«مَثَلُ الذي يعلِّمُ الناسَ الخيرَ، وينسى نفسَه مَثَلُ الفتيلةِ، تُضيءُ للناسِ، وتُحرقُ نفسَها».
رواه الطبراني في الكبير برقم: (1685) ورقم: (1681)، والخطيب في اقتضاء العلم العمل برقم: (70) عن جُنْدُب -رضي الله عنه-.
ورواه الخطيب في اقتضاء العلم العمل برقم: (71) واللفظ له، من حديث أبي برزة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (5837)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (130) و(131).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الفتيلة»:
الذُّبالة. الصحاح، للجوهري (5/ 1788).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
والفَتْل: ليُّ الشَّيء كَلَيِّك الحبل وكفَتلِ الفتيلة...، والفَتِيل: ما كان فِي شَق النَّوَاةِ، وبه سُمِّيَتْ فَتِيلة. لسان العرب (11/ 514).
شرح الحديث
قوله: «مَثَلُ الذي يعلِّم الناسَ الخيرَ، وينسى نفسَه»:
قال الفيومي -رحمه الله-:
المراد بالخير هنا: العلم. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (2/ 99).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وينسى نفسه» أي: يهملها، ولا يحملها على العمل بما عملت. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 372).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يُعلِّم الناس الخير» في دينهم ودنياهم «وينسى نفسه» فلا يعمل بما قاله. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 523).
قوله: «مَثَلُ الفتيلة، تُضِيءُ للناس، وتُحرقُ نفسَها»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«مَثَل الفتيلة تُضِيُء للناس، وتُحرِقُ نفسها» وهذا مَثَل ضربه المصطفى -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- لمن لم يعمل بعلمه، وفيه وعيد شديد، قال أبو الدرداء: وويل لمن لا يعلم مرة، وويل لمن علم ولم يعمل ألف مرة. فيض القدير (5/ 510).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«ويُحرق نفسه» بنار الآخرة، فصلاح غيره في هلاكه، هذا إذا لم يدعُ إلى طلب الدنيا، وإلا فهو كالنار المحرقة؛ تأكل نفسها وغيرها. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 371).
وقال المناوي رحمه الله- أيضًا:
وهذا وعيد لمن كان له ذكر، أو ألقى السمع وهو شهيد، وكان علماء الصحب في غاية من الوجل والخوف؛ ولذلك قالت عائشة -رضي الله عنها- لفتى اختلف إليها يسألها، وتحدِّثه، فجاءها ذات يوم، فقالت: أي شيء عملتَ بعد بما سمعتَ؟ قال: قالت: فما تستكثر من حجج الله علينا وعليك؟! فيض القدير (5/ 508).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«مَثَل الفتيلة» التي في السراج «تضيء للناس، وتحرق نفسها»... وفيه إشارة إلى أن العالم الذي لا يعمل مثل الجماد في الدنيا، وفي الآخرة يُعذَّب، ففي الدنيا ما نفعه علمه ولا في الآخرة. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 529).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«كمثل السراج» بيَّن وجه الشبه بقوله: «يضيء للناس» في الدنيا، وفي الآخرة ينتفعون بما أفادهم، «ويحرق نفسه» في الآخرة بنار مخالفته، بل أَثَرُه في الدنيا، فشؤم المخالفة في الدارين لاحق لصاحبه بصلاح غيره في هلاكه؛ ولذا يقال: العلماء ثلاثة: منقذ لنفسه وغيره من الوبال، وهو الراغب إلى الله عن الدنيا ظاهرًا وباطنًا، ومُهْلِكُ نفسِه وغيره، وهو الداعي إلى الدنيا، فهذا يَحرِقُ نفسه وغيره، ومُهْلِكُ نَفسِهِ، مُنقِذُ غيره، وهو من دعا إلى الله، ورفض الدنيا ظاهرًا، ولم يعمل بعلمه، وهو الذي أراده -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ الثاني ليس مُعلِّمًا للخير، والأول لا يحتاج إلى ضرب المثل، وفي هؤلاء قال عيسى -عليه السلام-: «يا علماء السوء، جعلتم الدنيا على رؤوسكم، والآخرة تحت أقدامكم، قولكم شفاء، وعملكم داء». التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 523-524).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفي الحديث: الحثّ على العمل بالعلم، ولا يكون العالم من الذين يقولون ما لا يفعلون، فقد مقت الله أولئك أكبر مقت.
وفيه: إعلام بأن الجاهل في ظلمة، والعلم نور يضيء لصاحبه. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 524).