الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«الحُمَّى ‌كِيرٌ ‌مِن ‌جهنَّمَ، فما أَصابَ المؤمِنَ منها كان حَظَّهُ مِن جهنَّمَ».


رواه أحمد برقم: (22274)، والطبراني في الكبير برقم: (7468)، والبيهقي في الشُّعب برقم: (9383)، من حديث أبي أُمامة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3188)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1822).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الحُمَّى»:
الحُمَّى والحُمَّةُ: عِلَّةٌ يسْتَحِرُّ بها الجسمُ، مِن الحَمِيم. لسان العرب، لابن منظور (12/ 155).
وقال ابن دريد -رحمه الله-:
يقال: حُمَّ الرجلُ من الحمَّى، فهو مَحْمُوم، وكل شَيْء سخَّنته فقد حمَّمته تحميمًا، ويُقال: حمَّمتُ التَّنور إذا سجَّرتُه. جمهرة اللغة(1/ 102).

«‌كِيرٌ»:
الكِيْرُ بالكسر: كِيْرُ الحداد، وهو المبني من الطين، وقيل: الزِّقُّ الذي ينفخ به النار. النهاية، لابن الأثير (4/ 217)
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
أما الكِير: فهو موضع نار الحداد والصائغ، وليس الجلد الذي تسميه العامة كيرًا. التمهيد - (15/ 102).


شرح الحديث


قوله: «الحُمى كير من جهنم»:
قال ابن رجب -رحمه الله-:
وأما ما يجدونه من آثار النار، فما يجدونه من الحمى، فإنها من فيح جهنم...
وهي نوعان: حارة وباردة.
فالحارة من آثار سَمُومِ (الريح الحارة وتكون غالبًا بالنهار) جهنم، والباردة من آثار زمهرير (شدة البرد) جهنم. مجموع رسائل ابن رجب (2/ 373).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «كِيْر من جنهم» كأنَّه أراد بالكير حفرة من حفر جهنم، وأصل الكِير: ما يبنيه الحدَّاد من الطين للنار، والمراد: أنها آثار حرارة تلك الحفرة. حاشيته على مسند أحمد (5/252).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«الحمى ‌كير ‌من ‌جهنم» أي: حقيقةً، أرسلت منها إلى الدنيا نذيرًا للجاحدين، وبشيرًا للمقربين أنها كفارة لذنوبهم، أو حرّها شبيه بحرِّ كير جهنم. فيض القدير (3/ 419).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والحُمّى أنواع، واختُلف في نسبتها إلى جهنم فقيل: حقيقة، واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم، وقدَّر الله ظهورها بأسباب تقتضيها؛ ليعتبر العباد بذلك، كما أنّ أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنّة أظهرها في هذه الدار عِبرة ودلالة، ... وقيل: بل الخبر ورد مورد التشبيه، والمعنى: أن حرَّ الحمى شبيه بحرِّ جهنم؛ تنبيهًا للنفوس على شدة حرّ النار،... والأول أَوْلى، والله أعلم. فتح الباري (10/ 175).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
الكِير: بكسر الكاف وسكون الياء: زِقٌّ ينفخ فيه الحدَّاد؛ أي: حرارتها تُنفخ من نار جهنم؛ أي: منفوخ بها من نار جهنم...، والمعنى: حرارة الحمى منفوخة من حرارة جهنم على أهل الدنيا بكِير القُدْرة وزِقِّهِا؛ لتكون طُهرةً للمؤمن، وعذابًا للكافر والمنافق. مرشد ذوي الحجا والحاجة (20/ 286).

قوله: «فما أَصابَ المؤمِنَ منها كان حظَّهُ مِن جهنَّمَ»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
أي: نصيبه، وهو يحتمل وجهين:
أحدهما: أنها نصيبه من الحتم المقضي في قوله تعالى: {‌وَإِنْ ‌مِنْكُمْ ‌إِلَّا ‌وَارِدُهَا} مريم: 71، أو نصيبه مما اقترف من الذنوب، وهو الظاهر. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1357).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أي: نار جهنم، فإذا ذَاق لهيبها في الدُّنيا لا يذوق لهَب جهنم في الأُخرى. قال الزين العراقي: إنما جعلت حَظّه من النار لما ‌فيها ‌مِن ‌الحرِّ ‌والبرد ‌المُغير للجسم، وهذه صفة جهنم؛ فهي تكفر الذنوب فتمنعه دخول النار. فيض القدير (3/ 420).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
فإذا كانت الحُّمى من النار، ففي هذه الأحاديث أنها حظ المؤمن من نار جهنم يوم القيامة.
والمعنى -والله أعلم-: أن حرارة الحُمَّى في الدُّنْيَا تكفِّر ذنوب المؤمن، ويطهر بها، حتى يلقى الله بغير ذنب، فيلقاه طاهرًا مطهَّرًا من الخبث، فيصلح لمجاورته في دار كرامته دار السلام، ولا يحتاج إِلَى تطهير في كِير جهنم غدًا؛ حيث لم يكن فيه خبث يحتاج إِلَى تطهير، وهذا في حق المؤمن الَّذِي حقق الإيمان، ولم يكن له ذنوب، إلا ما تكفِّره الحمى وتطهِّره. مجموع رسائل ابن رجب (2/ 374).
وقال ابن رجب -رحمه الله- أيضًا:
وفي مناسبة تكفيرها الذنوب كلها: أن الحمّى يأخذ منها كُل أعضاء البدن ومفاصله قسطَه من الألم والضعف، فيكفّر ذلك ذنوب البدن كلها.
وإذا كانت الحمّى بهذه المثابة، وأنها كفارة للمؤمن وطهارة له من ذنوبه، فهي حظه من النار؛ باعتبار ما سبق ذكره.
فإنه لا يحتاج إِلَى الطهارة بالنار يوم القيامة، إلا من لقي الله وهو متلطِّخ بخبث الذنوب. مجموع رسائل ابن رجب (2/ 377).
وقال ابن رجب -رحمه الله- أيضًا:
المؤمنون الذين كمل إيمانهم لا يحسُّون بحر جهنم، ولا يتأذون به عند الورود عليها، فيكون ما أصابهم في الدُّنيا من فَيْحِ جهنم بالحمّى هو حظهم من النار، فلا يحصل لهم شعور وإحساس بحر النار، سوى إحساسهم بحر الحمّى في الدُّنْيَا.
فهذا هو معنى ما ورد أن الحمّى حظ المؤمن من النار، وأنها حظهم من ورود النار يوم القيامة، والله أعلم. مجموع رسائل ابن رجب (2/ 379).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
جُعلت كفارة وطهورًا من الذنوب، وتذكرة للمؤمن بنار جهنم كي يتوب، وهي أوفى الأمراض فيما يعده المؤمن لذُخْره، وأوفى الأعراض فيما يعتده، وأقوى لمحو وزره؛ لأنها تعطي كل عضو قسطه من أجره...، ولها منافع بدنية، ومآثر سَنِيَّة، وذلك أنها تنقي البدن، وتنقي عنه الأفن (النقص والفساد) والعفن، رُبَّ سُقم أزلي، ومرض عولج منه زمانًا وهو ممتلئ، فلما طرأت عليه أبرأته، فإذا هو مُنْجَلي، كما قيل: وربما صحت الأجسام بالعللِ، وذكروا أنها تفتح كثيرًا من السُّدد، وتنضح من الأخلاط والمواد ما فسد، وينفع من الفالج واللقوة (شلل يُصيب الوجه) والتشنج والامتلائي والرمد. مقامات السيوطي (55-57).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
قال مجاهد: «الحُمى حظ كل مؤمن من النار» ثم قرأ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} مريم: 71، وهذا لم يُرِدْ به مجاهد تفسير الورود الذي في القرآن، فإن السياق يأبى حمله على الحمى قطعًا، وإنما مراده أن الله سبحانه وعد عباده كلهم بورود النار، فالحمى للمؤمن تكفِّر خطاياه، فيسهل عليه الورود يوم القيامة، فينجو منها سريعًا، والله أعلم. عدة الصابرين (ص: 89).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا