الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إنَّ بينَ الرَّجلِ وبينَ الشِّرْكِ والكفرِ ترْكَ الصَّلاةِ».


رواه مسلم برقم: (82) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.
ورواه الترمذي برقم: (2618) ولفظه: «بينَ الكفرِ والإيمانِ ترْكُ الصلاةِ».
صحيح الجامع برقم: (2849)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (‌563). 


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «إنَّ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» بنصب «ترك» على أنه اسم «إن» وخبرها الظرف قبله. البحر المحيط الثجاج (2/ 622).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
«بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة» وإنما ذكر الرجل لغلبة الخطاب مع الرجال وإلا فالمرأة معه. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (4/ 59).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«‌بين ‌الرجل ‌وبين ‌الشرك والكفر» عطفه على الشرك من عطفه العام على الخاص؛ لأن الشرك نوع من الكفر «ترك الصلاة» فإنه إذا تركها اتصل بالكفر؛ لأنه زال المانع بينه وبينه. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 567).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«بين الرجل» أي: بين المسلم رجلًا كان أو امرأة «وبين الشرك والكفر» أي: بينه وبين أن يصل إلى الشرك والكفر، كما نقول: بيني وبين المسجد خطوتان، فالخطوتان توصلان إلى المسجد، وكذلك الذي يوصل المسلم إلى الكفر ترك الصلاة...
وفي رواية أبي نعيم: «بين الرجل وبين الشرك أو الكفر» بـ«أو» بدل الواو، والشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد، وقد يخص الشرك بعبادة الأوثان وعبادة غيرها من المخلوقات مع الاعتراف بالله تعالى ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك، فإنه يشمل الموحد الذي يكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، أو ينكر ما علم من الدين بالضرورة، «ترك الصلاة» أي: الصلوات الخمس المفروضة. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (1/ 265).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إن بين الرجل» المسلم وكذا المرأة «وبين» الاتصاف بـ«الشرك والكفر» وعطف الكفر على الشرك من عطف العام على الخاص؛ لأن الكفر يكون بجحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة مثلًا «ترك الصلاة» المكتوبة أي: فعل الصلاة المكتوبة.الكوكب الوهاج (2/ 588).
وقال السنوسي -رحمه الله-:
إنَّ ترْك الصلاة مُعبَّرٌ به عن ضده الذي هو فعلها؛ لأن فعل الصلاة هو الحاجز بين الإيمان والكفر، فإذا ارتفع رفع المانع. مكمل إكمال الإكمال (1/189).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
معناه: بين المسلم وبين اتسامه باسم الكفار واستحقاقه من القتل ما استحقوه ترك الصلاة، وقد يكون معنى الحديث: إن بالصلاة والمواظبة عليها وتكرار ذلك في يومه وليلته يفترق المسلم من الكافر، ومَن ترك ذلك ولم يهتبل به ولا تميز بسيماء المؤمنين دخل في سواد أضدادهم من الكفرة والمنافقين.
وفيه دليل لمن كفَّر تارك الصلاة من السلف والعلماء وإن كان معتقدًا وجوبها، وهو قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وجماعة من السلف، وذهب إليه فقهاء أهل الحديث أحمد بن حنبل وابن المبارك وإسحاق وابن حبيب من أصحابنا، وجماعة من العلماء على أنه ليس بكافر، وأكثرهم يرى قتله إن أبى منها، والكوفيون لا يرون قتله ويُعزَّر حتى يصلي، ونحوه للمزني، ثم اختلفوا في استتابته، ومَن لم يكفره يقتله حدًّا، قال ابن القصار: واختلف أصحابنا في استتابته، فمَن لم يستتبه يجعله كسائر الحدود التي لا تسقطها التوبة يؤخر حتى يَمُرَّ وقت صلاة، فإن لم يصلِّ قتل، وكذلك اختلفوا في قتله إذا تركها متهاونًا، وإن قال: أصلي وفي استتابته وتأخيره، فذهب مالك -رحمه الله- أنه يؤخَّر حتى يخرجَ الوقتُ، فإن خرج ولم يصلِّ قُتل، والصحيح أنه عاصٍ غير كافر؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} النساء: 48، وأن يُقتل إن أبى منها؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} الآية التوبة: 5، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم».
واختلف العلماء في أخوات الصلاة كالزكاة والصيّام والحج والوضوء والغسل، هل يقتل الآبي منها المعترفُ بفرضها أو يعاقب؟ وهل هو كافر أو عاصٍ؟
ومذهب مالك فيمَن أبى من ذلك فقال: لا أتوضأ ولا أصوم يُستتابُ، فإن تاب وإلا قُتِل، وإن قال: لا أزكي أُخِذت منه كَرهًا، فإن امتنع قوتل، وإن قال: لا أحُجّ لم يجبر؛ لكون فرضه على التراخي دون الفور.
وقال ابن حبيب: مَن قال عند الإمام: لا أصلي وهو فرضٌ عليَّ قُتل ولا يُستتاب، وكذلك مَن قال عنده: لا أتوضأ ولا أغتسل من جنابة ولا أصوم رمضان، قال ابن حبيب: مَن ترك الصلاة عامدًا أو مُفَرِّطًا فهو كافر، ومَن ترك أخواتها متعمدًا من زكاة وصوم وحج فهو كافر، وقاله الحكم بن عتيبة وجماعة من السلف، وقال: لا يكفر إلا بجحد هذه الفرائض، وإلا فهو ناقص الإيمان فاسق، واحتجوا بإجماع الصدر الأول على موارثة مَن لا يصلي ودفنهم مع المسلمين، وكذا الخلاف في الزكاة إذا امتنع بها ولم يقدر أن تأخذ منه، وإلا فمتى منعها أخذت منه كرهًا وجوهد على ذلك إن امتنع.
ولا خلاف في جاحد فرض من هذه الفرائض أنه كافر. إكمال المعلم (1/ 343).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
اتفق العلماء على أن مَن ترك الصلاة جاحدًا لوجوبها فهو كافر، واختلفوا فيمَن تركها تكاسلًا، فقال أحمد: يُدعى إلى فعلها، فإن لم يفعلها حتى تضايق وقت الذي بعدها وجب قتله، وعنه: أنه لا يجب قتله حتى يترك ثلاث صلوات ويتضايق وقت الرابعة، فإذا وجب قتله لم يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل بالسيف، وهل وجب قتله حدًّا، أو لكفره؟ على روايتين: إحداهما: لكفره، ودليله هذا الحديث، والثانية: يقتل حدًّا، وقال مالك والشافعي: لا يكفر، بل يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وقال أبو حنيفة: يستتاب ويحبس ولا يقتل. كشف المشكل (3/ 77).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «بين ‌الرجل ‌وبين ‌الشرك ترك الصلاة» يعني: أن مَن ترك الصلاة، لم يبقَ بينه وبين الكفر حاجز يحجزه عنه، ولا مانع يمنعه منه، أي: قد صار كافرًا؛ وهذا إنما يكون بالاتفاق فيمَن كان جاحدًا لوجوبها، فأما لو كان معترفًا بوجوبها، متهاونًا بفعلها، وتاركًا لها، فالجمهور: على أنه يقتل إذا أخرجها عن آخر وقتها، ثم هل يقتل كفرًا، أو حدًّا؟ فممَن ذهب إلى الأول: أحمد بن حنبل، وابن المبارك، وإسحاق، وابن حبيب من أصحابنا، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، وممن ذهب إلى الثاني: مالك، والشافعي، وكثير من أهل العلم؛ قالوا: يقتل حدًّا إذا عرضت عليه فلم يفعلها، ثم هل يستتاب أم لا؟ قولان لأصحابنا.
وقال الكوفيون (الأحناف): لا يقتل، ويؤمر بفعلها، ويعزر حتى يفعلها، والصحيح: أنه ليس بكافر؛ لأن الكفر الجُحد، وليس بجاحد؛ ولأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قال: «خمس صلوات افترضهن الله على العباد، فمَن جاء بهن لم يضيع منهن شيئًا، كان له عند الله عهد أن يغفر له، ومَن لم يأتِ بهن، فليس له على الله عهد؛ إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه» فهذا ينص على أن ترك الصلاة ليس بكفر، وأنه مما دون الشرك الذي قال الله تعالى فيه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} النساء: 48. المفهم (1/ 271).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما تارك الصلاة فإن كان منكرًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين خارج من ملة الإسلام إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه، وإن كان تركه تكاسلًا مع اعتقاده وجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف العلماء فيه؛ فذهب مالك والشافعي -رحمهما الله- والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب فإن تاب وإلا قتلناه حدًّا كالزاني المُحصن، ولكنه يقتل بالسيف، وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر، وهو مروي عن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- ( الأصل الترضي)، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل -رحمه الله-، وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي -رضوان الله عليهم-، وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي -رحمهم الله- أنه لا يكفر ولا يقتل بل يُعزر ويُحبس حتى يصلي، واحتج مَن قال بكفره بظاهر الحديث الثاني («إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة») وبالقياس على كلمة التوحيد، واحتج مَن قال لا يقتل بحديث: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث» وليس فيه الصلاة، واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} النساء: 48، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن قال: لا إله إلا الله دخل الجنة»، «مَن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة» «ولا يلقى الله تعالى عبد بهما غير شاكٍّ فيحجب عن الجنة»، «حَرَّم الله على النار مَن قال: لا إله إلا الله» وغير ذلك، واحتجوا على قتله بقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} التوبة: 5، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم» وتأولوا قوله -صلى الله عليه وسلم-: «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة» على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل، أو أنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يؤول به إلى الكُفر، أو أن فعله فعل الكفار، والله أعلم. شرح مسلم (2/ 70- 71).
وقال الشوكاني -رحمه الله- معلقًا:
والحق ‌أنه ‌كافر ‌يُقتل، أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة، فتركها مقتضٍ لجواز الإطلاق، ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون؛ لأنا نقول: لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة، ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرًا، فلا مُلجئ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها وأما أنه يقتل فلأن حديث: «أُمرتُ أن أقاتل الناس» يقضي بوجوب القتل لاستلزام المقاتلة له، وكذلك سائر الأدلة المذكورة في الباب الأول، ولا أوضح من دلالتها على المطلوب، وقد شرط الله في القرآن التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} التوبة: 5، فلا يخلى مَن لم يقم الصلاة.
وفي صحيح مسلم: «سيكون عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمَن أنكر فقد برئ عُنقه ، ومَن كَره فقد سَلم، ولكن مَن رضي وتابع، فقالوا: ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا» فجعل الصلاة هي المانعة من مقاتلة أُمراء الجَور (الظلم) وكذلك قوله لخالد: «لعله يصلي» فجعل المانع من القتل نفس الصلاة، وحديث «لا يحل دم امرئ مسلم» لا يعارض مفهومه المنطوقات الصحيحة الصريحة. نيل الأوطار (1/ 361).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
هذا الذي قاله العلامة الشوكاني هو التحقيق الواضح الذي تجتمع به الأدلة من غير تكلف، والحاصل أنَّ تارك الصلاة كافر بنص الحديث، ولكنه كُفر دون كفر إذا لم يقترن بالجحد القلبي، فإذا مات يُصَلَّى عليه، ويُدفَنُ في مقابر المسلمين، ويَرِثُ، ويُورَث، والله أعلم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/ 204).
وسُئل ابن تيمية -رحمه الله-:
عن رجل يصلي وقتًا ‌ويترك ‌الصلاة ‌كثيرًا أو لا يصلي هل يصلى عليه؟
فأجاب: مثل هذا ما زال المسلمون يصلون عليه بل المنافقون الذين يكتمون النفاق يصلي المسلمون عليهم ويغسلون وتجري عليهم أحكام الإسلام. مجموع الفتاوى (24/ 287).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
وقوله: «بين الشرك والكفر» هكذا هو في جميع الأصول من صحيح مسلم: «الشرك والكفر»، وجاء في مسند أبي عوانة الإسفرائيني وأبي نعيم الأصبهاني في المستخرجين على مسلم: «بين الرجل وبين الشرك أو الكفر» بـ«أو» ولكل واحد منهما وجه، وعلى هذا فيحتمل أن تكون «أو» في الحديث شكًّا من الراوي وأن الكفر والشرك عنده سواء في المعنى، ولكن ذكرهما محافظة على الإتيان بما سمعه، وإن كان لو اقتصر على أحدهما لجاز على الرواية بالمعنى، ويحتمل أن يكون ملفوظًا بهما في الحديث على سبيل التنويع، ويكونان بمعنى واحد أيضًا، ويدل عليه رواية الواو، ويحتمل أن يكونا بمعنيين على ما كان في استعمالهم أولًا أن الشرك لعبدة الأوثان والكفر لأهل الكتاب، ثم إن الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله -عزَّ وجلَّ- ككفار قريش فيكون الكفر أعم من الشرك والله أعلم.
والصحيح أن الكفر مِلة واحدة وهو يشمل الجميع نص على ذلك النووي وغيره فكأنه يقول: تارك الصلاة كافر مشرك، وهو تهويل وتعظيم لما وقع منه ليسرع في تدارك ذلك؛ والصلاة في اللغة الدعاء وفي الشرع: أفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم بشرائط سميت بذلك لاشتمالها على ذلك فهي من باب إطلاق الجزء على الكل مجازًا، وقيل: غير ذلك...وقد علم بأصل الشرع أن المراد منه المقاربة من الكفر لا الدخول فيه، ومعناه: أن العبد إذا ترك الصلاة لم يبقَ بينه وبين الكفر فاصلة فعلية تؤنس؛ لأن إقامة الصلاة هي الخلة الفارقة بين الفئتين...فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (4/ 59- 65).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «بين الكفر والإيمان ترك الصلاة» قد تكلفوا في توجيهه مع أنه مستغنٍ عنه، فالمراد: أن فرق ما بين الكفر والإيمان ترك الصلاة، فمَن ترك الصلاة دخل في الكُفر، ومَن لم يتركها كان مؤمنًا. الكوكب الدري على جامع الترمذي (3/350- 351).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
حرفوا الحديث إلى أن المراد به: مَن تركها جاحدًا لوجوبها، ولا شك أن هذا القول ضعيف؛ لأن مَن جحد وجوبها كفر سواء تركها أو لم يتركها، حتى لو جاء الإنسان مبكرًا إلى الصلاة وحافظ عليها، لكن يرى أنها سُنة فهو كافر، فحينئذٍ نقول: اعتبرنا وصفًا لم يعتبره الشرع، وألغينا وصفًا اعتبره الشارع، وهو الترك، وهذا تحريف بلا شك أن يلغي الإنسان وصفًا علّق الشارع الحُكم عليه، ثم يأتي بوصف آخر ثم هو منتقض بمن يصلي وهو يعتقد عدم الفرضية فإن عندهم كافر، والحديث لا يدل على كُفره لو أخذنا بالدلالة التي زعموها؛ لأن الحديث يدل على مَن ترك، وهذا التأويل الذي يصح أن نقول: إنه تحريف بعضهم قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} النساء: 93، قال المراد بذلك: من قتله مستحلًّا لقتله، وقد عرض هذا القول على الإمام أحمد فتبسم، وقال: إذا استحل قتله فهو كافر وإن لم يقتله والوعيد على القاتل، فهذا اعتبار وصف لم يعتبره الشارع وإلغاء وصف اعتبره الشارع. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (4/ 70).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
في هذا الحديث: بيان أن ترك الصلاة كفر، فمَن تركها جاحدًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، أما إذا تركها كسلًا، وتهاونًا، ويعلم أنها واجبة، فهذا كفر على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل الصلاة الحد الفاصل بين الكفر وبين الإيمان، والبينية تفصل بين الشيء وبين الآخر، وهذا الذي أجمع عليه الصحابة، كما نقل الإجماع عبد الله بن شقيق -رحمه الله-، وإسحاق بن راهويه، وابن حزم -رحمه الله-، ونقله غيرهم من العلماء، وهو الذي تدل عليه النصوص الكثيرة، وهو الذي عليه المحققون من أهل العلم.
وقال بعض أهل العلم: إنه كافر كفرًا أصغر، لا يخرج من الملة، لكن هذا القول ضعيف.
والصواب: أن ترك الصلاة كفر أكبر، ولو لم يجحد وجوبها.
ومن الأدلة على أنه من الكفر الأكبر: مجيء الكفر معرفًا بـ(أل)؛ لأن (أل) للاستغراق، أما الكفر الأصغر فيأتي منكرًا، مثل ما سبق: «اثنتان في الناس هما بهم كفر». توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (1/ 168- 169).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: الحديث):
منها: تعظيم شأن الصلاة، وأنها هي الفارق بين المؤمن والكافر.
ومنها: أنها سبب الأمن للعبد؛ فإن تركها زال أمنه وحل قتله...
ومنها: إطلاق لفظ الكفر على تارك الصلاة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (6/ 198).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا

وينظر فتوى الشيخ ابن عثيمين في حكم من يصلي ويترك (هنا)


ابلاغ عن خطا