الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إِنّ مِن الناس مفاتيح للخير، مَغَالِيقَ للشَّرِّ، وإِنَّ من الناس مَفَاتِيحَ للشَّرِّ، مَغَالِيْق للخير، فطوبى لمن جَعَلَ اللهُ مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جَعَلَ اللهُ مفاتيح الشَّر على يديه».


رواه ابن ماجه، برقم: (237)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (2223)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (‌‌‌1332).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مفاتيح»:
بالفتح: جمع مِفتاح، وهو -بكسر الميم-: آلة لفتح الباب ونحوه، ويقال فيه: المِفْتَح، بحذف الألف بعد التاء، وكأنه مقصور منه، ويُجمع هذا على مَفَاتِحَ، بغير ياء.مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة (4/ 409).

«مغَالِيقَ»:
بالفتح: جمع مِغلاق -بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة-، وهو ما يُغْلَق به، ويقال فيه: مِغْلَق أيضًا، ويُجمع على مَغَالِق بغير ياء.مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة (4/ 409).

«فطُوبى»:
أي: حُسنى، أو خيرًا، وهو من الطيِّبْ، أي: عَيش طيب. فيض القدير (2/ 528).

«ويلٌ»:
الويل: الحُزْن والهلاك والمشقة من العذاب، وكل مَن وقع في ‌هلَكةٍ ‌دَعَا ‌بِالوَيْلِ. النهاية، لابن الأثير(5/236).
قال ابن عَرفه -رحمه الله-:
الوَيل: الحزن، يقال: تويّل الرّجل إذا دَعا بالويل، وإنما يقال ذلك عند الحَزن والمكروه. الغريبين في القرآن والحديث(6 /2042).
ومنه قوله تعالى: ‌ {‌يَا ‌وَيْلَتَنا} الكهف: 49 ، أي: ‌يا ‌هَلَاكَنَا. تفسير البغوي (3/١٩٧).


شرح الحديث


قوله: «إنَّ مِن الناس مفاتيح للخير»:
قال العزيزي -رحمه الله-:
«مفاتيح» بإثبات الياء: جمع مفتاح، ويُطلق على المحسوس، وعلى المعنوي.السراج المنير شرح الجامع الصغير (2/ 137).
قال السندي -رحمه الله-:
أي: أن الله تعالى أجرى على أيديهم فتح أبواب الخير كالعلم والصلاح على الناس، حتى كأنه ملَّكهم مفاتيح الخير ووضعها في أيديهم؛ ولذلك قال: «جعل الله مفاتيح الخير على يديه»، وتَعْدِيَة الجَعْل بـ(على) لتضمُّنه معنى الوضع.حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/104).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«مفاتيح للخير»، أي: جعله يساق على أيديهم من إعطاء سائل، وقضاء حاجة محتاج، وإرشاد ضال، وتعليم جاهل، وأبواب الخير غير منحصرة.التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 113).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إن مِن» أفراد «الناس مفاتيح»، أي: من جعله الله تعالى ‌مفاتيح «‌للخير» الواصل إلى الناس؛ أي: أسبابًا ووسائط للخير، والخير: كلُّ ما فيه نفع عاجلًا أو آجلًا؛ كالمال والعلم والإيمان.مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (2/ 313-314).
قال السيوطي -رحمه الله-:
«مفاتيح للخير»، الرجال الّذين سببهم الله تعالى لعبادهِ بإيصال الخير من أهل المعرفة والعلم والجهاد والرياسة في ذلك الأمر للأنبياء -عليهم السلام- ثم للصحابة ثم لغيرهم من المجتهدين والعلماء والزهاد والعارفين كما أنّ رياسة ‌الشّر لإبليس، والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم.إنجاح الحاجة(ص: ٢١

قوله: «مغاليق للشّر»
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«مغاليق للشر»: يدفعون الخصومات، ويصلحون بين الناس، ونحوه.التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 113).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
أي: مَساد ومدافع، «للشر»، أي: للشر الواصل إلى الناس، والشر: كلّ ما فيه ضرر، إما عاجلًا أو آجلًا؛ كالشرك والمعاصي والبلاء.مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه(2/ 313-314).

قوله: «وإنَّ من الناس مفاتيح للشر»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«وإن مِن» أفراد «الناس» من جعله الله تعالى «مفاتيح للشر، مَغَالِيْق للخير»، وأولئك الذين كانوا مفاتيح الشر؛ كالطواغيت، وصناديد المشركين، وفرعون موسى، وفرعون محمد، وفرعون إبراهيم -عليهم الصلاة والسلام-؛ فإن هؤلاء الفراعنة أغلقوا على الناس أبواب الإيمان والخيرات، وفتحوا لهم أبواب الشرك والعقوبات.مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (2/ 314).

قوله: «فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«طوبى»، أي: يُقال له ذلك، أو يُجعل له الطَّيِّب من العيش في الدارين، «لمن جَعَلَ اللهُ مفاتيح الخير على يديه»؛ فإنه تعالى عَلِمَ منه قبول الخير وفعله، فيسره لليسرى.التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 113).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«طوبى» فُعْلَى من الطيب؛ أي: معيشة طيبة، وعاقبة محمودة، «لمن جعل الله» -سبحانه وتعالى-، «مفاتيح الخير» وخزائنه جارية «على يديه»؛ لأنه يشارك العاملين بالخير في الأجر؛ لأن الدال على الشيء كفاعله.مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (2/314).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي-رحمه الله-:
«طُوبَى» بالضمّ فُعْلَى من الطيب، «لمِنْ جعل الله مفاتيح الخيْرِ على يديه»؛ بأن جادَ على الناس من عِلمه وعمله وحاله وماله.مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (4/ 410).

قوله: «وويل لمن جعل الله مفاتيح الشِّر على يديه»:
قال السندي -رحمه الله-:
الويل: الهلاك؛ وذلك لأن الأول يشارك العاملين بالخير في الأجر، والثاني يشارك العاملين بالشّر في الوزر.حاشية السندي على ابن ماجه (1/ 218).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وويل»: شدة وهلاك وخسران، «لمن جعل مفاتيح الشّر على يديه»؛ لأنه من التيسير للعُسرى، وما ييسر لها إلا من امتنع من الخير وقبوله، وغيَّر الفعل في الثاني تأدُّبًا في عدم إسناد ذلك إلى الله تعالى، بخلاف الخير، فأسنده إلى الله تعالى.التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 113-114).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«وَوَيْلٌ»، أي: هلاك، «لِمَنْ جعل الله مفاتيح الشَّرِّ على يديه»، أي: بأن كان سببًا للكفر والعصيان والبَطر والطغيان والبخل، وسوء العشرة مع الإخوان.
وذلك لأن الأول يشارك العاملين بالخير في الأجر، فثبتت له الجنة، والثاني يشارك العاملين بالشرّ في الوزر، فثبت له الهلاك.مشارق الأنوار الوهاجة..، شرح سنن الإمام ابن ماجه (4/ 410).
وقال السمرقندي -رحمه الله-:
«فطوبى لمن جعل اللهُ مفاتيح الخير...»
ولهم بذلك أَجر، ومن الناس ناسًا مفاتيح للشّر، مغَاليق للخير، وعليهم بذلك إِصرٌ، يعني: إِثم كبير.تنبيه الغافلين(ص:570).
قال الحكيم الترمذي -رحمه الله-:
فالخير مرضاة الله، والشر مسخطته، وإذا رضي الله عن عبد، كان علامة رِضاه عنه أن يجعله مفتاحًا للخير، فإن رُئي ذُكر الخير برؤيته، وإن حضر حضر معه الخير، وإن ذُكر ذُكر الخير معه، وإن نطق نطق بخير، وعليه من الله تعالى سمات ظاهرة تُذكِّر بالخير من لقيه، يتقلب في الخير بعمل الخير، وينطق بالخير، ويفكر في الخير، ويضمر على الخير، وهو مفتاح الخير حيث ما حضر، وسبب الخير لكل من خالطه، أو عاشره، أو صَحِبَه.
والآخر يتقلب في الشر، يعمل بالشر، وينطق بالشر، ويفكر بالشر، ويضمر على شر، فهو مفتاح الشر حيثما حضر، وسبب الشر لكل من خالطه، أو صَحِبَه، فصحبة الأول دواء، لا ترجع منه إلا بزيادة، وصحبة الثاني داء، لا ترجع منه إلا بنقصان.نوادر الأصول(1/ 420).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
فإذا رضي الله تعالى عن عبد، فعلامة رضاه أن يجعله مفتاحًا للخير، وعلامة سخطه على عبدٍ أن يجعله مفتاحًا للشر، ومنهم من هو مُتلبِّس بهما، فهو من الّذين خلطوا عملًا صالحًا، وآخر سيئًا.
قال العلقمي: فائدة: قال الدميري: جعل الله لكل خير وشرٍّ مفتاحًا وبابًا يدخل منه إليه، كما جعل الشرك والإعراض والكبر عما بعث الله به رسوله -صلى الله عليه وسلم- والغفلة عن ذِكره، والقيام بحقه مفتاحًا للنار، وكما جعل الخمر مفتاحًا لكل إثم، وجعل الغناء مفتاح الزنا، وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح العِشق، وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان، وجعل المعاصي مفتاح الكُفر، وجعل الكذب مفتاح النّفاق، وجعل الشّح والبُخل والحرص مفتاح التلف وقطيعة الرّحم، وأخذ المال من غير حِله، وجعل الإعراض عما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- مفتاح كل بدعة وضلالة، وهذه أمور لا يصدق بها إلا من له بصيرة صحيحة، وعقل يعرض به عما في نفسه.السراج المنير شرح الجامع الصغير(2/ 136- 137).
وقال السمرقندي -رحمه الله-:
يعني: الذي يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر فهو مفتاح للخير، ومغلاق للشر، وهو من المؤمنين، كما قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} التوبة: 71. فأما الذي يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف فهو من علامات المنافقين، كما قال الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} التوبة: 67. تنبيه الغافلين (ص: 94-95).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
ولا شك أنَّ العلماء والأخيار الذين نفع الله بهم البلاد والعباد، ونشروا العلم، وكذلك الدعاة والمصلحين وأهل الأموال الذين ينفقون أموالهم في المشاريع الخيرية، والذين ينفعون الناس بشفاعاتهم ووجاهتهم، تكون أعمالهم قدوة للناس، فهم مفاتيح للخير، ومغاليق للشّر.شرح سنن ابن ماجه (16/ 3).


ابلاغ عن خطا