«اسمُ اللَّهِ الأعظمُ الذي إذا دُعِيَ به أجابَ في سورٍ ثلاثٍ: البقرةِ وآل عِمْرَانَ وطه».
رواه ابن ماجه برقم: (3856) واللفظ له، والطحاوي في شرح مشكل الآثار برقم: (176)، والطبراني في المعجم الكبير برقم: (7925)، والحاكم برقم: (1861) من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (979)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (746).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «اسم الله الأعظم»:
قال الطيبي-رحمه الله-:
«اسم الله الأعظم» قيل: الأعظم هنا بمعنى العظيم، وليس أفعل التفضيل؛ لأن جميع أسمائه عظيم، وليس بعضها أعظم من بعض.
وقيل: بل هو للتفضيل؛ لأنَّ كُل اسم فيه أكثر تعظيمًا لله، فهو أعظم، فالرحمن أَعظم من الرحيم، والله أَعظم من الرِّب، فإنه لا شريك في تسميته به لا بالإضافة ولا بدونها، وأمّا الربُّ فيضاف إلى المخلوقات، كما يُقال: ربُّ الدار. الكاشف عن حقائق السنن (6/ ١٨١٦).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُعلقًا:
والأظهر: أنَّه صفة كاشفة؛ إذ أسماؤه سبحانه كلها بوصف المبالغة، حتى قيل: في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فصلت: 46: إنَّه إنَّما أتى بصيغة المبالغة مبينًا أنَّه لو كان يُتصوَّر فيه الظلم لكان على الوجه الأبلغ.
ويمكن أنْ يقال: المراد بالأعظم هنا الأفضل، والأولى في باب الدعاء واستجابته، كما يدل عليه وصفه أيضًا بقوله: «الذي إذا دُعي» بصيغة المجهول، أي: دُعي الله به، أي: بذلك الاسم. الحرز الثمين (ص: 355).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«اسم الله الأعظم» بمعنى: العظيم، إن قلنا: إن أسماء الله ليس بعضها أعظم من بعض، أو للتفضيل إن قلنا: بتفاوتها في العظم، وهو رأي الجمهور. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 153).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«اسم الله الأعظم» صفة للاسم، وأسماؤه تعالى عظيمة كلها، شريفة جليلة، وخصَّ بعضها بالأعظمية؛ إما لشرف معناه، أو ما يدل عليه، ولأمر استأثر الله بعلمه. التنوير شرح الجامع الصغير (2/366).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فإن النصوص تدلُّ على أن بعض أسمائه أفضلُ من بعض؛ ولهذا يقال: دعا الله باسمه الأعظم.
وتدلُّ على أن بعض صفاته أفضل من بعض، وبعض أفعاله أفضل من بعض، ففي الآثار ذكر اسمه العظيم واسمه الأعظم، واسمه الكبير والأكبر؛ كما في السنن، ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه عن ابن بريدةَ عن أبيه قال: «دخلتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد، فإذا رجل يصلي يدعو: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم؛ الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب»....
وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله كتب في كتاب، فهو موضوع عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي»، وفي رواية: «سبقت رحمتي غضبي»، فوصف رحمته بأنها تغلب وتسبق غضبه، وهذا يدلُّ على فضل رحمته على غضبه من جهة سبقها وغلبتها.
وقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول في سجوده: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك»...، ومعلوم أن المستعاذَ به أفضلُ من المستعاذ منه، فقد استعاذ برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته. مجموع الفتاوى (17/90-92).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقال ابن حبان: الأعظمية الواردة في الأخبار إنما يراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك، كما أطلق ذلك في القرآن، والمراد به مزيد ثواب القارئ.
وقيل: المراد بالاسم الأعظم كل اسم من أسماء الله تعالى، دعا العبد به مستغرقًا بحيث لا يكون في فكره حالتئذٍ غيرُ الله تعالى، فإن مَنْ تأتَّى له ذلك استجيب له، ونقل معنى هذا عن جعفر الصادق، وعن الجنيد، وعن غيرهما.
وقال آخرون: استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم، ولم يُطْلِعْ عليه أحدًا من خلقه.
وأثبته آخرون معينًا، واضطربوا في ذلك، وجملة ما وقفت عليه من ذلك أربعة عشر قولًا:
الأول: الاسم الأعظم: (هو) نقله الفخر الرازي عن بعض أهل الكشف (وهم الصوفية) واحْتُجَّ له بأن من أراد أن يعبِّرَ عن كلام معظَّمٍ بحضرته لم يقل له: أنت، قلتَ: كذا، وإنما يقول: (هو) يقول تأدُّبًا معه.
الثاني: الله؛ لأنه اسم لَمْ يُطلقْ على غيره؛ ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى، ومن ثم أضيفت إليه.
الثالث: الله الرحمن الرحيم، ولعلَّ مستنده ما أخرجه ابن ماجه عن عائشة «أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعلِّمها الاسم الأعظم، فلم يفعل، فصلَّتْ ودعت: اللهم إني أدعوك الله، وأدعوك الرحمن، وأدعوك الرحيم، وأدعوك بأسمائك الحسنى كلها، ما علمت منها، وما لم أعلم...» الحديث، وفيه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لها: «إنه لفي الأسماء التي دعوت بها». قلتُ: وسنده ضعيف، وفي الاستدلال به نظر لا يخفى.
الرابع: الرحمن الرحيم الحيُّ القيوم؛ لِمَا أخرج الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} البقرة: 163، وفاتحة سورة آل عمران: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} آل عمران: 2 أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي، وحسَّنه الترمذي، وفي نسخة: صحَّحه، وفيه نظر؛ لأنه من رواية شَهْر بن حَوْشَبٍ.
الخامس: الحيُّ القيوم، أخرج ابن ماجه من حديث أبي أمامة: «الاسم الأعظم في ثلاث سور: البقرة وآل عمران وطه». قال القاسم الراوي عن أبي أمامة (القاسم بن عبد الرحمن الشامي التابعي): التمسته منها؛ فعرفت أنه الحي القيوم، وقوَّاه الفخر الرازي، واحتجَّ بأنهما يدلان من صفات العظمة بالربوبية ما لا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما. . ينظر بقية الأقوال، فتح الباري(11/224-225).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- متعقِّبًا لابن حجر:
هكذا طعن الحافظ (ابن حجر) في هذا الحديث بسبب شَهْر بن حَوْشَب، وفيه نظر؛ لأنه ثقة، وأقلُّ أحواله أن يكون حسن الحديث، كما حققته في شرح المقدمة لهذا الكتاب (يعني: مقدمة صحيح مسلم) فإن كان طعنه في تحسين الترمذي له، فالحقُّ مع الترمذي، وإن كان في تصحيحه فعسى، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (42/ 35).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى: هو اسم الحيِّ القيوم،. والحياة التامة تضادُّ جميع الأسقام والآلام؛ ولهذا لَمَّا كملت حياة أهل الجنة لم يلحقهم همٌّ ولا غمٌّ، ولا حزنٌ ولا شيءٌ من الآفات، ونقصان الحياة تضرُّ بالأفعال، وتنافي القيومية، فكمال القيومية لكمال الحياة، فالحيُّ المطلق التامُّ الحياةِ لا تفوته صفة الكمال ألبتة، والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن ألبتة، فالتَّوسُّلُ بصفة الحياة القيومية له تأثير في إزالة ما يضادُّ الحياة، ويضرُّ بالأفعال. زاد المعاد (4/ 188).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
اسم الله الأعظم هو الحيُّ القيوم، تقول: يا حيُّ يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، وقد ذُكِرَ هذانِ الاسمانِ الحيُّ القيوم في ثلاثة مواضع من كتاب الله؛ ذُكِرَ ذلك في آية الكرسي {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} البقرة: 255، وذُكِرَ في أول سورة آل عمران {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} آل عمران: 2، وذُكِرَ في سورة طه من قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} طه: 111. فتاوى نور على الدرب (24/2).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قد اختُلف في تعيين الاسم الأعظم على نحو أربعين قولًا، قد أفردها السيوطيُّ بالتصنيف. قال ابن حجر: وأرجحها من حيث السند: الله لا إله إلا هو، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد. تحفة الذاكرين (ص: 83).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
الأرجح عندي عَدَمُ تعيينه باسم خاصٍّ؛ لعدم نصٍّ صريح بذلك، وإنما هو في مضمون كلام، كما تقدمت النصوص المشيرة إليه، فتبصَّرْ. البحر المحيط الثجاج (42/37).
وقال ابن باز -رحمه الله-:
كل أسماء الله يقال لها: الأعظم؛ كلها عُظمى، وكل أسماء الله عُظمى. فتاوى نور على الدرب (1/171).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وهنا ينشأ إشكال على مَنْ عيَّن أنَّه الحيُّ القيوم، واختاره النووي، وعلَّله بما فيه نظر ظاهر، وهو أنَّه لم يُذكر في القرآن إلا ثلاث مرات؛ إذ أيُّ لزوم أو مناسبة بين ذكره ثلاثًا وكونه اسم الله الأعظم؟! فتح الإله في شرح المشكاة (7/444).
قوله: «الذي إذا دُعي به أجاب»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«الذي إذا دعي به أجاب» بمعنى أنه يُعطى عين المسؤول بخلاف الدعاء بغيره، فإنه وإن كان لا يَرِدُ لكونه بين إحدى ثلاث: إعطاء المسؤول في الدنيا، أو تأخيره للآخرة، أو التعويض بالأحسن. فيض القدير (1/510).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«الذي إذا دعي به أجاب» وصف كاشف، ويَحتمِلُ: أنه مخصص، وأنه الاسم الذي يَخْتِصُّ بسرعة الإجابة لمن توسل إلى الله تعالى به، والمراد من الدعاء به نداءه تعالى به، في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يا حيُّ يا قيوم، برحمتك أستغيث» ونحوه. ومن السؤال به أن يقسم به عليه في قوله: «أسألك بأنك أنت الحيُّ القيوم»، ولم يذكر هذه الصورة هنا، كأنه اكتفى بأحد المتلازمين عن الآخر، ويَحْتمِلُ: أن تلك خاصة بدعوة يونس. التنوير شرح الجامع الصغير (2/366).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «أجاب» أي: غالبًا، أو إذا تحقق شروط إجابة الدعاء «وإذا سُئل به أعطى». والظاهر المتبادر أنه تأكيد لما قبله، والتحقيق: أنَّ الدعاء أعمُّ من السؤال، أو مختصٌّ بما لم يكن هناك سؤال، فمعنى الإجابة هو القبول. وقيل: الفرق بينهما أنَّ الأول أبلغ، فإن إجابة الدعاء تدلُّ على شرف الداعي ووجاهته عند المجيب، فيتضمن قضاء حاجته أيضًا، بخلاف السؤال، فإنه يكون مذمومًا، كأن يكون في إثم، وقطيعة رحم. الحرز الثمين (ص: 355).
قوله: «في سور ثلاث: البقرة وآل عمران وطه»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
أي: مذكورًا وموجودًا، يَحتمِلُ: أنه في كُل سورة أو أنه في مجموعها إلا أنه قال القاسم بعد رواية الحديث: «فالتمستها فإذا هي آية { الْحَيُّ الْقَيُّومُ}» البقرة: 255، فدل على الأول «في البقرة» وفي آية الكرسي، وفي «آل عمران» في أولها «وطه» في {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} طه: 111، ويدلُّ له أيضًا حديث أنس عند أهل السنن، وفيه أنه -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا دعا بدعاء في آخره: «يا حيُّ يا قيوم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: أتدرون ما قال؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه الأعظم...» الحديث، ويدلُّ له أيضًا أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اجتهد في الدعاء قال: «يا حيُّ يا قيوم»...
ويَحتمِلُ: أن حديث أسماء بيان لِمَا أجمله هنا في سورة البقرة وآل عمران، ويبقى مُجْمَلًا في سورة طه غير معين هنا، ويكون ذلك حثًّا على التَّوسُّل بالسورة لو لم يبين، أو أن الذي أُجْمِلَ في آل عمران مبين أيضًا بحديث ابن عباس الآتي (يعني به: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} البقرة: 163، وفاتحة آل عمران {الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} آل عمران: 1-2»)، ويكون قد اشتملت على اسمين من أسماء الله تعالى الموصوفة بالأعظمية؛ بناءً على أن الاسم العظيم متعدد كما أرشدت إليه هذه الأحاديث، وتكون الأعظمية إضافية في المذكورة، أو أنه في واحد حقيقي، وهو غير معين. التنوير شرح الجامع الصغير (2/366-367).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«في ثلاث سور من القرآن: في البقرة وآل عمران وطه» أي: في واحدة منها، أو في كُل منها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 153).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
حديث أبي أمامة في أنَّه في ثلاث سور: البقرة وآل عمران وطه و{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} في هذه السور، أما البقرة وآل عمران فظاهر، وأما طه ففيها أولًا: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} طه: 8، وآخرًا: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} طه: 111، قال الحنفي: فيه نظر؛ لجواز كون الاسم الأعظم المأخوذ من هذا المجموع.
قلتُ: الأظهر في الجمع أنْ يُقال: الله لا إله إلا هو، الرحمن الرحيم، الحي القيوم؛ ليكون مشتملًا على جميع ما ذُكر في السور، وكأنَّ المصنف (الجزري) نظر إلى أنَّ الموجود في جميعها هو: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. الحرز الثمين (ص: 375-376).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: والأظهر عندي ما قاله الجزري؛ لِمَا ذكرنا من رواية أحمد، وتقدَّم عن السندي أنه قال: المراد به: لا إله إلا هو، والله تعالى أعلم. مرعاة المفاتيح (7/ 440).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وفي الحديث: ردٌّ على أبي الحسين بن سمعون في زعمه أنَّ الاسم الأعظم سبعة وثلاثون حرفًا من حروف المعجم، نقله عنه في الملل والنحل. فيض القدير (1/ 510).