الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

«مَن صلّى عليّ من أُمتِي صلاة مخلصًا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلواتٍ، ورفعه بها عشر درجات، وكتَب له بها عشر حسنات، ومحَا عنه عشر سيئات»


رواه النسائي في الكبرى برقم: (9809) واللفظ له، من حديث أبي بردة الأنصاري -رضي الله عنه-، ورواه أحمد برقم: (16352) من حديث أبي طلحة -رضي الله عنه-.
صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1659)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (3360).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مخلصًا»:
المُخْلِص: الذي وحد الله تعالى خالصًا؛ ولذلك قيل لسورة: (قُلْ هو الله أحد)، سورة الإخلاص.لسان العرب، لابن منظور(7/26)

«‌درجات»:
رُتَبٍ عالية في الجنة. التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي(1/ 21).

«كتب»:
أي: قدَّر أو أوجب. التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي(1/ 21).

«حسنات»:
الحسنةُ: يُعبَّر عنها عن كلِّ ما يسرُّ من نعمة تنال الإنسان في نفسه، وبدنه، وأحواله، والسيئة تضادّها.
وهما من الألفاظ المشتركة، كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة كالفرس والإنسان وغيرهما. المفردات، للراغب الأصفهاني(ص: 235).

«محَا»:
أزال، يقال: مَحَوْتُه محوًا ومحيته محيًا أزلته، وذلك بأن يمحوها من صحف الحفظة وأفكارهم. فيض القدير (1/ 104).

«سيئات»:
جمع سيئة، أي: قبيحة. التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي (1/ 21).


شرح الحديث


قوله: «مَن صلى عليّ من أُمتِي صلاة»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
الصلاة من العبد: طلب التعظيم والتَّبجيل لجناب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والصلاة من الله تعالى على العبد إن كان بمعنى الغفران، فيكون من باب المشاكلة -من حيث اللفظ لا المعنى-، وإن كان بمعنى التعظيم فيكون من الموافقة لفظًا ومعنى. شرح المشكاة (3/ 1042).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«...صلاة» نَكَّرَها ليُفِيْد حصولها بأي لفظ كان، لكن الأفضل ما في الصحيح قولوا: «اللهم صلِّ على محمد»، وقال: «مَن صلى» دون من ترحّم؛ إيذانًا بأنه لا يُدْعَى له بالرحمة -كما في الاستذكار-، وإن كانت بمعنى الصلاة عند كثيرين؛ لأنه خصَّ بلفظها تعظيمًا، فلا ينبغي إطلاقها عليه إلا تبعًا للصلاة أو السلام كما في التشهد. فيض القدير (1/ 104).
قال القاضي أبو بكر ابن العربي -رحمه الله-:
الذي أعتقده -والله أعلم- أنَّ قوله: «من صلى عليَّ...» ليست لمن قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنَّما هي لمن صلى عليه كما عُلم بما نصَّصناه عنه، -والله أعلم-. عارضة الأحوذي (1/ 230).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وظاهره: حصول الثواب الموعود، وإن لم تقترن الصلاة بسلامه، فيُشكل على نقل النووي كراهة الإفراد، وحصوله مع قُرب المصلي عليه وبُعْدهن، وأنه لا مَزِيَّة للصلاة عند قبره عليها من بُعْد، لكن ذهب بعضهم إلى أنها عند قبره أفضل. فيض القدير (1/ 104).

قوله: «مخلصًا من قلبه»:
قال الفيومي -رحمه الله-:
المخلص هو: المتصف بالإخلاص، وهو: إفراد الحق -سبحانه وتعالى- في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر من تصنُّعٍ لمخلوق أو اكتساب مَحْمَدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق، أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (7/ 667).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «مخلصًا من قلبه» أي: معتقدًا أن الله أمر بها، وأنه مأجور فيها، معظمًا بها النبي -صلى الله عليه وسلم-. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 488).

قوله: «صلى الله عليه بها عشر صلوات»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
يحتمل أن المراد: تُكْتَب له أجر عشر صلوات، أو أنه أَمر ملائكته يصلون عليه عشرًا تنويهًا بذكره، ورفعًا لشأنه في الملأ الأعلى. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 488).
قال ابن العربي -رحمه الله-:
قد قال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} الأنعام: 160، فما فائدة هذا الحديث؟
قلنا: أعظم فائدة؛ وذلك أنَّ القرآن اقتضى أنَّ مَن جاء بالحسنة يُضاعف له عشرًا، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- حسنة، فيقتضي القرآن أن يُعطى عشر درجات في الجنة، فأخبر الله -سبحانه- أنه يصلي على من صلى على رسوله عشرًا، وذكرُ اللهِ للعبد أعظم من الحسنة مضاعفة، وتحقيق ذلك: أنَّ الله تعالى لم يجعل جزاء ذكره إلا ذكره، كذلك جعل جزاء ذكر نبيه ذكره لمن ذكره. عارضة الأحوذي (1/ 229-230).
ونقل السيوطي عن العراقي قوله:
ولم يقتصر على ذلك حتى زاده: كتابة عشر حسنات، وحطّ عشر سيئات، ورفع عشر درجات، كما ورد في أحاديث. قوت المغتذي على جامع الترمذي (1/211).

قوله: «‌ورفع ‌له ‌عشر ‌درجات»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
في الجنة، والدّرجة رُتْبة من رُتَب الإثابة، أو مِرْقَاة حقيقة يصعد عليها غُرَف الجنة، فرفع الدرجة كناية عن رفع غرفته. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 290).

قوله: «وكتب»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قدَّر، أو أَوجب أو في اللوح، أو في جَبينه أو في صحيفته، وعلى ما عدا الأولين؛ فإضافة الكتابة للذات المتعالية للتشريف إذ الكاتب الملائكة. فيض القدير (1/104).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«كتب» أي: كتابة حقيقية لا مجازية. البحر المحيط الثجاج(42/612).

قوله: «له بها عشر حسنات»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: ثوابها مضاعفًا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة؛ لأن الصلاة ليست حَسنة واحدة بل حسنات؛ إذ بها تجديد الإيمان بالله أولًا ثم بالرسالة، ثم بتعظيمه، ثم العناية بطلب الكرامة له، ثم بتجديد الإيمان باليوم الآخر، ثم بذكر الله، ثم بتعظيمه بنسبتهم إليه، ثم بإظهار المودة، ثم بالابتهال والتضرع في الدعاء، ثم بالاعتراف بأن الأمر كُله لله، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- مع جلالة قَدرهِ مفتقر إلى رحمة ربه، فهذه عشر حسنات. فيض القدير (1/ 104).

قوله: «ومحا عنه عشر سيئات»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
محاها من صحائفه أو غفرها، وأغفلها حتى كأنْ لَمْ يكن، والمراد بها: من الصغائر؛ لِمَا تقرَّر عندهم من أن الكبائر لا يمحوها إلا التوبة. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 290).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: «أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرًا»، وأنه -سبحانه وتعالى- قال له: إنه من صلى عليك من أمتك مرَّة صليت عليه بها عشرًا، وهذا موافق للقاعدة المستقرة في الشريعة: أن الجزاء من جنس العمل؛ فصلاة الله على المصلي على رسوله جزاء لصلاته هو عليه، ومعلوم أن صلاة العبد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليست هي رحمة من العبد؛ لتكون صلاة الله عليه من جنسها، وإنما هي ثناء على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإرادة من الله تعالى أن يُعلي ذكره ويزيده تعظيمًا وتشريفًا، والجزاء من جنس العمل، فمن أثنى على رسول -صلى الله عليه وسلم- جزاه الله من جنس عمله بأن يُثني عليه ويزيد تشريفه وتكريمه، فصح ارتباط الجزاء بالعمل ومشاكلته له ومناسبته له. جلاء الأفهام (ص: 164).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
في هذا الحديث سِرٌ لطيف، فيه أعظم شرف لنبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأبلغ باعث على الإكثار من الصلاة عليه؛ وذلك أنه تعالى كما وعَد ذاكره بأن يذكره، بقوله -عز قائلًا-: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} البقرة: 152...كذلك فعل في حق نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، فوعد المصلي عليه بأن يصلي تعالى عليه في مقابل صلاته الواحدة عشرًا فأكثر.
وسِر ذلك: أنه تعالى رفع ذكر نبيه، حيث قرن ذكره بذكره في الشهادتين، وغيرهما، وفي جعل طاعته طاعته، ومحبته محبته، فاقتضى ذلك الرفع ذلك الفضل الواسع، على أنه تعالى لم يقتصر في مكافأة المصلي الصلاة عليه عشرًا فحسب، بل ضم إليها صلاة ملائكته أيضًا، ورفع عشر درجات، وحطّ عشر سيئات، وكتابة عشر حسنات، وكذا ثواب عتق عشر رقاب، كما جاء في رواية في سندها من لم يُسَمَّ، وفي هذا كله أوضح دلالة على شرفه -صلى الله عليه وسلم-، وشرف الصلاة عليه، بل وتميزها على سائر العبادات بما ذُكر، فإنه لم يُوجد نظيره في عبارة غيرها. فتح الإله في شرح المشكاة (4/106)

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا