«إنَّ اللهَ يحبُّ العطاسَ، ويَكرهُ التثاؤُبَ، فإذا عطَسَ فحمِدَ اللهَ فحَقٌّ على كلِّ مسلمٍ سَمِعهُ أن يُشمِّته، وأما التثاؤبُ فإنما هو مِن الشيطانِ، فليَردَّه ما استطاعَ، فإذا قال: ها، ضحِكَ مِنهُ الشيطانُ».
رواه البخاري برقم: (6223) واللفظ له، ومسلم برقم: (2994)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وفي رواية لمسلم برقم (2995)، من حديث أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ «فإن الشيطان يدخل».
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«العطاس»:
ريحٌ مختنقةٌ تخرُج وتفتحُ السُّددَ من الكبد، وهو دليلُ خيرٍ للمريض، مُؤْذِنٌ بانفراج بعض علَّته. مفتاح دار السعادة، ابن القيم (3/ 1571).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
العطاس هو: ريح تحتبس في الدماغ ثم تَطلب لها منفذًا فتخرج من الخياشيم فيحدث العطاس. إعلام الموقعين (2/ 107).
«التثاؤب»:
ما يصيب الإنسان عند الكسل والنعاس والهم، مِن فتح الفم والتمطِّي. تصحيح الفصيح وشرحه، ابن درستويه (ص: 183) .
وقال ابن دريد -رحمه الله-:
وأصل التثاؤب من قَوْلهم: ثُئب الرجل فَهُوَ مثؤوب، إِذا أَصَابَهُ كسل وتوصيم (فتور وتكسر يجده الإنسان في نفسه).جمهرة اللغة(2/ 1016).
«يُشمِّته»:
التَّشميتُ: الدُّعاءُ، وكل داعٍ لأحد بخير فهو مُشمِّتٌ له. العين، الخليل (6/ 247).
شرح الحديث
قوله: «إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب» معنى المحبة والكراهة فيهما إنما ينصرف إلى الأشياء الجالبة لهما؛ وذلك أن العطاس إنما يكون مع خفة البدن وانفتاح السُّدَد، وعدم الكظة، والتثاؤب إنما يغلب على الإنسان عند امتلاء البدن وثقله، وسببه: الإكثار من المآكل والتخليط فيه. أعلام الحديث (3/ 2225).
وقال الخطابي -رحمه الله- أيضًا:
معنى حب العطاس وحمده وكراهة التثاؤب وذمه: أن العطاس إنما يكون مع انفتاح المسام وخفة البدن وتيسير الحركات، وسبب هذه الأمور: تخفيف الغذاء والإقلال من المطعم والاجتزاء باليسير منه، والتثاؤب إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه وعند استرخائه للنوم وميله إلى الكسل؛ فصار العطاس محمودًا لأنه يعين على الطاعات، والتثاؤب مذمومًا لأنه يثبطه عن الخيرات وقضاء الواجبات. معالم السنن (4/ 141).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
قوله: «إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب» قلتُ: العطاس يورث الخفة في الدماغ ويروّحه ويزيل كدَرَ النفس؛ ولهذا عدَّه الشارعُ نعمةً من الله فسنَّ الحمدَ عقيبه، والتثاؤب إنما ينشأ مِن ثِقَل النفس وامتلائها، فيورث الغفلة والكسل، وبذلك يجد الشيطان إليه سبيلًا، ويقوى سلطانُه عليه فيستلذّه ويرضى به، وهو المعنى في ضحِكِه (أي: الشيطان). الميسر (3/ 1036).
وقال النووي -رحمه الله-:
«إن الله تعالى يحب العطاس» قالوا: لأن العطاس يدل على النشاط وخفة البدن، والتثاؤب بخلافه؛ لأنه يكون غالبًا مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل، وإضافته إلى الشيطان؛ لأنه الذي يدعو إلى الشهوات، والمراد: التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك، وهو: التوسع في المأكل وإكثار الأكل. شرح مسلم (18/ 122).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «إن الله يحب العطاس» فإنه ينشأ عن خفة البدن والدماغ واستفراغ الفضلات عنه، وصفاء الروح وانفتاح السُّدَد، والمحبة راجعة إلى سبب العطاس. شرح سنن أبي داود (19/ 214).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «إن الله يحب العطاس» يعني: الذي لا ينشأ عن زكام؛ لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت، ويحتمل التعميم في نوعي العطاس، والتفصيل في التشميت خاصة. فتح الباري (10/ 607).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «إن الله يحب العطاس» لأن العطسة سبب لخفة الدماغ وصفاء القوى الإدراكية، فيعين صاحبه على الطاعة وحضور القلب مع الله، والتثاؤب ينشأ من امتلاءِ وثِقَلِ وكدورة الحواس، وهو يورث الغفلة والكسالة وسوء الفهم، ويمنع الإنسان من النشاط في الطاعة، فرضي به الشيطان، ومن هذا نسبه إلى الشيطان، وورد: «ما تثاءب نبي قط» نقله في (شرح المشارق)، فعلم أن محبة الله تعالى العطاس وكراهته سبحانه التثاؤب باعتبار ثمراتها ونتائجها، فتفريع الطيبي عليه أن المحبة والكراهة ينصرفان إلى الأسباب الجالبة لهما، غير ظاهر. لمعات التنقيح (8/ 79).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «إن الله يحب العطاس» يعني: الذي لا ينشأ من الزكام؛ لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت، ويحتمل التعميم، كذا قاله بعضهم، قلتُ: ظاهره التعميم لكن خرج منه الذي يعطس أكثر من ثلاث مرات. عمدة القاري (22/ 227).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «ويكره التثاؤب» التثاؤب: إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه، وعند استرخاء النوم، وميله إلى الكسل، فصار العطاس محمودًا؛ لأنه يعين على الطاعات، والتثاؤب مذموم؛ لأنه منع من الخيرات. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 148).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «ويكره التثاؤب» يعني: سببه، وهو ثقل البدن وكثرة الغذاء وميله إلى الكسل، فيمنع صاحبه عن الطاعة، فالمحبة والكراهية تنصرف إلى الأسباب الجالبة لهما. شرح المصابيح (5/ 198).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ويكره التثاؤب» بالهمز وقيل: بالواو وهو: تنفُّسٌ ينفتح معه الفم بلا قصد؛ وذلك لأنه يكون عن كثرة الغذاء المذمومة. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 270).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
إن قال قائل: ليس العطاس داخلًا تحت الكسب ولا التثاؤب، فما حيلة العبد في تحصيل المحبوب ونفي المكروه؟ فالجواب: أن العطاس إنما يكون مع انفتاح المسام وخفة البدن وتيسير الحركات، وسبب هذه الأشياء: تخفيف الغذاء والتقلل من المطعم، فأما التثاؤب فإنه يكون مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه للنوم، فحمد العطاس لأنه يعين على الطاعة، وذم التثاؤب لأنه يثبط عن الخير. كشف المشكل (3/ 530).
قوله: «فإذا عطس فحمد الله؛ فحقٌّ على كل مسلم سمعه أن يشمِّته»:
قال ابن العربي -رحمه الله-:
هو دليل ظاهر على وجوب التشميت، وقال القاضي عبد الوهاب (البغدادي صاحب كتاب المعونة على مذهب عالم المدينة) -رحمه الله-: هو مستحب.
والصحيح: وجوبه لهذا الخبر الذي روى أنس بن مالك أن رجلين عطسا عند النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فشمَّت أحدهما ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمِّتْه: يا رسول الله، شمَّتَّ هذا ولم تشمتني؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنه حمد الله ولم تحمده أنت»...
واختلف الناس في تشميت العاطس، فقال أهل الظاهر: إنه واجب متعين على كل جليس سامع.
وقالت طائفة أخرى من الفقهاء: هو واجب على الكفاية كردِّ السلام.
وقال قوم: هو ندب وإرشاد وأدب، وليس منه شيء واجب.
وقال عبد الوهاب: هو مندوب إليه كابتداء السلام، حكاه الباجي؛ لقول النبي -عليه السلام-: «خمس تجب على المسلم لأخيه: رد السلام، وتشميت العاطس». المسالك (7/ 517).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
فمن نظر إلى ظاهر قوله: «حقًّا» أوجبه، ومن جعله من جملة ما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «حق المسلم على المسلم ست» جعله سُنة. شرح المشكاة (10/ 3077).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «فحق» أي: متأكد...، وقيل: إنه فرض كفاية، إذا شمت واحد سقط عن الباقين، قاله أبو سليمان (الخطابي) وحكي عن مالك كالسلام. التوضيح (28/ 659).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«فحق على كل مسلم» قال الظاهرية: يجب تشميته على كل السامعين، وقال مالك: واجب على الكفاية، وقيل: سُنة عين، وقيل: سُنة كفاية، وهو مذهب الشافعي -رضي الله عنه-، وأوَّلوا لفظ (الحق) بمعنى: الثابت، أو حقٌّ في محاسن الآداب. اللامع الصبيح (15/ 260).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته» ظاهره الوجوب، ولكن نقل النووي الاتفاق على الاستحباب، ويستدل به على استحباب مبادرة العاطس بالتحميد. عمدة القاري (22/ 227).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
اعلم أن الشارع إنما أمر العاطس بالحمد لما حصل له من المنفعة بخروج ما احتقن في دماغه من الأبخرة، قال الأطباء: العطسة تدل على قوة طبيعة الدماغ وصحة مزاجه، فهي نعمة، وكيف لا وإنها جالبة للخفة المؤدية إلى الطاعات، واستُدعي الحمد عليها؛ ولما كان ذلك تغيرًا لوضع الشخص وحصول حركات غير مضبوطة بغير اختياره؛ ولهذا قيل: إنها زلزلة البدن؛ أُريد إزالة ذلك الانفعال عنه بالدعاء له والاشتغال بجوابه، ولما دُعي له كان مقتضى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} النساء: 86 أن يكافئه بأكثر منها، فلهذا أمر بالدعوتين، الأولى لفلاح الآخرة وهو الهداية المقتضية له، والثانية لصلاح حاله في الدنيا وهو إصلاح البال، فهو دعاء له بخير الدارين وسعادة المنزلتين، وعلى هذا قس سائر أحكام الشريعة وآدابها. الكواكب الدراري (22/ 70).
قال ابن بطال -رحمه الله-:
اختلف العلماء في وجوب التشميت، فذهبت طائفة إلى أنه واجب متعين على كل من سمع حمْدَ العاطس، هذا قول أهل الظاهر، واحتجوا بهذا الحديث وقالوا: ألا ترى قوله -عليه السلام-: «فحقّ على كل مسلم أن يشمِّته» فوجب على كل سامع، وذهبت طائفة إلى أنه واجب على الكفاية، كردِّ السلام، هذا قول مالك وجماعة، وقال آخرون: هو إرشاد وندب وليس بواجب، وتأولوا قوله -عليه السلام-: «فحقّ على كل مسلم أن يشمته» أن ذلك في حسن الأدب، وكرم الأخلاق كما قال -عليه السلام-: «من حقّ الإبل أن تُحْلَب على الماء» أي: أن ذلك حقّ... لا أن ذلك فرض؛ لاتفاق أئمة الفتوى أنه لا حق في المال سوى الزكاة. شرح صحيح البخاري (9/ 366).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ومن عطس في أذانه وإقامته ففرض عليه أن يحمد الله تعالى، وإنْ سمع عاطسًا يحمد الله تعالى، ففرض عليه أن يشمته في أذانه وإقامته...، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال، وليقل أخوه أو صاحبه: يرحمك الله؟ ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم»، فلم تخص النصوص حال الأذان والإقامة من غيرهما، ولا جاء نهي قط عن الكلام في نفس الأذان، وما نعلم حجة لمن منع ذلك أصلًا. المحلى بالآثار (2/ 181).
قوله: «وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان»:
قال ابن بطال -رحمه الله-:
ومعنى إضافة التثاؤب إلى الشيطان إضافة رضا وإرادة، أي: أن الشيطان يحب أن يرى تثاؤب الإنسان؛ لأنها حال الْمُثْلَة وتغيير لصورته فيضحك من جوفه؛ لا أن الشيطان يفعل التثاؤب في الإنسان؛ لأنه لا خالق للخير والشر غير الله، وكذلك كل ما جاء من الأفعال المنسوبة إلى الشيطان فإنها على معنيين: إما إضافة رضا وإرادة، أو إضافة بمعنى الوسوسة في الصدر والتزيين. شرح صحيح البخاري (9/ 369).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
التثاؤب معروف، وهو مصدر تثاءب، والاسم الثُّؤَباء، وإنما جعله من الشيطان كراهة له؛ لأنه إنما يكون مع ثِقَل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل والنوم، فأضافه إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها، وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل عن الطاعات، ويكسل عن الخيرات. النهاية (1/ 204).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «من الشيطان» إنما نُسب التثاؤب إليه؛ لأنه هو الذي يزين للنفس شهوتها، وهو من امتلاء البدن وكثرة المأكل، وقيل: ما تثاءب نبي قط؛ لأنه لا يضاف إليه عمل للشيطان فيه حظ. عمدة القاري (22/ 227).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
قوله: «وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان» هو من نسبة المكروه إلى الشيطان لرضاه به وإرادته له، لا أنه منه حقيقة. التوشيح شرح الجامع الصحيح (8/ 3737).
قوله: «فليرده ما استطاع، فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فليرده»... ويخفض صوته ولا يمده في تثاؤبه، وقد كره ذلك في العطاس فضلًا عن التثاؤب، وقالوا: ومن آداب العاطس أن يخفض بالعطسة صوته، وأن يزوجه (يقرنه) بالحمد، وأن يغطي وجهه؛ لئلا يبدو من فيه أو أنفه ما يؤذي جليسه، ولا يلوي عنقه يمينًا ولا شمالًا؛ لئلا يتضرر بذلك، وأخرج أبو داود والترمذي بسند جيد عن أبي هريرة قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عطس وضع يده على فمه وخفض صوته، «فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان»، ولفظة: «ها» حكاية صوت المتثاوب، يعني: إذا بالغ في الثوباء ضحك منه الشيطان فرحًا بذلك. عمدة القاري (22/ 227).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
«فليرده» لمسلم: «فليمسك بيده على فمه» زاد ابن ماجه: «ولا يعوي». التوشيح شرح الجامع الصحيح (8/ 3737).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فالمهم أن تكظم، سواء بهذه الطريقة (أي عض الشفة السفلى) أو غيرها، فإن عجزت عن الكَظم فضع يدك على فمِك، وما ذكره بعض العلماء -رحمهم الله- أنك تضع ظهرها على الفم فلا أصل له، وإنما تضع بطنها تسد الفم، والسبب في ذلك: أن الإنسان إذا تثاءب ضحك الشيطان منه؛ لأنه -أي الشيطان- يعرف أن هذا يدل على كسله وعلى فتوره...، وهل تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ لا؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- علَّمنا ماذا نفعل عند التثاؤب، ولم يقل: قولوا كذا، وإنما قال: اكظموا أو رُدُّوا باليد، والعبادات مبنية على الشرع لا على الهوى، لكن قد يقول بعض الناس: أليس الله يقول: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فصلت: 36، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن التثاؤب من الشيطان، فهذا نزغ؟
نقول: لا، فقد فهمتَ الآية خطأ، فالمراد من الآية: الأمر بالمعاصي أو بترك الواجبات، فهذا نزغ الشيطان، كما قال تعالى فيه أَنه ينزغ بين الناس، فهذا نزغه، أمرٌ بالمعاصي والتضليل عن الواجبات، فإن أحسست بذلك فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أما التثاؤب فليس فيه إلا سُنَّة فعلية فقط وهي الكَظم ما استطعت، فإن لم تَقدر فضع يدك على فمك.شرح رياض الصالحين(4/ 439) .
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «إذا قال: ها» مقصورًا أي: إذا بالغ في التثاؤب وفتح الفم، وقيل: هو حكاية صوت المتثائب، «ضحك الشيطان منه» وفي الجامع الصغير: «إذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع؛ فإن أحدكم إذا قال: ها ضحك الشيطان منه» رواه البخاري عن أنس، وفي رواية لأحمد والشيخين، وأبي داود، عن أبي سعيد بلفظ: «إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فمه؛ فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب» وفي رواية لابن ماجه عن أبي هريرة: «إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ولا يعوي؛ فإن الشيطان يضحك منه» وفي رواية للبيهقي عن عبادة بن الصامت وغيره: «إذا تجشأ أحدكم أو عطس فلا يرفع بهما الصوت؛ فإن الشيطان يحب أن يرفع بهما الصوت»، وفي رواية للحاكم والبيهقي عن أبي هريرة: «إذا عطس أحدكم فليضع كفيه على وجهه وليخفض صوته». مرقاة المفاتيح (7/ 2986).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
أما قوله في رواية مسلم: «فإن الشيطان يدخل» فيحتمل أن يراد به الدخول حقيقة، وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم، لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكرًا لله تعالى، والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر، فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة، ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه؛ لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكنًا منه. فتح الباري (10/ 612).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «ضحك منه الشيطان» حقيقة أو مجازًا عن الرضا به، والأصل الأول؛ إذ لا ضرورة تدعو إلى العدول عن الحقيقة. إرشاد الساري (9/ 129).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
قوله: «ضحك منه الشيطان» لما يراه تابعًا ومسخَّرًا له. فيض الباري (6/ 186).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وإنما يضحك الشيطان من قول المتثائب: «ها» لمعنيين:
أحدهما: أنه يرى ثمرة تحريضه على الشبع؛ فيضحك فرحًا بأن أثمرت شجرات غرسه.
والثاني: أن المسنون للمتثائب أن يكظم ويحبس ما استطاع، فإذا ترك الأدب وقال: «ها» ضحك الشيطان لقلة أدبه...
ولَمَّا أبان العطاس عن صلاح -على ما بينا- ناسب ذلك أن يقول العاطس: «الحمد لله»، ولَمَّا كان ذلك الصلاح برحمة الله ناسب ذلك أن يقال للعاطس: «يرحمك الله» أي: يزيدك رحمة، ولَمَّا قام الراد بحق المسلم ناسب ذلك أن يقول: «ويصلح بالكم» أي: يصلح حالك بالسلامة والنعمة كما أصلح حالي بالعطاس. كشف المشكل (3/ 530).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أن العطاس يستدعي حمد الله -سبحانه وتعالى-، والحمد على أثره مشروع؛ ولأنه دليل على ظهور القوة ونهوضها، وعلى دفع فضلات البدن، وأبخرة الرأس، حتى قال الرازي: لا يكون العطاس أول مرض أبدًا، إلا أن يكون زكمة.
ثم قال: إذا عرضت الزكمة أولًا فتورد بالعليل إلى التعطس سماه أو نحوها حتى تفتح مسام رأسه بالعطاس الزكمة، فأما التثاؤب فهو ضد هذه الحال؛ لأنه يدل على ضعف القُوى، وإن ما كان يخرج من المسام بالعطاس لم تنهض القُوى لدفع ذلك، فلذلك تمددت الأعضاء في التثاؤب؛ ولأنه أيضًا يوسِّع على الشيطان طريق وُلوجه، فإنه على ما ذكر الشيخ محمد بن يحيي -رحمه الله-: أنه يدخل الشيطان إلى باطن الآدمي من مجاري النَّفَس؛ لأنه قال: هو جسم لطيف يناسب الجو، فإذا فتح التثاؤب فكَّي العبد أوسَعَ طريق دخوله، ويُصدِّق ذلك ما ذُكر في الحديث: «فليرده ما استطاع، فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان». الإفصاح (7/ 323).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
تنبيه: ينبغي للعاطس تغطية وجهه في حال عطاسه، وأن يخفض صوته به؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك كان يفعل؛ ولأن تغطية الوجه ستر لما يغير العطاس من الوجه والهيئة؛ ولأن إعلاء الصوت عندها مباعِد للأدب والوقار. المفهم (6/ 625).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)