«أربعٌ مِن السعادةِ: المرأةُ الصالحةُ، والمسكنُ الواسِعُ، والجارُ الصالحُ، والمركبُ الهَني، وأربعٌ مِن الشقاوةِ: الجارُ السُّوءُ، والمرأةُ السُّوءُ، والمسكنُ الضِّيقُ، والمَركبُ السُّوءُ».
رواه أحمد برقم (1445)، وابن حبان برقم: (4032) واللفظ له، وأبو نعيم في الحلية: (8/ 388)، والحاكم برقم: (2640)، والطبراني في الأوسط برقم: (3610)، والكبير برقم: (329)، من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (282)، صحيح الترغيب والترهيب رقم: (2576)،.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«السَّعادة»:
السَّعْدُ والسَّعادةُ: معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير، ويضادّه الشّقاوة. المفردات، للراغب (2/ 46).
والسعد: نقيض النحس في الأشياء. العين، للفراهيدي (1/ 321).
«الشَّقَاوَةِ»:
ضد السعادة. معجم ديوان الأدب، للفارابي (4/ 94).
وكل شقاوة تعب ولا عكس، فالتعب أعم. التوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي (ص: 206).
شرح الحديث
قوله: «أَرْبَعٌ -وفي رواية ثلاث- مِنَ السَّعَادَةِ»:
قال الأبياري -رحمه الله-:
قوله: «ثلاث» أي: من الخصال. مواهب القدير شرح الجامع الصغير، مخطوط، لوح (159).
وقال الحفني -رحمه الله-:
«سعادة» أي: سعادة مقيدة بالدنيا، أي: راحة وتبسُّط في الدنيا، وهذه هي السعادة المقيَّدة بالدنيا، أما السعادة المطلقة فهي سعادة الدارين، وكذا يقال في الشقاوة. حاشيته على الجامع الصغير (1/340).
وقال الكلاباذي -رحمه الله-:
هذه -والله أعلم- سعادة الدنيا دون سعادة الدين، والسعادة سعادتان: مطلقة، ومقيدة، فالمطلقة: السعادة في الدين والدنيا، والمقيدة: فيما قُيِّدت به، وهذه سعادة مقيَّدة؛ لأنها ذكرت أشياء معدودة، فكان مَن رُزق امرأة صالحة، ومسكنًا واسعة، ومركبًا صالحًا طاب عيشه، ويهنأ ببقائه، وثم رفعه بها؛ لأن هذه الأشياء مِن تراخي الأبدان، ومتاع الحياة الدنيا، وقد يكون السعيد في الدين، ومن عباد الله الصالحين، ولا يكون له شيء من هذه الأشياء. معاني الأخبار (ص: 48).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والمراد أنها من دليل سعادة المرء في دنياه ودينه؛ لأن هذه الثلاثة حصولها له من أسباب رضاه وشكره. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 207).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
أي: مما يدل على أنه تعالى قد أسعده فيها فيتعين عليه مزيد الشكر والاعتراف بالنعمة. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 171).
قوله: «المرأة الصالحة»:
قال الغزالي -رحمه الله-:
أما المرأة الصالحة، فحرث الرَّجُل، وحصين دِينه. ميزان العمل (ص: 297).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وصلاح المرأة دينُها، وصاحبة الدِّين تجتنب الأنجاس والأوساخ، وتحسن أخلاقها، وتصبر على جفاء زوجها وقلة نفقته، ولا تخونه في ماله، فيطيب لذلك عيشه. كشف المشكل (4/ 129).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
و«المرأة الصالحة» هي الصالحة في دينها، ونفسها، والمصلِحة لحال زوجها، وهذا كما قال في الحديث الآخر: «ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟» قالوا: بلى، قال: «المرأة الصالحة؛ التي إذا نظر إليها سرَّته، وإذا غاب عنها حفِظَته، وإذا أمرها أطاعته». المفهم (4/ 221).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وخير ما يَنتفع به الرجلُ المرأةُ الصالحة؛ فإنه يتلذَّذُ منها، وتكون له سكنًا وأنيسًا، وتحفظ عينه وفرجه من الحرام، وتُعينه على دينه بأن تمنعه عن الكَلِّ في الطاعات، ويحصل له منها أولاد يطيعون الله، وتزيد بهم أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 9).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
وهي ما دامت معك تكون رفيقك، تنظر إليها فتسرك، وتقضي عند الحاجة بها وطرك، وتشاورها فيما يعِنُّ لك فتحفظ سرَّك، وتستمد منها في حوائجك فتطيع أمرك، وإذا غبتَ عنها تحامي مالك، وتراعي عيالك ، ولو لم يكن لها إلا أنها تحفظ بذرك، وتربي زرعك، فيحصل لك بسببها ولد يكون لك وزيرًا في حياتك، وخليفة بعد وفاتك، لكان لها بذلك فضل كبير. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 459- 460).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
فإنها تكون له سكنًا وأنيسًا، وحافظةً زوجها من الحرام، ومعينة على دينه وغير ذلك. شرح المصابيح (3/ 539).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فإذا أعجبته زوجته وخَلقها وخُلقها وبأمانتها وحفظها لنفسها وماله أغنته عن طموح النفس إلى غيرها، وأعانته على دينه ودنياه. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 207- 208).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«المرأة الصالحة» التي وصفها الله في كتابه بقوله: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ للْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ} النساء: 34. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 539).
قوله: «والمسكن الواسع»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«والمسكن الواسع» أي: الكثير المرافق بالنسبة لساكنه، ويختلف سعته حينئذٍ باختلاف الأشخاص، فرُبَّ (مسكنٍ) واسعٍ لرجل ضيق على آخر وعكسه. فيض القدير (3/ 302).
قوله: «وَالْجَارُ الصَّالِحُ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«الجار الصالح» أي: المسلم الذي لا يؤذي جاره. فيض القدير (3/ 302).
وقال النفراوي المالكي -رحمه الله-:
والمراد بالجار من كان بجوانبك الأربع، واختلف في حد الجيرة فقيل: أربعون دارًا من كل ناحية، وهو على ثلاثة أقسام: جار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد.
فالأول: المسلم القريب.
والثاني: المسلم الأجنبي.
والثالث: الذمي غير القريب. الفواكه الدواني (2/ 236).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«الجار الصالح» قد فسره حديث أنه الذي «إذا رأى خيرًا أشاعه، وإذا رأى سوءًا دفنه» فإنه ضد جار السوء. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 171).
قوله: «والمركب الهني»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«والمركب الهنيء» أي: الدابة السريعة غير الجموح والنَّفُور والخشنة المشي التي يخاف منها السقوط وانزعاج الأعضاء وتشويش البدن. فيض القدير (3/ 302).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
السريع غير النَّفُور ولا الشَّرُود ولا الحَرُون (والحَرونُ من الدَّوابَّ: التي إذا اشتد الجَرْي وقَفَتْ فلم تَتَحرَّكْ). التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 403).
قوله: «وأربع من الشقاوة»:
قال الكلاباذي -رحمه الله-:
وقد يكون السعيد في الدّين، ومِن عباد الله الصالحين، ولا يكون له شيء من هذه الأشياء وإن كانت -أي: الشقاوة- فعلى ضد هذا المعنى من الشقاوة، ومعنى الشقاوة ها هنا: التعب، قال الله تعالى: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} طه: 117، قيل: فتتعب، ومن ابتُلي بالمرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء تعب في أكثر أوقاته، ويجوز أن يكون أكثر السعداء مُبْتَلين بهذا التعب، فإن الأولياء مُرادُون بالبلاء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل»، وقد كان لنوح ولوط -صلوات الله عليهما- امرأتا سوء، فهما في غاية الشقاوة، ولوط ونوح في غاية السعادة، وامرأة فرعون أسعد أهل زمانها، وفرعون أشقى الخلق، وقد كان لموسى -صلوات الله عليه- عريش يأوي إليه، وكذلك أكثر الأنبياء -صلوات الله عليهم-، والأولياء -رضوان الله عليهم-، فدل أنه أراد السعادة المقيدة التي هي سعادة الدنيا دون السعادة المطلقة التي تعم الدين والدنيا. معاني الأخبار (ص: 48).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
والمراد بالشقاوة هنا: التعب والمشقة، من قبيل {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} طه: 117. السراج المنير شرح الجامع الصغير (3/ 219).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وخصال الشقاوة قد يصبر عليها من كانت له فيسارع فتكون سعادة في الدِّين، وقد يجزع فتكون شقاوة، وأما في الدنيا فما هي إلا من أسباب التعب والنَّصَب والهم والكدر وغير ذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 403).
قوله: «الجار السوء»:
قال الكاساني -رحمه الله-:
وضرر الجار السوء يكثر وجوده في كل ساعة فيبقى في ضرر دائم. بدائع الصنائع (5/ 5).
وقال ابن عبد ربه -رحمه الله-:
سوء الجوار: ومنه قولهم: لا ينفعك مِن جار سوء توقٍّ، والجار السوء قطعة من نار... ومنه قولهم: الجار قبل الدار، الرفيق قبل الطريق، ومنه قولهم: بعت جاري ولم أبع داري. يقول: كنتُ راغبًا في الدار، إلا أني بعتها بسبب الجار السوء. العقد الفريد (3/ 53).
وقال أبو منصور الثعالبي -رحمه الله-:
كدر العيش في ثلاثٍ: الجار السوء، والولد العاق، والمرأة السيئة الخُلق. التمثيل والمحاضرة (ص: 471).
قوله: «والمرأة السوء»:
قال الأبياري -رحمه الله-:
قوله: «والمرأة السوء» أي: التي تسيء عشرته، ولا تعفه. مواهب القدير شرح الجامع الصغير، مخطوط، لوح (159).
وقال الحفني -رحمه الله-:
قوله: «والمرأة السوء» وهي الناشزة أو العبوس مثلًا. حاشيته على الجامع الصغير (1/340).
وقال الخوارزمي -رحمه الله-:
والمرأة السوء تشبه الرَّابَّة (زوجة الأب) والعدو والسارق، والعاقل من يداري زمانه مداراة السابح للماء المغرق. مفيد العلوم ومبيد الهموم (ص: 386).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
والمرأة السوء أساس شقاء الرَّجُل وتعاسته فيها، مِن هنا كان لا بد أن يتخير الرجل شريكته، وأن يبذل جهده في التحري والانتقاء، وأن يهتم أولًا بالدِّين فكل فضائل المرأة ومحاسنها تصبح شرًّا، أو مصدر شر إذا لم تتحصن بالدين. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (6/ 34).
قوله: «والمسكن الضيق»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
لأن الضيِّق يضيِّق الصدر ويجلب الهم والغم، ويسيء الأخلاق، ويجلب الأسقام. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 152).
وقال الجويني -رحمه الله-:
فإن المسكن الضيّق يغُمّ ويضر إضرارًا بيّنًا. نهاية المطلب في دراية المذهب (15/ 444).
وقال محيي الدين ابن الخطيب الحنفي -رحمه الله-:
يُقال: دارك قميصك، إن شئت ضيِّق وإن شئت وسِّع، وعن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: «من سعادة المرء: المسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء»، وعنه -صلّى الله عليه وسلّم-: «الشؤم في المرأة والفرس والدار»، (و) سُئل بعضهم عن الغنى فقال: سعة البيوت، ودوام القوت...، وقيل: المنازل الضيّقة العمى الأصغر. روض الأخيار (ص: 161).
قوله: «والمركب السوء»:
قال الكلاباذي -رحمه الله-:
ومن ابتلي بالمرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء تعب في أكثر أوقاته، ويجوز أن يكون أكثر السعداء مبتلين بهذا التّعب. معاني الأخبار (ص: 48).