الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«الجنةُ أقربُ إلى أحدِكُم من شِرَاكِ نَعْلِهِ، والنارُ مثلُ ذلك».


رواه البخاري برقم: (6488) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«شِرَاكِ نَعْلِهِ»:
الشِّراك: ‌سَيْرُ ‌النعل. العين، للخليل بن أحمد (5/ 293).
وقال أبو الفتوح الحميدي -رحمه الله-:
هو الذي يكون عند الإصبعين عند لباسهما. تفسير غريب ما في الصحيحين (ص:217).


شرح الحديث


قوله: «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله»:
قال الكرماني -رحمه الله-:
و«الشِّراك» سَيْر النعل، وهي ما وُقِيَت به القدم من الأرض، وفيه دليل واضح على أن الطاعات موصلة إلى الجنة. الكواكب الدراري (23/ 11، 12).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
«من ‌شِرَاك ‌نعله» شِرَاك النعل أي: سُيُورها التي في وجهها. مصابيح الجامع (9/ 443).
وقال العيني -رحمه الله-:
«وشِرَاك النعل» هو الذي يدخل فيه إصبع الرِّجْل، ويُطلق أيضًا على كل سَيْر وقيَ به القدم. عمدة القاري (23/ 78).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«الجنة أقرب إلى أحدكم» إذا أطاع ربه. إرشاد الساري (9/ 279).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله : «الجنة أقرب إلى أحدكم» إلخ؛ لأن حصول كل منهما يكون منوطًا بكلمة لا يبالي بها المتكلم، وأيّ شيء أقرب إلى الإنسان مما شأنه ذلك، والله تعالى أعلم. حاشيته على صحيح البخاري (4/ 60).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
يعني: أن نيل الجنة سهل؛ وذلك بتصحيح العقد، وتمكن الطاعة. كشف المشكل (1/ 312).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: من عمل عملًا صالحًا تكون الجنة قريبة منه. المفاتيح (3/ 196).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وشِراك النعل هو السَّيْرُ الذي يكون على ظهر القدم، وهو قريب من الإنسان جدًّا، ويضرب به المثل في القُرْب؛ وذلك لأنه قد يتكلم الإنسان بالكلمة الواحدة من رضوان الله -عز وجل- لا يظن أنها تبلغ ما بلغت، فإذا هي توصله إلى جنة النعيم.
ومع ذلك فإن الحديث أعم من هذا؛ فإن كثرة الطاعات، واجتناب المحرمات من أسباب دخول الجنة، وهو يسير على من يسره الله عليه، فأنت تجد المؤمن الذي شرح الله صدره للإسلام يصلي براحة وطمأنينة، وانشراح صدر، ومحبة للصلاة، ويزكي كذلك، ويصوم كذلك، ويحج كذلك، ويفعل الخير كذلك، فهو يسير عليه، سهل قريب منه، وتجده يتجنَّب ما حرمه الله عليه من الأقوال والأفعال، وهو يسير عليه. شرح رياض الصالحين (2/ 99، 100).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
وغرض الشارع من هذا حث الناس على أن لا يحقروا طاعة، فإن القليل من العمل مع الإخلاص عند الله كثير، ألا ترى أنَّ زانية سقت كلبًا يأكل الثرى من العطش غُفر لها، وأنّ الرجل يقول كلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا يرفعه الله بهما درجات. الكوثر الجاري (10/ 165).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
ويُؤخَذ منه (أي: هذا الحديث) نكتة لطيفة في دفعه -صلى الله عليه وسلم- نعله لأبي هريرة في الحديث المشهور السابق ذكره في أول الكتاب؛ ولعله أقرب؛ لأن الشِّراك يقبل الانفكاك بخلاف العمل، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَكُل إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} الإسراء: 13، فالمعلَّق بالعُنق على وجه الدوام لا شك أنه أقرب من المعلق تحت الرِّجل في بعض الأيام، والله تعالى أعلم بإشارات كلام سيد الأنام. مرقاة المفاتيح (4/ 1640).

قوله: «والنار مثل ذلك»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
أي: النار مثل الجنة في كونها أقرب من شِراك النعل. شرح المصابيح (3/ 156).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
والظاهر: أنَّ ذلك اقتصار من الراوي. مرقاة المفاتيح (4/ 1640).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
والنار قريبة بموافقة الهوى وعصيان الخالق. كشف المشكل (1/ 312).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «من شراك نعله» يحتمل أنَّ المراد بيان أنَّ استحقاق كل منهما يحصل بأدنى شيء من قول أو فعل، لا يبالي به صاحبه، أو بيان قرب الموت الموصِل لصاحب الجنة إليها، ولصاحب النار إليها، والله تعالى أعلم. حاشيته على مسند أحمد (1/620).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
أقول: ضرَب العرب مثلًا بالشِّراك؛ لأن سبب حصول الثواب والعقاب إنَّما هو سعي العبد، ويجري السعي بالأقدام، وكل من عمل خيرًا استحق الجنة بوعده، ومن عمل شرًّا استحق النار بوعيده، وما وعد وأوعد مُنْجَزان، فكأنهما حاصلان.
وقوله: «ذلك» إشارة إلى المذكور، أي: النار مثل الجنة في كونها أقرب من شراك النعل. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1861-1862).
وقال المظهري -رحمه الله-:
ومن عَمِلَ سوءًا تكون النار قريبة منه. المفاتيح (3/ 196).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
والمعاصي مقرِّبة من النار، وقد يكون في أيسر الأشياء. الكواكب الدراري (23/ 11، 12).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وإنما كانت الجنة والنار كذلك؛ لأن سبب دخولهما سعي الشخص، وهو العمل الصالح والسيئ، هو أقرب إليه من ‌شراك ‌نعله. شرح المصابيح (3/ 156).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
الحديث تمثيل لقُرْبِ الجنة والنار من الناس؛ لأن سبب دخولهما سعي العبد وحكم الله، وهو منجز، فكأنهما حاصلان. لمعات التنقيح (5/ 176).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«والنار مثل ذلك» وجه الأقربية: أن يسيرًا من الخير قد يكون سببًا لدخول الجنة، وقليلًا من الشر سببًا لدخول النار، فينبغي الرغبة في كل أسباب الجنة، وتجنُّب جميع أسباب النار، وعلى هذا فالقرب معنوي، وإلا فالجنة فوق السماوات السبع. التنوير (5/ 298).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«والنار مثل ذلك» أي: أقرب إلى أحدنا من ‌شراك ‌نعله، فإن الإنسان ربما يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالًا، وهي من سخط الله، فيهوي بها في النار كذا وكذا من السنين وهو لا يدري، وما أكثر الكلمات التي يتكلم بها الإنسان غير مبالٍ بها وغير مهتم بمدلولها فتُرْدِيه في نار جهنم، نسأل الله العافية. شرح رياض الصالحين (2/ 100).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
(الحديث) دليل واضح أن الطاعات الموصلة إلى الجنة، والمعاصي المقربة من النار، قد تكون في أيسر الأشياء. شرح صحيح البخاري (10/ 198).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
هذا الحديث لا يتناول الأنبياء والملائكة؛ لأنهم معصومون عن الكفر، وقال العلماء: إنَّما مثَّل ذلك وشبَّهَهُ بالشِّراك لأن سبب الجنة أو النار العمل، وهو أقرب إليه من الشراك، وقال بعضهم: إنما مثَّل ذلك وشبَّهَهُ بالشِّراك تنبيهًا على الشِّرْك، وتخويفًا منه، أي: أنَّ الجنة أقرب إلى أحدكم بترك الشرك من الشِّراك إلى الرِّجْل، والنار أقرب إلى أحدكم بالشِّرْك من الشراك إلى الرِّجْل. الأزهار شرح المصابيح، مخطوط، لوح (239).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: تمكين الله -عز وجل- عبده من العمل للجنة والنار، وأنه في حالة قُرب من الدارين، فإن أطاع الله فالجنة أقرب إليه من ‌شِراك ‌نعله، وإن عصى الله تعالى فالنار أقرب إليه من ‌شِراك ‌نعله. الإفصاح (2/ 89).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فينبغي للمؤمن ألا يزهد في قليل من الخير، ولا يستقلَّ قليلًا من الشر، فيحسبه هينًا وهو عند الله عظيم؛ فإن المؤمن لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، والسيئة التي يسخط الله عليه بها. الكواكب الدراري (23/ 11، 12).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
فلا يزهدنَّ في قليل من الخير؛ فلعله يكون سببًا لرحمة الله به، ولا في قليل من الشر أن يجتنبه؛ فربما يكون فيه سخط الله تعالى، أسأل الله تعالى العافية. إرشاد الساري (9/ 279).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
وهو (أي: هذا الحديث) من جوامع الكَلِمِ: ليس بينه وبين الجنة إلا الموت على الإيمان فهي لحظة، وليس بينه وبين النار إلا الموت على الكفر وهي لحظة. الحلل الإبريزية (4/ 248).


ابلاغ عن خطا