«إنَّ اللهَ يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا، فيرضى لكم: أنْ تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا، وأنْ تعتصموا بحبلِ اللهِ جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرةَ السؤالِ، وإضاعةَ المالِ».
رواه مسلم برقم: (1715)، وأحمد برقم (8799)، وزاد: «وأن تُنَاصِحُوا مَن ولّاه الله أمركم»، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«تعتصموا»:
أي: تتمسكوا. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (19/ 26).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
العِصمة: المنعة، والعاصم: المانع الحامي، والاعتصام: الامتساك بالشيء، افتعال منه. النهاية، لابن الأثير (3/ 249).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الاعتصام بالشيء: التمسك به، والتحرُّز بسببه من الآفات، وأصل العصمة: المنع، تقول العرب: عصم فلانًا الطعام؛ أي: منعه من الجوع. المفهم(5/ 163).
«تناصحوا»:
أصل النصح في اللغة: الخلوص، يقال: نصحته، ونصحت له...، ونصيحة الأئمة: أن يطيعهم في الحق، ولا يرى الخروج عليهم إذا جاروا. النهاية، لابن الأثير (5/ 63).
شرح الحديث
قوله: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا»:
قال أبو بكر الكلابادي -رحمه الله-:
أي: يرضى منكم هذه الأفعال، ويرضى لكم أن تكونوا بهذه الأوصاف، فيوجدها فيكم، ويوفقكم لها، ويستعملكم بها؛ لأنها تحببكم، والمحب يحب لحبيبه أرفع المنازل، وأعلى الدرجات، وأحسن الأوصاف، وأن تطيعوه أنتم فيوجدها فيكم، ويضعها فيكم، ويجلبكم فضلًا وكرمًا. بحر الفوائد (ص: 311).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا»، أي: شرع هذه الثلاثة، وأمر بها، وجعلها سببًا لكل ما عنده من الكرامة في الدنيا والآخرة.
وقوله: «ويكره لكم ثلاثًا»، وفي الرواية الأخرى: «سخط»، أي: نهى عنها وحرمها، وجعلها سبب إهانته، وعقوبته في الدنيا والآخرة، وهذا كما قاله تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} الزمر: 7، هذا أولى ما قيل فيه. المفهم (5/ 162).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
ذكر العدد يفيد، يعني: لو قال: إن الله يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا… إلى آخره من دون ثلاثًا، فحفظها الإنسان وأراد استذكارها قد ينسى منها شيئًا، لكن إذا كانت ثلاثًا وثلاثًا حسب بأصابعه واحد اثنان ثلاثة، واحد اثنان ثلاثة، إذا نسي شيئًا لا بد أن يراجع. شرح الموطأ (181/ 17).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
الرضا والكراهة والسخط من الله تعالى: يرجع إما إلى أمره ونهيه، أو لثوابه وعقابه، أو إرادته للثواب وللعقاب لأهل هذه الخصال. إكمال المعلم (5/ 568).
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله- معلقًا:
هذا على طريقة المؤولين، ومذهب السلف: أن الرضا والكراهة صفتان ثابتتان لله تعالى؛ نثبتهما ونعتقدهما ولا نمثلهما ولا نؤولهما، هذا هو المذهب الحق الذي نعتقده ونرفض ما سواه. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (19/ 25).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
هذا الكلام...تأويل على طريقة الأشاعرة الذين يؤولون الصفات، إما بلازم الصفة أو بالإرادة، والسخط صفة ثابتة لله -عز وجل-، قال الله تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} المائدة: 80، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} محمد: 28، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله -تبارك وتعالى- يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تُعْطِ أحدًا من خلقك؟! فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟! فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا». توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (5/ 93- 94).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الله -سبحانه وتعالى- موصوف بالرضا، وهو يرضى عن العمل، ويرضى عن العامل، يعني: أن رضا الله متعلق بالعمل وبالعامل، أما بالعمل، فمثل قوله تعالى: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} الزمر: 7، أي: يرضى الشكر لكم، وكما في قوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} المائدة: 3، وكما في الحديث الصحيح: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا...» الحديث، فهذا الرضا متعلق بالعمل، ويتعلق الرضا أيضًا بالعامل، مثل هذه الآية التي ساقها المؤلف: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} المائدة: 119؛ فرضًا الله صفة ثابتة لله -عز وجل-، وهي في نفسه، وليست شيئًا منفصلًا عنه كما يدعيه أهل التعطيل.
ولو قال لك قائل: فسر لي الرضا؟ لم تتمكن من تفسيره؛ لأن الرضا صفة في الإنسان غريزية، والغرائز لا يمكن لإنسان أن يفسرها بأجلى وأوضح من لفظها، فنقول: الرضا صفة في الله -عز وجل-، وهي صفة حقيقية متعلقة بمشيئته، فهي من الصفات الفعلية، يرضى عن المؤمنين وعن المتقين وعن المقسطين وعن الشاكرين، ولا يرضى عن القوم الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يرضى عن المنافقين، فهو -سبحانه وتعالى- يرضى عن أناس ولا يرضى عن أناس، ويرضى أعمالًا ويكره أعمالًا.
ووصف الله تعالى بالرضا ثابت بالدليل السمعي، وبالدليل العقلي؛ فإن كونه -عز وجل- يثيب الطائعين ويجزيهم على أعمالهم وطاعاتهم يدل على الرضا.شرح العقيدة الواسطية (1/ 260- 273).
وقوله: «فيرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا»:
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
في هذا الحديث: ضروب من العلم، منها: أن الله يحب من عباده الإخلاص في عبادته في التوحيد، وسائر الأعمال كلها التي يعبد بها، وفي الإخلاص طرح الرياء كله؛ لأن الرياء شرك أو ضرب من الشرك، قال أهل العلم بالتأويل: إن قول الله -عز وجل-: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} الكهف: 110، نزلت في الرياء، ويدخل في الإخلاص أيضًا التوكل على الله، وأنه لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، على الحقيقة غيره؛ لأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، لا شريك له. التمهيد (13/ 503-504).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
ثم فصل الثلاثة في الموضعين على سبيل اللف والنشر الْمُرَتَّب، فذكر الأول من الثلاثة الأولى بقوله: «فيرضى لكم أن تعبدوه» أي: فيأمركم أن تفردوه بالعبادة بامتثال مأموراته واجتناب منهياته، وذكر الثاني منها بقوله: «ولا تشركوا به شيئًا» من المخلوقات إنسًا وجنًا وملكًا حيًّا أو ميتًا جمادًا أو حيوانًا أو شيئًا من الشرك جليًّا أو خفيًّا، ولما كانت العبادة لا تستلزم نفي الإشراك عدَّهُ ثانية من تلك الثلاث. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم(19/ 26).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
العبادة: عمل الطاعة، واجتناب المعاصي.
«ولا تشركوا به شيئًا»؛ لأن من أشرك معه في عبادته غيره لم يعبده، فقوله: «شيئًا» يحتمل أن يكون مفعولًا مطلقًا؛ أي: شركًا، ويحتمل أن يكون مفعولًا به؛ أي: أي شيء كان كثيرًا أو قليلًا. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم(30/ 86).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
وهذا مع كونه مرضي هو فرض، بل لا يصح الإسلام إلا به. شرح الموطأ (181/ 17).
وقوله: «وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا»:
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
فيه: الحضُّ على الاعتصام والتمسك بحبل الله في حال اجتماع وائتلاف، وحبل الله في هذا الموضع فيه قولان: أحدهما: كتاب الله، والآخر: الجماعة، ولا جماعة إلا بإمام، وهو عندي معنى متداخل متقارب؛ لأن كتاب الله يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، قال الله -عز وجل-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} الآية آل عمران: 105، وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} آل عمران: 103.
روى يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة في قول الله -عز وجل-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} آل عمران: 103، قال: حبل الله الذي أمر أن يعتصم به: القرآن، وقال قتادة: إن الله قد كَره إليكم الفرقة، وقدم إليكم فيها، وحذركموها، ونهاكم عنها، ورضي الله السمع والطاعة، والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم بما رضي الله لكم، فقد ذكر لنا أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه»، وروى معمر، عن قتادة في قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} آل عمران: 103، قال: بعهد الله وأمره... عن عبد الله (يعني: ابن مسعود) قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن هذا القرآن هو حبل الله»؛ فهذا قول، والقول الثاني:... عن عبد الله بن مسعود: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}، قال: حبل الله: الجماعة.
وعنه أيضًا قال: الحبل الذي أيد الله به الجماعة... قال عبد الله بن مسعود في خطبته: أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة... قال عبد الله بن مسعود: الجماعة: القائل بالحق وإن كان وحده... قال أبو عمر: الظاهر في حديث سهيل هذا في قوله: «ويرضى لكم أن تعتصموا بحبل الله جميعًا»: أنه أراد الجماعة -والله أعلم-، وهو أشبه بسياقة الحديث.
وأما كتاب الله، فقد أمر الله -عز وجل- بالتمسك والاعتصام به في غير ما آية وغير ما حديث، غير أن هذا الحديث المراد به -والله أعلم-: الجماعة على إمام يسمع له ويطاع، فيكون ولي من لا ولي له في النكاح، وتقديم القضاة للعقد على الأيتام وسائر الأحكام، ويقيم الأعياد والجمعات، وتُأمَّن به السبل، وينتصف به المظلوم، ويجاهد عن الأمة عدوها، ويقسم بينها فيئها؛ لأن الاختلاف والفرقة هلكة، والجماعة نجاة، قال ابن المبارك -رحمه الله-:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا *** منه بعروته الوثقى لمن دانا
كم يدفع الله بالسلطان مظلمة *** في ديننا رحمة منه ودنيانـــا
لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل *** وكان أضعفنا نهبًا لأقوانا
... عن زيد بن ثابت، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في حديث ذكره: «ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم»، وهذا حديث ثابت في معنى حديث سهيل في هذا الباب، وهو يفسره... عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب بخيف منى، فقال: «نضر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها، ثم أدَّاها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله، ولزوم الجماعة، ومناصحة ولاة الأمر؛ فإن دعوة المسلمين من ورائهم محيطة»، ألا ترى أنه -صلى الله عليه وسلم- دعا لمن حفظ مقالته هذه فوعاها ثم أدَّاها؛ تأكيدًا منه في حفظها وتبليغها، وهي قوله: «ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ولزوم الجماعة، ومناصحة أولي الأمر». التمهيد (13/504-519).
وقال أبو الوليد الباجي -رحمه الله-:
قال أبو عبيد الهروي: معناه: بعهد الله، قال أبو عبيد: الاعتصام بحبل الله تعالى ترك الفرقة، وهو المراد بقول عبد الله بن مسعود: عليكم بحبل الله فإنه كتابه، قال: والحبل في كلام العرب ينصرف على وجوه، منها: العهد، وهو الأمان، قال الشاعر:
وإذا تجوزها حبال قبيلة *** أخذت من الأخرى إليك حبالها
والحبل في غير هذا الموضع: المواصلة. المنتقى شرح الموطأ (7/ 315).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
الاعتصام بحبل الله هو: التمسك بعهده، وهو اتباع كتابه، والتزام شريعته وطاعته وتقواه، والحبل في كلام العرب كلمة منصرفة، منها: العهد والأمان والوصلة، وأصل ذلك استعمال العرب الحبل في مثل هذه الأمور؛ لاستمساكهم بالحبال عند شدائد أمورهم، ومعاناة صعابها وصلة المفترق من الأشياء يربطونها به، ولأخذها من سادات البلاد أمانًا في بلادها، فاستعير اسمه لهذه الأمور ولكل ما يشبه ما كان يستعمل فيه، وقوله: «ولا تفرقوا» أمر بالاجتماع والألفة، وهي إحدى دعائم الشريعة، ونهى عن الفرقة والاختلاف، وقد يكون قوله: «ولا تفرقوا» راجع إلى الاعتصام بحبل الله، والتآلف على كتابه وعهد شريعته، وتكون خصلة واحدة، والثنتان قبلها؛ إحداهما: عبادة الله، والثانية: ألا يشرك معه غيره، بدليل أن قوله: «ولا تفرقوا» لم يأت في بعض الروايات. إكمال المعلم (5/ 568).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الاعتصام بالشيء: التمسك به، والتحرز بسببه من الآفات ...، و«حبل الله» هنا: شرعه الذي شرعه، ودينه الذي ارتضاه، قال قتادة: هو القرآن، وهو بمعنى القول الأول، والحبل ينصرف على وجوه:
منها: العهد والوصل، وما ينجي به من المخاوف.
ومنها: الأمان، وكلها متقاربة المعنى؛ لأن الحبل في الأصل: واحد الحبال التي تربط بها الآلات، وتجمع بها المتفرقات، ثم استعير لكل ما يُعَوَّلُ عليه، ويتمسك به، ثم كثر استعماله في العهد ونحوه.
ومعنى هذا: أن الله تعالى أوجب علينا التمسك بكتابه، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم-، والرجوع إليهما عند الاختلاف.
وقوله: «ولا تفرقوا» أي: اجتمعوا على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادًا، وعملًا، فتتفق كلمتكم، وينتظم شتاتكم، فتتم لكم مصالح الدنيا والدين، وتسلموا من الاختلاف والافتراق الذي حصل لأهل الكتابين. وفيه دليل: على صحة الإجماع. المفهم (5/ 163).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ولا تفرقوا» فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين، وتألف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام. شرح مسلم (12/ 11).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أن تعتصموا بحبل الله جميعًا» أي: القرآن، يرشدك إلى ذلك خبر: «القرآن حبل الله المتين»، والحديث يفسر بعضه بعضًا، فمن فسره بعهد الله أو اتباع كتابه كأنه غفل عن ذلك، ولا عطر بعد عروس، والاعتصام به: التمسك بآياته والمحافظة على العمل بها، «ولا تفرقوا» بحذف إحدى التاءين، وهذا نفي عطف على «تعتصموا»، أي: لا تختلفوا في ذلك الاعتصام كما اختلف أهل الكتاب، أو هو نهي عن أن يكون ما قبله من الخبر بمعنى الأمر، يعني: اعتصموا ولا تفرقوا، وكذا اللام في قوله: «ولا تشركوا». فيض القدير (2/ 302).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
حبل الله: في الكلام استعارة؛ شبه الكتاب العزيز وتعاليمه بالحبل بجامع أنّ كلًّا منهما سبب لحصول المقصود به، وحذف المشبه وأقيم المشبه به مقامه على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية.
والمراد من النهي عن التفرق: الأمر بلزوم جماعة المسلمين وتآلف بعضهم ببعض، وهذه الجملة منتزعة من قوله تعالى في سورة آل عمران: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} آل عمران: 103. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (7/ 25).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«و» يأمركم «أن تعتصموا» أي: تتمسكوا «بحبل الله» أي: بدين الله، «جميعًا» أي: حالة كونكم جميعًا متفقين عليه لا مختلفين فيه، وأكده بقوله: «ولا تفرقوا» فيه كتفرُّق من قبلكم في دينهم ...، وقوله: «ولا تفرقوا» أي: اجتمعوا على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادًا وعملًا، فتتفق كلمتكم وينتظم شتاتكم؛ فتتم لكم مصالح الدين والدنيا، وتسلموا من الافتراق والاختلاف الذي حصل لأهل الكتابين. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (19/ 26).
وقوله: «وأن تناصحوا مَن ولّاه الله أمركم»:
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
فيه: إيجاب النصيحة على العامة لولاة الأمر، وهم الأئمة والخلفاء، وكذلك سائر الأمراء، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة -ثلاثًا-، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله -عز وجل-، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم»... ففي هذا الحديث: أن من الدين: النصيحة لأئمة المسلمين، وهذا أوجب ما يكون، فعلى من واكلهم وجالسهم، وكل من أمكنه نصح السلطان لزمه ذلك إذا رجا أن يسمع منه... عن السائب بن يزيد، قال: قال رجل لعمر بن الخطاب: ألا أخاف في الله لومة لائم خير لي، أم أقبل على أمري؟ فقال: أما من ولي من أمر المسلمين شيئًا، فلا يخف في الله لومة لائم، ومن كان خلوًا فليقبل على نفسه، ولينصح لأميره.
وسئل مالك بن أنس: أيأتي الرجل إلى السلطان فيعظه، وينصح له، ويندبه إلى الخير؟ فقال: إذا رجا أن يسمع منه، وإلا فليس ذلك عليه. قال أبو عمر: إنما فر من فر من الأمراء؛ لأنه لا يمكنه أن ينصح لهم، ولا يغير عليهم، ولا يسلم من متابعتهم.التمهيد (13/519-527).
وقال أبو الوليد الباجي -رحمه الله-:
«أن تناصحوا من ولَّاه الله أمركم» يريد -والله أعلم- شأنكم، وهم الأئمة؛ فإن مناصحتهم مناصحة جميع المسلمين. المنتقى شرح الموطأ (7/ 315).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أن تُنَاصِحُوا من ولَّاه الله أمركم» أي: من جعله والي أمركم، وهم الإمام ونُوَابُهُ، والمراد بمناصحتهم: ترك مخالفتهم والدعاء عليهم، والدعاء لهم ومعاونتهم على الحق، والتلطف في إعلامهم بما غفلوا عنه من الحق والخلق، ولم يؤكد هنا بقوله: «ولا تخالفوا»؛ إشعارًا بأن مخالفتهم جائزة إذا أمروا بمعصية. فيض القدير (2/ 302).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
والنصيحة لأئمة المسلمين: معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق، وحث الأغيار على ذلك. الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية (ص:172).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
والنصيحة لأئمة المسلمين: معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتذكرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم، والصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات لهم، وأن لا يطروا بالثناء الكاذب، وأن يُدْعَىْ لهم بالصلاح، هذا إن كان المراد بالأئمة الولاة، وقيل: فنصيحتهم قبول ما رووه، وتقليدهم في الأحكام، وإحسان الخلق لهم. السراج المنير شرح الجامع الصغير (2/ 9).
قوله: «ويكره لكم: قيل وقال»:
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
فمعنى: «قيل وقال» -والله أعلم-: الحديث بما لا معنى له ولا فائدة فيه؛ من أحاديث الناس التي أكثرها غيبة ولغط وكذب، ومن أكثر من القيل والقال مع العامة لم يسلم من الخوض في الباطل، ولا من الاغتياب، ولا من الكذب -والله أعلم-.
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما يسمع»، ومكتوب في حكمة داود وفي صحف إبراهيم: من عد كلامه من عمله، قل كلامه إلا فيما يعنيه، وفي المثل السائر: التَّقِيُّ مُلْجَمٌ، وقد مضى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت». التمهيد (13/ 527-528).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله- أيضًا:
فالمعنى في «قيل وقال» -والله أعلم-: الخوض في أحاديث الناس التي لا فائدة فيها، وإنما جُلُّها: الغلط وحشْوٌ وغيبة، وما لا يكتب فيه حسنة، ولا سلم القائل والمستمع فيه من سيئة، قال الشاعر:
ومن لا يملك الشفتين يسحق *** بسوءِ اللفظِ من قيلٍ وقالِ
وقال أبو العتاهية:
عليك ما يعنيك من كل ما ترى *** وبالصمت إلا عن جميل تقوله
تزود من الدنيا بزاد من التقى *** فكل بها ضيف وشيك رحيله. الاستذكار (8/ 579).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«قيل وقال»، معناه: أن الله تعالى حرم الخوض في الباطل، وفيما لا يعني من الأقوال، وحكايات أحوال الناس التي لا يسلم فاعلها من الغيبة، والنميمة، والبهتان، والكذب: "ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كانت النار أولى به".
«قيل وقال» هكذا وجدنا هذا الكلام في الإكمال، وهو كلام مختل؛ لأنهما لو كانا اسمين لنُوِّنَا؛ إذ لا مانع لهما من الصرف، ولكانا منصوبين نكرة، ولا موجب لخفضهما، وأظن أن هذا خلل وقع من بعض النساخ ...ثم قال بعد هذا: والقيل والقال والقول: كله بمعنى، وكذلك القالة. وهذا كله صحيح؛ فإن مصدر «قال» يقال فيه ذلك كله. المفهم (5/ 163-164).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما «قيل وقال» فهو الخوض في أخبار الناس، وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم، واختلفوا في حقيقة هذين اللفظين على قولين: أحدهما: أنهما فعلان، فـ«قيل» مبني لما لم يُسَمَّ فاعله، و«قال» فعل ماضٍ، والثاني: أنهما اسمان مجروران مُنَوَّنَان؛ لأن القيل والقال والقول والقالة: كله بمعنى، ومنه قوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} النساء: 122، ومنه قولهم: كثر القيل والقال. شرح مسلم (12/ 11).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «وكره لكم قيل وقال»، في رواية الشعبي: «وكان ينهى عن قيل وقال» كذا للأكثر في جميع المواضع بغير تنوين، ووقع في رواية الكشميهني هنا: «قيلًا وقالًا»، والأول أشهر، وفيه تعقُّب على من زعم أنه جائز، ولم تقع به الرواية، قال الجوهري: قيل وقال اسمان، يقال: كثير القيل والقال كذا جزم بأنهما اسمان، وأشار إلى الدليل على ذلك بدخول الألف واللام عليهما، وقال ابن دقيق العيد: لو كانا اسمين بمعنى واحد كالقول لم يكن لعطف أحدهما على الآخر فائدة، فأشار إلى ترجيح الأول، وقال المحب الطبري: في قيل وقال ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهما مصدران للقول تقول: قلت قولًا وقيلًا وقالًا، والمراد في الأحاديث: الإشارة إلى كراهة كثرة الكلام؛ لأنها تؤول إلى الخطأ، قال: وإنما كرره للمبالغة في الزجر عنه.
ثانيها: إرادة حكاية أقاويل الناس والبحث عنها ليخبر عنها؛ فيقول: قال فلان كذا وقيل كذا، والنهي عنه إما للزجر عن الاستكثار منه، وإما لشيء مخصوص منه وهو ما يكرهه المحكي عنه.
ثالثها: أن ذلك في حكاية الاختلاف في أمور الدين؛ كقوله: قال فلان كذا وقال فلان كذا، ومحل كراهة ذلك أن يكثر من ذلك؛ بحيث لا يؤمن مع الإكثار من الزلل، وهو مخصوص بمن ينقل ذلك من غير تثبت، ولكن يقلد من سمعه ولا يحتاط له، قلت: ويؤيد ذلك الحديث الصحيح: «كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع» أخرجه مسلم. فتح الباري (10/ 407).
قوله: «وكثرة السؤال»:
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وأما قوله: «وكثرة السؤال»؛ فمعناه عند أكثر العلماء: التكثير في السؤال من المسائل النوازل والأغلوطات، وتشقيق المولدات، وقال مالك: أما نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كثرة السؤال، فلا أدري أهو الذي أنهاكم عنه من كثرة المسائل، فقد كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها، أم هو مسألة الناس؟
قال أبو عمر: الظاهر في لفظ هذا الحديث: كراهة السؤال عن المسائل إذا كان ذلك على الإكثار، لا على الحاجة عند نزول النازلة؛ لأن السؤال في مسألة الناس إذا لم يجز، فليس ينهى عن كثرته دون قلته، بل الآثار في ذلك آثار عموم لا تفرق بين القلة والكثرة لمن كره له ذلك.
وأما حديث هذا الباب فمعناه -والله أعلم-: ما ذكرنا، على أنه قد اختلف فيه على ما وصفنا؛ وكان الأصل في هذا أنهم كانوا يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أشياء ويلحون فيها؛ فينزل تحريمها، قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} المائدة: 101. وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا من سأل عما لم يحرم، فحرم على الناس من أجل مسألته»، وروي عن الزهري، ومجاهد، وقتادة، وعكرمة، بمعنى واحد، أنهم قالوا: كانوا يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألوه يومًا فأكثروا عليه، فقام مغضبًا، وقال: «سلوني، فوالله لا تسألوني -أو: لا يسألني أحد- عن شيء في مقامي هذا إلا أخبرته، ولو سألني عن أبيه لأخبرته»، فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي؟ فقال: «أبوك حذافة»، قال الزهري: فقالت أمه: ما رأيت ولدًا أعق منك! أكنت تأمن أن تكون أمك قارفت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها؟ وقام رجل فقال: الحج واجب في كل عام، أم مرة واحدة؟ فقال: «بل مرة واحدة، ولو قلتها لوجبت»، وقام سعد مولى شيبة فقال: من أنا يا رسول الله؟ قال: «أنت سعد مولى شيبة بن ربيعة»، وقام رجل من بني أسد فقال: أين أنا يا رسول الله؟ قال: «أنت في النار»، فقام عمر فقال: رضينا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فنزلت عند ذلك هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} المائدة:101، ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال.
وقال ابن جريج، عن عطاء وعمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير: «إن الله حرم أشياء وأحل أشياء، فما حرم فاجتنبوه، وما أحل فاستحلوه، وما سكت عنه فهو عفو فلا تسألوا عنه».
وقال آخرون: معنى نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كثرة السؤال، أراد سؤال المال والإلحاح فيه على المخلوقين، واستدلوا بعطفه على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وإضاعة المال»، وبما رواه المغيرة بن شعبة وعمار بن ياسر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، ومنْعَ وهات، ووأد البنات، وعقوق الأمهات»، قالوا: فقوله: «ومنع وهات» هو من باب السؤال، والمنع في المال لا في العلم، قالوا: فكذلك نهيه عن كثرة السؤال، -والله أعلم-...
عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة، أن معاوية كتب إلى المغيرة: اكتب إليّ بحديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكتب إليه المغيرة: إني سمعته يقول عند انصرافه من الصلاة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» ثلاث مرات، وكان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، ومنع وهات، وعقوق الأمهات، ووأد البنات.
قال أبو عمر: والسؤال إذا لم يحل فلا يحل منه التكثير ولا التقليل، وإذا كان جائزًا حلالًا فلا بأس بالإكثار منه حتى يبلغ إلى الحد المنهي عنه -والله أعلم-.
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكره كثرة السائل ويعيبها، والانفكاك عندي من هذا المعنى والانفصال من هذا السؤال والإدخال، أن السؤال اليوم لا يخاف منه أن ينزل تحريم ولا تحليل من أجله، فمن سأل مستفهِمًا راغبًا في العلم ونفي الجهل عن نفسه، باحثًا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه، فلا بأس به، فشفاء العي السؤال، ومن سأل معنتًا غير متفقه ولا متعلم، فهذا لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره، وقد أوضحنا هذه المعاني كلها في كتاب (العلم) بما لا سبيل إلى ذكره هاهنا. التمهيد (13/ 528-531).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
و«كثرة السؤال» فيه تأويلات، أنه من مسألة الناس ما بأيديهم، وقيل: يحتمل النهي عن كثرة السؤال والتنطع في المسائل فيما لم ينزل، وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف ...، وقد يكون المراد به: سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عما لم يأذن في السؤال عنه؛ لقوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} المائدة:101، وفي الصحيح: «إن أعظم الناس جرمًا من سأل عن شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحرم فحُرِّمَ من أجل مسألته»، وقد يكون كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان، وما لا يعني من الأمور والاشتغال بمثل هذا، فتكون بمعنى النهي عن قيل وقال، وقد يكون كثرة سؤال الرجل الناس عن أخبارهم وأحوالهم وتفاصيل أمورهم، فيدخل بذلك الحرج؛ إما بكشف ما لا يريدون كشفه من ذلك بضرورة سؤاله، وبالكذب والتعريض لستر ذلك عنه إذا كان مما لا يفشى، وبالجفاء وسوء الأدب أو بالكذب إن ترك الجواب له عنه. إكمال المعلم (5/ 569).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «وكثرة السؤال» يحتمل أوجهًا:
أحدها: أن يريد به كثرة سؤال الناس الأموال، والحوائج؛ إلحاحًا، واستكثارًا.
وثانيها: أن يكثر من المسائل الفقهية تنطعًا وتكلفًا فيما لم ينزل، وقد كان السلف يكرهون ذلك، ويرونه من التكلف...
وثالثها: أن يكثر من السؤال عما لا يعنيه من أحوال الناس، بحيث يؤدي ذلك إلى كشف عوراتهم، والاطلاع على مساوئهم.
قلتُ: والوجه: حمل الحديث على عمومه، فيتناول جميع تلك الوجوه كلها. المفهم (5/ 164).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما «كثرة السؤال» فقيل المراد به: القطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لم يقع ولا تدعو إليه حاجة، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك، وكان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف المنهي عنه، وفي الصحيح: كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها، وقيل: المراد به: سؤال الناس أموالهم وما في أيديهم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك، وقيل: يحتمل أن المراد: كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وما لا يعني الإنسان، وهذا ضعيف؛ لأنه قد عرف هذا من النهي عن قيل وقال، وقيل: يحتمل أن المراد: كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره، فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه، ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسؤول، فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله، فإن أخبره شق عليه، وإن كذبه في الإخبار أو تكلف التعريض لَحِقَتْهُ المشقة، وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب. شرح مسلم (12/ 11).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «وكثرة السؤال» تقدم في (كتاب الزكاة) بيان الاختلاف في المراد منه، وهل هو سؤال المال، أو السؤال عن المشكلات والمعضلات، أو أعم من ذلك؟ وأن الأولى حمله على العموم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به: كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله؛ فإن ذلك مما يكره المسؤول غالبًا، وقد ثبت النهي عن الأغلوطات؛ أخرجه أبو داود من حديث معاوية، وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدًّا، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن؛ إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ، وأما ما تقدم في اللعان فكره النبي -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها، وكذا في التفسير في قوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} المائدة:101، فذلك خاص بزمان نزول الوحي، ويشير إليه حديث: «أعظم الناس جرمًا عند الله من سأل عن شيء لم يحرم فحُرِّم من أجل مسألته»، وثبت أيضًا ذم السؤال للمال، ومدح من لا يلحف فيه؛ كقوله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} البقرة: 273، وتقدم في الزكاة حديث: «لا تزال المسألة بالعبد حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم»، وفي صحيح مسلم: «إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو جائحة»، وفي السنن قوله -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس: «إذا سألت فاسأل الله»، وفي سنن أبي داود: «إن كنت لا بد سائلًا فاسأل الصالحين»، وقد اختلف العلماء في ذلك، والمعروف عند الشافعية: أنه جائز؛ لأنه طلب مباح فأشبه العارية، وحملوا الأحاديث الواردة على من سأل من الزكاة الواجبة ممن ليس من أهلها، لكن قال النووي في شرح مسلم: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة، قال: واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب على وجهين: أصحهما: التحريم؛ لظاهر الأحاديث، والثاني: يجوز مع الكراهة بشروط ثلاثة: أن لا يلح، ولا يذل نفسه زيادة على ذل نفس السؤال، ولا يؤذي المسؤول، فإن فقد شرط من ذلك حَرُمَ، وقال الفاكهاني: يُتَعَجَّب ممن قال بكراهة السؤال مطلقًا مع وجود السؤال في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم السلف الصالح من غير نكير، فالشارع لا يقر على مكروه.
قلتُ: لعل من كره مطلقًا أراد أنه خلاف الأولى، ولا يلزم من وقوعه أن تتغير صفته، ولا من تقريره أيضًا، وينبغي حمل حال أولئك على السداد، وأن السائل منهم غالبًا ما كان يسأل إلا عند الحاجة الشديدة، وفي قوله: «من غير نكير» نظر؛ ففي الأحاديث الكثيرة الواردة في ذم السؤال كفاية في إنكار ذلك.
تنبيه: جميع ما تقدم فيما إذا سأل لنفسه، وأما إذا سأل لغيره فالذي يظهر أيضًا أنه يختلف باختلاف الأحوال. فتح الباري (10/ 407).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-:
وأما قوله: «وكثرة السؤال» فهذا هو السؤال المذموم، كسؤال الدنيا من غير حاجة وضرورة، والسؤال على وجه التعنت والإعنات، وعن الأمور التي يخشى من ضررها، أو عن الأمور التي لا نفع فيها، الداخلة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} المائدة:101، وأما السؤال عن العلوم النافعة على وجه الاسترشاد أو الإرشاد فهذا محمود مأمور به. بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار (ص:208).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
كثرة السؤال فيما لا يعني؛ في أمور الدين، وفي أمور الدنيا، سؤال عن أمور غيبية، سؤال تعنيت، سؤال إحراج، سؤال عن أمر لا يمكن أن يقع- يدخل في هذا، وإلا السؤال الذي وراءه الفائدة جاء الأمر به: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} النحل: 43. شرح الموطأ (181/ 18).
قوله: «وإضاعة المال»:
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وأما قوله: «وإضاعة المال» فللعلماء في تأويل معناه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه أراد بذكر المال هاهنا: الحيوان من ملك اليمين؛ أن يحسن إليهم، ولا يضيعون فيهلكون، وهذا قول رواه السري بن إسماعيل، عن الشعبي. واحتج من ذهب هذا المذهب بحديث أنس وأم سلمة: أن عامة وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين حضرته الوفاة كانت قوله: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم».
والقول الثاني: إضاعة المال ترك إصلاحه والنظر فيه وكسبه، واحتج من قال هذا بقول قيس بن عاصم لبنيه حين حضرته الوفاة: يا بَني، عليكم بالمال واصطناعه، فإن فيه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم، وبقول عمرو بن العاص في خطبته حيث قال: يا معشر الناس، إياي وخلالًا أربعًا، فإنها تدعو إلى النصب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، وإلى المذلة بعد العز؛ إياي وكثرة العيال، وإخفاض الحال، والتضييع للمال، والقيل والقال في غير درك ولا نوال.
والقول الثالث: إضاعة المال: إنفاقه في غير حقه؛ من الباطل والإسراف والمعاصي -لا جعلنا الله ممن يستعين بنعمه على معاصيه، آمين برحمته-...حدثنا إبراهيم بن نشيط، قال: سألت عمر مولى غُفْرة عن الإسراف ما هو؟ قال: كل شيء أنفقته في غير طاعة الله فهو سرف وإضاعة للمال... عن سعيد بن جبير، أنه سأله رجل عن إضاعة المال، فقال: أن يرزقك الله رزقًا فتنفقه فيما حرم الله عليك، وهكذا قال مالك. التمهيد(13/ 531-533).
وقال أبو الوليد الباجي -رحمه الله-:
«وإضاعة المال» يحتمل أن يريد بتضييعه: ترك تثميره وحفظه، ويحتمل أن يريد به: إنفاقه في غير وجهه من السرف والمعاصي. المنتقى شرح الموطأ (7/ 315).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وأما «إضاعة المال» يكون في تعطيله، وترك القيام عليه، أو مصلحته، مصلحة دنياه، ومصلحة دنياه صلاح دينه بتفرغ باله له، وتركه التعرض لما في أيدي الناس، وقد تكون إضاعته إنفاقه في غير وجوهه والإسراف في ذلك. إكمال المعلم (5/ 569).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«وإضاعة المال» إتلافه وإهلاكه، كما قد حكي عن بعض جهال المتزهدة: أنه رمى مالًا كان عنده، وحرق آخر منهم كتب علم الحديث كانت عنده، وربما أمر بهذا بعض الشيوخ الجهال، وهذا محرم بإجماع الفقهاء، ويلحق بإتلاف عينه منع صرفه في وجوهه من مصالح دنياه ودينه، كما يفعله أهل البخل، ودناءة الهمم؛ يدَّخرون المال، ويكثرونه، ولا ينفعون نفوسهم بإنفاق شيء منه، ولا يصونون به وجوههم، ولا أديانهم، فهذا الصنف هو المحروم الخاسر؛ الذي قال فيه الشاعر:
رزقت مالًا ولم ترزق منافعه *** إن الشقي هو المحروم ما رُزِقَا
وأشد من هذا كله قبحًا وإثمًا: من يتلف ماله في معاصي الله تعالى، فيستعين بمال الله على معاصيه، ويخرجه في شهواته المحرمة، ولا يباليه، ويدخل في عموم النهي عن إضاعة المال القليل منه والكثير؛ لأن المال هنا: هو كل ما يُتَمَوَّل؛ أي: يُتَمَلَّك؛ حتى لو رمى بثمن درهم في البحر مثلًا لكان ذلك محرمًا، وكذلك لو منعه من صرفه في وجهه الواجب، وكذلك لو أنفقه في معصية الله، ولا خلاف في هذا -إن شاء الله-. المفهم (5/ 164).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما «إضاعة المال» فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف؛ وسبب النهي أنه إفساد والله لا يحب المفسدين، ولأنه إذا أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس. شرح مسلم (12/ 11).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «وإضاعة المال» تقدم في الاستقراض أن الأكثر حملوه على الإسراف في الإنفاق، وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام، والأقوى: أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعًا؛ سواء كانت دينية أو دنيوية، فمنع منه؛ لأن الله تعالى جعل المال قيامًا لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح إما في حق مضيعها وإما في حق غيره، ويستثنى من ذلك: كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة؛ ما لم يُفَوّت حقًا أُخْرَوِيًّا أهم منه.
والحاصل في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجه:
الأول: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعًا؛ فلا شك في منعه.
والثاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعًا؛ فلا شك في كونه مطلوبًا بالشرط المذكور.
والثالث: إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذ النفس، فهذا ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله؛ فهذا ليس بإسراف.
والثاني: ما لا يليق به عرفًا، وهو ينقسم أيضًا إلى قسمين: أحدهما: ما يكون لدفع مفسدة إما ناجزة أو متوقعة؛ فهذا ليس بإسراف، والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك؛ فالجمهور على أنه إسراف، وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس بإسراف؛ قال: لأنه تقوم به مصلحة البدن وهو غرض صحيح، وإذا كان في غير معصية فهو مباح له، قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قال، ا. هـ، وقد صرَّح بالمنع القاضي حسين فقال في كتاب قسم الصدقات: هو حرام، وتبعه الغزالي، وجزم به الرافعي في الكلام على المغارم، وصحح في باب الحجر من الشرح وفي المحرر: أنه ليس بتبذير، وتبعه النووي، والذي يترجح: أنه ليس مذمومًا لذاته؛ لكنه يُفْضِي غالبًا إلى ارتكاب المحذور كسؤال الناس، وما أدى إلى المحذور فهو محذور.فتح الباري (10/ 408).
وقال الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي -رحمه الله-:
قوله: «وإضاعة المال»، وذلك إما بترك حفظه حتى يضيع، أو يكون عرضة للسرَّاق والضياع، وإما بإهمال عمارة عقاره، أو الإنفاق على حيوانه، وإما بإنفاق المال في الأمور الضارة، أو غير النافعة، فكل هذا داخل في إضاعة المال، وإما بتولي ناقصي العقول لها، كالصغار والسفهاء والمجانين ونحوهم؛ لأن الله تعالى جعل الأموال قيامًا للناس، بها تقوم مصالحهم الدينية والدنيوية، فتمام النعمة فيها أن تُصْرَف فيما خلقت له: من المنافع، والأمور الشرعية، والمنافع الدنيوية. بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار (ص:207).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1-منها: أن الله تعالى يحب من عباده الإخلاص في عبادته في التوحيد، وسائر الأعمال كلها التي يُعبَد بها، وفي الإخلاص طرح الرياء كله؛ لأنّ الرياء شرك، أو ضرب من الشرك، قال أهل العلم بالتأويل: إن قول الله -عز وجل-: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} الكهف: 110، نزلت في الرياء، ويدخل في الإخلاص أيضًا التوكل على الله، وأنه لا يضرّ ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع على الحقيقة غيره؛ لأنه لا مانع لما أعطى، ولا مُعطي لما منع، لا شريك له.
2-ومنها: الحضّ على الاعتصام، والتمسك بحبل الله تعالى في حال اجتماع، وائتلاف...
3-ومنها: النهي عن كثرة الكلام بما لا يعني؛ لأنه إن كان مباحًا ففيه إضاعة الوقت، وإن كان حرامًا، ففيه كثرة المآثم.
4-ومنها: النهي عن كثرة السؤال عن أموال الناس...
5-ومنها: تحريم إضاعة المال، سواء كان بإلقائه في البحر، أو إحراقه في النار، أو صرفه في المحرمات، أو الإسراف في الإنفاق فوق الحاجة، أو غير ذلك من وجوه إتلافه، فكله محرم. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (30/ 92-94).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
في هذا الحديث: أن الله تعالى يرضى لعباده ثلاثًا: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وهذا هو توحيد الله، وهو الأمر الذي خلق الخلق من أَجله، وأن يعتصموا بحبل الله ودينه وشرعه، وهو الثاني، وسقط أمر ثالث جاء في بعض الروايات: «أن تنصحوا لولاة الأمر» أي: أن تلزموا إمام المسلمين.
وفيه: أن الله تعالى ينهى عباده عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، والكراهة- هنا- كراهة تحريم، خلافًا للنووي فقد قال: إنها كراهة تنزيه. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (5/ 93-95).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)