الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«ما مِنْ مسلمٍ يَبِيتُ على ذِكْرٍ طاهِرًا، فَيَتَعَارُّ مِن اللَّيلِ فيسألُ اللَّهَ خيرًا مِن الدُّنيا والآخِرةِ إلَّا أعطَاهُ إيَّاهُ»


رواه أحمد برقم: (22048)، وأبو داود برقم: (5042)، والنسائي في الكبرى برقم: (10574) وابن ماجه برقم: (3881)، من حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (5754)، صحيح الترغيب والترهيب برقم:(598).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«يَبِيْتُ»:
أي: يرقد في الليل. مرقاة المفاتيح، للقاري (3/ 918).
بَات يَبِيت بَيِتُوتَة ومبيتًا ومباتًا فهو بَائِت، وتأتي نادرًا بمعنى: نام ليلًا، وفي الأعم الأغلب بمعنى: فعل ذلك الفعل بالليل، كما اختص الفعل في (ظل) بالنهار، فإذا قلتَ: بات يفعل كذا، فمعناه: فعله بالليل، ولا يكون إلا مع سهر الليل. المصباح المنير، للفيومي (1/ 67).

«فيتعارُّ»:
أي: ينتبه ويتحرك. مرقاة المفاتيح، للقاري (3/ 918).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
أي: إذا ‌استيقظ، ولا يكون إلا يقظة مع كلام. النهاية(3/٢٠٤)
وقال الخطابي -رحمه الله-:
معناه: يستيقظ من النوم. وأصل التعار السَّهر والتقلب على الفراش، يقال: إن التعارَّ لا يكون إلا مع كلام وصوت. معالم السنن (4/143).


شرح الحديث


قوله: «ما مِن مسلم يبيت على ذِكرٍ طاهرًا»:
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ما من مسلم يبيت على ذكر» الله تعالى من قراءة، أو تكبير، أو تهليل، أو تسبيح، أو تحميد. شرح سنن أبي داود (19/ 245).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«على ذكر» أي: من الأذكار المستحبة عند النوم، أو مطلق الأذكار. مرقاة المفاتيح (3/ 918).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«على ذِكرٍ» يحتمل من الأذكار المستحبة عند النوم، ويحتمل الإطلاق. فتح الإله في شرح المشكاة (5/55-56).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ما من مسلم يبيت على ذكر» لله تعالى بأي أنواع الذكر، إلَّا أن المأثور عند النوم أفضلُ أنواعه. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 505).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «يبيت على ذكر طاهرًا» يعني: ليكن الرجل يضطجع متوضئًا، ويذكر الله تعالى، فإذا استيقظ من النوم استيقظ فذكر الله، فإذا كان كذلك صار مستحقًّا لأن يستجاب دعاؤه. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 269).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«طاهرًا» أي: متوضئًا، أو متيممًا، أو طاهرًا قلبه من الغلِّ والغش والحقد والأوزار، أو سليمًا قلبه من غير الملك الجبار. مرقاة المفاتيح (3/ 918).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«طاهرًا» عن الحدثين والْخَبَثِ، طهارة كاملة، ولو بالتيمم بشرطه. فيض القدير (5/497).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «طاهرًا» أي: من المحدثين(الحدثين)، كما هو الأكمل المنصرف إليه المطلق، وأما حديث: «فليتوضأ وضوءه للصلاة»...، فقيل: هو بيان للطهارة، وإِيْمَاءٌ إلى أنه أقلُّ أنواعها، فيكفي الْمُجْنِبُ أن يتوضأ وينام، أو يتيمم عند فقد الماء حِسًّا أو شرعًا.
والظاهر: أن ما في هذا الحديث إنما يحصل بالطهر من المحدثين(الحدثين) بالوضوء إن كان ذا حدث أصغر فقط، أو بالغسل أو التيمم عند تعذره حِسًّا أو شرعًا إن كان ذا حدث أكبر؛ لأن الحاصل بالوضوء للجنب إنما هو تخفيف الحدث لا رفعه. الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (3/ 165-166).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وظاهر قوله: «يبيت» أي: أنَّ ذا خاص بنوم الليل، واشترط في ذلك المبيت على طُهْرٍ؛ لأن النوم عليه يقتضي عروج الروح وسجودها تحت العرش الذي هو مصدر المواهب، فمن لم يبت على طُهْرٍ لا يصل لذلك المقام الذي منه الفيض والإنعام، وفي خبر البيهقي: «إن الأرواح يعرج بها في منامها، فتؤمر بالسجود عند العرش، فمن بات طاهرًا سجد عند العرش، ومن كان ليس بطاهر سجد بعيدًا عنه». فيض القدير (5/497).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يبيت على طهر» أي: ينام عليه، والمراد به الوضوء كاملًا حال كونه ذاكرًا لله تعالى عند بيتوتته بالأذكار المأثورة عند النوم أو غيرها. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 16).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
وهذا في نوم الليل، مع كمال التطهُّر. التنوير شرح الجامع الصغير (9/505- 506).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«طاهرًا» يحتمل من الحدثين، وهو الظاهر؛ لأنه هو السُّنة، ويحتمل أنه الجنابة فقط، أو من الحدث الأصغر فقط، ثم رأيتٌ بعضهم فسَّر «طاهرًا» بمتوضأ، وهو محتمل أيضًا. فتح الإله في شرح المشكاة (5/55-56).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قلتُ: ويشبه أنْ تُحصَّل فضيلة هذِه الطهارة عند النوم بضرب اليد على الجدار التراب، كما في حديث: من سَلَّم عليه فلم يردَّ عليه السلام حتى ضرب يده بالحائط، فإنه لَمْ يُرِدْ صلاة حتى يتوضأ، بل أراد ذكر اللَّه في ردِّ السلام، ولعل هذِه الفضيلة مخصوصة بنوم الليل دون النهار. شرح سنن أبي داود (19/ 246).

قوله: «فيتعارُّ من الليل»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «فيَتَعَارُّ» صح ها هنا بصيغة المضارع. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1198).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فيتعارُّ» بصيغة المضارع، وفي بعض النسخ بلفظ الماضي. لمعات التنقيح (3/ 328).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
تَعار يَتَعار: يستعمل في انتباهٍ معه صوت، يقال: تعارَّ الرجل إذا هبَّ من نومه مع صوت.
ويحتمل: أنه أُخِذَ من عَرَار الظَلِيم، وهو صوته، يقال: عار الظَّلِيم يعارُّ، ويقول بعضهم: عار الظَّلِيم يَعرُّ عَرَارًا كما قالوا: زمَّر النَّعام يُزمِّر زَمَارًا. وأرى استعمال هذا اللفظ في هذا الموضع دون الهبوب والانتباه والاستيقاظ وما في معناه لزيادة معنى، وهو أراد أن يخبر بأن مَنْ هَبَّ من نومه ذاكرًا لله تعالى مع الهبوب، فسأل الله خيرًا أعطاه إياه، فأوجز في اللفظ، وأعرض في المعنى، فأتى من جوامع الكلم التي أوتيها بقوله: «تعارَّ» ليدل على المعنيين، وأراه مثل قوله سبحانه: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} الإسراء: 107، فإن معنى خَرَّ: سقط على اجتماع أمرين: السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح. وكذلك في قوله: «تعار» تنبيه على الجمع بين الانتباه والذكر، وإنما يوجد ذلك عند مَنْ تعوَّد الذِّكْر فاستأنس به، وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته، ولله قائله:
يَهِيم فؤادي ما حييت بذكرها *** ولو أنني أرممت أنَّ به الصَّدى الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 311).
وقال الطيبي -رحمه الله- معلقًا على التوربشتي:
أقول: ما أرشق هذا اللفظ، وما ألطف هذا المعنى، ولله درُّ الشيخ -رضي الله عنه-، ودرُّ كلماته، ودرُّ إشاراته! الكاشف عن حقائق السنن (4/1199).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
«فتعار» أي: استيقظ، ويحتمل: أنْ يكون يبيت على ذِكْرٍ، فغلبه النوم، فيتعارُّ، وهذا أقرب إلى اللفظ. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (171).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«من الليل» في النصف الثاني. شرح سنن أبي داود (19/ 245).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«فيتعار» أي: يستيقظ «من» النوم في «الليل» مستحضر الذِّكْر، مُدِيمًا له بحسب الإمكان، كما أشعرت فاء التعقيب، وإنما يُوجَد ذلك لمن أَلِفَ دوام الذِّكْر، حتى امتزج بلحمه ودمه، وصار حديث نفسه في نومه ويقظته. فتح الإله في شرح المشكاة (5/56).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- معلقًا:
«من الليل» أي: بعضه، وأغرب ابن حجر (الهيتمي) فقال: أي: من النوم في الليل. مرقاة المفاتيح (3/ 918).
وقال العلقمي -رحمه الله-:
قوله: «من الليل» قال بعضهم: أي: في النصف الثاني من الليل، انتهى، قلتُ: بل هو ظاهر في جميع الليل، وقال بعضهم: ولعل هذه الفضيلة مختصة بنوم الليل دون النهار؛ لقوله: «يبيت» ولقوله: «من الليل». الكوكب المنير شرح الجامع الصغير، مخطوط لوح (540).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«من الليل» أيُّ وقت كان، والثلث الأخير أرجى لذلك، فمن خصَّه بالنصف الثاني فقد حَجَّر واسعًا. فيض القدير (5/497).

قوله: «فيسأل الله خيرًا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فيسأل الله خيرًا» أي: مقدَّرًا أو معلَّقًا. مرقاة المفاتيح (3/ 918).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فيسأل الله خيرًا من الدنيا والآخرة» أي: من خيرهما. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 16).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إلا أعطاه الله إياه» أو أعطاه خيرًا مما تمناه في دنياه وأخراه. مرقاة المفاتيح (3/ 918).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«إلا أعطاه الله إياه» ببركة نومه على الذِّكر، والاستيقاظ عليه. فتح الإله في شرح المشكاة (5/56).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إلا أعطاه إياه» قيَّدَ مسألة النوم على طهارة وعلى ذكر الله تعالى. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 16).
وقال الحفني -رحمه الله-:
قوله: «إلا أعطاه الله إياه» أي: بعينه، أو ادَّخر له ما هو أحسن منه، أو دفع عنه به بلاء. حاشيته على الجامع الصغير 3/290).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
والمقصود من الحديث: أنَّ الإنسان ينام على طهارة، وأنَّ هذا أمر مستحب. شرح سنن أبي داود (572/15).
وقال الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله-:
والعبد كُلما كان قريبًا من الله، مطيعًا له، محافظًا على أوامره كان حريًّا بالإجابة والقبول في دعواته ومناجاته لربه. فقه الأدعية والأذكار (2/ 112).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
ففيه الإشارة إلى أن النوم على الطهارة من أسباب إجابة الدعاء كلَّما انقلب في ليلته. الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (3/ 166).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وفيه: نَدْبُ الوضوء للنوم. فيض القدير (5/497).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا