الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

لَدَغَتِ النبي-صلى الله عليه وسلم- عقربٌ وهو في الصلاةِ فقال: «لعَنَ الله العقربَ، ما تَدَعُ المصلِّيَ وغيرَ المصلِّي، اقْتُلُوهَا في الحِلِّ والحَرَمِ».


رواه ابن ماجه برقم: (1246)، والطبراني في الأوسط برقم: (7329)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
وبنحوه رواه الطبراني في الصغير برقم: (830) وابن أبي شيبة برقم: (23553)، من علي -رضي الله عنه-.
وفيه زيادة: «ثُمَّ دعا بِمِلْحٍ وماءٍ، فجعله في إناءٍ، ثُمَّ جَعَلَ يَصُبُّهُ على إِصْبَعِهِ حيثُ لدَغَتْهُ، وَيَمْسَحُهَا ويُعَوِّذُهَا بالمعَوِّذَتَيْنِ».
صحيح الجامع برقم: (5098)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (547).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«لَدَغَتِ»:
اللَّدغ: ‌عض ‌الحيّة والعقرب. وقيل: اللَّدغ، بالفم، واللَّسْع، بالذنَب.المحكم(5/٤٦٦).


شرح الحديث


قوله: «لدغت النبي -صلى الله عليه وسلم- عقرب وهو في الصلاة»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«‌لدغت» أي: ‌لسعت «النبي -صلى الله عليه وسلم- عقرب وهو في الصلاة». مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (7/ 457).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
فائدة: العقرب من الهوام، تكون للذكر والأنثى بلفظ واحد، ويقال للأنثى: ‌عَقْربة ‌وعَقْرباءٌ ممدود غير مصروف، والذكر عُقْربانٌ، وهو دابة له أَرجل طوال وليس ذنبه كذنب العقارب،
وكنيته: أم عريط وأم ساهرة، وهي أصناف منها الجرارة والطيارة وما له ذنب كالحربة وما له ذنب معقف، ومنها: السود والخضر والصفر كثيرة الولد، وشر ما تكون إذا كانت حاملًا، ومن عجيب أمرها أنها لا تضرب الميت ولا النائم إذا لم يتحرك وربما لسعت الأفعى فتموت، وقد أشار إلى ذلك الشاعر بقوله:
ولا تحقرن أبدًا ضعيفًا ... فربما *** تموت الأفاعي سموم العقارب. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (4/ 329).
وقال الدميري -رحمه الله-:
أخبرني بعض المجرِّبين: أنَّ العقرب إذا لدغت إنسانًا يأخذ سكينًا ويمر بحديدتها على موضعها، ويتلو قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} الأنبياء: 12، ويمر السكين عليها فإن قطرة سُم تخرج منها، ويبرأ ببركة كلام رب العالمين، ومن عجيب أمرها أنها مع صغر جرمها تقتل الفيل والبعير بلسعتها. الديباجة في شرح سنن ابن ماجه، مخطوط، لوح: (122).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
«والعقرب» واحد العقارب، وهي مؤنث، والأنثى عقربة، وعقرباء -ممدودة غير مصروفة-، ولها ثمانية أرجل، وعيناها في ظهرها.
ومن عجائب أمرها أنها لا تضرب الميت ولا النائم حتى يتحرك شيء من بدنه، فعند ذلك تضربه، تلدغ، وتؤلم إيلامًا شديدًا، وربما لسعت الأفعى فتموت.
ومنه قول الشاعر:
تموت الأفاعي من سموم العقارب
وتأوي إلى الخنافس، وتسالمها، ومن شأنها أنها إذا لدغت الإنسان، فرت فرار مسيء يخشى العقاب... والعقارب القاتلة تكون في موضعين؛ بشهرزور، وبعسكر مكرم، تلسع فتقتل، وربما تناثر لحم من لسعته، أو بعض لحمه، واسترخى، حتى إنه لا يدنو منه أَحدٌ إلا وهو يمسك أنفه مخافة إعدائه.
ومن عجيب أمرها: أنها مع صغرها تقتل الفيل والبعير بلسعتها.
وبنصيبين عقارب قتالة، يقال: إن أصلها من شهرزور، وإن بعض الملوك حاصر نصيبين، فأتى بالعقارب من شهرزور، وجعلها في كيزان المنجنيق. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (4/ 210).

قوله: «فقال: لعن الله العقرب»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«‌لعن ‌الله ‌العقرب» أي: طردها من الرحمة وأبعدها. فيض القدير (5/ 270).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«‌لعن ‌الله ‌العقرب» إن قيل: كيف الدعاء على غير مكلف؟
قلتُ: قد قاله الشارع، فيجب الإيمان به ولا يتكلف تأويله، وهو كثير في السُّنة، ويحتمل أن المراد الدعاء عليها بالإبعاد عن الرحمة في الدنيا، بتضييق أحوالها عليها، وفي الآخرة إذا حشرت الوحوش بعدم نيلها الرحمة، وأنها استحقت ذلك لما فيها من خبث الطبع، وأنها تؤذي مَن في طاعة أو غيرها كما أشار إليه. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 50).

قوله: «ما تدع المصلي وغير المصلي»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ما تدع..» أي: ما تترك عن أذاها مصليًا من نبي وولي «ولا غيره» أي: ولا غير مصلٍّ، أو المعنى: لا تدع أحدًا لا حال صلاته ولا غيرها بغير لدغ، والجملة علة لاستحقاق اللعن «أو نبيًّا وغيره» شك من الراوي. مرقاة المفاتيح (7/ 2887).
وقال المناوي -رحمه الله-:
ثم علل استحقاق اللعن بقوله: «ما تدع» أي: تترك «المصلي وغير المصلي» إلا لدغته. فيض القدير (5/ 270).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ما تدع المصلي ولا غير المصلي» أي: من أذيتها. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 50).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ما تدع» أي: ما تترك أحدًا من الناس من شرها «المصلي وغير المصلي». مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (7/ 457).

قوله: «اقتلوها في الحِلِّ والحرم»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«اقتلوها في الحل والحرم» لكونها من المؤذيات، وهذا قاله لما لدغته وهو يصلي، وروى أبو يعلى عن عائشة أنه كان لا يرى بقتلها في الصلاة بأسًا. فيض القدير (5/ 270).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فاقتلوها في الحل والحرم» فإنه لا يعتد بها، ويحتمل أن لعنها هو إبعادها عن الحياة وإباحة دمها، كأنه قيل: قد لعنها الله بإبعادها عن الحياة فاقتلوها. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 50).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«‌اقتلوها ‌في ‌الحل ‌والحرم» سواء المحرم والحلال. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 125).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«اقتلوها» حيث وجدتموها لا تتركوها «في الحل و» لا في «الحرم» لأنها مؤذية. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (7/ 457).
وقال المجددي الحنفي -رحمه الله-:
فيه: جواز اللعن على المؤذيات، وأما لعن الحيوانات على التشخيص فغير جائز؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هدد امرأة لعنت ناقتها، وقال: «لا تصحبيها معنا؛ لأنها ملعونة» وفي الحديث: «ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان». إنجاح الحاجة شرح سنن ابن ماجه مخطوط، لوح (203).
وقال الكاساني -رحمه الله-:
وقتل ‌الحية ‌والعقرب في الصلاة لا يفسدها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اقتلوا الأسودين ولو كنتم في الصلاة».
وروي أن عقربًا لدغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة فوضع عليه نعله وغمزه حتى قتله فلما فرغ من صلاته قال: «لعن الله العقرب لا تبالي نبيًّا ولا غيره أو قال: مصليًا ولا غيره» وبه تبين أنه لا يكره أيضًا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- ما كان ليفعل المكروه خصوصًا في الصلاة؛ ولأنه يحتاج إليه لدفع الأذى فكان موضع الضرورة، هذا إذا أمكنه قتل الحية بضربة واحدة كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العقرب.
وأما إذا احتاج إلى معالجة وضربات فسدت صلاته كما إذا قاتل في صلاته؛ لأنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة. بدائع الصنائع(1/٢٤٢).
وقال السرخسي -رحمه الله-:
والأظهر أنَّ الكل سواء فيه؛ لأن هذا عمل رخص فيه للمصلي، فهو كالمشي بعد الحدث والاستقاء من البئر والتوضؤ. المبسوط للسرخسي (1/ 194).

قوله: «ثُمَّ دعا بِمِلْحٍ وماءٍ، فجعله في إناءٍ، ثمَّ جعل يَصُبُّهُ على إِصْبَعِهِ حيثُ لدَغَتْهُ، ويَمْسَحُهَا ويُعَوِّذُهَا بالمعَوِّذَتَيْنِ»:
قال المناوي-رحمه الله-:
في المعوذتين الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا والملح نافع للسم.فيض القدير(5/٢٧٠)
قال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
فجمع العلاج بالدواء المركب من الطبيعي والإلهي، فإنَّ في سورة الإخلاص كمال التوحيد العلمي والاعتقادي، وغير ذلك، وفي المعوذتين الاستعاذة من كل مكروه جملةً وتفصيلًا، والملح نافع للسم. فيض القدير (5/ 270).
وقال ابن مفلح -رحمه الله-:
وفي الماء تبريد لنار اللدغة، فلهذا جمع بينهما، فهذا علاج تام سهل، وهو يدل على أن علاجه بالتبريد والجذب والإخراج؛ ولهذا بدأ بعض الأطباء بشرط موضع اللدغة وحجمه، فإن لم يمكن فالملح، وهذا يوافق ما قاله -عليه السلام- من الحجامة، ولعلها لم تتيسر في ذلك الوقت، أو قصد الأسهل، والدواء الإلهي أتم وأكمل وأشرف من الدواء الطبيعي. الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 111).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
ففي هذا الحديث: العلاج بالدواء المركب من الأمرين: الطبيعي والإلهي. الطب النبوي (ص: 134).

وينظر حكم رقية لدغ العقرب من (هنا

وينظر حكم قطع الصلاة لقتل العقرب من (هنا


ابلاغ عن خطا