الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«العُطاسُ من الله والتثاؤبُ مِن الشيطانِ، فإذا تثاءَبَ أحدُكم فليضعْ يدَه على فِيه، وإذا قال: آه آه فإن الشيطانَ يَضحكُ مِن جَوفِه، وإن اللهَ يُحبُّ العُطاسَ ويَكرهُ التثاؤُبَ، فإذا قال الرجلُ: آه آه إذا تثاءَبَ فَإنَّ الشيطانَ يَضحكُ في جَوفِه».


رواه الترمذي برقم: (2746)، وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم: (266)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4130)، صحيح سنن الترمذي برقم: (746).   


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«العطاس»:
ريحٌ مختنقةٌ تخرُج ‌وتفتحُ ‌السُّدَدَ ‌من ‌الكبد، وهو دليلُ خيرٍ للمريض، مُؤْذِنٌ بانفراج بعض علَّته. مفتاح دار السعادة، ابن القيم (3/ 1571).
وقال ابن القيم-رحمه الله-:
العُطاس هو: ريح تحتبس في الدّماغ ثم تطلب لها منفذًا فتخرج من الخياشيم فيحدث العطاس. إعلام الموقعين، ابن القيم (2/ 107).

«التثاؤب»:
ما يصيب الإنسان عند الكسل والنعاس والهم، ‌مِن ‌فتح ‌الفم ‌والتمطِّي. تصحيح الفصيح وشرحه، ابن درستويه (ص: 183).
وقال ابن دريد -رحمه الله-:
وأصل التثاؤب من قَوْلهم: ثُئب الرجل فَهُوَ مثؤوب، إِذا أَصَابَهُ كسل وتوصيم (فتور وتكسر يجده الإنسان في نفسه). جمهرة اللغة(2/ 1016).


شرح الحديث


قوله: «العُطاسُ من اللهِ والتثاؤبُ مِن الشيطان»:
قال أبو بكر ابن العربي -رحمه الله-:
«العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان...» فأضافَ العطاس إلى الله لأجلِ أنه يكون عن خفَةِ البدن وسعةَ المنافِذ؛ وذلك محبوبٌ إلى الله تعالى، فإن المنافذ إذا اتسعت ضاقت عن الشيطان، وإذا ضاقت بالأخلاط والغذاء اتسعت عليه، وأضاف التثاؤب إلى الشيطان؛ لأنه إما أن يكونَ من كسلٍ أو مرضٍ أو امتلاءٍ؛ وذلك لا يضاف إلى الله تعالى، وإن كان الكُل منه على اسم الأدب، ألا ترى إلى قول الخليلِ -عليه السلام-: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} الشعراء: 79، فأضافه إلى الله تعالى، ثم قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} الشعراء: 80، فأضافه إليه، فإذا وجد ذلك فليحمد الله تعالى على ما رزقه من الخفة. القبس (ص: 1145).
وقال أبو بكر ابن العربي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «العطاسُ مِن الله، والتَّثاؤُبُ منَ الشيطانِ» معناه: أنّ العُطاس لما كان سببُه محمودًا، وهو خِفَّة الجسم التي كانت عن قلَّة الأخلاط، أو رقَّتها التي تكون عن قلَّة الغذاء وتلطيفه، وهو أمرٌ ندبَ الله إليه؛ لأنّه يُضعِف الشّهوة التي هي من جند الشَّيطان، ويُحبِّبُ الطّاعة، ومِن أجل ذلك أُضيف إلى الله تعالى؛ ولما كان التَّثاؤُبُ بضدِّه في جميع هذه الوجوه على ترتيبها؛ أُضِيفَ إلى الشَّيطان. المسالك في شرح موطأ مالك (7/ 517).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«العطاس من الله» أي: أنه يحبه، والمحبة منه تعالى ليست لنفس الصفة من التثاؤب والعطاس؛ بل للمتصف بهما، أو للأسباب المنزّه بهما؛ لأنَّه دليل الخلو عن التوسع في المطعم؛ ولأنه يحمد الله عنده. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 386).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«العطاس من الله» لأن العطاس ينشأ عنه العبادة فلذلك أضافه إلى الله، والتثاؤب إنما ينشأ من ثِقَل النفس وامتلائها المتسبب عن نيل الشهوات الذي يأمر به الشيطان فيورث الغفلة والكسل. فيض القدير (4/ 380).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «العطاس من الله» أي: يرضى به؛ لما أنه يورث النشاط والتنبه ويُعقِب الحمد. الكوكب الدري (3/ 400).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«العطاس من الله» والسبب في ذلك: أن العطاس يدل على النشاط والخفة؛ ولهذا تجد الإنسان إذا عطس نشط، والله -سبحانه وتعالى- يحب الإنسان النشيط الجاد، وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير». شرح رياض الصالحين (4/ 437).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
«والتثاؤب من الشيطان» ومعنى إضافة التثاؤب إلى الشيطان إضافة رضا وإرادة، أي: أن الشيطان يحب أن يرى تثاؤب الانسان؛ لأنها حال الْمُثْلَة وتغيير لصورته فيضحك من جوفه، لا أن الشيطان يفعل التثاؤب في الإنسان؛ لأنه لا خالق للخير والشر غير الله، وكذلك كل ما جاء من الأفعال المنسوبة إلى الشيطان فإنها على معنيين: إما إضافة رضا وإرادة، أو إضافة بمعنى الوسوسة في الصدر والتزيين. شرح صحيح البخاري (9/ 370).
وقال النووي -رحمه الله-:
«التثاؤب من الشيطان» أي: من كسله وتسببه، وقيل: أضيف إليه لأنه يرضيه. شرح صحيح مسلم (18/ 122).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«التثاؤب من الشيطان» لأنه ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس، ويورِث ‌الغفلة والكسل وسوء الفهم، وذلك كله بواسطة الشيطان؛ لأنه هو الذي يزيِّن للنفس شهواتها فلذا أضيف إليه. إرشاد الساري (5/ 299).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«التثاؤب من الشيطان» لأنه دليل على التوسع في الأطعمة ونحوها، والتوسع فيها مذموم، فكأن السبب من الشيطان؛ لأنه الحامل على التوسع فجُعل المسبب منه. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 386).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
«والتثاؤب من الشيطان» أي: مرضي به؛ لأنه يورث غَفلة، ولا ذِكر عقيبه. الكوكب الدري (3/ 400).

قوله: «فإذا تثاءَبَ أحدُكم فليَضع يدَه على فِيه»:
قال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «وليضع يَده على فيه» أَدب ليستر تلك الهيئة المنكرة، فإن الناس إذا رأوها ضحكوا منها، وهذا معنى «يضحك من جوفه» أي: من أجل ما يظهر من جوفه أي: من باطن فيه. عارضة الأحوذي (10/ 199).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وأمّا الأمر بوضع اليد على الفم فيتناول ما إذا انفتح بالتثاؤب فيغطى بالكف ونحوه، وما إذا كان منطبقًا حفظًا له عن الانفتاح بسبب ذلك، وفي معنى وضع اليد على الفم: وضع الثوب ونحوه مما يحصل ذلك المقصود، وإنما تتعين اليد إذا لم يرتد التثاؤب بدونها، ولا فرق في هذا الأمر بين المصلي وغيره، بل يتأكد في حال الصلاة، ويستثنى ذلك من النهي عن وضع المصلي يده على فمه، ومما يؤمر به المتثائب إذا كان في الصلاة: أن يمسك عن القراءة حتى يذهب عنه؛ لئلا يتغير نظم قراءته. فتح الباري (10/ 612).
قال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: ‌أَمر ‌بكظم التثاؤب وردِّه ووضع اليد على الفم؛ لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله فمِه وضحكه منه، والله أعلم. شرح صحيح مسلم (18/ 123).

قوله: «وإذا قال: آه آه فإن الشيطانَ يَضحكُ مِن جَوفِه»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«آه آه» وهو حكاية صوت التثاؤب إذا بالغ فيه. شرح سنن أبي داود (19/ 215).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فإذا قال: آه آه» تصويتًا بتثاؤبه «فإن الشيطان يضحك من جوفه» من جوف المتثائب؛ لأنه قد وجد سبيلًا إلى الدخول إلى جوفه، فلذا أمر بِردِّه ما استطاع. التنوير (7/ 386).
وقال الكلاباذي -رحمه الله-:
«فإنَّ الشيطان يضحك في جوفه» فأخبر أنَّ الشيطان يدخل في جوف الإنسان، فيجوز أن يكون مدخله فيه من طريق الخياشيم من طريق الوسوسة، وهو باب ظاهر، ويقول الناس لمن استخفه أمر أو ظهر فيه كِبر: نفخ الشيطان في مِنخَره. معاني الأخيار (ص: 108).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
النكتة في كونه يضحك منه: لأنه صيَّره مَلعبة له بتشويه خَلْقِه في تلك الحالة. فتح الباري (10/ 612).

قوله: «وإن الله يُحبُّ العطاسَ ويكرهُ التثاؤُبَ»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «إن الله يُحب العُطاس ويَكرهُ التثاؤب» معنى المحبة والكراهة فيهما إِنما ينصرف إلى الأشياء الجالبة لهما؛ وذلك أن العُطاس إنما يكون مع خفة البدن وانفتاح السُّدَد، وعدم الكظة، والتثاؤب إنما يغلب على الإنسان عند امتلاء البدن وثقله، وسببه: الإكثار من المآكل والتخليط فيه. أعلام الحديث (3/ 2225).
وقال الخطابي -رحمه الله- أيضًا:
معنى حُب العطاس وحمده وكراهة التثاؤب وذمِّه: أنّ العطاس إنما يكون مع انفتاح المسام وخفة البدن وتيسير الحركات، وسبب هذه الأمور: تخفيف الغذاء والإقلال من المطعم والاجتزاء باليسير منه، والتثاؤب إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه وعند استرخائه للنوم وميله إلى الكسل؛ فصار ‌العطاس ‌محمود؛ لأنه ‌يعين ‌على ‌الطاعات، والتثاؤب مذمومًا لأنه يثبطه عن الخيرات وقضاء الواجبات. معالم السنن (4/ 141).
وقال النووي -رحمه الله-:
«إن الله تعالى يحب العطاس ويكره التثاؤب» قالوا: لأن العطاس يدل على النشاط وخفة البدن، والتثاؤب بخلافه؛ لأنه يكون غالبًا مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل، وإضافته إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى الشهوات، والمراد: التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك، وهو: التوسع في المأكل وإكثار الأكل. شرح صحيح مسلم (18/ 122).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «إن الله يحب العطاس» يعني: الذي لا ينشأ عن زكام؛ لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت، ويحتمل التّعميم في نوعي العطاس، والتفصيل في التشميت خاصة. فتح الباري (10/ 607).
وقال العيني -رحمه الله- بعد أن ذكر كلام ابن حجر السابق:
قلتُ: ظاهره التعميم، لكن خرج منه الذي يعطس أَكثر من ثلاث مرات. عمدة القاري (22/ 227).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «إن الله يحب العطاس» لأنه سببُ خِفَّةِ الدماغ وصفاء القوى الإدراكية؛ فيحمل صاحبه على الطاعة.تحفة الأحوذي (8/ 17).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«ويكره التثاؤب» لأنه يمنع صاحبه عن النشاط في الطاعة ويوجب الغفلة؛ ولذا يفرح به الشيطان وهو المعنى في ضحكه الآتي. تحفة الأحوذي (8/ 17).
قال الصنعاني -رحمه الله-:
كرَّره (العطاس) زيادة في ذكر شرف العُطاس، وكراهة التثاؤب. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 387).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
إنْ قال قائل: ليس العُطاس داخلًا تحت الكَسب ولا التثاؤب، فما حيلة العَبد في تحصيل المحبوب ونفي المكروه؟
فالجواب: أنّ العُطاس إنما يكون مع انفتاح المسام وخفة البدن وتيسير الحركات، وسبب هذه الأشياء: تخفيف الغذاء والتقلل من المطعم، فأما التثاؤب فإنه يكون مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه للنوم، فحمد العطاس لأنه يعين على الطاعة، وذم التثاؤب لأنه يثبط عن الخير. كشف المشكل (3/ 530).

قوله: «فإذا قال الرجلُ: آه آه إذا تثاءَبَ؛ فإنَّ الشيطانَ يضحكُ في جوفِه»:
قال الحكيم الترمذي -رحمه الله-:
التثاؤب أصله من قِلة المبالاة ألقي إلى إبليس، ألا ترى أنه قال: «يضحك في جوفه» فالضحك من ذهاب البال. المنهيات (ص: 178).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال شيخنا (العراقي) في (شرح الترمذي): لا يعارض هذا حديث أبي هريرة -يعني حديث الباب في محبة العطاس وكراهة التثاؤب- لكونه مقيدًا بحال الصلاة، فقد يتسبب الشيطان في حصول ‌العطاس ‌للمصلي ليشغله عن صلاته، وقد يقال: إن العُطاس إنما لم يوصف بكونه مكروهًا في الصلاة لأنه لا يمكن ردُّه بخلاف التثاؤب؛ ولذلك جاء في التثاؤب: «فليرده ما استطاع» ولم يأت ذلك في العطاس. فتح الباري (10/ 607).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا