الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

«اللهم اجعلْ في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يَساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، واجعلْ لي نورًا».


رواه البخاري برقم: (6316)، ومسلم برقم: (763)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وفي لفظ عند مسلم برقم: (763)‌ «وفي ‌لساني ‌نورًا» ‌و «وأَعْظِمْ ‌لي ‌نورًا» «‌واجْعَلْنِي ‌نُورًا».


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «‌اللهم ‌اجعل ‌في ‌قلبي ‌نورًا»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«‌في ‌قلبي ‌نورًا» يكشف لي عن المعلومات. إرشاد الساري (7/ 73).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌في ‌قلبي ‌نورًا» قيل: هو ما يتبين به الشيء ويظهر. مرقاة المفاتيح (3/ 904).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«‌في ‌قلبي ‌نورًا» أي: عظيمًا، كما يفيده التنكير، ويدل له خبر: «إذا سأل أحدكم ربه؛ فليعظم المسألة». فيض القدير (2/ 136).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
وقدم القلب؛ لأنه المضغة التي إذا صلحت صلح سائر البدن، وإذا فسدت فسد سائر البدن؛ ولأن القلب إذا نُوِّر فاض نوره على البدن جميعًا، ومن لازم تنوير هذه الأعضاء حلول الهداية؛ لأن النور يقشع ظلمات الذنوب، ويرفع سَدَفات (أي: ظلمات) الآثام. مرعاة المفاتيح (4/ 176).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وإنما ذلك؛ لأن القلب أمير البدن، وهو الذي يستعمل سائر الأعضاء، وهي على إرادته تتصرف، فإذا استنار القلب انبث نوره في سائر البدن، وفاض على جميع أجزائه. شأن الدعاء (1/ 146).

قوله: «وفي لساني نورًا»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«وفي لساني نورًا» فلا ينطق إلا بما ترضاه. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 119).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وفي لساني» نطقي، «نورًا» استعارة للعلم والهُدى. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 219).

قوله: «وفي بصري نورًا»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«وفي بصري نورًا» يكشف المبصرات. إرشاد الساري (7/ 73).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وفي بصري نورًا»؛ ليتحلى بأنوار المعارف، ويتجلى له صنوف الحقائق. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 219).

قوله: «وفي سمعي نورًا»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«وفي سمعي نورًا» مظهرًا للمسموعات. إرشاد الساري (7/ 73).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وفي سمعي نورًا»، ليصير مظهر الكل مسموع، ومدركًا لكل كمال، لا مقطوع ولا ممنوع. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 219).

قوله: «وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا»، وإنما أورد في هذين الجانبين؛ لأن الأنوار تتجاوز عن قلبه وبصره وسمعه إلى من عن يمينه وشماله من الخلق. شرح المصابيح (2/ 147).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا» أي: في جانبي، أو في جارحتي. مرقاة المفاتيح (3/ 904).

قوله: «وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا»:
قال المباركفوري -رحمه الله-:
«وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي» أي: قدامي «نورًا» يسعى بين يدي، «وخلفي نورًا» أي: ليتبعني أتباعي ويقتدي بي أشياعي، والمعنى: اجعل النور يحفُّني من جميع الجهات الست. مرعاة المفاتيح (4/ 176).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وفي عدم إيراد حرف الجر في هذه الجوانب: إشارة إلى تمام الإنارة وإحاطته؛ إذ الإنسان تحيط به ظلمات البشرية، والشهوات النفسانية، ولم يتخلص منها إلا بالأنوار الإلهية. شرح المصابيح (2/ 147).

قوله: «واجعل لي نورًا»:
قال ابن هبيرة -رحمه الله-:
«واجعل لي نورًا»، أو: «زدني نورًا»، يعني -صلى الله عليه وسلم-: أنه لما طلب لكل حاسة من حواسه وجهة من جهاته نورًا يضيء به الناحية التي يواجهها- طلب زيادة نور بعد ذلك، وأن يكون له من النور ما يملكه الله -عز وجل- إياه؛ فيثبت عنده بقوله: «واجعل لي نورًا»، أي: لا ينسلب مني ولا ينزع عني، ثم قال بعد ذلك: «وزدني نورًا»؛ فكأنه قال: لا أشبع من النور الذي أدرك به معرفتك ومعاني كلامك وأسرار تسبيحك. الإفصاح عن معاني الصحاح (3/ 38).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«واجعل لي نورًا» هذا من العام بعد الخاص، والتنوين للتعظيم. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (22/ 132).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«واجعل لي نورًا» هذا إجمال بعد التفصيل، أراد به نورًا عظيمًا جامعًا للأنوار كلها. شرح المصابيح (2/ 147).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله في آخره: «واجعل لي نورًا» هي فذلكة (أي: مجمل ما فُصّل) لذلك وتأكيد له. فتح الباري (11/ 117).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «واجعل لي نورًا» يجوز أنه -صلى الله عليه وسلم- أراد نورًا عظيمًا جامعًا للأنوار كلها، يعني: التي ذكرها هنا، والتي لم يذكرها كأنوار السماء الإلهية، وأنوار الأرواح وغير ذلك. إرشاد الساري (7/ 73).
قال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد اقتصر في هذه الرواية على ذكر القلب والسمع والبصر والجهات الست، وقال في آخره: «واجعل لي نورًا»، ولمسلم عن عبد الله بن هاشم عن عبد الرحمن بن مهدي بسند حديث الباب: «وعظِّم لي نورًا» بتشديد الظاء المعجمة، ولأبي يعلى عن أبي خيثمة عن عبد الرحمن: «وأعظم لي نورًا» أخرجه الإسماعيلي، وأخرجه أيضًا من رواية بندار عن عبد الرحمن، وكذا لأبي عوانة من رواية أبي حذيفة عن سفيان، ولمسلم في رواية شعبة عن سلمة: «واجعل لي نورًا»، أو قال: «واجعلني نورًا» هذه رواية غندر عن شعبة، وفي رواية النضر عن شعبة: «واجعلني» ولم يشك، وللطبراني في الدعاء من طريق المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه في آخره: «واجعل لي يوم القيامة نورًا». فتح الباري (11/ 117).

قوله: «وأعظم لي نورًا»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وأعظم لي نورًا»، أي: كثِّره لي وعظِّمْه، وهو عام يشمل نور الدنيا ونور يوم القيامة، فإن الناس يتفاوتون فيه، منهم من يكون نوره على قدر الجبل، وأدناهم نورًا مَن نوره على قدر إبهامه. شرح سنن أبي داود (6/571).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وأعظم لي نورًا» بفتح الهمزة، أي: اجعل نوري عظيمًا. مرقاة المفاتيح (3/ 904).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وأعظم لي نورًا» أي: أجزل من عطائك نورًا عظيمًا، لا يُكْتَنَهُ كُنْهُهُ؛ لأكون دائم السير والتّرقي في درجات المعارف، فالمستنير بنور المعارف لا ينقطع مسيره، ولا يضل سبيله، فالقصد طلب مزيد النور؛ ليدوم السير، ويتضاعف الترقي.
وقيل: أراد نورًا عظيمًا جامعًا للأنوار كلها التي ذكرها وغيرها، كأنوار الأسماء الإلهية، وأنوار الأرواح. فيض القدير (2/ 136).

‌قوله: «واجْعَلْنِي ‌نُورًا»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وهو أبلغ من الكُلِّ. مرقاة المفاتيح (3/ 905).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
معنى النور هنا: بيان الحق والهداية إليه، ودعا أن تستعمل جميع أعضائه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وجميع حالاته وجملته في جهاته الست في الحق، وضياء الهدى حتى لا يزيغ شيء منها عنه ولا يطغى، وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالنور هنا في أعضائه: قوتها بالحلال الذي منه قوامها، وأن القلب يصلح بأكل الحلال، وتحسن معه الأخلاق، وينشرح له الصدر، ويصفو الخاطر، وينصقل الفهم، وأكل الحرام ضد هذا. إكمال المعلم (3/ 125).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
معنى النور في هذا: ضياء الحق وبيانه، كأنه يقول: اللهم استعمل هذه الأعضاء مني في الحق، واجعل تصرفي وتقلبي في هذه الجهات على سبيل الحق ...، وقد يكون أيضًا معنى النور: في اللحم والدم والعظام والشعر والبشر منصرفًا إلى القوت الذي به يغتذي البدن، ومنه تستمد هذه الأعضاء قواها، فسأل الله بأن يجعل رزقه طيبًا، فإن أكل الحلال يصلح عليه القلب، وتحسن معه الأخلاق، وأكل الحرام يفسد عليه القلب، وتخبث معه الأخلاق. شأن الدعاء (1/144-145-147).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وأما سؤال النور في هذا الحديث، فليس المراد به: النور الشعشعاني، ولكنه النور المعنوي، وهو الذي يضيء لصاحبه في ظلام المشكلات؛ فيشتبه به النور الشعشعاني الذي يضيء في ظلمات الأجسام؛ فيبصر الإنسان حينئذٍ جواد الطرق، ويعرف أين المهاوي منها، وأين سبيل السلامة التي ليس فيها مهواة.
وفيه دليل على الاستكثار من فضل الله -عز وجل-؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع ما جبله الله -عز وجل- عليه من النور الذي فضل فيه الأولين والآخرين- لم يقنعه ذلك حتى سأل ربه أن يجعل في قلبه نورًا، وفي بصره نورًا، وفي سمعه نورًا، وأمامه نورًا، وفي لسانه نورًا، ومن خلفه نورًا. الإفصاح عن معاني الصحاح (3/ 38).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
أراد ضياء الحق وبيانه، كأنه قال: اللهم استعمل هذه الأعضاء مني في الحق، واجعل تصرفي وتقلبي فيها على سبيل الصواب والخير. النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 125).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وهذه الأنوار التي دعا بها النبي -صلى الله عليه وسلم- يمكن أن تحمل على ظاهرها، فيكون معنى سؤاله: أن يجعل الله له في كل عضو من أعضائه نورًا يوم القيامة، يستضيء به في تلك الظُّلَم هو ومن تبعه، أو من شاء الله تعالى ممن تبعه، والأولى أن يقال: هذه الأنوار هي مستعارة للعلم والهداية، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} الزمر: 22، وكما قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} الأنعام: 122، أي: علمًا وهداية، والتحقيق في معنى النور: أن النور مظهر ما ينسب إليه، وهو يختلف بحسبه، فنور الشمس مظهر للمبصرات، ونور القلب كاشف عن المعلومات، ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات، فكأنه دعا بإظهار الطاعات عليها دائمًا -والله تعالى أعلم-. المفهم (2/ 395).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: سأل النور في أعضائه وجهاته، والمراد به: بيان الحق وضياؤه والهداية إليه؛ فسأل النور في جميع أعضائه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وحالاته وجملته في جهاته الست- حتى لا يزيغ شيء منها عنه. شرح مسلم (6/ 45).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وجه سؤاله النور لكل عضو: أنه أراد أن يزيد الله توفيقه لما يحب ويرضى، وأراد أيضًا تعليم أمته أن يسألوا من الله النور؛ ليزول عن أعضائهم الظلمة الإنسانية والشهوة النفسانية، ويظهر بها نور يستعملها في طاعة الله، فإنه لا حول ولا قوة إلا بتوفيق الله وإعانته، ونور الله: نظر عنايته ورحمته. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 260).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وكان في دعائه: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا»، اعلم أن القلب ممر للفكر في آلاء الله، والبصر محل النظر في آيات الله تعالى، والسمع محل السماع الحق، والشيطان يأتي الناس في هذه الأعضاء، فيوسوسهم بوسوسة شبيهة بظلمة، فدعا -عليه الصلاة والسلام- أن يدفعها الله بإثبات النور فيها، أراد بالنور ضياء الحق؛ يعني: استعمل هذه الأعضاء مني في الحق، واجعل تصرفي وتقلبي فيها على سبيل الصواب ...، وزاد بعضهم: «وفي لساني نورًا»، وذكر -أي: الراوي-: «وعصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري»، وفي رواية: «واجعل في نفسي نورًا، وأعظم لي نورًا»، وفي رواية: «اللهم أعطني نورًا». شرح المصابيح (2/ 147).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وقد سأل -صلى الله عليه وسلم- النور في أعضائه وجهاته؛ ليزداد في أفعاله وتصرفاته ومتقلباته نورًا على نور؛ فهو دعاء بدوام ذلك، فإنه كان حاصلًا له لا محالة أو هو تعليم لأمته.
وقال الشيخ أكمل الدين (محمد بن محمود البابرتي): أما النور الذي عن يمينه فهو المؤيد له والمعين على ما يطلبه من النور الذي بين يديه، والذي عن يساره نور الوقاية، والذي خلفه فهو النور الذي يسعى بين يدي من يقتدي به ويتبعه؛ فهو لهم من بين أيديهم، وهو له -صلى الله عليه وسلم- من خلفه فيتبعونه على بصيرة، كما أن المتبع على بصيرة، قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يوسف: 108، وأما النور الذي فوقه فهو تنزل نور إلهي قدسي بعلم غريب لم يتقدمه خبر ولا يعطيه نظر، وهو الذي يعطي من العلم بالله ما ترده الأدلة العقلية إذا لم يكن لها إيمان، فإن كان لها إيمان نوراني قبلته بتأويل؛ لتجمع بين الأمرين. إرشاد الساري (7/ 73).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال بعضهم: أراد بالنور ضياء الحق، يعني: استعمل هذه الأعضاء مني في الحق، واجعل تصرفي وتقلبي فيهما على سبيل الصواب ... (متفق عليه): ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه إلا أن قوله: «وفي لساني نورًا» من أفراد مسلم على ما يفهم من الحصن.
وفي رواية لهما -أي: للشيخين-: «واجعل في نفسي نورًا، وأعظم لي نورًا» ...، وفي أخرى لمسلم: «اللهم أعطني نورًا»، ورواه أبو داود والنسائي أيضًا. مرقاة المفاتيح (3/ 904).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وإطلاق النور على الإيمان والطاعات والظلمة على المعاصي والكفر إطلاق قرآني وحديثي، فإما أن يكون من باب الاستعاذة، وأن صاحبه يكون في نور من جميع جهاته حديث: «اللهم ‌اجعل ‌في ‌قلبي ‌نورًا»، والكفر يجعل صاحبه في ظلمات في جميع أحواله؛ كما قال تعالى في صفة المنافقين: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} البقرة: 17، أو باعتبار أن يكون الإيمان نورًا حقيقة في النشأة الأخرى، والكفر ظلمات فيها، وقد فسره قوله تعالى: {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} الحديد: 13 بالظلمة، وجمع الظلمات وأفرد النور على الأسلوب القرآني؛ فإنه ما ورد فيه هاتان القرينتان إلا بجمع الظلمات، وإفراد النور لازم مراد الجنس، أو لأنه نوع واحد بخلاف الظلمة كما أفاده جار الله (الزمخشري) في تفسير سورة الأنعام. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 119).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
واختلف الرواة في تعيين محل هذا الدعاء -أي: قوله: «‌اللهم ‌اجعل ‌في ‌قلبي ‌نورًا... إلخ»؛ فوقع في رواية شعبة عن سلمة عن كريب عند مسلم: «ثم خرج إلى الصلاة فصلى، فجعل يقول في صلاته أو في سجوده: اللهم... إلخ»، ووقع عند مسلم أيضًا في رواية حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه أنه قال هذا الدعاء، وهو ذاهب إلى صلاة الصبح، ولفظه: «فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة، وهو يقول: اللهم اجعل... إلخ»، ويمكن أن يجمع بأنه قال هذا الدعاء حين خروجه إلى صلاة الصبح، ثم قاله في صلاته أيضًا، وروى الترمذي هذا الدعاء في الدعوات من طريق داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده، وفي روايته زيادة طويلة في هذا الدعاء، وفيها: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك حين فرغ من صلاته، ووقع عند البخاري في الأدب المفرد من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يصلي؛ فقضى صلاته يثني على الله بما هو أهله، ثم يكون آخر كلامه: ‌اللهم ‌اجعل ‌في ‌قلبي ‌نورًا» الحديث.
قال الحافظ: ويجمع بأنه كان يقول ذلك عند القرب من فراغه. انتهى. أو يقال: إنه كان يقول ذلك الدعاء بعد الفراغ من الصلاة أيضًا. مرعاة المفاتيح (4/ 176).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
هذا النور الذي دعا به يشمل النور الحسي الذي يكون يوم القيامة، ويشمل النور المعنوي الذي يكون في هذه الحياة الدنيا، وهو أن يكون على هدى وبصيرة، وأن يسير إلى الله -عز وجل- على نور وهدى واستقامة، قد أخرج من الظلمات إلى النور بالحق والهدى.
وهذا الدعاء جاء في الخروج إلى صلاة الفجر، لكن الذي يبدو أنه يمكن أن يكون أيضًا في غيرها؛ ولهذا يذكرونه في الخروج إلى جميع الصلوات، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في أول آداب المشي إلى الصلاة: أنه يدعى به عند الخروج إلى الصلاة. شرح سنن أبي داود (165/ 13).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
ومنها (فوائد الحديث): مبالغة العبد في طلب الأنوار من اللَّه تعالى، حتى تكون محيطة به ظاهرًا وباطنًا؛ ليكون على بصيرة من أمره. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم(16/ 19).


ابلاغ عن خطا