ‌المحارم؛ لئلا تكون منكشفة العورة، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع: «كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذن»، ومن طريق علقمة: «جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: أستأذن على أمي؟ فقال: ما على كل أحيانها تريد أن تراها»، ومن طريق مسلم بن نُذير -بالنون مصغر-: «سأل رجل حذيفة: أستأذن على أمي؟ قال: إن لم تستأذن عليها رأيتَ ما تكره»، ومن طريق موسى بن طلحة: «دخلتُ مع أبي على أمي فدخل واتبعتُه فدفع في صدري وقال: تدخل بغير إذن؟»، ومن طريق عطاء: «سألتُ ابن عباس: أستأذن على أختي؟ قال: نعم، قلتُ: إنها في حجري، قال: أتحب أن تراها عريانة؟»، وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة، وذكر الأصوليون هذا الحديث مثالًا للتنصيص على العلة التي هي أحد أركان القياس. فتح الباري (11/ 24-25).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وهذا الحديث: يدل على أن مَن ‌اطلع في بيت إنسان بحيث ينظر إلى عورته أو حرمته فله أن يرمي عينه، فإن فقأها فلا ضمان عليه. كشف المشكل (2/ 266).
وقال الشيخ أحمد النجمي -رحمه الله-:
يُشترط في إهدار عين الناظر أنْ يكون صاحب الدار قد احتاط بما يكف النظر، وهو وجود ساتر وباب يمنع، فإن لم يكن هناك شيء يمنع النظر، فإن الواجب على الناظر أن يكف نظره، فإن أطلق نظره، فهل يجوز رميه ويهدر بصره بذلك؟ الظاهر عدم إهداره؛ لوجود التقصير من صاحب الدار.
(و) إذا كان الناظر طفلًا، فالظاهر عدم جواز فقأ عينه، إلا أن يكون بالغًا أو مراهقًا، أي: ممن يطلعون على العورات ويعرفونها.
ومن أجل ذلك فإن المستأذن ينبغي له أن يستأذن وهو على جانب من الباب لا يقابل فتحة الباب، فيطلع على من في الدار، فقد علَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أنَّ المستأذن يكون بجانب الباب إما الأيمن، وإما الأيسر -وبالله التوفيق-. تأسيس الأحكام (5/ 47).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي:
أولًا: مشروعية الاستئذان ووجوبه، وقد تظاهرت به دلائل القرآن والسنة...، ويظهر لنا من ذلك: أن الحكمة في الاستئذان أن لا ينظر الداخل إلى البيت إلى شيء لا يحل له النظر إليه، أو شيء يكره صاحب المنزل أن يطلع أحد عليه، كما يدل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث الباب: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر»...
ثانيًا: دل هذا الحديث على أن للبيوت قداسة وحرمة، فلا يجوز لأحد أن يسترق النظر إلى عورات المسلمين في بيوتهم وينتهك حرمتهم، ويحرم عليه أن ينظر من ثقب الباب وغيره، ولو فعل ذلك عمدًا وطعن في عينه فذهبت فإنها هدر لا دية لها. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (5/ 259-260).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: الحديث):
منها: بيان استحباب إبقاء شعر الرأس، وتربيته، واتخاذ آلة يزيل بها عنه الهوام، ويحك بها؛ لدفع الوسخ، أو القمل...
ومنها: أن فيه مشروعية الاستئذان على مَن يكون في بيت مغلق الباب.
ومنها: تحريم التطلع على مَن كان داخل بيت مغلق من خُلَل الباب.
ومنها: استحباب الامتشاط، وجواز استعمال المدرى...
ومنها: أنه استدل به على جواز رمي مَن يتجسس، ولو لم يندفع بالشيء الخفيف جاز بالثقيل، وأنه إن أصيبت نفسه، أو بعضه فهو هدر، وبهذا قال الجمهور، وخالف المالكية، فقالوا: لا يجوز ذلك، وما قاله الجمهور هو الحق؛ لصحة الأحاديث بذلك...
ومنها: أنه استدل به على أن المرء لا يحتاج في دخول منزله إلى الاستئذان؛ لفقد العلة التي شُرِعَ لأجلها الاستئذان، نعم لو احتمل أن يتجدد فيه ما يحتاج معه إليه شرع له.
ومنها: أنه يؤخذ منه أنه يشرع الاستئذان على كل أحد حتى المحارم؛ لئلا تكون منكشفة العورة...
ومنها: أن النسائي -رحمه الله- احتج بهذا الحديث على جواز أخذ الإنسان حقه ممن ظلمه، دون أن يسأل الإمام؛ وذلك لأن الشارع أذن في فقأ عين مَن اطلع في بيت قوم بغير إذنهم، ولم يشرط في ذلك أن يأذن له الإمام، وهو المذهب الحق. البحر المحيط الثجاج (35/ 449-451).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
في هذه الأحاديث: ما يدل على أن الاطلاع على بيوت الغير من شق الباب، أو من الشباك، أو من السطوح من المحرمات الشديدة، وأنه يجوز للإنسان أن يخذفه إذا رآه يطلع عليه، وأنه إذا خذفه وفقأ عينه فليس عليه شيء، وتكون عينه هدرًا؛ لأنه معتدٍ؛ وذلك لأن الناس لهم عورات في بيوتهم، والإنسان له بينه وبين أهله أحوال لا يريد أن يطلع عليها أحد.
وفيه: دليل على أن الاستئذان من أجل ألا يقع بصر الإنسان على ما حرم الله عليه، كأن ينظر إلى امرأة لا تحل له.
وفيه: دليل على أنه لا يجب على المرأة أن تحتجب من الأعمى؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «إنما جعل الله الإذن من أجل البصر» والأعمى لا يبصر، ويدل على ذلك: حديث فاطمة بنت قيس، وهو في الصحيح أنها لما طلقت قال لها -صلى الله عليه وسلم-: «اعتدي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك»، يعني: فلا يبصرك.
وأما حديث نبهان عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنه دخل ابن مكتوم على زوجتين من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «احتجبا منه»، فقلنا: يا رسول الله، أليس أعمى، لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ قال: «أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه؟!» فهذا الحديث من رواية نبهان عن أم سلمة، ونبهان قال فيه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، والمقبول لا يقبل حديثه إلا إذا وجد له متابع، أو شاهد، ثم لو صح حديث نبهان لكان شاذًّا مخالفًا للأحاديث الصحيحة، ولمن هو أوثق منه، كهذا الحديث، وحديث فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها-. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (6/ 270-271).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
ما يفيده الحديث:
1- لا يحل لأحد أن ينظر ‌من ‌جُحر أو كوَّة في دار أحد بغير إذنه.
2- أن مَن نظر من فُرْجة أو نحوها في دار أحد بغير إذنه ففقأ عينه فلا جناح عليه إن أثبت ذلك.
3- صيانة البيوت في الإسلام. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (8/ 244).


ابلاغ عن خطا