الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«أمرَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ نُخْرِجهنَّ في الفطر والأضحى: العواتقَ والحُيَّضَ وذواتِ الخدورِ، ‌فأما ‌الحُيَّضُ ‌فيعتزلْنَ ‌الصلاة، ويشهدْنَ الخيرَ، ودعوةَ المسلمين، قلتُ: يا رسول اللهِ إحدانا لا يكونُ لها جِلْبَابٌ، قال: لِتلبسْها أختُها من جلبابِها».


رواه البخاري برقم: (1652)، ومسلم برقم: (890) واللفظ له، من حديث أم عطية -رضي الله عنها-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«العواتق»:
العواتق: جمع عاتق، وهي البِكْر التي لم يَبِنْ بها الزوج، أو الشابة، أو البالغة، أو التي أشرفت على البلوغ، أو التي استحقت التزويج ولم تتزوج، أو التي زُوِّجتْ عند أهلها، ولم تخرج عنهم. فتح الباري، لابن حجر (1/ 153).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
العاتق: الشابة أول ما تُدرك، وقيل: هي التي لم تَبِنْ من والديها ولم تُزَوَّج، وقد أدركت وشَبَّت. وتجمع على العُتَّق والعَوَاتق. النهاية(3/ 178- 179).

«الحُيَّض»:
جمعُ الحائض: حَوائِض وحُيَّض على فُعَّل. لسان العرب، لابن منظور (7/ 142).
وقال النووي -رحمه الله-:
(الْحَيْضُ) هو ‌دم ترخيه رحم المرأة بعد بُلُوغها في أوقات معتادة. تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 44).

«ذوات الخدور»:
قال ابن سيده -رحمه الله-:
الخِدْر ستر يمد للجارية في ناحية البيت، ثم صار كل ما واراك خدرًا. المخصص (1/388).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ذَوَات الْخُدُور وَذَات الخدر يُرِيد الأبكار المحتجبات؛ بدليل قوله في الحديث: «العواتق»، والخِدر بكسر الخاء: ستر يكون للجارية في ناحية البيت، وقيل: سرير عليه ستر، وقيل: الخدور: البيوت. مشارق الأنوار(1/ 230).

«‌الجِلْبَاب»:
بكسر الجيم، وسكون اللام، بموحدتين، بينهما ألف، قيل: هو المُقَنَّعة أو الخمار أو أَعْرض منه، وقيل: الثوب الواسع يكون دون الرداء، وقيل: الإزار، وقيل: اللحفة أو الملأة، وقيل: القميص. التوشيح، للسيوطي (1/ 420).
وقال أبو علي القالي -رحمه الله-:
الجلباب: أوسع من الخمار دون الرداء؛ تغطّي به المرأة ظهرها وصدرها. البارع في اللغة (ص: 647).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الجلباب: اختُلف فيه، فقال الحسن (البصري): هو الرداء، وقال ابن جبير: المُقَنَّعة، وقال قطرب: هو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، وقال أبو عبيدة: أدنى الجلباب أن تغطي وجهًا إلا قدر ما تُبصر منه. المفهم (5/ 498).


شرح الحديث


قوله: «أمرَنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن نُخْرِجهنَّ في الفطر والأضحى»: ‌
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قولها: «أن نخرجهن» هذا مما عاد الضمير على متأخر لفظًا ورتبة، وهي ستة مواضع، وقد جمعتُها بقولي:
وعودُ مضمرٍ على ما أُخِّرا *** لفظًا ورتبة أتى مغتفرًا
في مضمر الشأنِ ونِعمَ رجلًا *** ورُبَّه فتًى كذا ما أُبدلا
ما بعده عنه وما قد فُسرا *** بخبر وفي التنازع جرى
فتلك ستٌّ وسواها أوجبوا *** تقدم المرجع نعم المطلب البحر المحيط الثجاج (17/ 471).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«أن نُخرجهنَّ» تعني: النساء، والضمير عائد على نساء جرى ذكرهن. المفهم (2/ 524- 525).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
يحتمل أن يكون ذلك (الأمر بخروج النساء للعيدين) ‌والمسلمون ‌قليل، فأراد التكثير بحضورهن إرهابًا للعدو، واليوم لا يحتاج إلى ذلك. مختصر اختلاف العلماء(1/ 232).
وقال ابن بطال -رحمه الله- معقبًا:
وهذا التأويل يحتاج إلى معرفة تاريخ الوقت الذي أمر فيه النبي -عليه السلام- النساء بذلك، ونسخ أمره لهن بالخروج إلى العيدين، وهذا لا سبيل إليه، والحديث باقٍ على عمومه؛ لم ينسخه شيء ولا أحاله، والنسخ لا يثبت إلا بيقين، وأيضًا فإن النساء ليس ممن يرهب بهن على العدو؛ ولذلك لم يلزمهن فرض الجهاد. شرح صحيح البخاري (2/ 570).
وقال العيني -رحمه الله- معقبًا على تعقيب ابن بطال:
قلتُ: رده مردود، وقوله: "فإن الترهيب لا يحصل بهنّ" غير مسلم؛ لأنهن يكثرن السواد، والعدو يخاف من كثرة السواد، بل فيهن مَن هي أقوى قلبًا من كثير من الرجال الذين ليس لهم ثبات عند الحرب. وقوله: "ولذلك لم يلزمهن الجهاد" قلنا: لا نُسلِّم ذلك، فعند النفير العام يلزم سائر الناس حتى تخرج المرأة من غير إذن زوجها، والعبد من غير إذن مولاه، على ما عُرِفَ في بابه. عمدة القاري (6/ 303).
وقال الكرماني -رحمه الله- متعقِّبًا كلام الطحاوي باحتمال النَّسْخ:
وهو مردود؛ لأنه يحتاج إلى معرفة تاريخ الوقت، والنسخ لا يثبت إلا بيقين. الكواكب الدراري (6/ 83).
وقال ابن حجر -رحمه الله- متعقِّبًا الكرماني:
قال الكرماني: تاريخ الوقت لا يُعرَف، قلتُ: بل هو معروف بدلالة حديث ابن عباس أنه شهده وهو صغير، وكان ذلك بعد فتح مكة، فلم يتم مراد الطحاوي، وقد صرح في حديث أم عطية بعلة الحكم، وهو شهودهن الخير ودعوة المسلمين، ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته، وقد أفتت به أم عطية بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بمدة كما في هذا الحديث، ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفتها في ذلك.
وأما قول عائشة: لو رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهن المساجد، فلا يعارض ذلك؛ لندوره، إن سلمنا أن فيه دلالة على أنها أفتت بخلافه، مع أن الدلالة منه بأن عائشة أفتت بالمنع ليست صريحة، وفي قوله (الطحاوي): إرهابًا للعدو نظر؛ لأن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحرب دال على الضعف، والأولى أن يخص ذلك بمن يؤمن عليها وبها الفتنة، ولا يترتب على حضورها محذور، ولا تزاحم الرجال في الطرق، ولا في المجامع. فتح الباري (2/ 470-471).
وقال العيني -رحمه الله- معقبًا على كلام ابن حجر:
قلتُ: هذه عائشة -رضي الله تعالى عنها- صح عنها أنها قالت: لو رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهن عن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل، فإذا كان الأمر في خروجهن إلى المساجد هكذا، فبالأحرى أن يكون ذلك في خروجهن إلى المصلى، فكيف يقول هذا القائل: لم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفتها؟ وأين أم عطية من عائشة -رضي الله تعالى عنهما-؟ ولم يكن في حضورهن المصلى في ذلك الوقت استنصار بهن، بل كان القصد تكثير السواد أثرًا في إرهاب العدو، ألا ترى أن أكثر الصحابة كيف كانوا يأخذون نساءهم معهم في بعض الفتوحات لتكثير السواد؟ بل وقع منهن في بعض المواضع نصرة لهم بقتالهن وتشجيعهن الرجال، وهذا لا يخفى على مَن له اطلاع في السير والتواريخ. عمدة القاري (6/ 303)
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقد اختلف السلف في خروج النساء للعيدين: فرأى ذلك جماعة ‌حقًّا ‌عليهنّ، منهم: أبو بكر وعلي وابن عمر وغيرهم، ومنهم مَن منعهن ذلك جملة، منهم: عروة والقاسم، ومنع ذلك بعضهم في الشابة دون غيرها، وأجازه للمُتَجَالَّة (العجوز التي انقطع أرب الرجال منها)، منهم: عروة، والقاسم، ويحيى بن سعيد، وهو مذهب مالك وأبي يوسف. واختلف قول أبي حنيفة في ذلك، فأجازه مرَّةً في العيدين، ومنعه أخرى. إكمال المعلم (3/ 298)
وقال العيني -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: وهذا كان في ذلك الزمان لأمنهن عن المفسدة بخلاف اليوم؛ ولهذا صح عن عائشة -رضي الله عنها -: «لو رأى رسول الله -عليه السلام- ما أحدث النساء لمنعهن عن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل»، فإذا كان الأمر قد تغير في زمن عائشة حتى قالت هذا القول، فماذا يكون اليوم الذي ظهر فيه الفساد في الصغير والكبير والبر والبحر، وعندي الفتوى على المنع، وأن خروجهن حرام ولا سيما في الديار المصرية. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار (6/ 161).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وقد اختلف العلماء في ذلك (خروج النساء للعيدين) على أقوال: أحدها: أن ذلك مستحب، وحملوا الأمر فيه على الندب، ولم يفرِّقوا بين الشابة والعجوز، وهذا قول أبي حامد من الحنابلة والجرجاني من الشافعية، وهو ظاهر إطلاق الشافعي.
القول الثاني: التفرقة بين الشابة والعجوز، قال العراقي: وهو الذي عليه جمهور الشافعية تبعًا لنص الشافعي في المختصر.
والقول الثالث: أنه جائز غير مستحب لهن مطلقًا، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد فيما نقله عنه ابن قدامة.
والرابع: أنه مكروه، وقد حكاه الترمذي عن الثوري وابن المبارك، وهو قول مالك وأبي يوسف، وحكاه ابن قدامة عن النخعي ويحيى بن سعيد الأنصاري.
وروى ابن أبي شيبة عن النخعي: أنه كره للشابة أن تخرج إلى العيد.
القول الخامس: أنه حق على النساء الخروج إلى العيد، حكاه القاضي عياض عن أبي بكر وعلي وابن عمر، وقد روى ابن أبي شيبة عن أبي بكر وعلي أنهما قالا: «حق على كل ذات نطاق الخروج إلى العيدين» اهـ.
والقول بكراهة الخروج على الإطلاق رد للأحاديث الصحيحة بالآراء الفاسدة، وتخصيص الشواب يأباه صريح الحديث المتفق عليه وغيره. نيل الأوطار (3/ 342).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
قول عائشة -رضي الله عنها-: «لو رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل» وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحق أنْ تتبع، وقول عائشة مختص بمن أحدث دون غيرها، ولا شك بأن تلك يكره لها الخروج، وإنما يُستحب لهن الخروج غير متطيبات، ولا يلبسن ثوب شهرة ولا زينة، ويخرجن في ثياب البذلة؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وليخرجن تفلات»، ولا يخالطن الرجال، بل يكن ناحية منهم. المغني (2/ 232).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
أما ما حدَّثت به عائشة فلا حجة فيه لوجوه:
أولها: أنه -عليه السلام- لم يدرك ما أحدثن فلم يمنعهن، فإذ لم يمنعهن فمنعهن بدعة وخطأ، وهذا كما قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبيِّ مَن يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيَّنةٍ يُضَاعَفُ لهَا العَذَابُ ضِعْفَينِ} الأحزاب: 30، فما أتين قط بفاحشة، ولا ضُوعِفَ لهن العذاب، والحمد لله رب العالمين، وكقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِن السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} الأعراف: 96، فلم يؤمنوا فلم يفتح عليهم، وما نعلم احتجاجًا أسخف من احتجاج من يحتج بقول قائل: لو كان كذا، لكان كذا، على إيجاب ما لم يكن الشيء الذي لو كان لكان ذلك الآخر.
ووجه ثانٍ: وهو أنَّ الله تعالى قد علم ما يحدث النساء، ومن أنكر هذا فقد كفر، فلم يوح قط إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- بمنعهن من أجل ما استحدثنه، ولا أوحى تعالى قط إليه: أخبر الناس إذا أحدث النساء فامنعوهن من المساجد؛ فإذ لم يفعل الله تعالى هذا، فالتعلق بمثل هذا القول هجنة وخطأ.
ووجه ثالث: وهو أننا ما ندري ما أحدث النساء، مما لم يحدثن في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا شيء أعظم في إحداثهن من الزنا، فقد كان ذلك على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورجم فيه وجلد، فما منع النساء من أجل ذلك قط، وتحريم الزنا على الرجال كتحريمه على النساء، ولا فرق؛ فما الذي جعل الزنا سببًا يمنعهن من المساجد؟! ولم يجعله سببًا إلى منع الرجال من المساجد؟! هذا تعليل ما رضيه الله تعالى قط، ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ووجه رابع: وهو أن الإحداث إنما هو لبعض النساء بلا شك دون بعض، ومن المحال منع الخير عمن لم يحدث من أجل من أحدث، إلا أن يأتي بذلك نص من الله تعالى على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيسمع له ويطاع، وقد قال تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الأنعام: 164.
ووجه خامس: وهو أنه إن كان الإحداث سببًا إلى منعهن من المسجد، فالأولى أن يكون سببًا إلى منعهن من السوق، ومن كل طريق بلا شك، فلم خص هؤلاء القوم منعهن من المسجد من أجل إحداثهن، دون منعهن من سائر الطرق؟ بل قد أباح لها أبو حنيفة السفر وحدها، والمسير في الفيافي والفلوات مسافة يومين ونصف، ولم يكره لها ذلك، وهكذا فليكن التخليط.
ووجه سادس: وهو أن عائشة -رضي الله عنها- لم تر منعهن من أجل ذلك، ولا قالت: امنعوهن لما أحدثن؛ بل أخبرت أنه -عليه السلام- لو عاش لمنعهن، وهذا هو نص قولنا، ونحن نقول: لو منعهن -عليه السلام- لمنعناهن، فإذ لم يمنعهن فلا نمنعهن، فما حصلوا إلا على خلاف السنن، وخلاف عائشة -رضي الله عنها- والكذب بإيهامهم من يقلدهم: أنها منعت من خروج النساء بكلامها ذلك، وهي لم تفعل، نعوذ بالله من الخذلان. المحلى بالآثار (2/173- 174).

قوله: «العواتقَ والحُيَّضَ وذواتِ الخدور»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وقولها: «العواتق، والحُيَّض، وذوات الخدور» بدل من ضمير الجماعة في «نخرجهن». البحر المحيط الثجاج (17/ 471).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقد أبدلت من ضميرهنّ بقولها: «العواتق والحُيَّض وذوات الخدور».
ولا يصح أن يستدل بهذا الأمر ‌على ‌وجوب ‌صلاة ‌العيدين والخروج إليهما؛ لأن هذا الأمر إنما يوجَّه لمن ليس بمكلَّف بالصلاة باتفاق؛ كالحُيَّض، وإنما مقصود هذا الأمر تدريب الأصاغر على الصلاة، وشهود دعوة المسلمين، ومشاركتهم في الثواب والخير، وإظهار جمال الدين، والعاتق: الجارية حين تدرك... والخدور: البيوت، وأصله: الهودج، ويعني به: المخبآت. المفهم (2/ 524- 525).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«ذوات الخدور» اللواتي لا يبرزن لأحد، يُؤمرن بالخروج إلى صلاة العيد، فضلًا عن كبار السِّن عن العجائز، الكل يخرج لصلاة العيد؛ لأنها مناسبة عظيمة في الإسلام، ينبغي أن يهتم بها المسلم.شرح المحرر في الحديث(48/ 16- 17).

قوله: «فأما ‌الحُيَّضُ ‌فيعتزلْنَ ‌الصلاةَ، ويشهدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقوله: «فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة» أي: موضع الصلاة؛ كما قال في الرواية الأخرى: «يَكُنَّ خلف الناس»، وهذا تنزيه للصلاة وللمصلين من اختلاط النساء بهنّ؛ ولئلا تظهر مخالفة مَنْ لا يصلي بمن يصلي. المفهم (2/ 525).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
فلمَّا كان الحُيَّض يخرجن لا للصلاة، ولكن لأن يصيبهن دعوة المسلمين، احتمل أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الناس بالخروج من غد العيد لأن يجتمعوا فيدعون، فيصيبهم دعوتهم، لا للصلاة. شرح معاني الآثار (1/ 388).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه: ‌منع ‌الحُيَّض من المصلى، واختلف أصحابنا في هذا المنع؛ فقال الجمهور: هو منع تنزيه لا تحريم، وسببه: الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة، وإنما لم يَحْرُمْ؛ لأنه ليس مسجدًا. وحكى أبو الفرج الدارمي من أصحابنا عن بعض أصحابنا أنه قال: يحرم المكث في المصلى على الحائض، كما يحرم مكثها في المسجد؛ لأنه موضع للصلاة فأشبه المسجد، والصواب الأول... (و) فيه: استحباب حضور مجامع الخير ودعاء المسلمين، وحِلَق الذكر والعلم ونحو ذلك. شرح مسلم (6/ 179- 180).

قوله: «قلتُ: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وقولها: «قلتُ: يا رسول الله...» القائلة هي أُمّ عطية، ومعنى كلامها: أنه إذا لم يكن لإحدانا جلباب تلبسه، فهل يسمح لها بعدم الخروج؟ فأجابها -صلى الله عليه وسلم- بأنه لا بُدَّ لها من الخروج باستعارة الجلباب من أختها. البحر المحيط الثجاج (17/ 471).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قال النضر بن شُميل: الجلباب ثوب أقصر وأعرض من الخمار، وهي المصنَّعة (هكذا في الأصل. ولعلها: المقنَّعة)، تغطي المرأة بها رأسها. وقال غيره: هو ثوب واسع دون الرداء، تغطي به المرأة ظهرها وصدرها. وقيل: هو كالملاءة والملحفة. وقيل: هو الإزار، وقيل: هو الخمار. إكمال المعلم (3/ 302).

قوله: «قال: لِتلبسْها أختُها من جلبابِها»:
قال القاضي عياض-رحمه الله-:
ظاهر قوله: «لتلبسها أختها من جلبابها» أي: لتعرها جلبابها إذا تعوَّضت هي منه بسواه، أو يكون على ظاهره، ومشاركتها فيه للضرورة، أو يكون على طريق المبالغة، أي: يخرجن ولو اثنتان في جلباب، ففيه كله الحض على المواساة والتأكيد في خروجهن للعيد. إكمال المعلم (3/ 302).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«قال» رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لتلبسها» أي: لتلبس فاقدة الجلباب، وتعرها «أختها» في الدين أو النسب، أي: صاحبتها «من جلبابها» أي: من جنس جلبابها، ويؤيده رواية ابن خزيمة: « من جلابيبها » أي: ما لا تحتاج إليه عاريةً. الكوكب الوهاج (10/ 405).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«من جلبابها» قيل: المراد به الجنس، أي: تُعِيرها من ثيابها ما لا تحتاج إليه. وقيل: المراد تشركها معها في لبس الثوب الذي عليها، وهذا ينبني على تفسير الجلباب، وهو بكسر الجيم وسكون اللام وبموحدتين بينهما ألف. قيل: هو المقنعة، أو الخمار، أو أعرض منه، وقيل: الثوب الواسع يكون دون الرداء، وقيل: الإزار، وقيل: الملحفة، وقيل: الملاءة، وقيل: القميص. فتح الباري (1/ 424).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لتلبسها أختها من جلبابها» الصحيح أن معناه: لتلبسها جلبابًا لا يحتاج إليه عارية. وفيه: الحث على حضور العيد لكل أحد، وعلى المواساة والتعاون على البر والتقوى. شرح مسلم (6/ 180).
وقال العيني -رحمه الله-:
وفيه: جواز استعارة الثياب للخروج إلى الطاعات، والله أعلم. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار (6/ 161- 162).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
هذا يدل على تأكيد خروج النساء إلى العيدين؛ لأنه إذا أُمرت المرأة أن تُلبس مَن لا ‌جلباب لها، فمَن لها ‌جلباب أولى أن تخرج وتشهد دعوة المؤمنين؛ رجاء بركة ذلك اليوم. شرح صحيح البخاري (2/ 569).
وقال ابن بطال -رحمه الله- أيضًا:
قال المهلب: فيه جواز خروج النساء الطاهرات والحُيَّض إلى العيدين وشهود الجماعات، ويعتزل الحُيَّض المصلى، ويكنَّ فيمَن يدعو ويُؤَمِّن، رجاء بركة المشهد الكريم... وفيه: أن الحائض لا تَقْرُبُ المسجد، وتَقَرُبُ غيره من المواضع التي ليست بمساجد مُحْظَرَةٍ. وفيه: جواز استعارة الثياب للخروج إلى الطاعات. وفيه: جواز اشتمال المرأتين في ثوب واحد؛ لضرورة الخروج إلى طاعة الله. شرح صحيح البخاري (1/ 450).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا