الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«‌ثلاثةٌ لا ‌تَقْرَبُهُمُ ‌الملائكةُ: جِيفَةُ الكافرِ، والمُتَضَمِّخُ بالخلُوق، والجُنب إلَّا أنْ يتوضَّأَ».


رواه أبو داود برقم: (4180)، والبيهقي في الكبرى برقم: (8974)، من حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (3061)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (173).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌جِيفَةُ»:
جثَّة الميت، وقيل: جثة الميت إذا أَنْتَنَت. لسان العرب، لابن منظور (9/ 37).
وقال أبو موسى المديني -رحمه الله-:
جافَت الميتة، واجْتَافَت، وجَيَّفتَ، بفتح الجيم: أي أنتَنَت، فهي ‌جيفة. المجموع المغيث(1/ 385).

«المتضمخ»:
أي: المتلطخ. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (16/ 515).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:‌
المتضمِّخ: المتدهِّن بالطيب. المفهم (3/ 259).

«بالخلوق»:
طيب معروف مركَّب يُتَّخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطِّيب، وتَغْلب عليه الحُمرة والصفرة. النهاية، لابن الأثير(2/ 71).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
الخَلوق: بفتح الخاء المعجمة: نوع من الطِّيب مركَّب فيه زعفران. فتح الباري (3/ 393).

«والجنب»:
الذي يجب عليه الغسل بالجماع وخروج المني...وهي في الأصل: البُعْد، وسمي الإنسان جنبًا؛ لأنه نُهي أنْ يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر، وقيل: لمجانبته الناس حتى يغتسل. النهاية، لابن الأثير (1/ 302).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قال الشافعي: إنما سُمي جُنُبًا من المخالطة، ومن كلام العرب: أجنبَ الرجلُ إذا خالط امرأته، وكان هذا ضدًّا للمعنى الأول (الذي هو البُعْد) كأنَّه من القُرْب منها، وقد قيل في قوله تعالى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْب} النساء: 36: إنها الزوجة. إكمال المعلم (2/ 220).
ويقال: رجُلٌ جُنُبٌ: إذا خالط المرأة، أو احتلم. شمس العلوم، للحميري (2/ 1183).


شرح الحديث


قوله: «ثلاثة لا تقربهم الملائكة»:
قال المنذري -رحمه الله-:
المراد بالملائكة هنا: هم الذين ينزلون بالرحمة والبركة؛ ‌دون ‌الحفَظَة فإنهم لا يفارقونه على حال من الأحوال. الترغيب والترهيب (1/ 90).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
المراد هنا بالملائكة ملائكة الرحمة دون العذاب. الأزهار شرح المصابيح مخطوط لوح (105).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ثلاثة لا تقربهم الملائكة» أي: النازلون بالبركة والرحمة، والطائفون على العباد بالزيارة، واستماع الذكر، كما يرشد إليه قوله في الثاني (أي: في الرواية الأخرى لحديث عمار هذا): «بخير»، لا الحفظة، فإنهم لا يفارقونه طرفة عين. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 218).

قوله: «جِيفة الكافر»:
قال المظهري -رحمه الله-:
أراد بـ«جيفة الكافر» ذاتَه في الحياة وبعد الموت؛ لأن الكافر نجسٌ بعيدٌ من الرحمة في الحياة، وبعد الموت سمي جيفةً؛ لقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} التوبة: 28. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 424).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«جيفة الكافر» الذمي والحربي، وفي التعبير بـ«جيفة» دون ميتة غاية تحقيره وإهانته. فتح الإله في شرح المشكاة (2/327).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«جيفة الكافر» إذا نام. شرح سنن أبي داود (16/ 521).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
المراد بجيفة الكافر ذاته ‌حَيًّا؛ لأنه نجس. فتح القريب المجيب (2/ 296).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفي قوله: «جيفة الكافر» أي: مِيْتَته، إشعار بأن المراد ملائكة الرحمة لا ملائكة العذاب؛ فإنه قد ثبت قربانهم له، ويحتمل أن المراد بجيفة جسده الخالي عن روحه فلا يقربونه، والعذاب والقربان لروحه، وفي قوله: «جيفة» إلمام بهذا بخلاف المؤمِن؛ فإنهم يقربون روحه وجسده خاليًا عنه. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 218).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«جيفة الكافر» أي: جسد من مات كافرًا، فالمراد بالجيفة الميت؛ لأن استعمالها في الميت أغلب، وفي رواية عطاء الخرساني، عند أبي داود: «إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير».مرعاة المفاتيح (2/ 158).

قوله: «والمتضمخ بالخلوق»:
قال البيضاوي -رحمه الله-:
و«المتضمِّخ بالخلوق» أي: المتلطِّخ به، وهو طيب له صبغ يُتخذ من الزعفران أو غيره، والسبب فيه: أنه تَوَسُّع في الرعونة، وتَشَبُّه بالنساء؛ وذلك يُؤْذِن بخسَّة النَّفْس وسقوطها. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 206)
وقال المظهري -رحمه الله-:
«التضمُّخ» التلطخ و«الخَلوق» بفتح الخاء: طيبٌ معروفٌ يُجعل من الزعفران مع غيره.
ووجهُ النهي عن الخلوق؛ لمَا فيه من الرُّعونة والتشبُّهِ بالنساء، والنهي عن الخلوق مختص بالرجال دون النساء. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 424).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- أيضًا:
«والمتضمخ بالخلوق» فإنه من رُعونة النَّفْس والتشبه بالنساء، أما النساء فيباح لهن.شرح سنن أبي داود (16/ 521).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«والمتضمخ» أي: المتلطخ «بالخلوق» وهو -بفتح الخاء المعجمة- طيب معروف متَّخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، ويَغلب عليه حُمرة مع صُفرة، وقد أبيح تارة ونهي عنه أخرى، وهو الأكثر، وهو مختص بالرجال دون النساء، وإنما لا تقربه الملائكة لما فيه من التشبه بالنساء والتوسع والرعونة. شرح المصابيح (1/ 302).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قال الشارح الأول: إنما استحق المتضمِّخ أنْ لا يقربه الملائكة؛ لأنه تَوسَّعَ في الرعونة، وتَشَبَّهَ بالنساء، مع أنه خالف السنة، ولم ينته عما نهاه الرسول. الأزهار شرح المصابيح، مخطوط، لوح (105).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
قوله: «والمتضمخ بالخلوق» المتضمخ بالضاد والخاء المعجمتين أي: مُتَدَهِّن بالطِّيب مُكْثِر منه، يقال: تضمَّخ بالطِّيب إذا تلطَّخ به، وتلوَّث وأكْثَرَ منه، والخلوق بفتح الخاء طِيب معروف مركَّب يُتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتَغْلُب عليه الحمرة والصفرة...
وقد ورد تارة بإباحته وتارة بالنهي عنه، والنهي أكثر وأثبت، وإنما نُهي عنه لأنه من طِيب النساء، وكنَّ أكثر استعمالًا له منه، والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (2/ 297).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«بالخَلُوق» بفتح الخاء المعجمة طِيب مركَّب من الزعفران وغيره، وفي الرواية المذكورة: «ولا المتضمخ بالزعفران»؛ وذلك لأنه متلبس بمعصية حتى يقلع عنها، فقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن التزعفر للرجال. مرعاة المفاتيح (2/ 158).

قوله: «والجنب إلا أن يتوضأ»:
قال البغوي -رحمه الله-:
وهذا فيمن يَتَّخذ تأخير الاغتسال عادة، تهاونًا به، فيكون أكثر أوقاته جُنبًا. شرح السنة (2/ 36- 37).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«والجُنُب» أي مَن أجْنَبَ وترك الغسل مع وجود الماء «إلا أن يتوضأ»؛ لأن الوضوء يخفف الحدث. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 477).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
المراد بهذا الحديث هو المتهاون بالغسل والصلاة، «حتى يتوضأ» أي: يتوضأ ويغتسل ويصلي ويستغفر؛ لأن الوضوء وحده لا يكفي، وقيل: الوضوء هنا بمعنى الغسل، بمعنى حتى يغتسل ويصلي. الأزهار شرح المصابيح مخطوط لوح (105).
وقال المنذري -رحمه الله-:
ثم قيل: هذا في حقِّ كُل مَن أخَّر الغُسل لغير عذر ولعذر إذا أمكنه الوضوء فلم يتوضأ، وقيل: هو الذي يؤخره تهاونًا وكسلًا، ويتخذ ذلك عادة، والله أعلم. الترغيب والترهيب (1/ 90).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «إلا أن يتوضأ» يعني: لا تقربُ ملائكة الرحمة أيضًا الجنبَ إلا أن يتوضأ، وهذا تهديدٌ وزجرٌ عن تأخير الغسل؛ كي لا تعتاد نفسُه بحالةٍ لا يجوز فيها الصلاة واللبثُ في المسجد وقراءة القرآن، بل ليعجِّل الغسل، وإن لم يقدر على الغسل فليتوضأ.
ويحتمل أن يريد بالوضوء ها هنا الغسل. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 424).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
يحتمل أن يراد به الجنابة من الزنا، وقيل: الذي لا تحضره الملائكة الذي لا يتوضأ بعد الجنابة وضوءًا كاملًا، وقيل: هو الذي يتواهن في غسل الجنابة فيمكث أكثر أوقاته من الجمعة إلى الجمعة جُنبًا لا يغتسل إلا للجمعة، ويحتمل أن يراد به الجنب الذي لم يستعذ من الشيطان عند الجماع، ولم يقل ما وردت به السنة: «اللهم جنِّبْنَا الشيطان، وجَنِّب الشيطان ما رزقتنا»؛ فإن من لم يقله تحضره الشياطين، ومن حضرته الشياطين تباعدت الملائكة عنه. شرح سنن أبي داود (16/ 515- 516).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- أيضًا:
«والجنب إلا أن يتوضأ» وضوءَه للصلاة أو يتيمم إذا لم يجد ماءً، فإنه إذا توضأ قبل أن ينام -كما رخص فيه في الحديث قبله- فإن الملائكة تقرب منه ولا تمتنع من حضوره إذا توضأ، وقيل: المراد بالوضوء الوضوء الذي قبل الاغتسال. شرح سنن أبي داود (16/ 521).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«إلا أن يتوضأ» أراد به الوضوء المتعارف كما مر، وهذا تهديد وزجر عن تأخير الغسل؛ كي لا يعتاد. شرح المصابيح (1/ 302).
وقال إسماعيل حقي -رحمه الله-:
«إلا أن يتوضأ»، وهذا في حق كل من أخر الغسل لغير عذر أو لعذر إذا أمكنه الوضوء فلم يتوضأ، وقيل: لم يُرد بالجنب مَن أصابته جنابة فأخَّر الاغتسال، ولكنه الجُنب الذي يتهاون بالغسل ويَتَّخذ تركه عادة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينام وهو جنب ويطوف على نسائه بغسل واحد.
وفي الشِّرْعَة: وينام بعد الوطء نومة خفيفة؛ فإنه أَرْوَحُ للنفس، لكن السُّنة فيه أن يتوضأ أولًا وضوءه للصلاة ثم ينام. روح البيان (3/ 508).
وقال خليل السهارنفوري -رحمه الله-:
فقوله: «إلَّا أن يتوضأ» يدل على العطف على «جيفة الكافر» لا على الكافر. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (12/ 206).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«والجنب حتى يتوضأ» أي: الوضوء المتعارَف وهو الوضوء الشرعي، وفي الرواية المتقدمة: «ولا الجُنب»، ورخّص للجنب إذا نام أو أكل أو شرب أن يتوضأ. مرعاة المفاتيح (2/ 158).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
استُفيد من هذا الحديث -بتقدير صحته وإلا فسيأتي أنه منقطع-: أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه جيفة كافر، ولا متضمِّخ بخلوق، ووجه ذلك فيهما واقترانهما بالثلاثة السابقة: أما في الكافر فواضح؛ لأنه الأصل لتلك الثلاثة، وأما في المتضمخ؛ فلأنه تشبه بالنساء في غاية الرعونة، وأنوثة الطبع، كما يقتضيه التعبير بالتضمخ؛ إذ هو الإكثار من التلطخ بذلك الخَلوق حتى يصير كأنه يقطر منه، ومن وصل لهذا الحد من الرعونة صار ممسوحًا من طبع الذكور؛ وذلك يؤدي إلى المسخ من الإسلام، فقرب من الكافر الذي هو أصل لتلك الثلاثة: مقتني الصورة، ومقتني الكلب، والجنب. فتح الإله في شرح المشكاة (2/327-328).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
فيه تشديد في المنع عنه؛ ولذا قرنه بجيفة الكافر. لمعات التنقيح (2/ 188).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث دليل لمن قال: إنَّ الكافر نجس حُكمًا، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} التوبة: 28. الأزهار شرح المصابيح مخطوط لوح (105).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وفي آخر الحديث: الرخصة له إذا أراد النوم، أو الأكل أن يتوضأ، وهذا يدل على أن الوضوء يخفف أمره. فتح الباري (1/ 360).


ابلاغ عن خطا