الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكرُ اللهِ، وما والاه، أو عالـمًا، أو مُتعلمًا».


رواه الترمذي برقم: (2322) وابن ماجه برقم: (4112) واللفظ له، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3414)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2797).


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «الدنيا ملعونة ملعونٌ ما فيها»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «ملعونة» أي: متروكة مُبعدَة، متروك ما فيها أو متروكة الأنبياء والأصفياء كما في خبر: «لهم الدنيا، ولنا الآخرة»... «‌الدنيا ‌ملعونة»؛ لأنها غرَّت النفوس بزهرتها ولذَّتِها، فأمالتها عن العبودية إلى الهوى. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 14).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«الدنيا ‌ملعونة» أي: مبغوضة ساقطة، فعبَّر عنه بذلك؛ لأن مَنْ لازم المبغوض الساقط الإبعاد «ملعون ما فيها» أي: من الأموال الدنيوية المخدّجة الفانية من شهوات وغيرها، أي: الاشتغال بذلك مُبعِد عن حضرة الحق، فقد جاء: «حبُّ الدنيا رأس كل خطيئة». دليل الفالحين (4/ 410).
وقال السندي -رحمه الله-:
«الدنيا ملعونة» المراد بالدنيا كل ما يشغل عن الله تعالى، ويبعد عنه، ولَعنُه بُعْدُه عن نظره تعالى. كفاية الحاجة، شرح سنن ابن ماجة (2/ 526).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
اللعن: الطرد والإبعاد، فلعنُها بُعْدُها من الله، وأنه لم ينظر إليها منذ خلقها. واعلم أنه ورد علينا سؤال في لعن الدنيا، وأجيب بما حاصله: أنه معلوم أن الله تعالى قال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} الآية آل عمران: 14، وأن الذي زيّنها هو الله تعالى، أي: جعل الطباع البشرية مائلة إلى ما زيّنه، ودليل أنه الذي زيَّنها قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} الأعراف: 32 أي: ما زيَّنه، وثبت حديث: «حُبِّبَ إليَّ من دنياكم: النساء والطيب» ومعلوم يقينًا أن الله لا يُزيّن ولا يحبب إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا ملعونًا قطعًا، وإذا عرفتَ هذا فلا بدَّ من النظر فيما هو ملعون منها.
فالتحقيق: أنها تجري الأحكام الخمسة فيما خلقه الله من متاع الدنيا، ونبيِّنه في اللباس؛ فإن سَتر العورة واجب، والتجمل بالثياب لِمَا شُرِعَ له التجمل سنة، ولُبْسُه لا بِنيَّة التجمل مباح، ولُبْسُه زيادة على الحاجة مكروه، ولُبْسُه كبرًا وفخرًا محرم، ومعلوم أن غير المحرم غير ملعون فاعله، ولا الثوب الذي لَبِسَهُ لأحدها؛ فتعيّن أن الملعون من متاعها هو المحرم، وقد لعن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من متاع الدنيا ما حُرِّم كالخمر، وعاصرِها، ومعتصرِها، ونحوِهما، والربا، وكاتبِه، وشاهديه، وقال: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} هود: 18؛ لأنهم فاعلو المحرمات، ولا ريب أن لفظ الدنيا مجمل، وليس بلفظ عام؛ لأن الدنيا من صيغ العموم يطلق على جميع الأعيان التي فيها، اللعن واقع على لفظ مجمل، ولا بد من بيانه، فبيّنه الله ورسوله بلعن المحرمات.التحبير لإيضاح معاني التيسير(4/ 408- 410).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
«‌الدنيا ‌ملعونة» المراد بذلك ها هنا هي الدار الدنيا، فالاستثناء بعد ذلك متصل، وإن أريد بذلك الغفلة فالاستثناء منقطع. الكوكب الدري على جامع الترمذي (3/ 238).
وقال الكلاباذي -رحمه الله-:
يجوز أن يكون معنى الدنيا في هذا الحديث: ملاذ النفوس وشهواتها، وجميع حطامها وزهرتها، وما ذكر في قوله -عز وجل-: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} آل عمران: 14، وحب البقاء فيها، فتكون هذه الأشياء هي الملعونة؛ إذا كانت للنفوس وشهواتها، ولذة الطبع، والتلهي بها، والشغل فيها، والحب لها، ولم تكن لله تعالى، ولا فيه؛ لأن الدنيا في الحقيقة هي الحياة الأولى التي يليها الموت والفناء، والآخرة هي الحياة الباقية التي ليس لها زوال ولا فناء.
ويجوز أن يكون معنى قوله: «الدنيا ملعونة» أي: مرفوضة متروكة، وما فيها، أي: ما في الحياة الأولى من هذه الشهوات والملاذ والحطام، وما ذكر في الآية ملعون، أي: متروك يجب تركها ورفضها، والإعراض عنها، فإن الله -عز وجل- على هذا حثَّ، وإليه ندب، وفيه رغَّب، وعنها زهَّد...، فيكون معنى قوله -صلى الله عليه وسلم: «الدنيا ملعونة» أي: متروكة يجب تركها، إلا ما كان منها لله، وهو ما كان عُدةً للطاعة لله -عز وجل-، وعونًا على إقامة ما أمر الله به، ويجوز أن يكون معنى قوله: «الدنيا ملعونة» أي: متروكة، أي: هي متروك الأنبياء والأولياء والأفاضل من الناس، فإنهم تركوها ورفضوها، واعرضوا عنها، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن لهم الدنيا ولنا الآخرة»، و«ما أنا والدنيا أو ما مثلي ومثل الدنيا إلا كمثل راكب نزل تحت شجرة ثم سار وتركها». معاني الأخبار (ص: 156-157).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«الدنيا ‌ملعونة» المراد بالدنيا هنا: كل ما يشغل عن الله ويبعد عنه؛ كالمنكرات «ملعون ما فيها» أي: ما وجد فيها؛ ولَعْنُه: بُعْدُه عن نظره تعالى... ولَعْنُه إياها: بُعدها عن نظره تعالى، وقلُّة اعتنائه بها؛ لأنها ليست دار مقرٍّ، بل هي دار ممرٍّ. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (25/ 112- 113).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ولا يفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا وسبِّها مطلقًا؛ لِمَا رويناه من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبوا الدنيا، فنعمت مطية المؤمن، عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر، إنه إذا قال العبد: لعن الله الدنيا، قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربه»... (حكم عليه الشيخ الألباني بالوضع، سلسلة الأحاديث الضعيفة) وهذا يقتضي المنع من سبِّ الدنيا ولعنها، ووجه الجمع بينهما: أن المباح لَعْنُه من الدنيا ما كان منها مُبعِدًا عن الله، وشاغلًا عنه، كما قال بعض السلف: كل ما شغلك عن الله تعالى من مال وولد فهو عليك مشؤوم، وهو الذي نبَّه الله على ذمِّه بقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} الحديد: 20، وأما ما كان من الدنيا يُقرِّب إلى الله تعالى، ويعين على عبادة الله تعالى، فهو المحمود بكل لسان، والمحبوب لكل إنسان، فمثل هذا لا يُسبُّ، بل يرغَّب فيه ويحب، وإليه الإشارة بالاستثناء حيث قال: «إلا ذكر الله، وما والاه، أو عالم أو متعلم» وهو المصرَّح به في قوله: «فإنها نعمت مطيَّة المؤمن، عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر» (حكم عليه الشيخ الألباني بالوضع، سلسلة الأحاديث الضعيفة) وبهذا يرتفع التعارض بين الحديثين، والله أعلم. المفهم (7/ 109).

قوله: «ملعون ما فيها»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
وأما قوله: «ملعون ما فيها» فهو لفظ عام؛ لأن كلمة «ما» بمعنى الذي، فهو في معنى ملعون كل شيء فيها، ولكن نعلم قطعًا ويقينًا أنه لم يُرِدْ هنا العموم؛ لأن مما فيها الأنبياء والرسل والأولياء وأهل الإيمان، وهؤلاء معلوم أنهم غير ملعونين، ثم فيها بقاع شريفة نعلم يقينًا أنها غيرُ ملعونة كالمساجد والحرمين ونحوها.
فالتحقيق: أنه لفظ عام مخصص، وأن الملعون منه ما حرَّمه الله. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/410 ـ 410).
وقال المناوي-رحمه الله-:
«ملعون ما فيها» مما شَغَلَ عن الله تعالى، وأبعد عنه، لا ما قرَّب إليه، فإنه محمود محبوب. فيض القدير (2/ 326).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
واعلم: أنه إخبار عن الله -عزَّ وجلَّ- أنه لعنها، فلا يجوز لنا اللعن لها...؛ لأن المراد الإخبار أنها عنده تعالى متروكة، مطرودة عن تعظيمه لها، ونظره إليها، والقصد إعلام العباد بذلك ليستحقروها، وليس لهم لعنها. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 142).

قوله: «إلا ذكرُ الله، وما والاه»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إلا ذكر الله» بالرفع، وفي نسخة بالنصب، وهو استثناء منقطع «وما والاه» أي: أحبَّه الله من أعمال البر وأفعال القرب. مرقاة المفاتيح (8/ 3240).
وقال السندي -رحمه الله-:
الاستثناء في قوله: «إلا ذكر الله» منقطع، ويحتمِلُ أن يراد بها (أي: الدنيا) العالم السفلي كله، وكل ما له نصيب في القبول عنده تعالى قد استُثني بقوله: «إلا ذكر الله»... إلخ، فالاستثناء متصل والموالاة: المحبة، أي: إلا ذكر الله وما أحبه الله تعالى مما يجري في الدنيا، أو بمعنى المتابعة، فالمعنى: ما يجري على موافقة أمره تعالى أو نهيه، ويحتمِلُ أن يُرادَ وما يوافق ذكر الله، أي: يجانسه ويقاربه، وطاعتُه تعالى واتباع أمره والاجتناب عن نهيه كلها داخلة فيما يوافق ذكر الله. كفاية الحاجة، شرح سنن ابن ماجة(2/ 526).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «إلا ذِكر الله وما والاه» أقول: قد حققنا لك قريبًا أن ذكر الله عام لكل طاعة؛ ولكن قوله: «وما والاه» يشعر بأنه أريد بذكره تعالى نحو: التسبيح والتحميد وغيرهما من الأذكار، ويراد بما والاه: كل طاعة سواه. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 411).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «وما والاه» الموالاة: جريان المحبة بين اثنين، وقد يأتي ولا يكون إلا من واحد؛ يعني: ملعون ما في الدنيا إلا ذكر الله أو ما أحب الله؛ يعني: ما يجري في الدنيا مما يُحبُّه الله غير ملعون، والباقي ملعون؛ أي: مطرود مبغوض عند الله. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 283).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
شف (قال الأشرف البقاعي): هو من الموالاة، وهي المتابعة، ويجوز أن يُرادَ بما يوالي ذكر الله تعالى، طاعته واتباع أمره واجتناب نهيه؛ لأن ذكر الله يقتضي ذلك. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3284).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
«إلا ذكر الله وما والاه» قيل: معناه: ما تابعه من اتباع أمره ونهيه. قيل: وسُئل سهلٌ عن هذا الحديث فقال: المراد بذكر الله هنا الزهد في الحرام، وهو أنه إذا استقبله حرام يذكر الله تعالى، ويعلم أنه مُطّلع عليه، فيجتنب ذلك الحرام. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (12/ 695).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «إلا ذكر الله وما والاه» أي: ما يحبه الله من الدنيا وهو العمل الصالح، والموالاة: المحبة بين اثنين، وقد تكون من واحد، وهو المراد هنا. فيض القدير (2/ 327).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «وما والاه» ذكروا في توجيهه ثلاثة أوجه:
إحداها: أن «والاه» من الولي بمعنى المحبة، والمستكن في «والاه» للَّه، والبارز لـ«ما»، والمراد بما والاه اللَّه: ما أحبه اللَّه من القُرَب والطاعات.
وثانيها: أنه من الوَلْي بمعنى: القُرْب، والضمير المستكن لـ«الذِّكْر»، والبارز لـ«ما» أو على العكس، أي: ما قاربه وشابهه، والمراد به ذكر خير، يعني: من غير ذكر اللَّه.
وثالثها: أنه من الموالاة بمعنى: المتابعة، والمستكن والبارز لـ«الذِّكْر»، أي: ما تابع الذِّكْر ولازمه، وكان من مقتضيات الذِّكْر اتباع أمره ونهيه تعالى. وهذه الوجوه كلها إنما تتم إذا أريد بالذِّكْر ذكر اسمه سبحانه، وأما إذا أريد به ما يشمل كل عمل خير يعمل بنيّة التقرب، فالطاعات والعبادات كلها داخلة في الذِّكر، فيمكن أن يراد بما والاه الأسباب التي تتولى أمر الذِّكر وتعين عليه من كفاف المعيشة والضروريات الأخر، أو يكون المراد الذاكرين. والتعبير بـ«ما» لإرادة الصفة، كما يقال في تفسير أمثال قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} الشمس: 5، {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} الليل: 3، أو لأنها أعمُّ تستعمل على ذوي العقل وغيرهم كما قال ابن الحاجب، فافهم. لمعات التنقيح (8/ 416- 417).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«إلا ذكر الله وما والاه» أي: وما أدناه مما أحبَّه الله تعالى، والوَلْي: القُرْب والدُّنو، والمعنى: الدنيا ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما قاربه من الطاعة الموصِّلة لمرضاته. دليل الفالحين (4/ 410).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«وما والاه» أي: طاعة الله، أي: فكأنه قال: إلا ذكر الله وطاعته، والذكر حينئذٍ القول الذي يُثنى به عليه -سبحانه وتعالى-، وينزَّه به. دليل الفالحين (7/ 178).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «إلا ذكر الله وما والاه» أي: والذي والاه الله تعالى، أي: أحبَّه، أو المعنى: والذي يكون سبب ذكر الله واتبعه، فيدخل في ذلك أسباب الذِّكر كالمناكح والمعايش والعلوم الأدبية وغيرها مما يحتاج إليه في ذِكْرِه سبحانه. الكوكب الدري على جامع الترمذي (3/ 238).
وقال الحكيم الترمذي -رحمه الله-:
كل شيء أريد به وجه الله تعالى من الأمور والأعمال، فهو مُستثنىً من اللعنة؛ لأنه قد آوى ذِكْرَ الله تعالى. نوادر الأصول في أحاديث الرسول (1/ 255).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وفي الحديث أن ذكر الله تعالى رأس كل عبادة ورأس كل سعادة، بل هو كالحياة للأبدان والروح للإنسان، وهل للإنسان عن الحياة غنى؟ وهل له عن الروح معدل؟ وإن شئتَ قلتَ: به بقاء الدنيا وقِيَام السماوات والأرض؛ رَوَيْنا عن مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله»، فالحديث إذن من كنوز الحكم وجوامع الكلم التي خصَّ بها هذا النبي المكرم صلوات الله على قائلها؛ لأنه دل بالمنطوق على جميع الخصال الحميدة وبالمفهوم على جميع رذائلها. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3285).

قوله: «أو عالـمًا، أو متعلمًا»:
قال الفيومي -رحمه الله-:
قوله: «وعالم أو متعلم» في كثير من النسخ بالرفع، والوجه النصب نسقًا على ذكر الله، والله أعلم. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (12/ 695).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
هما منصوبان؛ لأن الاستثناء من موجَب، وكُتِبَ بلا ألف على طريقة كثير من المحدثين. قوت المغتذي على جامع الترمذي (2/ 563).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «أو عالم أو متعلم» أقول: في أكثر الروايات بغير ألف فيهما، على لغة ربيعة، أو على أنه يقرأ لفظًا، وإن لم يكتب خطًّا، وهو استثناء للأشخاص، كما أن الأول استثناء للمعاني. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 411).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وقوله: «وعالم أو متعلم» في أكثر النسخ مرفوع، واللهجة العربية تقتضي أن يكون عطفًا على «ذكر الله»، فإنه منصوب مستثنى من الموجب.
أقول: هو في جامع الترمذي هكذا: «وما والاه وعالم أو متعلم» بالرفع، وكذا في جامع الأصول إلا أن بدل «أو» فيه «الواو» وفي سنن ابن ماجه: «أو عالـمًا أو متعلمًا» بالنصب مع «أو» مُكرَّرًا، والنصب في القرائن الثلاث هو الظاهر، والرفع فيها على التأويل، كأنه قيل: الدنيا مذمومة؛ لا يحمد مما فيها إلا ذكر الله تعالى وعالم أو متعلم، ونظيره قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} المؤمنون: 5- 6، قال صاحب الكشاف: ضمَّن (حافظون) معنى النفي، كما ضُمِّن في فعلت، يعني: ما طلبت منك إلا فعلت. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3284).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «وعالم أو متعلم» هكذا في أكثر الروايات، والظاهر النصب؛ كما في سنن ابن ماجه مع إبدال الواو بـ«أو» مكررة؛ لأنه عطف على «ذكر اللَّه» وهو منصوب على الاستثناء من الكلام الموجب، وقد يُرفعُ. لمعات التنقيح (8/ 417).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وعالمًا أو مُتعلمًا» كذا هو فيما وقفتُ عليه من نسخ الرياض بالألف فيهما، وهو ظاهر؛ لأنهما معطوفان على المستثنى المنصوب وجوبًا؛ لكونه من كلام تام موجَب، لكنهما في نسخ الترمذي من غير ألف. دليل الفالحين (4/ 410).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وعالم أو متعلم» «أو» بمعنى الواو أو للتنويع، فيكون الواوان بمعنى «أو». مرقاة المفاتيح (8/ 3240).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وعالـمًا» بكتاب الله وسنة رسوله، فإنه المراد عند الإطلاق «أو متعلمًا» لهما. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 439).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
أقول: كان من حق الظاهر أن يُكتفى بقوله: «وما والاه»؛ لاحتوائه على جميع الخيرات والفاضلات ومستحسنات الشرع، ثم بيّنه في المرتبة الثانية بقوله: "والعلم" تخصيصًا بعد التعميم؛ دلالة على فضله، فعَدَلَ إلى قوله: «وعالم أو متعلم» تفخيمًا لشأنهما صريحًا، بخلاف ذلك التركيب؛ فإن دلالته عليه بالالتزام، ولْيَؤْذِنَ أن جميع الناس سوى العالم والمتعلم همج، وليُنَبِّه على أن المعنى بالعالم والمتعلم العلماء بالله، الجامعون بين العلم والعمل، فيُخرِجُ منه الجهلاء والعالم الذي لا يعمل بعلمه، ومَنْ يعلم علم الفضول وما لا يتعلق بالدِّين. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3285).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وعالـمًا أو متعلمًا» أي: هي وما فيها مُبعَدٌ عن الله تعالى إلا العلم النافع الدال على الله، فهذا هو المقصود منها، قوله: «عالـمًا أو متعلمًا» بالنصب عطفًا على ذكر الله؛ لأنه مستثنى من موجَب، ورُوي بالرفع أيضًا....فيض القدير (3/ 549).
وقال الدكتور مرزوق بن هياس الزهراني -حفظه الله -:
هذا استثناء من بُغض ما فيها إلا ما كان مِن عملٍ يُقرّب من الله -عزّ وجلّ- من العبادات وتعلم الخير وتعليمه، فذاك مما أَحبه الله ورسوله ودعا إليه وأمر به عباده.شرح سنن الدارمي(2/٣)
وقال ابن علان -رحمه الله-:
والجمع بين الوارد في ذَم الدنيا، والوارد في مدحها، بحمل الأول على ما يبعد عن الله تعالى، والثاني على ما يقرِّب إليه، كما يومئ إليه الاستثناء المذكور في الحديث، وهو متصل، نظرًا لكون المستثنى منها باعتبار الظاهر، وإن كان في الحقيقة فيها لا منها. دليل الفالحين (7/ 178).
وقال الشيخ فيصل بن مبارك -رحمه الله-:
فيه (أي: الحديث): ذمُّ ما أشغل من الدنيا عن ذكر الله وطاعته، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} المنافقون: 9، وأما ما أعان على طاعة الله من الدنيا فليس بمذموم، قال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} النور: 37، وفي حديث مرفوع: «لا تسبوا الدنيا؛ فنِعمَ مطيَّةُ المؤمن؛ عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر»(حكم عليه الشيخ الألباني بالوضع، سلسلة الأحاديث الضعيفة). تطريز رياض الصالحين (ص:322).


ابلاغ عن خطا