رُجِمتِ امرأةٌ على عهدِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا فرغْنَا منها جئتُ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلتُ: قد رَجمنا هذه الخبيثةَ! فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «الرَّجْمُ كفَّارة ما صَنَعتْ».
رواه النسائي في السنن الكبرى برقم: (7232)، والطبراني في الكبير برقم: (7252)، من حديث الشريد بن سويد -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3546)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1755).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الرَّجْمُ»:
الرَّمْيُ بالحِجارة، يُقال: رَجَمْتُه فهو مَرْجوم أَي: رَمَيْتُه، والرَّجْم: القتل. تهذيب اللغة، الأزهري (11/ 48).
«كفَّارة»:
الكفارة ما يُغطي الإثم...، والتَّكْفِيرُ: ستره وتغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يُعْمَل. المفردات للراغب (ص: 435).
شرح الحديث
قوله: «رُجِمتِ امرأةٌ على عهدِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فلما فرغنا منها جئتُ إلى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقلتُ: قد رَجمنا هذه الخبيثةَ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«رجمنا الخبيثة» فذكره، أي: فلا توصف بالخُبْث. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 40).
قوله: «الرَّجْمُ كفَّارة ما صَنَعتْ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«الرجم كفارة لما صَنَعت» سببه أنه أمر برجم امرأة فرُجمت، فجيء إليه فقيل: قد رجمنا هذه الخبيثة فذكره، بيَّن بذلك أن الحدود كفارة لأهلها، فإذا أقيم الحد على إنسان في الدنيا سقط عنه، ولا يعاقَب عليه في الآخرة بالنسبة لحق الله تعالى. فيض القدير (4/ 52).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«الرجم» بالجيم «كفارة لما صَنَعتْ» بتاء التأنيث؛ لأنه في امرأةٍ أمر بها -صلى الله عليه وسلم- فرُجمت، فجيء إليه فقيل: قد رجمناها هذه الخبيثة، فذكره.
وأفاد أن الحدود كفارة لأهلها، وتقدم في (ثلاث) أنه قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا نعلم هل هي كفارة أم لا؟» وذكرنا هنالك أنه قاله قبل إعلام الله له. التنوير (6/ 296).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وقد اختلف العلماء: هل إقامة الحد بمجرده كفارة للذنب من غير توبة أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أنَّ إقامة الحد كفارة للذنب بمجرده، وهو مروي عن علي بن أبي طالب، وابنه الحسن، وعن مجاهد، وزيد بن أسلم، وهو قول الثوري والشافعي وأحمد، واختيار ابن جرير وغيره من المفسرين.
والثاني: أنه ليس بكفارة بمجرده، فلا بد من توبة، وهو مروي عن صفوان بن سليم وغيره، ورجحه ابن حزم، وطائفة من متأخري المفسرين، كالبغوي وأبي عبد الله ابن تيمية وغيرهما، واستدلوا بقوله تعالى في المحاربين: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلا الَّذِينَ تَابُواْ} المائدة: 33، وقد يجاب عن هذا: بأن عقوبة الدنيا والآخرة لا يلزم اجتماعها، فقد دل الدليل على أن عقوبة الدنيا تُسْقِط عقوبة الآخرة، وأما استثناء الذين تابوا فإنما استثناهم من عقوبة الدنيا خاصة؛ ولهذا خصهم بما قبل القدرة، وعقوبة الآخرة تندفع بالتوبة قبل القدرة وبعدها، ويدل على أنَّ الحد يُطَهِّر الذنب: قول ماعز للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إني أَصَبْتُ حدًّا فطَهِّرني»، وكذلك قالت له الغامدية، ولم ينكر عليها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ذلك، فدل على أنَّ الحد طهارة لصاحبه، ويدخل في قول النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «مَن أصاب شيئًا من ذلك فعُوقِب به في الدنيا فهو كفارته». فتح الباري (1/ 80-81).