«جاء بلالٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ماتتْ فلانةُ واسْتَرَاحَتْ، فَغَضِبَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: «إنَّما يَسْتَرِيحُ مَن دخلَ الجنة»، قال قُتَيْبَةُ: «مَنْ غُفِرَ له».
رواه أحمد برقم: (24399) ورقم: (24713) والطبراني في الأوسط برقم: (9379) وأبو نعيم في الحلية (8/290)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (2319)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1710).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«اسْتَرَاحَتْ»:
استراح الرجل: من الرّاحة. أنيس الفقهاء، للقونوي(ص: 79).
وقال الفتني -رحمه الله-:
والمعنى: يستريح من تعِب الدنيا. مجمع بحار الأنوار للصديقي(2/ 390).
شرح الحديث
قوله: «ماتت فلانة واستراحت فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»:
قال الساعاتي -رحمه الله-:
إنَّما غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول بلال: «ماتت فلانة واستراحت» لأن ما كل من مات استراح، فقد يكون الموت شقاء على صاحبه، إذا كان مفرطًا فيما أوجبه الله عليه؛ ولأن مصير الإنسان لا يعلمه إلا الله مهما كان صالحًا إلا مَن دخلها فعلًا أو عَلِم دخوله بِوحي من الله -عزّ وجلّ- وكذا يُقال في المغفرة، أما مَن لم يُعلم حاله فأمرهُ مُفوّض إلى الله -عزّ وجلّ- ولا يجوز التَّكهن بمصيره. الفتح الرباني (7/ 49).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
الغضب والشدة في أمر الله؛ وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأجمعت الأمَّة على أن ذلك فرض على الأئمة والأمراء أن يقوموا به. شرح صحيح البخاري(9/ 293، 294).
وقال النووي -رحمه الله-:
جواز الفتوى والحكم في حال الغضب، وأنه نافذ، لكن يُكره ذلك في حقنا، ولا يُكره في حق النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لا يُخاف عليه في الغضب ما يُخاف علينا، والله أعلم. شرح مسلم (12/ 24).
قوله: وقال: «إنما يستريح من دخل الجنة»، قال قتيبة: «من غُفِرَ له»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «إنما يستريح من دخل الجنة» أي: ومن أين عرفت أنها دخلت الجنة؟ حاشيته على مسند أحمد (5/484).
وقال الباجي -رحمه الله-:
المستريح هو العبد المؤمن يصير إلى رحمة الله وما أعد له من الجنة والنعمة، ويستريح من نصب الدنيا وتعبها وأذاها. المنتقى (2/ 34).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«من غُفِرَ له» أي: سُترت ذنوبه فلا يعاقَب عليها، فمن تحققت له المغفرة استراح؛ وذلك لا يكون إلا بعد فصل القضاء، والأمر بدخول الجنة، فليس الموت مريحًا؛ لأن ما بعده غُيِّب عنا، ومن ثم سُئل بعض العارفين: متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال: أوَّل قَدَمٍ يضعها في الجنة. فيض القدير (2/ 563).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
أي أنه لا راحة بالموت، بل الراحة في المغفرة، فمن غُفِرَ له فهو الذي استراح، فإن الموت مع عدم المغفرة لا راحة فيه، بل هو أشد من الحياة؛ لإفضائه إلى دار الجزاء. التنوير (4/ 174).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«من غُفِرَ له» فينبغي الإكثار من الاستغفار، وليس الموت مريحًا. السراج المنير (2/ 157).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
«إنما يستريح من دخل الجنة» و«من غُفِرَ له» أي: من دخلها فعلًا، أو عُلم دخوله بوحي من الله -عز وجل-؛ وكذا يقال في المغفرة، أما من لم يُعلم حاله، فأمره مفوَّض إلى الله -عز وجل-، ولا يجوز التكهن بمصيره، والله أعلم. الفتح الرباني (7/ 49).
وقال ابن الخراط -رحمه الله-:
وربما ضاق ذرعه بالدنيا، وطال همه فيها، مِن تعذر مراده عليه، وقلة تَأَتِّيه له، فتمنى الموت إذ ذاك؛ ليستريح بزعمه، وهذا من جهله بالموت، وبما بعد الموت، والذي يستريح بالموت غيره، والذي يفرح به سواه، إنما الفرح من وراء الصراط، والراحة بعد المغفرة. العاقبة في ذكر الموت (ص:28).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يَعْفُوَ عنهم، ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم، ولا نُقَنِّطُهم. متن الطحاوية (ص:61، 62).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
لا يجزم في أحد بأنه من أهل الجنة إلا إن نص عليه الشارع كالعشرة وأمثاله؛ لا سيما والإخلاص أمر قلبي، لا مُطَّلَع لنا عليه. اللامع الصبيح (5/ 148).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فلا يُحكَم لأحد بأنه من أهل الجنة والدرجات، وإن عمل ما عمل من الطاعات، أو ظهر عليه من خوارق العادات، ولا يُجْزَم في حق أحد بأنه من أهل النار والعقوبات، ولو صدر منه جميع السيئات والمظالم والتبعات، فإن العِبَر بخواتيم الحالات، ولا يَطَّلع عليها غير عالم الغيب والشهادات. مرقاة المفاتيح (1/ 154).
وقال الباجي -رحمه الله-:
يجوز الثناء عليه (الميت) بفعله، ولا يُخْبَر عما يصير إليه؛ لأنه أَمر مغيَّب عَنّا. المنتقى (1/ 310).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: هل ينفع الثناء على الميت بالخير وإن خالف الواقع، أم لا بد أن يكون الثناء عليه مطابقًا للواقع؟
قلتُ: قال شيخنا زين الدين (العراقي) -رحمه الله-: فيه قولان للعلماء: أصحهما أن ذلك ينفعه، وإن لم يطابق الواقع؛ لأنه لو كان لا ينفعه إلا بالموافقة لم يكن للثناء فائدة. عمدة القاري (8/ 197).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)